الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوارب الحلقة الثانية

محمد أبو هزاع هواش

2009 / 11 / 30
الادب والفن


شوراب الحلقة الثانية:

بعدما مشي وتسكع أبو حسن لساعات دخل بمسرحيته المعهودة إلى الدي ترين في محطة الويست فور. إشترى بضعة قطع معدنية مخصصة للقطار ودفش إحداها في الشق ونزل في النفق ناظرآ إلى أفيشات الأفلام المعروضة حالياً والتي بدأت تثير إهتمامه هنا وهناك. لاحظ أبو حسن الوجوه التي أصبحت معتادة له من سفرته بهذا القطار لأسبوع فقط. كانت علائم صغيرة تدل علي أصلهم وفصلهم كالثياب والموسيقا التي يسمعها البعض منهم والجرائد التي يقرأها البعض أيضاً. أحس أبو حسن بأنه ينتمي لأسرة كبيرة وابتسم ومن ثم فتل شاربه الضخم الذي بالطبع جلب الإنتباه له من الركاب المنتظرين في المحطة. وعندما أتى القطار حاول أبو حسن الدخول بسرعة لأن رحلته طويلة إلى شقته في بروكلين.

نيشن أبو حسن على مقعد على النافذة ذو فوائد متعددة. فأولاً كان أبو حسن مدركاً لوجوده قرب الزجاج وذلك لإمكانية التدقيق بأناقته في لحظات. ثانياً: أراد أبو حسن الإستمتاع بمنظر مانهاتن والإيست ريفر ومايمكن مشاهدته عندما سيعبر القطار من فوق جسر مانهاتن الشهير. وعندما عبر القطار بعد محطة الكانال ستريت بدت مانهاتن كعروسه بثوب من الألماس راقبها أبو حسن بإعجاب وإنبهار. تمتع أبو حسن بذلك المنظر وفتل شورابه ودقق قليلاً بهندامه وظبط قبعته. بالطبع أعاد أبو حسن تفتيل شورابه مرة أخرى ولاحظ بأن بعض الركاب مهتمين بحركاته.

إبتسم أبو حسن للبعض وخصوصاً للحريم وأخذت السيناريوهات تتلاقى في مخيلته. في إحدي تلك السيناريوهات كانت ليلى تجلس بجانبه في القطار متجهين للسهر في المدينة الكبيرة.

عندما وصل أبو حسن إلي الشقة التي يشارك غسان أجارها لاحظ وجود شخصين لايعرفهما. كان يبدوا عليهما الثراء وبسرعة قدم أبو حسن نفسه ليتعرف على سليم والعزوري الذين يملكا عدة محلات في بروكلين حيث كان غسان مدير أحدها. عرف أبو حسن من لهجتهما أنهما من حلب وسرعان ماعرف أيضاً أنهما يعرفان المعلم نقولا قليلاً. وقالا له بأنهما يذهبان عادة إلي نادٍ ليلي عربي في نفس المنطقة وأنهم يفكرون بعمل ذلك.

فرح أبو حسن بهذه الرفقة الغير منتظرة والتي حلم بأمثالها منذ أن أتى إلي نيويورك. لهذا فذهب بسرعة وفتش في حقيبته وسرعان ماعاد بشريط لصباح فخري أنزله في الستيريو بسرعة ليحسن مزاج الجلسة. ترك سليم وغسان الشقة ليعودا بعد قليل بالكثير من البيرا وبعض الفستق. في تلك الأثناء فكر أبو حسن بسرعة ودخل إلي الحمام وتحمم على السريع ليغير ملابسه إلى ملابس أكثر ملائمة للسهرة التي أصبحت متوقعة الآن. بدا أن التعب الذي كان من المفروض أن يشعر به أبو حسن أن يمنعه عن التفكير بالخروج والذهاب إلي الفراش قريباً ليكون جاهزاً للعمل مع المعلم نقولا في اليوم التالي.

كان صباح فخري يقول: خمرة الحب إسقينيها هم قلبي تنسينيه....عيشة لاحب فيها جدول لاماء فيه، بينما كان الأربع رجال يقرعون زجاجات البيرة ويتمازحون. بالطبع كانت هناك بعض التلميحات لشوارب أبو حسن الذي بدا وكأنه قد وضع شيئاً لماعاً كالبرينطين على ذلك الشارب الهائل الذي أصبح يلمع في تلك السهرة. تحدث أبو حسن مع العزوري وسليم عن أمور الموضة وسرعان ماإكتشف بأن هناك مجال له في عالم الأناقة والتجارة أكثر من توصيل الطلبات في المدينة عند المعلم نقولا.

بعد العديد من البيرا وجد أبو حسن نفسه في المقعد الخلفي من سيارة العزوري الفخمة في طريقهم إلى النايت كلوب في مانهاتن. كان صباح فخري سيد الموقف أيضاَ وعندما وصل الجميع إلى غايتهم حظظوا وعثروا على مكان لركن السيارة بقرب مقصدهم.

في النايت كلوب كانت الأمور حابكة. كان المطرب المتأنق الديناميكي يغني إحدى الأغاني الشائعة وكان المكان مزدحماً. بسرعة شق العزوري وسليم والشباب ورائهم طريقهم وبعدما همس العزوري بضعة كلمات وعشرين دولاراً بخشيش على السريع كانت هناك طاولة في إنتظارهم في أفضل الأمكنة الإستراتيجية في المرقص. رجعت الغرسونة الأنيقة المثيرة بملابسها بزجاجة من الفودكا ومعها عصير البرتقال وبضعة كؤوس زائد الثلج الذي جلبته في حاوية مخصصة نقش عليها إسم المكان بحروف ذهبية.

سكبت الغرسونة بضعة كؤوس وتمنت للشباب صحة جيدة وأبدت إعجابها بشوارب أبو حسن قبل أن تسأل الجميع أن ينادوا لها إذا إحتاجوا لشيئ. بدا على أبو حسن أنه قد أصيب بأحد سهام كيوبيد.

لفت العزوري وسخائه إهتمام البعض وعندما رقص غسان وسليم قرب بعض الفتيات كان الآتي متوقع وبعد قليل أتت شلة من الفتيات ومعهم القليل من الذكور إلي طاولة العزوري الذي طلب زجاجتين آخريتين من الفودكا وتوابعها أيضاً.

غمرت السعادة أبو حسن النصف سكران في تلك اللحظة وإبتدأت عيناه بالتنقل بين الفتيات الموجودات في المكان وبعدما لم يحظظ بسرعة فقرر أن يحاول مع الغارسونة التي كانت تخدم طاولتهم بحرفنة وبإبتسامة.

عرف أبو حسن أن إسمها إيلينا وأنها روسية وتسكن في كوني أيلاند وتأخد نفس القطار مثله، مما جعل الحديث عن ذلك القطار محور محادثتهما. بعدما نضب الحديث عن القطار إنتقل أبو حسن ليجاوب على أسئلتها المتعلقة بشاربه الضخم. سألها عن رقم هاتفها وردت عليه وقالت له بأنها سوف تكتبه وتعطيه إياه فربما يأتيان للتسوق في مانهاتن. كان أبو حسن قد أخبرها بأنه سوف يعمل قريباً في حقل الأزياء وأنه سوف يترك عمله الحالي.

بعدما أغلق النادي الليلي وجد أبو حسن والشباب أمام محل مأمون الشهير للمأكولات الشامية حيث إشترى العزوري للشباب شاورما وفلافل فلش مع طرطور وشاي كي يفيقوا قليلاً أثناء رحلة العودة إلى بروكلين.

مرة أخرى وجد أبو حسن نفسه يعير جسر مانهاتن بأتجاه بروكلين، ولكن هذه المرة في سيارة العزوري الذي قال لأبو حسن أن يترك عمله في مانهاتن وأن يعمل في أحد محلاته فهناك فرص للعمل أحسن.

فكر أبو حسن بهذا الكلام مع أنه سكران نوعاً ما ونسيه عندما وصل إلى شقته مع غسان ليذهب بسرعة إلى فراشه ليسقط في غياهب النوم بسرعة قياسة وبعمق جعله لايفكر بجرس يفيقه للذهاب إلي محل المعلم نقولا في الوقت المحدد له.

عنما أفاق أبو حسن كان الوقت متأخراً وبلهفة إتصل بالمعلم نقولا ليخبره بإن المنبه لم يعمل في ذلك الصباح. بالطبع لم يعر المعلم نقولا إنتباه لهذا وأخبر أبو حسن بالقدوم بسرعة وأنه كان متيقظاً لهذا الإحتمال فلهذا فلديه خطط إحتياطية دائماً.

عندما وصل أبو حسن إلى المطعم تفاجأ عندما وجد ليلى تبكي والمعلم نقولا يضحك. كانت الأمور مبهمة وعندما حاول جلب إنتباهمها ضج المعلم نقولا بالضحك وقال: "ياأبو حسن انت شغلة مع هالشوارب...هاهاهاهاها شوارب...حكيلوا ياليلى شوصار وشوبدون العالم من هالشوارب؟"

لم يفهم أبو حسن شيئاً وصرح بذلك للتو. سكتت ليلى عن إصدار أصوات الأنين وأخدت تضحك ببطء.

تعجب أبو حسن من هذه الحالة أيضاً ولكن ليلى لم تعطه الفرصة وبادرته بالكلام: "أتعرف ياأبو حسن لماذا يطلب الزبون الساكن فوقنا طلبيات دائماً ويطلب أن توصلها أنت بالذات؟"

رد أبو حسن بسرعة: لأنه يعرف بأنني الأفضل فلهذا فهو لطيف جداً ويحترمني ويعزمني إلى داخل منزله كل مرة..ومرة دخلت وكان لديه حفلة كلهم من الشباب وبعضم أمسك بشاربي وكانوا لطيفين جداً معي."

قاطعته ليلى: بالطبع سيكونوا لطيفون معك ومعي مثل أولاد الكلب."

أدرك أبو حسن من الحديث أن الزبون رجل يجب الرجال وهم كثر في منطقة عمله حيث تعد تجمعاًكبيراً للرجال من ذلك النمط المعيشي. عندما أدرك ذلك أبو حسن كان المعلم نقولا مستغرقاً بالضحك والإستمتاع ولم يعر إنتباهاً لأبو حسن الذي خرج من المطعم إلى الصيدلية المجاورة ليعود بعد قليل ويدخل الحمام ويختفي لساعة علي الأقل ليخرج عندما قرع المعلم نقولا علي باب الحمام لمرات عديدة ليخبره بتوصيلة تتنظره.

عندما خرج أبو حسن من الحمام، خرج رجلاً جديداً. لم يعرفه المعلم نقولا للتو من دون شوارب، وكذلك لم تعرفه ليلى وكل العاملين في المطعم. كان أبو حسن يحمل شاربه القديم في كيس من الورق في يده وعندما خرج لتوصيلته علي البسكليت رمى بذلك الشارب إلي برميل القمامة الموجود على زاوية الشارع الرابع عشر الغربي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رمز الرجولة الوهمي
صلاح يوسف ( 2009 / 11 / 30 - 22:18 )
أحسن شيء قام أبو حسن بفعله هو رمي الشوارب في سلة الزبالة. نهاية موفقة ورائعة جداً .. دمت محباً للأدب ومساهماً في إحياء البعد الإنساني.


2 - أصبت الهدف مرة أخرى
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 30 - 23:03 )
الصديق العزيز أبو هزاع
تحية أخوية
عاشت الأيادي ، تمتعت بالقصة كما في الفصل السابق ، وكما قلتُ لك سابقاً فانت احسنت جداً في رسم هذه الشخصية الكاريكاتيرية المرحة ( أبو حسن ) وكأني أراها مجسمة امامي ، وهذا يدل على إجادتك القلمية في الوصف والتعبير
لم تنوه لنا إن كان المسلسل قد إنتهى أم لا !! ، فأن لم يكن قد إنتهى فأنت في موقف حرج لأن إسم القصة ( شوارب ) وأنت قطعت شوارب الرجل يا زلمي ، وهنا فعنوان القصة لن يكون مناسباً إذا إستمرت ، أما في الأحتمال الثاني .. وهو أن القصة قد إنتهت فهذا ما ارجو أن يكون ، كونك ختمتها أو لنقل قفلتها بصورة حلوة وذكية ( قفلة معلم ) ، رغم إنني كنت أتمنى لو كان هناك حلقات جديدة لأنها كانت مسلية وخفيفة الهضم وتصور لنا شخصية رجل من مواطنينا المهاجرين بدقة وكأننا نعرف هذا الرجل ، فهو يشبه إبن عمنا أو إبن خالنا أو أحد أقاربنا ومعارفنا
إذا كانت هذه نهاية القصة فأطلب منك المزيد يا صاحبي ، ولتكن قصتك المرة القادمة لجزء واحد ، لأنها عندما تكون في جزئين أو أكثر تفقد بعض بريقها بسبب صعوبة المتابعة حيث الجمهور اليوم يريد ويطلب كتابات تشبه وجبات الطعام السريعة
شكراً جزيلاً ولو أحببت أن تتواصل معي فعنواني في أعلى صفحة مقالاتي
تحياتي وإلى عمل جميل آخر


3 - صباح فخري
رعد الحافظ ( 2009 / 12 / 1 - 03:25 )
خمرة الحب إسقينيها ...همّ قلبي تنسينيه....
عيشة لاحب فيها....... جدولٌ لاماء فيه..آه آه آه
............
http://www.youtube.com/watch?v=PA0XofIlYZY
يعطيك العافية يا أبا هزاع ....على هذهِ التذكرة
تذكّرت وصف صديقي وليم لأداء هذا العملاق الغنائي , كان يقول : هل تعرفون حنجرة مثل مايملك صباح فخري؟
.................
ربة الوجه الصبوحِ...انتِ عنوان الأمل
أسكري من لدنِ روحي
خمرةُ الروح ......القُبَلْ
إنْ تجودي ...ف صليني
وضعتُ لكم الشريط لتسمعوه مع بيك العرق
وشوارب أبو حسن تروح فدوه لصوت صباح فخري
تحياتي للجميع


4 - أخانا العزيز
قارئة الحوار المتمدن ( 2009 / 12 / 1 - 08:35 )
يا صاحب عبارة _ كلام فاضي _ طلع كلامك بالمليان , جميل


5 - ردود
أبو هزاع ( 2009 / 12 / 1 - 09:35 )
شكراً أخ صلاح على قرائتك للقصة وأقول لك بأن الكثير مما لدينا مصيره سلة القمامة مع التحية

الأخ الحكيم تحية وشكراً على كلماتك اللطيفة وبالطبع أبو حسن واحد مننا وعن القصة فهي بالأصل قصة قصيرة ولكنني كتبت عن أبو حسن بسرد طويل ولكنني سوف أقصها كحكايات وسوف تسمع مني بالطبع ياصديق..مع التحية

الأخ المحترم رعد تحية وأشكرك على رابطك إلى أغنية العملاق صباح فخري وقضيت بعض الوقت أتسمع إليه...أشكرك على لطفك ومع التحية


6 - احسنت
علي الأسدي ( 2009 / 12 / 1 - 15:13 )
الأخ ابو هزاع
تحية لك
أهنئك ، وكما أبدعت في فن الترجمة ، أراك تبدع في كتابة الرواية ، وليس هذا فحسب ، بل وفي كسب الأصدقاء أيضا ممن يتصدون في كتاباتهم للفكر الرجعي المتخلف ، الحكيم البابلي ورعد الحافظ وصلاح يوسف خير مثال على ذلك، وربما السيد شامل عبد العزيز ايضا ينضم أليهم قريبا ، بعد أن يقتنع بأن حوارك السابق معه حول مقالاته الكثيرة عن الأديان لم يكن مشاكسة أو حوارا من أجل الحوار ، فحوارك معه كان موضوعيا وإن تميز أحيانا بنبرة حادة ، فهو كغالبيتنا نحن العراقيون طيبون ، برغم الفكرة السائدة عنا بأننا سريعي الغضب ، لكننا حسني النيات ولا نضمر سوء على أحد.
أهنئك وأشد على قلمك من أجل المزيد من العطاء لصالح شعبنا المكافح.
أخوكم
علي الأسدي


7 - يلماز غوني
سردار أمد ( 2009 / 12 / 1 - 16:01 )
ذكرتني برواية يلماز كوني (صالبا) عندما خرج الرجل من قريته ذات العادات والتقاليد التي تحترم الشارب والسبحة (او المسبحة)...وكبداية لأنطلاقته ورغبته في تغيير نفسه أول شيء رمى السبحة (أو المسبحة) في سلة القمامة، لأنه فكر ولم يجد لها أية فائدة تذكر.
تحياتي للسيد محمد أبو هزاع


8 - ردود
أبو هزاع ( 2009 / 12 / 2 - 02:28 )
تحية لأختي القارئة وأنا من متابعي فكرك النير المتميز وأشكرك على الأطراء.

الأستاذ الأخ على تحية وأقول لك بأن الإختلاف في الرأي علامة جيدة وأنا مع كتاب التنوير والتقدم أينما كانوا وبالنسبة لي الماضي ماضي وإختلافي مع البعض لايعني عدم إحترامي لهم بل على العكس.

الأستاذ سردار أحييك أخي الكريم وأشكرك على إضافتك وتعرف أنت ماهي قيمة العادات والتقاليد في مجتمع التقليد. سلامي لك

اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-