الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آنَ لماضينا أنْ يصبح حاضراً

محمد أبوعبيد

2009 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لعل مفردة "نحن" هي الأكثر عندنا استهلاكاً فباتت علينا هلاكا ً، وهي في الغالب مقترنة بالماضي لا الحاضر ولا نقرنها بالمستقبل . هي المفردة التي تتفجر ذراتها وتتطاير شظاياها إذا حقق الآخرون إنجازاً علمياً أو كان لهم الفضل في ما يضاف إلى تكنولوجيا العصر ، فلا منفعة حينئذ أن نُذكّر فقط بعباس بن فرناس وجناحيه في وجه من يصنع طائرات الركاب العملاقة ، من دون أن تمسسنا نفحة من فضل صناعتها وليس لنا في ذلك إلا ركوبها ، ولا جدوى في أن نُذكّر بقدرة الأمويين على صناعة الدبابات الخشبية وتطوير المنجنيق أمام صُنّاع المقاتلات والبوارج العصرية ما دامت الخلايا الدماغية العربية دخلت في غيبوبة غير قسرية، ولا فائدة من تذكير سويسرا بالعباسيين وفضلهم في "مكنكة" الساعة البدائية وإهداء الخليفة هارون الرشيد الساعة الدقاقة إلى شارلمان، ملك فرنسا، والتي أذهلت الأوروبيين آنذاك.

ما أسرعنا في استحضار "نحن" وإلصاقها بالماضي في زمن التسارع والتنافس نحو المستقبل ، وفي زمن تجنيس الصناعات الكبيرة من دون أن تَعْرف هذه الصناعات الجنسية العربية ، فتشتهر ألمانيا بسياراتها ، واليابان بالكترونياتها ، وأمريكا بأسلحتها وأنظمة الحاسوب ، وفرنسا بعطورها ، وإيطاليا بأزيائها ، والبرازيل بكرة القدم ، ونحن نشتهر بأفعال الماضي.

ليس استحضار الماضي المشَرِّف من المثالب ، فهومدعاة للفخر، لكنه يمسي من الخطايا إذا اتخذنا منه مُسَكّنا ً لا يخطو بنا نحو المستقبل ، فناطحة سحاب اليوم لا تشمخ على أعمدة الطين حين كان الطين فولاذ الماضي ، وربما ناطحات المريخ المستقبلية لن تقوم على أسس ناطحات اليوم ،إنما على ما يطيح بفولاذ اليوم ،إذ ينتهي الماضي ويذهب بريحه ما كان صالحاً آنذاك وما استطاع أن يستوعبه العقل البشري .
كان أوْلى لنا ونحن نستحضر الماضي أنْ نصيّره خريطة طريق للمستقبل ،لا مجرد فصول في مناهجنا الدراسية أو عبارات يمررها خطباء الجمعة ، ولا مجرد حربة نشهرها في وجه عباقرة اليوم، لكن التقاعس عن تنشيط عناصر الماضي الفاعلة ، الخاملة في حاضرنا ، جعلنا من غير أهل كيمياء هذا العصر وبتنا مثل عناصر لا تقبلها المعادلات الكيميائية.

لا عجب ، إذنْ، أنْ نحطم كل الأرقام القياسية في تباهينا بماضينا ، كوْن حالنا آلت إلى ملجأ العجزة ،حيث عزاء النزلاء تذكُرُ الصبا وأيام أنسِه ، وشقاوة الشباب ، وقدرة العظم والعضلات على تحمل مشقات العمل ، تلِْكم هي الصورة المصغرة عن الصورة الكلية لمجتمعاتنا بتفكيرها وسلوكياتها . ليس في هذا الكلام أي مبغى للتقليل من إنجازات يعود رصيد تحقيقها إلى العرب والمسلمين في القرون الخوالي، ولا تقزيم عبقرية الماضي ، لكن أسى الحاضر يستدعى أن ننفث في شرايين الماضي لإعادة النضارة إليه وجعْله قادراً على الحركة وتنشيطه لامتطاء جواد الاختراعات والصناعات حتى نكون من المساهمين في جودتها .
من المحزن أن تكون مجتمعاتنا فَتِية بأفرادها ،عجوزا ً في حركتها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30