الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإجرام في عقوبة الإعدام

هيثم مناع

2009 / 11 / 26
حقوق الانسان


عندما كنا نصدر بيانات الإستنكار لأحكام الإعدام والقتل خارج القضاء في ظل سلطة صدام حسين، كانت المعارضة العراقية تحمل بياناتنا وتوزعها، بل كم تعهد أكثر من قيادي في التنظيمين الكرديين الأكبر في كردستان العراق والحزب الشيوعي العراقي وغيرهم بإلغاء حكم الإعدام في العراق الديمقراطي بعد سقوط النظام. كانت النقاشات المغلقة مع الأحزاب الإسلامية العراقية (سنية وشيعية) تظهر أن الثقافة السياسية العراقية لم تجرؤ بعد على تقييم معمق ونقدي لأحكام الإعدام السياسية في العراق الحديث. ولا ضير، فقد لعبت الحركة الإسلامية السياسية بمعظم فصائلها دور المحافظين الجدد في الثقافة الغربية، ووقفت ضد إلغاء حكم الإعدام معتمدة على قراءة شكلية لفكرة قتل النفس بالحق الواردة في سور الإسراء (33) والمائدة (32-33) والأنعام (151) والبقرة (178). ويمكن القول بعد عشرين عاما على بيان جماعي أصدرناه في الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية ضد حكم الإعدام، أن ثقافة الإلغاء ما زالت جد بدائية في اللغة العربية. ومجمل ما كتب من بيانات ومقالات ودراسات أقل من ألف صفحة. وأسهل مئة مرة اليوم الحديث في جرائم الشرف عن الحديث في إلغاء حكم الإعدام. رغم أن أربعة أخماس أحكام الإعدام في العالم العربي وإيران سببها سياسي، وقد أحصى المحامي اليمني أحمد الوادعي حالات استخدام المشرع اليمني لعقوبة الإعدام فوجدها في قانون الجرائم والعقوبات لـ 126 فعلا وفي قانون العقوبات العسكري 166 فعلا وقانون المخدرات 33 فعلا وقانون الاختطاف والتقطع 90 فعلا. في حين لاحظت منظمات حقوق الإنسان الطابع السياسي لمعظم حالات عقوبة الإعدام في إيران والعراق. ومن المأساوي أن يدافع إسلامي عن عقوبة الإعدام وهو يعرف أن نسبة الإسلاميين بين الذين كانوا ضحية هذه العقوبة هي الأعلى بين مختلف تعبيرات المعارضة السياسية؟.
من حيث المنطلق، وفي كل ما يتعلق بالقتل، من المتفق عليه أن جرائم الدولة أعنف وأبلغ وأكثر بما لا يقاس من جرائم الأفراد. ولا يتعلق الأمر بأمن الدولة وحسب، بل يتناول ويلات الحروب والقتل الجماعي والعدوان. ومن المتفق عليه أيضا، أن جرائم الأفراد مهما كانت خطيرة وكبيرة، لم تتأثر إيجابا بوجود أو تجميد أو غياب حكومة الإعدام. فقد تطور مفهوم القصد الجنائي وأهمية العقوبة وجدواها منذ القرن الأول الميلادي، وبلغ الأمر مداه في نهايته مع قانون كورنيليا الذي لم يعد ينص على عقوبة الإعدام. ومن مفارقات القدر أنه وبعد حقبة تراجع أوربية، كان ابن عربي أول من عاد وطالب بإلغاء عقوبة القتل، لأن "واهب الحياة جل جلاله وحده يملك الحق في الحرمان منها". الفكرة التي اعتمدها فكتور هوغو عندما قال في خطبته أمام البرلمان الفرنسي في مرافعته من أجل قرار إلغاء حكم الإعدام الذي صدر في فرنسا في العام نفسه (1848): "لقد أصبحت الحقيقة ماثلة أمام الأشهاد، القرن التاسع عشر هو عصر إلغاء عقوبة الموت. إنكم تضعون في صدر تشريعاتكم ودساتيركم، أن هذا القانون أو ذاك الدستور باسم الله. وفي نفس الوقت تخالفون تعاليم الله. إن الحق في الحياة والموت من حقوق الله وحده لا شريك له من سلطان البشر". كان الشاعر لامارتين قد سبق فكتور هوغو بالقول قبل عشر سنوات أمام البرلمان: "ليس الموت هو الذي ينبغي أن نتعلم كيف نخشاه، إنما هي الحياة التي يجب أن نتعلم كيف نحترمها.
لا يختلف التراث الستاليني عن التراث اليميني المتطرف الغربي (الفاشية، النازية، النازية الجديدة والمحافظين الجدد..) في موقفه البائس وممارساته المثيرة للاشمئزاز في القتل داخل وخارج القضاء. ولكن الاستعمار الغربي حمل معه عقوبة الإعدام للبلدان المستعمَرَة وطبقها فيها وهي ملغاة في عقر داره في احتقار وعنصرية واضحين. ولا يمكن للتاريخ المصري أن يغض الطرف عن محاكمة دنشواي في 1906 التي حملت لمصر من بريطانيا "الصغيرة" حبال المشنقة وعلنية الإعدامات بحق فلاحين أبرياء أصدرت المحكمة المخصومة (محكمة استثنائية مختلطة خاصة غير مقيدة بقانون العقوبات) حكمها عليهم بالإعدام. ويمكن القول أن القرن العشرين شهد حركة إلغائية قوية نجم عنها انتساب أكثر من مئة وعشرين دولة لفكرة إلغاء حكم الإعدام. وصار من مفاخر وزير العدل إعداد قانون بإلغاء هذه العقوبة. في هكذا مناسبة، يُذكر لوزير العدل السويسري قوله: "إنني لا أتصور أبدا أن تقوم الدولة –في ظل الديمقراطية- ومبادئ الإنسانية بدور "الجلاد". فواجبها اجتثاث الشر من جذوره، والعمل على تدارك الخطأ، عن طريق الإصلاح والتهذيب". زميله البلجيكي قال: لقد تعلمنا أن سبيل لاحترام الحياة الإنسانية يتمثل في رفضنا القاطع لقتل النفس البشرية باسم القانون". أما زميلهما الفرنسي وهو يفتخر بأن فرنسا أول بلد أوربي ألغى التعذيب، وأحد البلدان السباقة لإلغاء العبودية، ثم تخف حماسته القومية وهو يتأسف لأنها آخر من ألغى حكم الإعدام في 1981 (طرح الثوريون إلغاء النظام الملكي وإلغاء حكم الإعدام عشية الثورة الفرنسية وناقش ممثلو الشعب الموضوع في 1791 وألغي أول مرة في 1848).
ما الفارق بين أكل لحم البشر وقطع رؤوسهم كالحيوانات باسم القانون؟ هو ربما مجرد فارق زمني، ومسافة حضارية. من هنا اعتبر الشيخ عبد الله العلايلي حكم القتل في الإسلام من الأحكام المرتبطة بالزمان لا من الأحكام المطلقة، كما هو حال العقوبات الجسدية وهي عنده بغاياتها لا بحرفيتها. ولعل قبول أكثر من بلد إسلامي ومفكر إسلامي بتجميد حكم الإعدام يشكل خطوة انتقالية ضرورية نحو فكرة الإلغاء. لكن هل هي فقط أزمة ثقافية تاريخية أم أن هناك إيديولوجيات متطرفة في حياتنا اليومية تختبئ وراء نص قرآني أو مشاعر شوفينية انفعالية أو الطاعون الطائفي القادر على الثأر والقتل والانتقام الهمجي؟
لقد حملت محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين ومشهد إعدامه كل ضغائن الماضي الدفين. احتفاليات في يوم العيد بل أكثر من ذلك، طقوس انتقامية في مدينة العلم والحكمة (النجف). الحزب السياسي الطائفي اكتشف أكثر المشاعر الغرائزية واستثمرها كما علمته بريطانيا الصغيرة في 1941 عندما أعدمت الضباط الوطنيين الثلاثة، وعززت الإعدام السياسي في 1949 في إعدام قادة الحزب الشيوعي.. وكما تذّكر هيفاء زنكنة في مقالتها "برنامجا الشيوعي والدعوة في العراق: الإعدام مطلب جماهيري"، جاء في صحيفة اتحاد الشعب ، الناطقة بلسان الحزب، بتاريخ 13 آذار/مارس 1959: اما عمال عين باسم الطفولة البريئة والامومة الثاكلة، باسم الدم الطهور لشهداء الموصل ... علقت وسحبت جثث المجرمين النتنة في مدن الموصل وقراها .
من العار على الحركة السياسية في بلد أن لا تكون الشعارات الممجدة للإعدام مادة مسجلة لأحد..
جاء في خبر لم يكذبه أحد، أن الحكومة العراقية عازمة على تنفيذ حكم الإعدام في أول أيام عيد الأضحى في تسع نساء من أصل 126 صدر بحقهن أحكام بالإعدام. يبدو أن "الديمقراطية" على الطريقة الأمريكية، تستدعي استعمال كل الوسائل في الحملات الإنتخابية، من الفساد المالي والرشوة والتلاعب بالقانون الانتخابي إلى استخدام كل الدناءات المذهبية والأحقاد الدفينة والغرائز المشينة. ستتحدث بريطانيا "الصغيرة" عن محكمة عادلة ولو أنها ضد عقوبة الإعدام، ولم يعرف بعد موقف إدارة أوباما إلا أن المتوقع أن لا تتدخل في "استقلال القضاء العراقي"، وستبقى الإحصاءات تذكرنا بأن 91% من أحكام الإعدام تحدث في ست دول فقط هي: الصين وإيران والعراق وباكستان والسودان والولايات المتحدة الأمريكية. وأن معركتنا ضد عقوبة الإعدام هي معركة مركبة ومعقدة لأنها ضد الهمجية في الوعي الباطن للإنسان، ضد الظلامية المقنعة في الغرب والشرق، وضد تقديس المؤسسة القضائية وأحكامها في التاريخ العربي الإسلامي.
----------------------------
مفكر عربي مدافع عن الحقوق الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عقوبة رادعه
زهراء ( 2009 / 11 / 26 - 21:16 )
تحية طيبه لك وللطرح الأنساني الذي تتبناه ولكن عذراً لا أتفق معك أستاذ هيثم ، بالتأكيد هي جريمه عندما يعاقب بها ناشط سياسي أو معارض بل من أبشع صور الجريمه التي تمارسها الحكومات الهمجيه الدكتاتوريه ولولا كونها رادعه لما أستخدمتها الدول المستعمره أتجاه مقاومي الأستعمار لكسر شوكتهم وحري القول أن حكومة كحكومة صدام أسوء بكثير من الأستعمار وأكثر أجراماً وكذلك الأنظمه الدكتاتوريه والمتخلفه. في دولة كهولندا لا وجود لعقوبة الأعدام فهل أستندوا لكون الله هو الواهب الوحيد للحياة ؟ بالتأكيد لا. بدليل تبنيهم للقتل الرحيم الذي ينهي حياة مرضى مرض السرطان عندما تشتد معاناتهم..المجتمعات العربيه والأسلاميه تختلف تماماً عن المجتمعات الأوربيه لأن الأخيره لم تشهد ماشهدته الأولى من قمع الأنسان نفسياً وماديا وأقحامه في حروب همجيه بالأضافه لأعراف وتقاليد عشائريه لم تجر على الأنسان سوى مزيداً من القمع..المجتمعات الأوربيه تركز على بناء شخصية الطفل ومتابعة نموه الفكري والنفسي لهذا قلما تسمع عن جرائم أغتصاب وتقطيع الضحيه مثلاً أو خطف أطفال وبيعهم كأعضاء بشريه أو أغتصاب المحارم مثلاً ..الخ..على عكس المجتمعات العربيه والأسلاميه التي أصبحت فيها صورة الجريمه البشعه ظاهره تتصدر الصحف اليوميه والبعض يخفيها محاولاً أدعا


2 - توضيح للأخت زهراء
هيثم مناع ( 2009 / 11 / 27 - 14:41 )
أشكرك على ملاحظاتك القيمة واختلافك الديمقراطي معي، لقد سمح الله وكنت زوجا لامرأة قتلت بعد اسبوعين على تخرجها من كلية الطب وخمسة أيام على زواجنا وجاء شيخ عشيرتنا وقال لي والدك في السجن وأنا ولي أمرك وأمر المرحومة في العرف والدين وقد أعطاك القرآن الحق في أن تأخذ حقك من القاتل فرفضت لأن الجريمة لا تعالج بالجريمة، كذلك يا أختي حكم على والدي بالاعدام وسمعت الحكم في مسرح عسكري من محكمة أمن الدولة وتم تخفيض الحكم للمؤبد وثبت فيما بعد أن التهمة باطلة وخصومة سياسية وهو حي حتى اليوم فماذا لو طبق حكم الاعدام من يعيد له الحياة؟ لقد غيرت اسمي من أجل ذلك لكي يقرأ كل إنسان اسم المرحومة (منا) لا اسم عائلتي ولم انجح حتى في مناسبات اجبارية كدخول اوبرا القاهرة للاستماع لمارسيل خليفة أن أضع ربطة عنق على رقبتي طيلة عمري لأن هذا يذكرني بحكم الاعدام


3 - ظلم أجتماعي وفشل حكومي وعجز قضائي
زهراء ( 2009 / 11 / 28 - 12:36 )
مؤلم جداً ماتعرضت له أستاذ هيثم ..لقد أعدم نظام صدام أربعة من أقاربي على أثر وشايه لن يعيد أعدامه الضحايا للحياة وضحايا هذا المجرم بالملايين بل شعب بأكمله ولكن ليشعر هذا الشعب أنه لازال هنالك شيئ من عدل وحق .. غياب سلطه رادعه في العراق بعد سقوطه فجر حرباً أهليه حرقت الأخضر واليابس لأنه خلق خلال سنوات حكمه مجتمعاً يشبهه ودمر الروابط الأجتماعيه والأنسانيه وأُعدم أغلب الضحايا على أثر تقارير كيديه أو ضغائن شخصيه ..واليوم يجلس برلمانيون تحت قبة البرلمان وهم يقودون مليشيات من حثالات المجرمين وقد هجروا الناس من بيوتهم وقتلوا الأباء والابناء على أعتاب أبوابهم بدافع السلطه التي ضاعت ولأسباب طائفيه ..فهل هذا من الحق والأنسانيه في شيئ ؟ أنه الظلم السياسي والأجتماعي والقمع بأنواعه الذي يوصل المجتمعات لهذا الحال الرث والأصلاح لايكون الأ بثورة أصلاحيه يقودها مفكرون ومثقفون يجبرون فيها الحكومات على أصلاح ماأفسدته من خلال عمل مؤسساتي وقضائي سليم يُحسن بناء المجتمع ويعاقب المقصر والمجرم ..نحتاج لعقود طويله من العمل لنصل لمصاف الدول المتحضره ...أشكرك جداً وأرجو المعذره على الأطاله.

اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط