الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشرات التحول الديمغرافي في بلدان المغرب العربي

هاشم نعمة

2004 / 6 / 12
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في الدراسات السكانية هناك اعتقاد بوجود أربع مراحل للنمو السكاني تمر بها المجتمعات البشرية تبدأ الأولى بطيئة أو اقرب إلى الثبات بسبب المعدل المرتفع لكل من الولادات و الوفيات وتتمثل هذه في المجتمعات الزراعية ذات البناء الاجتماعي القبلي أو التقليدي المتخلف التي لم تنتقل بعد إلى الحياة العصرية ثم تزداد سرعة النمو في المرحلة الثانية نتيجة هبوط معدلات الوفيات بدرجة أسرع من هبوط الولادات بسبب تحسن المستوى الصحي و التعليمي و الاقتصادي. وقد مرت الدول المتقدمة صناعيا بهذه المرحلة التي استمرت قرن من الزمن تقريبا بينما دخلت الدول النامية إليها بسرعة مستفيدة من التقدم الحاصل في مجال الطب الوقائي و العلاجي و لا يزال الكثير منها يمر بهذه المرحلة. وفي المرحلة الثالثة يبدأ النمو السكاني بالهبوط التدريجي نتيجة هبوط الولادات و تسمى هذه بالمرحلة الانتقالية حتى يصل النمو في المرحلة الرابعة إلى الثبات المرشح للتناقص و تمر بهذه المرحلة حاليا دول أوروبا.

قبل اكثر من عقد كانت بلدان المغرب العربي توصف بأنها بلدان تشهد تحولا ديغرافيا قليلا جدا سوية مع بعض أقطار نامية أخرى .باستثناء تونس التي دخلت المرحلة الثالثة من التحول الديمغرافي حيث انخفض بها و بشكل ملحوظ معدل النمو السكاني.و لكن بعد عقد من الزمن أنجزت جميع بلدان المغرب العربي ربما باستثناء ليبيا درجة مهمة من التحول الديمغرافي . وفي حقيقة الأمر وحتى وقت قريب كانت توقعات السكان التي تنشرها الأمم المتحدة تشير و بشكل متكرر بان البلدان الواقعة جنوب البحر المتوسط سيظل نمو السكان فيها مرتفعا . لكن توقع السكان الذي نشر في عام 1994 بدأ يأخذ في الاعتبار انخفاض معدل خصوبة السكان (متوسط عدد الأطفال لكل امرأة) في بلدان المغرب العربي و بناء عليه فإن أحدث توقع نشر في عام 2003 لعدد السكان في سنة 2050 يظهر الأرقام التالية : 12,9 مليون في تونس و48,7 مليون في الجزائر و9,2 مليون في ليبيا و47,1 مليون في المغرب .

إعادة تقييم التوقعات السكانية من قبل الأمم المتحدة استند إلى توفر الدليل على حدوث انخفاض مهم في معدل الخصوبة في هذه البلدان في منتصف التسعينات . وهذا يمثل بحد ذاته تحولا ديمغرافيا باتجاه أن يصل معدل النمو السكاني مستقبلا إلى مستوى منخفض وثابت أو إلى مستوى الصفر.و هذا واضح من انخفاض معدل الزيادة الطبيعية للسكان ( الفرق بين عدد الولادات و الوفيات) من 25-32 بالألف في 1983 إلى 20-24 بالألف في 1996-1997. و باستثناء ليبيا سجل انخفاض كبير في معدل الولادات. ففي المغرب وتونس و الجزائر وصل المعدل إلى حوالي 26 بالألف بعد أن كان 44 و 35 و45 بالألف على التوالي. وحتى بالنسبة إلى ليبيا انخفض معدل الخصوبة إلى 3,3 طفل في 2000-2005 بعد أن كان أكثر من 7 أطفال وهذا يترافق مع الاتجاه نحو التخطيط العائلي والرغبة في عدد اقل من الأطفال خاصة وسط النساء الليبيات اللاتي تقل أعمارهن عن ثلاثين سنة . لقد لمست شخصيا هذا الاتجاه أثناء فترة عملي في ليبيا في مجال البحث العلمي و التدريس الجامعي. أيضا حدث انخفاض في معدل زواج الإناث في المغرب العربي في الفئتين العمريتين 15-19 و 20-24 سنة . وهذا بدوره ساهم في خفض مستوى النمو السكاني. ومن هنا اصبح التحول الديمغرافي حقيقة واقعة . وبناء عليه يقترح الباحثون احتمال حدوث التحول الديمغرافي الكامل في غضون جيل أو اقل.

مؤشرات التحول الديمغرافي لا تقتصر على بلدان المغرب العربي فقط ففي مصر انخفض معدل الخصوبة إلى 2,8 في الفترة 2000-2005 بعد أن كان 6,2 في عام 1960 وفي الكويت هبط المعدل بمقدار الثلثين تقريبا، من 6,7 في 1970-1975 إلى 2,6 في 2000 –2005 . ومن الأسباب المهمة لهذا الهبوط هو أن المرأة الكويتية تعد من بين أكثر النساء تحررا في بلدان الخليج، فمعدلات التعليم وسط النساء ترتفع بشكل مطرد، وفي الكويت تتاح للنساء فرصا أكبر للعمل، مقارنة بدول الخليج الأخرى. وفي لبنان والبحرين أنخفض معدل الخصوبة إلى 2,3 تقريبا لكل منهما في نفس الفترة .

هذه المعطيات يفترض أن تجعل أوروبا تعيد وبشكل جذري تقييم مخاوفها من الانفجار الديمغرافي في دول جنوب البحر المتوسط. وما يترتب عليه من هجرة نحوها وما ينتج عنه كما تدعي من عدم الأمن و الاستقرار في منطقة البحر المتوسط .

وإذا أخذنا ثلاث دول أوروبية من شمال البحر المتوسط للمقارنة و هي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فيبدو أن تقاربا ديمغرافيا سوف يحدث بينها و بين دول جنوب البحر المتوسط إذ أن معدلات الخصوبة الإجمالية سوف تقترب من بعضها في الفترة 2025-2030 لتصل إلى 2,03 –2,05 بالنسبة للشمال و 2,11 –2,16 بالنسبة إلى دول الجنوب باستثناء ليبيا.وفي نفس الوقت سوف تتقارب معدلات النمو السكاني ليصل المعدل مثلا في المغرب إلى 1% سنويا.

أسباب التحول الديمغرافي

هناك جملة من العوامل الرئيسية ساهمت في حدوث التحول الديمغرافي في بلدان المغرب العربي تشمل التحولات التي شهدتها البنية الاجتماعية و الاقتصادية والتي انعكست في تطور القوى المنتجة وانتشار التعليم وارتفاع مستوى الثقافة و الوعي. إذ يلاحظ أن هناك علاقة عكسية قوية بين تعليم الإناث و مستوى الخصوبة . وكذلك ارتفاع نسبة مشاركة النساء في فئة السكان النشيطين اقتصاديا.وتسارع عملية التمدن أي توسع المدن وزيادة نسبة السكان القاطنين فيها من مجموع السكان. حيث ساهمت الهجرة من الريف إلى المدينة بحصة رئيسية في هذا العملية. هذه العوامل إلى جانب غيرها سرعت من انخفاض الخصوبة في غضون جيل واحد . ويعتمد هذا الانخفاض على مدى حضور النساء في المدن . ففي المغرب انخفض معدل الخصوبة في المدن إلى 2,6 طفل وفي الريف إلى 4,3 طفل في 1994 إذ أن محل الإقامة في المدينة يعني وبشكل معتاد مشاركة اكبر من قبل الإناث في العملية التعليمية . ففي 1992 كانت نسبة 53% من النساء الجزائريات في عمر الإنجاب يقرأن و يكتبن و 58% للتونسيات و 38% للمغربيات . ومن الملاحظ أن النساء المتعلمات يتأخر زواجهن . ففي حالة المغرب اظهر مسح أن الإناث في التعليم الثانوي يتزوجن في المعدل سبع سنوات متأخرات مقارنة بنظيراتهن غير المتعلمات . ثم أن النساء المتعلمات يكن اكثر وعيا باتباع التخطيط العائلي أي الميل إلى إنجاب عدد محدود من الأطفال .

و تؤثر مشاركة النساء في القوى العاملة في الوسط الحضري (المدن) على مستوى الإنجاب إذ أن الأم العاملة لا يكون لديها الوقت الكافي لرعاية أطفالها إضافة إلى كلفة تربيتهم .لذلك نرى انخفاض معدل الخصوبة وسط النساء العاملات في المدن في المغرب . ففي منتصف التسعينات انخفض المعدل إلى ما دون معدل الإحلال (عدد الإناث التي تلدهن الأم لمواصلة الإنجاب مستقبلا) وهذه الأقلية التي تتكون من 15% من النساء المؤهلات للحمل ساهمت بصورة رئيسية في تسارع التحول الديمغرافي.

وفي تونس انخفضت نسبة ولادات الإناث في الأعمار المبكرة ( 15-19 سنة ) من 7% إلى 2% من مجموع الولادات خلال 1970- 1997 . والملاحظ أن معدلات الخصوبة قد انخفضت وسط النساء في كل المجموعات العمرية خصوصا في الأعمار الصغيرة ( 15-19 سنة ) و ( 20-24 سنة ) والمراحل الأخيرة من الإنجاب بعد 40 سنة . وقد ازداد عمر الأمهات عند الولادة الأولى من 22 سنة في عام 1966 إلى 28 سنة في عام 1994 . وهذا يعمل على تقصير فترة الإنجاب للمرأة .

و في الجزائر ارتفع معدل سن الزواج إلى 26 سنة للإناث و 30 للذكور في المدن وحتى النساء الأميات اصبحن يتزوجن متأخرات بسن 23,6 سنة . و إضافة إلى ذلك فقد ساهمت أزمة السكن في المدن في رفع معدل سن الزواج . وهذا يلاحظ من انخفاض مستوى الخصوبة في الفئة العمرية 15-19 سنة في هذا البلد .

وفي ليبيا ارتفع متوسط العمر عند الزواج للذكور من 25 سنة إلى 27 سنة وللإناث من 19 سنة إلى 23 سنة خلال الفترة 1973-1984 . وانخفض معدل الزواج من 5,5 بالألف إلى 4,5 بالألف خلال الفترة ذاتها .

إن دور التخطيط العائلي في خفض معدل الخصوبة في بلدان المغرب العربي يلاحظ بقوة في تونس حيث هناك ومنذ الستينات حملة وطنية لخفض معدل النمو السكاني . و قد تبنى المغرب مثل هذه السياسة . وحديثا كثر استخدام وسائل منع الحمل في المغرب و الجزائر وحتى في ليبيا . ففي منتصف الثمانينات كان اكثر من 50% من النساء في المغرب العربي يتبعن التخطيط العائلي وبشكل رئيسي يستخدمن الوسائل الحديثة لمنع الحمل مثل الحبوب. وفي عام 2003 ارتفعت نسبة استخدام وسائل منع الحمل ( جميع الطرق ) إلى 65 % و 64 % في تونس والجزائر على التوالي . وبالنسبة للجزائر انتشرت هذه الوسائل حتى في المناطق الريفية إذ كانت نسبة 44% من النساء المتزوجات و الأميات في الريف يتبعن التخطيط العائلي.

وقد ساهم الانخفاض الحاد في معدل وفيات الأطفال الرضع (أقل من سن سنة) أيضا في خفض مستوى الخصوبة عن طريق زيادة ثقة الأسر في بقاء أطفالهم على قيد الحياة . ففي 1983 كان معدل وفيات الأطفال الرضع 98 لكل ألف ولادة في تونس و 116 في الجزائر و 106 في المغرب بينما في 2003 انخفضت المعدلات إلى 23 و 44 و 42 على التوالي .

وهناك بعض الباحثين الأوربيين مثل الجغرافي جون كلارك يقترح عاملا غير مألوف ساهم في خفض مستوى الخصوبة في بلدان المغرب العربي ومن ثم ساهم في تسارع التحول الديمغرافي ألا وهو هجرة القوى العاملة من هذه البلدان إلى أوروبا . إذ يلاحظ أن معدل الخصوبة وسط النساء الجزائريات و المغربيات يبدأ بالانخفاض بسرعة في أوروبا مقارنة مع بلدانهن الأصلية . وذلك تكيفا مع ظروف البيئة الجديدة ويمكن أن يتم هذا التأثير عبر استمرار الاتصالات بين أبناء جاليات المغرب العربي القاطنين في أوروبا وأوطانهم الأصلية إذ تعمل هذه الاتصالات بالتأثير باتجاه خفض النمو السكاني في الأخيرة . وفي تقديرنا يعتبر هذا العامل ثانويا إذا ما قورن بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في البلدان المذكورة و التي تعتبر المسؤول الرئيسي عن التحول الديمغرافي.

ورغم أن النمو السكاني السريع ليس المشكلة الوحيدة التي تساهم في عرقلة عملية التنمية الاجتماعية الاقتصادية في بلدان المغرب العربي إلا أن انخفاض وتيرته سوف يساهم بكل تأكيد في تخفيف عبء الخدمات الاجتماعية والتعليمية و الصحية الذي تتحملها الدولة والذي يفترض أن يتوجه إلى تنمية القطاعات الإنتاجية و بالأخص الصناعية منها إذا ما أريد إقامة اقتصاديات قوية قابلة للمنافسة في عالم اليوم.

أهم المصادر
- د . عباس فاضل السعدي " نمو السكان في ليبيا إلى أين يتجه ، وما هي عوامل مكوناته ؟ " مجلة البحوث الجغرافية ، العدد 3 ، 2002 ، جامعة الكوفة .
_ د . فاضل الأنصاري ، جغرافية السكان ، جامعة دمشق ، 1985-1986 .
- المجموعة الإحصائية لمنطقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ، الأمم المتحدة ، 2003 .
- المرأة العربية 1995 : اتجاهات وإحصاءات ومؤشرات ، الأمم المتحدة ، نيويورك ، 1998 .
- The State of World Population , UNFPA , 2003
- Women and Men in Tunisia , UN , New York , 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك