الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثنائية الشعرية في قصيدتي العشاء الأخير ليوسف الخال وأمل دنقل
علاء هاشم مناف
2009 / 11 / 23الادب والفن
a
إن القراءة النسقية تبدو هي الأسبق من السياق ، بتداخل وإستبدال الثنائية المعروفة "بالشكل والمضمون" وبالسلطة البنوية، فالمقاربة هنا تكون مبنية على نسق النص وبالتعبير عن الإحالة المتصلة بقوانين الأشياء الحسية والأسطورية ، فالنص الشعري حصراً يتعلق بقصدية الوعي الأدبي وعلاقته بالنسق الداخلي للنص من الوجهة البنوية وخواصها المنهجية في التحليل والشمول إعتماداً على الأنبثاق في إختيار العمق النظري للنص خلافاً للعرض ، وإننا في هذه الدراسة سنناقش ونحلل الجوانب المتشابكة لقصيدتي "العشاء الأخير للشاعرين يوسف الخال وأمل دنقل" أنطلاقا من حالة التقابل والتجنيس في اللفظ الإسطوري ، ودراسة الحس الإبداعي داخلياً وخارجياً ، فألثنائية في فهم المبنى والمعنى، هو تقديم منهجية ثنائية للخارج والداخل عندما يتوالدان معا في تشكيلٍ واحدٍ أثناء عملية الخلق في الولادة الشعرية.
التمركز الثنائي في العشاء الأخير
ويتركز هذا الموضوع في التماثل الإفتراضي في " التجنيس اللفظي" رغم إن التجنيس لا يستحسن بألحس اللفظي لمعنى أسم القصيدة والتشابه في خواص المعنى الإسطوري بكل ما للكلمة من معنى.
في قصيدتي " العشاء الأخير" هناك إعادة تشكيل اللّغة شعرياً من الناحية "السيميولوجية" في الصوت وهو المادة الرئيسية للّغة والدلالة اللسانية المحسوسة لأنها تتمركز في الفروق بين القصيدتين ، والنزوع إلى التركيز على الوظيفة اللغوية باعتبارها التجليات المادية في الإيقونة الإسطورية ، كذلك الإهتمام بالنمط الإسطوري.
يقول يوسف الخال في قصيدته العشاء الأخير:
لنا الخمر والخبز ، وليس معنا المعلم جراحنا
نهر من الفضة
في جدران العلَّية شقوقٌ عميقة على النوافذ
ريح في الباب طارقٌ من الليل( ).
في هذه القصيدة ، هناك منظومة حسيّة يشكلها الشاعر إسطورياً مستنداً في ذلك إلى العشاء الأخير للسيد المسيح قبيل القبض عليه وصلبه، من هنا يرسم الشاعر الخال ما تعنيه هذه الإستنتاجات في الإستعارة لمعنى العشاء الأخير، ويمكن وضعها من ناحية المعنى كإستنتاج في المبالغة لذلك المحايث المتكون من دلالة " الخمروالخبزوالجراح" "وهي نهر من الفضة" فالدقة التماثلية للإفتراض تعني الإبتكار من جهة المشبّه به وهو السيد المسيح، كذلك هي الصفة المرتبطة بالحس المشترك، والمخاطب في أحيان كثيرة ، وهذه هي الخاصية التي تعد هي المخزون الإحتمالي الذي يشترك سسيولوجيا مع الحس الإسطوري دينياً . وهذا ما عبر عنه أمل دنقل في قصيدته العشاء الأخير:
أعطني القدرة حتى أبتسم...
عندما ينغرس الخنجر في صدر المرحْ
ويدّب الموت، كالقنفذ، في ظل الجدار
حاملاً مبخرة الرعب لأحداق الصغار
أعطني القدرة ... حتى لا أموت
منهك قلبي من الطرق على كل البيوت
علَّني في أعين الموتى أرى ظل ندم!( ).
في قصيدة العشاء الأخير لأمل دنقل هناك منظومة أسطورية يشتغل عليها الشاعر ، تبدأ من: "أحمس، وأوزوريس، إيزس، المسيح، يوسف زليخا، العزيز ..." هذا أولا، وثانيا: هناك الصيغة الرمزية التي يتنافر فيها الدال والمدلول من خلال حشد الكثير من رموز الأساطير، من هنا يصبح السلّم التشبيهي إعتباطي محض لا يتوافق مع منظومة العلامات ، مثال على ذلك، الرموز اللّغوية ، نراها قد غابت عن القصيدة بضياع الرابط الدلالي بين تلك التشبيهات الإسطورية ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الصفحات القادمة . هناك تماثلات إستعارية بصيغة التمدد الإستعاري ، وهذا متاتٍ من فعل الجملة الشعرية إيقاعياً ، والشاعر يسعى إلى الحصول على تقريب إستعاري في "الخنجر" لكي يخلق صورة تشبه الأشياء ، وبالصورة التي ترى فيها الاشياء كما " في صدر المرحْ" وهو مجاز يكمن في ضرورة بلاغية لإحكام الصورة الشعرية وتقريبها للمتلقي ، هناك كابوس يفصح عنه الشاعر، وداخل هذا" الكوموفلاج" هناك زمن قادم ينذر بالهزيمة على مستوى الذات والموضوع، وهناك جحيم دنقلي يفصح عنه الشاعر من خلال الرؤية من ثقب باربوسي خفي يرى فيه أعين الموتى وهذا الموضوع يذكرنا بالسياب الذي يقول:
موتى تخافُ من النشور
قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور.
هناك صورة حسية للحدث المحايث الذي ينتج حافة الصورة المشوهة ، والمتكلّسة التي لا تحمل الخاصية المنطقية، كذلك نلاحظ أن التشبيه عند أمل دنقل يأخذ أساس التصور السسيولوجي في ثنائية المعنى واللّفظ كما في:
"ويدب الموت كالقنفذ في ظل الجدار" وهذا هو حمل الشيء على الشيء بالمماثلة، وأمل دنقل ظل محكوماً بالأداة وقد تجاوز المشبه مع المشبه به ، وهذان أمران يقومان بإلغاء الأختلاط للمعالم والحدود وبقايا ضفتي الوضوح والتمايز، وكان أمل دنقل يكتفي في تقييم الأستعارة الحسية في أكثر الأحيان بالمقاربة ، ثم يطلب من التشبيه الندرة( )كما في " حاملاً مبخرة الرعب لأحداق الصغار" أو" علني في أعين الموتى أرى ظل الندم!" هناك تمركز لحالة التشبيه ، هو الهروب من حالة الموت إلى حالة الإندهاش والصمت وهو يرى ، الإنطباق الحسي الذي يحوم حول العينين كما في "فأرى الصمت.. كعصفور صغير" " ينقر العينين والقلب ويعوي... في ثنايا كلِّ فم!"
هناك عالم يتجرّد حسيا داخل إنشاء ذهني يكون الزمكان فيه مخيف ، إن الدليل في إبتداع زمكان أخرس ومطبق لهو دليل على واقع سوف يتحقق بكونية الزمكان القادم لا الزمكان الميكانيكي التقليدي، ومع هذا التحقق ينكشف التعالق الحسي للأشياء، وأمل دنقل يعتقد إن الزمكان في حالة تحول مستمرين، وإن الصيرورة قائمة مثل الحالة المفاهيمية المتغيرة، وإن حالة الإندهاش هي السيطرة على تلافيف الزمكان بعد أن لفهما الصمت داخل لغة حسية سقفها عالٍ جداً ، فكان التأسيس على تلك الرؤية الصامتة المطبقة التي هيمنت على كل الأشياء، وقد أزاح الشاعر تلك الغشاوة التي حجبت الرؤية عن عالم غريب ورهيب وقاسٍ داخل أحكام خلقية وقيم منحطّة صنعها السجال ولا قدرة على مقاومة ذلك الخوف والرعب ، والشاعر يبحث عن الصورة المتحولة لعالم مخيف، عالم فاقد للإيجاب وهذا آتٍ لا محال، وهو دليل على قوة المعْلم الحدسي والحسي في تركيبة الإرادة النابعة من القراءة المتحولة، لأنها قراءة إستقرائية ، وهي المكمن المركزي لحركة الأشياء ، وهذا ما يجيب عنه " يوسف الخال في العشاء الأخير" :
ونحن نأكل ونشرب . جراحنا نهرٌ من الفضة.
العلِّية تكاد تنهار. الريح تمزِّق النوافذ.
الطارق يقتحم الباب.
نقول: لنأكل الآن ونشرب. إلهنا مات،
فليكنْ لنا إله آخر. تعبنا من الكلمة ، وتاقت
نفوسنا إلى غباوة العرْق.
في هذه الأبيات ، هناك تمركز للإرادة والقوة في وصف الواقعة الحالية في كنف الزمكان المتحول داخل إرادة للوجود، ويوسف الخال يشكل من الحاضر علِّية كما يقول تكاد تنهار، لأن الريح تمزق النوافذ. والطارق يقتحم الباب، إنها حالة الرعب الآتية، إنه الخوف والصمت، ولكن وفق إيمان بالصيرورة رغم المكابدة، وهذا خلاف العجز الذي يجتاح قضية أمل دنقل في العشاء الأخير ، نعم، هناك خوف ومكابدة وإنفعال لأنها حقيقة الواقعة الزمكانية ، ولكن صيرورة الفعل تمثل" إرادة القوة" لقد كان يوسف الخال يجيب ويضع الحلول في نقول:
لنأكل الآن ونشرب. إلهنا مات، فليكن لنا إلة آخر"
أي لنتجاوز المحنة بالإرادة والقوة، هناك مقادير القوة في هذا العالم الشائك ، ومقدار القوة هو الذي يحدد الأثر داخل المحايث، ويأتي هذا بالقدر الذي تتم المقاومة به، إذاً الأمر يتعلق بإرادة الحدث، والقوة المقاومة تأتي بالغايات لا بالأوصاف ، وكان يوسف الخال يضع الحلول في العشاء الأخير وكحصاره الأخير داخل الزمكان، فهو يعين موت الإله" إلهنا مات" أي إن الواقعة وقعت وإننا كائنات مسجونة في عالم صنعناه بأيدينا عبر أدوات الإدراك ، وأدوات التعلق ، وبنوازعنا الحسية الملقاة على الطريق كأنها المعاني بعينها كما يقول الجاحظ ولابد من أدوات إدراك جديدة ومسائل للتعقل ، من هنا يتشكل الإنعتاق عند يوسف الخال، أما أمل دنقل ، فهو يحدس إمراً واقعاً لا محال وفق تشخيص دقيق للهاجس الفكري المدرك لتلك النوازع الشرهة والقاتلة والميتة، والعالم يظهر في قصيدة أمل دنقل كما هو في زمكانه المحصور والمحاصر:
"الرياح" أختبأت في القبو، حتى تستريحْ..
فيه من أرجحة الأجساد فوق المشنقة.
ووقفنا نحرس الباب، ونحمي الارْوقة.
بينما خيلُ المماليك تدقُّ الأرض بالخطو الجموح
يقتفون الأثرا.
وأمل دنقل يقوم بتأويل الوقائع والأشياء ، وهذا الموضوع يقع في إرادة السيطرة على منطق الأشياء، بأن هناك هيمنة وسيطرة "لخيول المماليك" أما السيرورة المنطقية لهذه الأشياء فهي تقع في" أرجوحة الأجساء فوق المشنقة" وإن فلسفة القوة عند أمل دنقل كما يقول هو والتي تمثلت في " ووقفنا ونحرس الباب ، ونحمي الأروقة ." " بينما خيل المماليك تدقُّ الأرض بالخطو الجموح يقتفون الأثرا. " وهذا هو تمثيل القدرة عند أمل دنقل من غير القوة والمقاومة حتى في " موت الإله" كما عند يوسف الخال وهو قول معروف "لنيتشه " باعتباره تغيير يحصل في القلب. فالعالم الحقيقي عند أمل دنقل ، حدوده وصف الواقعة لخيل المماليك ، أما العالم عند يوسف الخال، هو تجاوز هذا الخوف، وتجاوز هذه المحنة إلى عالم القوة لأنه عالم بلا تطابق ، لأنه عالم متناقض لا ديمومة فيه ولا ثبات، والشاعر هو الشاهد الوحيد على هذه الوقائع . والرياح التي سوف تغير عند أمل دنقل " إختبأت في القبو، حتى تستريح" في حين عند يوسف الخال " الريح تمزق النوافذ " الطارق يقتحم الباب" من هنا يبدأ الاستقصاء لصلة الزمكان لعالم حواسنا وحدوسنا، والشاعران " يوسف الخال ـ وأمل دنقل في كلا القصيدتين " هو وقوف يماثل الحدث في إدراك ما يحدث من وعي في تصوير ما يحدث في العشاء الأخير لإسطورة السيد المسيح قبل الصلب وهو التخييل، والإختزال سواء على مستوى الحواس أو مستوى الفعل، لأن الشاعر مخلوق مبدع للأشكال الإيقاعية، بمعنى أنه مبدع لتلك الأشكال والاحداث والأساطير ، وفي الوقت نفسه منشيء للإيقاعات بأذنه وإن هذه الإحكام الحسية والقيمية كانت قد تضمنت كل أنشطة ذلك الكائن الحي ، والشاعر حصراً إن ما أحدثه أمل دنقل من تناقض في منظومة الأساطير والتي تضمنت شخصيات مثل" السيد المسيح في عشائه الأخير وأساطير إنسانية" يعني أن هناك عملية اللاتماثل في تمركز الوظيفة المرجعية لهذه الأساطير والتي تحيل بالضرورة إلى عملية تشابه في خاصية التشبيه ، لأنها خاصيات نمطية يوحي بها الشاعر بخاصية الإستعارة المركبة بفعل كينونة الحدث ، فهي بالمقابل تتعلق بالوظيفة المرجعية لهذه الأساطير وعلاقتها بالإستعارة تعويضاً عن المشبه به، وهذا ما ورد في قصيدة العشاء الأخير لأمل دنقل:
... أنا " أوزوريس " صافحت القمر
أنا أوزوريس ، واسيتُ القمر
وتصفّحت الوجوه..
لقد كان المؤشر الدلالي يشير إلى صيغة ليس الدال فيها إعتباطياً بل إرتبط بمباشرة إستنتاجية للإسطورة فيما يخص القيمة الفنية وموقعها الإسطوري . فالتأليف الإسطوري عند أمل دنقل ينبع من النموذج الثلاثي عند "بيرس" وما يتعلق بالمصدر الدلالي البيرسي وما تعرض له من إختزال وتحويل للعلاقة الثلاثية إلى منطق ثنائي حسب سوسير، فأمل دنقل إختار العنصر الفاعل في منظومة الإسطورة وقد تكون من شخصيات ثلاث هم " أوزوريس، المسيح، يوسف" وإستطاع الشاعر أن يضع تلك العلاقة الثنائية في الإرجاع غير المباشر في النموذج الثنائي الذي إستطاع فيه أمل دنقل أن يميز مستوى الخطاب الشعري في إسطورة " أوزوريس" لإعتماده على السياق الإرجاعي للإسطورة والذي إستند فيه إلى " الايقونة الحسية" وفي الرابط المباشر ، لأنه أراد أن ينوع في القناع الشعري الأسطوري . إن دراسة الحالة اللغوية بلاغياً ، وعلاقة الدال والمدلول في إطار المعالجات البنوية في شعر أمل دنقل ، سوف ينقلنا هذا المحور إلى العلاقة الدينامية بين سلسلة الدالات ، وكان للشاعر في المدلول الإسطوري حول مواساة " أوزوريس للقمر" من هنا تبدو الرؤية قد تحققت من منطق الملفوظ الثنائي حسب سوسير في المسيح وليلة العشاء الأخير حين قال للحواريين :
" لقد تمنيت أن آكل معكم هذا الخبز قبل أن أتالم ، ثم أخذ كأساً وقال: خذوا هذه الكأس ووزعوها بينكم لأنني لن استطيع أن أشرب فاكهة الكروم قبل أن يحل موعد مملكة الرب" ثم أردف قائلاً" الحق. الحق. أقول لكم: من يأكل لحمي ويشرب دمي سيعيش خالداً ، وسأبعثه في اليوم الأخير ، لأن لحمي فعلاً طعام، ودمي شراب. والذي يأكل لحمي ويشرب دمي سيحل في واحل فيه "( )
لقد كان الموت هو الذي ميز الأنماط المأخوذة من المنطق الأسطوري فيما يخص المنطوق من الأشياء، وكان أمل دنقل يستعمل هذه الأقنعة الإسطورية ليختفي وراءها ليفصح عن قناع حضاري وبالتالي ليخفف من وقع هذا الرعب لقد كان القمر يضيء عندما أعتم فوق تلك الأمكنة ، فأحالته تلك الوقائع القاسية إلى شظايا معتمة ، إن القمر عند أمل دنقل له وقع خاص في لغة المعاني الشعرية وتحقيقاً لأنماط عمل اللغة الشعرية ، حيث يقوم النص الشعري بالإفصاح عن معنى التراكيب الشعرية والتمييز بين الدال وهو الشكل المتحقق في الإشارة ، والمدلول الذي يشير إلى المحتوى، ويبقى القمر عند أمل دنقل هو السيرورة لمحتوى التعبير لأنه التمييز الدقيق في التحليل للنص الشعري الذي يميزه " الدال والمدلول" وهنا في هذه الأبيات يأتي القمر " إيقونة دالة بذاتها:
وأنا "يوسف" محبوب "زليخا"
عندما جئتُ إلى قصر العزيز
لم أكن أملك إلاّ... قمرا
"قمراً كان لقلبي مدفأة"
ولكم جاهدت كي أخفيه عن أعين الحراس،
عن كلِّ العيون الصدئة
.. كان في الليل يضيء!
حملوني معه للسجن حتى أطفئه
تركوني جائعاً بضع ليالٍ..
تركوني جائعاً...
فتراءى القمرُ الشاحب ـ في كفيَّ ـ كعكة!
وإلى الآن.. بحلقي ماتزال..
قطعة من حزنه الأشيب تدميني كشوْكة!( )
لقد كان للمدلول الإسطوري كونه رابط ثلاثي لغوي حسب بيرس تكون العملية الدالة حيّة ، أي يكون المطلب الحملي موحداً ، وهو الذي يمر عبر تطور ترتيبي ، وهذا التطور حسب بيرس يعطينا الضرورة الرمزية في تماثلها اللغوي ، وهنا تكون دورة الوعي الإسطوري متكررة وهذا يعد منطقاً إحتمالياً ، لكنه عند أمل دنقل فهو متسلسلاً وفق الايقونة الثلاثية. ولها المنطلق في الصياغات الدلالية باعتبارها الإشارة الأصلية( )وهي عملية تنويع في القناع الشعري الحضاري كما في " أنا أوزوريس واسيتُ القمر" " أنا يوسف محبوب زليخا" وهناك تفاصيل للمدلول عن القمر وأوزوريس يؤكد بأنه واسى القمر ويوسف محبوب زليخا حمله معه إلى السجن إستناداً إلى المعطيات التأريخية التي تؤكد هذا التحول في الأسطورة، وأصبح القمر " أيقونة" وابجدية رمزية تحل في المنظومة الشعرية عند أمل دنقل ، وكان المبرر الفني في تبيان النجاح في إحكام الربط الثلاثي حسب بيرس بين تلك الاساطير وهذا يعد تقابلاً في الرؤية الشعرية وقد وظفها أمل دنقل من الناحية الرمزية في شعره مستنداً في ذلك إلى المواقف التأريخية والاسطورية ، ومن ثم القيم السسيولوجية والسيكولوجية والحضارية، وقد مثل هذه المنظومة الأسطورية خيط ممتد داخل تخومها الزمكانية وخواصها الإنسانية ، وعند يوسف الخال يتصاعد التماثل الإفتراضي في القصيدة وفق صيغ مفترضة تقدم لنا بداهة في التناسب في مجال الوعي للمسند اللغوي وداخل علاقة تماثلية تتحول فيما بعد إلى صياغات إفتراضية تبين التشكيل المرجعي للصورة الشعرية في مقابل تكافؤ في الأنماط الزمكانية وهذا ما يؤكده يوسف الخال في هذه الأبيات :
ونقول: لتسقط العلية وتهلك . الريح سترحمنا،
والطارق سيجالسنا . جائع هو إلى الخبز وظامئ
إلى عتيق الخمر.
ونقول: لعلَّ الطارق إلهنا الجديد، وهذه الريح
أزهارٌ شهية تفتحت في المجاهل
ونظل نأكل ونشرب ، وليس معنا المعلم . جراحنا
نهر من الفضة.
وعند صياح الديك، قليلون يشهدون لملكوت
الأرض( ).
إن البلاغة الحسية التي يترجمها يوسف الخال تعد هي الإسناد الكبير لفعل الكينونة في معالجة ثنائية الريح، والطارق الذي صوره الشاعر بأنه القدر الذي سوف يجالسنا لأنه جائع إلى الخبز وظامئٌ إلى عتيق الخمر وهذا يقع داخل نظرية الاحتمال المزدوجة الثنائية حسب سوسير في "الريح والطارق" فالحس الإستعاري يقع داخل مزدوج في مبنى الطريقة الإستعارية للريح ذات الخاصية المضافة إستعارياً إلى الطارق الذي يذكرنا بالقادم من الأشياء عند أمل دنقل ، فالقادم عند أمل دنقل هو قادم اعتراضي خفي يبشر بالخراب والموت ولكن الطارق وهو القادم عند يوسف الخال هو المتوافق سيكولوجياً مع بنائية المعنى الأستعاري للثنائية الاستعارية المزدوجة "للريح والطارق" وهنا يبدو الخلق الفكري الخاص عند يوسف الخال هو الطاغي في الحل أخيراً ، إن كلا القصيدتين في رمزيهما المعنوي واللغوي يلتقيان في جنس المبنى الأسطوري والذي تمثل بعملية التكافؤ والمقاربة السيكولوجية والتواصل بالحس الأسطوري، وهنا يتأكد التطابق التقريبي والتركيبي مع فعليّ الدال والمدلول في كلا القصيدتين لأنهما أفصحا عن مقتضيات مشتركة وقيمة حقيقية لمنظور متحقق في حدود الواقع الموضوعي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس