الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0

ياسين تملالي

2009 / 11 / 24
الصحافة والاعلام


سيذكر التاريخ ساخرا أن منشأ الأزمة الحالية بين مصر والجزائر كان حوادث بدأت أسابيع بعد فوز فريق كرة القدم الجزائري على غريمه المصري بالبليدة، في 7 يونيو 2009. ومن هذه الحوادث تهكم متطرفي المشجعين الجزائريين على المصريين بطريقة سمجة (تشبيههم بالنساء وكأن الأنوثة عيب وعار) وتذكيرهم بهزيمة 1967 (ناسين انتصار 1973)، ومنها كذلك سخرية متطرفي المشجعين المصريين من "لاعروبة الجزائريين" (وكأن العروبة في حد ذاتها شرف لا يناله إلا المطهرون) وتذكيرهم بأن "فرنسا كانت تعاملهم كالعبيد" (وهل كانت بريطانيا تعامل المصريين كالأسياد ؟).

وأثبتت معظم وسائل إعلام البلدين مهنيتها بتحويل صحفييها إلى مشجعين. نقلت هذه البذاءات بشكل واف وساعدتها في ذلك مواقع إلكترونية لا علاقة لها بالصحافة، فأصلت لدى مهووسي كرة القدم في مصر والجزائر الرغبة في الانتقام. خيل لكثير من المصريين أن الجزائريين رضعوا كرههم منذ الصغر ("ما بيحبوناش")، فتحسر النجم الساطع، "الإعلامي البارز" عمرو أديب على ذلك، زاعما أن المصريين حرروا الجزائر من الاستعمار. فوجئ الجزائريون بهذا الكلام، لكن جل جرائدهم بدل أن تذكر بتاريخ هذا الصحفي المليء بالمآخذ المهنية وتشرح للرأي العام المصري أن حرب التحرير (التي دعمها عبد الناصر مشكورا) لم تكن سوى آخر حلقات مقاومة بدأت في 1830، بدل هذا إذاً، تصرفت وكأن 80 مليون مصري كلهم ذلك المتغطرس الجاهل بالتاريخ، عمرو أديب.

واكتشف إعلام البلدين وهو يرى مبيعاته تقفز بصورة جنونية أن الذود عن الوطن، عدا أنه واجب ديني، يتيح ربح الكثير من المال. بدأ الحديث عن "مقابلة العودة" في 14 نوفمبر وكأنها اليرموك بل الفتح المبين. شحنت الجماهير استعدادا "للمعركة الفاصلة" ولم تمتنع عن المساهمة في خلق التوتر سوى بعض الجرائد، منها في مصر "المصري اليوم"، الذي أطلق حملة سماها "وردة لكل جزائري" ثم ما لبث أن عض عليها أصابع الندم.

ولم يبق الشحن الإعلامي دون نتيجة. توافد المشجعون الجزائريون على مصر وكأنها مكتهم الجديدة، فيما كان المشجعون المصريون يدعون عليهم بالويل على الأنترنيت. ورفع الجميع إلى الله أدعية لم تسمع من قبل. المصريون طلبوا منه "أن يرزقهم على الأقل بهدفين" والجزائريون بـ "ألا يرزق المصريين بأكثر من هدف واحد". وتأثر بعض المصريين بالشتائم الإلكترونية لبعض الجزائريين فقام برشق حافلة الفريق الجزائري بالحجارة، ما تسبب في جرح ثلاثة لاعبين. وبدل أن يعترف الإعلام المصري بوقوع هذا الفعل المشين، زعم أن "الحافلة كسرت من الداخل بشهادة سائقها". تناسى أن تعليمات الأمن في وسائل النقل تلزم بتهشيم كل زجاجها إذا تهشم بعضه ولم يقل لنا إذا كان اللاعبون الجزائريون جرحوا أنفسهم بأيديهم استعداد "للمعركة".

وشجع هذا التعامي الاعلامي كل الشوفينيين الانعزاليين في الجزائر على المجاهرة بمقت المصريين، وبفضل الصحافة، تعمم السخط على "سوء الاستقبال" المصري إلى قطاع أوسع من الرأي العام. وبالرغم من أن المنطق كان يدعو إلى عدم إجراء هذه المقابلة رفضت الفيدرالية الدولية لكرة القدم (وهي هيأة يهمها الربح قبل كل شيء) تأجيلها، فالتوتر ضروري لجمال وسحر وجاذبية كرة القدم كما يعلم الجميع.

أجريت المباراة وانتهت بقوز مصر لكنها لم تحسم أمر التأهل للمونديال ففرض على الفريقين أن يتقابلا مجددا يوم 18 نوفمبر في الخرطوم. بقي الفريق الجزائري محاصرا داخل الملعب طوال ساعتين لأسباب يرجح أنها أمنية. وما إن خرج المشجعون الجزائريون من الإستاد حتى حوصر فوج منهم من طرف مشجعين مصريين. حوصروا فوقع أحدهم وظنه أخر مات (أو فضل أن يظنه كذلك) ولم يمنعه التأثر من تصوير المشهد كاملا لبثه على اليوتيوب.

نقل الحصاران على الأنترنيت، وبدل أن يقارن أغلب الإعلام الجزائري تصرف هؤلاء المشجعين بتصرف بعض "أشقائهم الجزائريين" المعروف في مباريات الدوري، رآه دليلا على أن الأمر كان "مصيدة" مبيتة. وبدل أن يرى احتجاز الفريق الجزائري في الملعب دليلا على عجز الشرطة المصرية عن تأمين تنقل اللاعبين، رآه مؤامرة تستهدف تدمير أعصابهم. شُحن "عشاق الكرة" في الجزائر فقصدوا وكالات شركة أوراسكوم ودمروها واعتدوا على موظفيها المصريين، وكأنهم هم من قذف الحجارة على حافلة منتخبهم، ولم ينفع هذه الشركة أنها وعدت بتمويل سفر 10 آلاف جزائري إلى السودان.

واختلطت الشوفينية بالوطنية مبررة بـ "سوء الاستقبال المصري" وامتدت لتشمل صحفا كانت في منجى منها بوازع الضمير المهني أو تطبيقا لأوامر التهدئة الرسمية. أما في مصر، فلم يكتف الجزء الأكبر من الإعلام بإدانة العنف ضد المصريين. تحدث بتعال كبير عن "همجية الجزائريين" حتى خيل لنا أننا نقرأ كتابا استعماريين لا "إخوة أشقاء" واستشهد عليها بأحداث عنف مماثلة وقعت في فرنسا. رأينا "المصري اليوم" (بعد أن تاب عن حملة الورود للجزائريين)، يكتب : "الشغب الجزائري يمتد من القاهرة إلى باريس" ونسي كاتب المقال أن "الشغب الجزائري" مستمر في فرنسا منذ بداية الثمانينيات، لأسباب اجتماعية واقتصادية لا علاقة لها في أغلب الأحيان بكرة القدم من الأساس.

عبقت الأجواء بحب الأوطان فتفطن إلى ريع الوطنية النظامان. لم يعودا يكتفيان بدعوة سفير البلد الخصم لتأنيبه فيما أصبح يشبه الروتين الممل. بدآ يتنافسان على "مد الجسور الجوية نحو الخرطوم". لم يمد جسر جوي واحد لإغاثة ضحايا الزلازل في الجبال الجزائرية النائية ولا لنقل جرحى حوادث القطار التي تحصد أرواح المئات في مصر، لكن أحدا لم يذكر بذلك، فالجميع "حكومة و دولة وشعبا" كان موجها بصره إلى السودان. في ظرف يومين، نقل من الجزائريين إلى الخرطوم مثلما نقل من جنود لنصرة مصر في حرب 1973 ونقل من المصريين إليها ما كان قد يكفي لمواصلة عبور القنال.

وأجريت المباراة في جو مشحون، لا ذكر فيه لبن بلة وعبد الناصر. انتهت بانتصار الجزائر وتلتها مباراة غير كروية بين مشجعي البلدين في شوارع العاصمة السودانية. تذرعت بعض الصحف المصرية بهذه المواجهات للتنديد مجددا "بعنف الجزائريين" فقرأنا تصريحا لـ"الإعلامي البارز" طارق علام يصف الشعب الجزائري بأنه "أحقر شعوب الأرض" وقرأنا في "المصري اليوم" عناوين عنصرية عن "الوحشية الجزائرية" وتقارير عن أحداث وهمية منها "تحذير ألمانيا للمصريين من إظهار هوياتهم" خوفا من بطش الجزائريين. أصبح شتم الجزائر دليلا على الوطنية، فتظاهر المئات مطالبين بطرد السفير الجزائري وياليتهم دعموا الشرفاء ممن يطالبون بإغلاق سفارة إسرائيل. حتى الكثير من الفنانين لم يترفع عن هذه العنصرية : إسعاد يونس أصدرت بيانا بمقاطعة أية مهرجانات سينمائية أو فنية في الجزائر ومنير الوسيمى، النقيب المصري للمهن الموسيقية، اتخذ قرارا بعدم دخول أى فنان أو موسيقى جزائرى إلى مصر بعد الآن، وغيرهم كثير.

الصحف الجزائرية كذلك لم تنسها نشوة النصر الحديث عن الانتقام، فكتبت "أخبار اليوم" عن "ثأر المنتخب الوطني للدماء الجزائرية التي سالت في قاهرة العار" وتحدثت "الشروق" عن "نفاق مصر"، في خلط واضح بين الدولة المصرية وسائل الإعلام فيها و80 مليون مصري. تزايدت الدعوات إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع مصر، عقابا لها على سوء معاملتها للجزائريين ونسي الاحتقار الذي يعامل به هؤلاء في أوروبا وحتى في بلدهم أمام قنصلياتها وسفاراتها.

نجح الإعلام في تحويل الاهتمام الشعبي بتصفيات كأس العالم إلى بضاعة واختلق مباراة وهمية بين شعبين مقهورين توالت عليهم النكسات. حاول أن يقنعهما بأنهما عدوان لدودان وأن على كل منهما، دفاعا على كرامته، أن يصطف وراء رئيسه المغوار، لا أن ينتزع حقه في انتخابه دون تخويف أو تزوير. سالت دماء الجزائرين والمصريين ولم تختلط كما في ماضي الأخوة السعيد. من سيذكر اليوم أن في الجزائر جمعية لقدامى محاربي حرب أكتوبر 1973 وأن جميلة بوحريد لا تزال بطلة جيل كامل من المصريين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قتلي الجزاير بالقاهرة
صقر ( 2009 / 11 / 25 - 15:20 )
نسى الكاتب أو تناسى أخبار النعوش بالقاهرة والقتلى

اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا