الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات 2009 المغربية ونهاية مشروعية الأحزاب السياسية.

كريم اعا

2009 / 12 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


اكتمل المشهد الانتخابي أخيرا بالمغرب بفوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة مجلس المستشارين وما رافق ذلك من تراشق بالاتهامات والاتهامات المضادة بين مكونات ما يعرف بالأغلبية الحكومية.
محطة أخيرة لمسلسل شد أنفاس مهندسيه والمنخرطين فيه؛ وعرف لا مبالاة بينة من قبل شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين.
وإذا كانت الأحزاب السياسية ببلادنا قد أسهبت في الحديث عن حيادية / سلبية / تواطؤ أجهزة الدولة طوال المحطات الانتخابية المنتهية، فإننا نشهد خفوت أصواتها وانخراطها في تدبير ما بعد اللحظة الانتخابية بشكل يثير العديد من التساؤلات والشكوك حول طبيعة منطلقاتها الفكرية والسياسية، حول رؤاها التنظيمية ومدى وفائها لشعارات كثيرا ما احتلت مقدمة حملاتها الدعائية الانتخابية.
إن اللحظة الانتخابية بالشكل الذي تدار به من قبل الأحزاب المنخرطة فيها أو الرافضة لها؛ وما يترتب عنها من مواقف وممارسات تسائل التنظيمات السياسية من زوايا عدة أهمها مشروعيتها التاريخية والسياسية والديمقراطية.
الزاوية الأولى تعيد إلى الواجهة الحديث عن مقولة المشروعية التاريخية التي كثيرا ما اغتصبتها بعض الكائنات السياسية في مواجهة معارضيها أو منافسيها.
والثانية غالبا ما يتم تذويبها في بحر من الشعارات الديماغوجية المفتقدة لذاكرة حقيقية تجعل المبادئ عمدة ومرتكزا لا يقبلان المساومة.
أما الثالثة فتظل رهينة بتقدم أو تراجع الأداء المصلحي الضيق لعناصر حزب ما في مواجهة المصارعين الذين قد يكونون جزءا من المشهد الحزبي أو الدولتي المؤسسي.
1- المشروعية التاريخية:
تعتبر بعض الأحزاب نضالها ضد الاستعمار المباشر أساسا لمشروعية تاريخية أعطتها قصب السبق في ساحة تقبل الزمن التاريخي في خطيته حكما وغشاء عذرية لم يستطع اللاحقون اكتساب حقوق ملكيته الفكرية. إلا أن بروز أطروحات جعلت التاريخ يتجاوز الزمن ليصب في مهام تنسجم وتطور صيرورته، جعل النقاش ينتقل من الشكل إلى الجوهر.
هكذا أصبح النضال من أجل التحرر من الاستعمار، كسر قيود التبعية والإذلال الذي مورس على الشعوب المستعمرة، بناء اقتصاد وطني يستجيب لحاجيات المواطنين الملحة، توفير ظروف معيشية تضمن الكرامة والمشاركة الفعلية في الحياة السياسية لجماهير ظلت تعيش الاستغلال والاضطهاد، بناء هوية تنسجم وتطلعات البشرية نحو مجتمع إنساني عادل ومتساو...إلخ، بوابة حقيقية لولوج التاريخية من بابها الواسع.
المتتبع لمآل المناصرين للطرح الأول أو الثاني؛ في علاقتهم بتدبير اللحظة الانتخابية وما يترتب عنها من نتائج، يصطدم بعدد من الأسئلة تشكك في مشروعية تاريخية مزعومة لأحزاب ابتعدت عن المهام التاريخية المؤثثة للحظات ولادة تحتاج النبل والصدقية.
فأين هي أحزابنا السياسية من شعار التحرر من التبعية الاقتصادية؟
أين هي من شعار بناء أمة مغربية تغرف من التراث الإنساني وتتنكر لكل الدعوات الهوياتية الضيقة؟
أين هي من بناء مؤسسات حداثية تنسجم على الأقل والتراكمات التي حققتها الليبرالية في بلدان نشأتها؟
أحزابنا التاريخية منشغلة بتفويت الخدمات العمومية لشركات الرأسمال الأجنبي وخوصصة ما تبقى من قطاعات استرجعت بفضل تضحيات أجيال بأكملها وتكريس واقع اجتماعي لا يقبل تفاوتاته التاريخ ولا يستسيغه منطق التغيير الديمقراطي.
ومخافة الكفر بمشروعية تاريخية جعلتها الأحزاب جسر عبورها نحو ممارسة يومية نبذت التاريخ والتفت على بطشه، نتساءل عن السر في تراجع المرجع التاريخي ودروسه في خطابات كياناتنا السياسية وارتكازها على اللحظة وارتهانها بها. وعن السر في تراجع المهام التاريخية أمام المهام اليومية التي تبعد أكثر فأكثر أصحابها عن شعارات التأسيس المتسمة بجرعات نبل وعفة زائدين، وتدفعهم لرفع لواء الديمومة المصبوغة بالممكن و"النضج" السياسيين.
تراجعت المشروعية التاريخية بعد أن أصبحت عبئا يصعب حمله؛ وتهمة في زمن عولمة ليبرالية تقصف دعاة الحرية والانعتاق من الفكر الرجعي، الاقتصاد المتوحش والنظام "التناوبي" المزعوم.
وبدأ البحث عن مشروعية قد لا تتطلب تضحيات كبيرة أو مواقف بطولية، بل تلاعبا بخطابات ومواقف قد لا تنطلي على أقرب المقربين لأصحابها.
انتهى الزمن التاريخي بخطيته أو بمضامينه، وأفسح المجال لخواء وفراغ قاتلين ضحيته الأولى تطلعات مواطنين ومواطنات يعانون البؤس والحرمان، ويذهبون ضحية ممارسات تبعدهم عن المساهمة في الحياة السياسية والثقافية الحقيقيتين لهذا الوطن، وتجعلهم وقودا لطاحونة اقتصاد استقوى على المشروعية التاريخية وركنها في سرداب لا تتسرب إليه شمس التغيير والتحول البنيويين.
2- المشروعية السياسية:
استطاعت الأحزاب السياسية في معاقل ولادتها أن تجعل من برامجها السياسية، مرجعياتها الفكرية وتصوراتها التنظيمية، حجر الزاوية في حياتها اليومية. في حين أن الأحزاب "صنع بالمغرب" تثير العديد من التساؤلات حول توفرها على مقومات الحزبية المتعارف عليها في عالم الفكر السياسي:
• ممارسات باركنسونية تطغى على البرنامج السياسي إن وجد.
• مواقف مضللة تضع ألف علامة استفهام حول المنهل الفكري ومراجعاته.
• قرارات فوقية تسائل الخط التنظيمي وتنقضه.
• تحول البرامج الحزبية إلى "تطبيق الإرادة الملكية والبرنامج الملكي".
• تحول الفكر إلى كفر بكل ما هو تنويري، ناقد، مشكك وشقي.
• تحول التنظيم إلى زاوية بشيوخ كثر ومريدين يتناقصون يوما عن يوم.
لم نرث من الإيجابي الذي راكمته البشرية إلا الجوانب الشكلية. فبدلا من أن تعلن الممارسة السياسية عن اصطفاف صريح، ولو في حدوده الإصلاحية الدنيا وتفرض الإصلاح الدستوري كمحور نقاش ساخن، وتكرس سلطة مؤسسات تكون بوابة لتطبيق برنامج متعاقد حوله مع أنصار ومتعاطفين هم السند والغاية، وتطلق معارك كإصلاح القضاء وتوسيع هامش الحرية والتعبير بكل أشكاله، تتحول –أي الممارسة السياسية- إلى ولاءات غير مشروطة تقترب في أحايين كثيرة من الخنوع والانبطاح.
وإذا كانت الانتخابات في الأنظمة الليبرالية جزءا من عملية "ديمقراطية" حسنة الإخراج، فإنها بالمغرب جزء من صراع مصلحي؛ انتهازي ومفضوح، يكرس الفكر القبلي والهوياتي الضيق، وتحالفات هجينة لا تتأسس على منطلقات سياسية وفكرية بل على مصالح ضيقة تجعلها أقرب إلى مساومات تنتهي بصفقات.
المؤسسات المنبثقة عن مثل هكذا ممارسات تتسم بالضعف وبالتالي يستحيل أن تخلق تراكمات سياسية ومؤسساتية. اللهم المزيد من سلطة الفرد وإبعاد المواطنات والمواطنين عن الفعل والشأن السياسيين.
المشروعية السياسية الحالية للتنظيمات الحزبية أفرزت مناضلين من طينة خاصة، لا يجيدون مناقشة البرامج ولا الدفاع عن مواقف قد تبعدهم عن أشعة الشمس، بل يعززون مواقعهم "بشكارة" دسمة تأتي على الأخضر واليابس مما تبقى من واجهة سياسية مترهلة.
عادت المفاهيم القديمة حول علاقة السياسي بالاقتصادي وارتهانه به، وكيف تحول الرأسمالية كل شيء سلعة تباع وتشترى، ليس آخرها مواقف الأنصار ومبادئهم، لكن من دون جدالات فلسفية وحوارات ساخنة بل بأساليب ديماغوجية وبشعة.
وبدل أن تسائل الأحزاب مقومات مشروعيتها، نراها تعلق على شماعة المقاطعة وعزوف المغاربة عن المشاركة في اللحظة الانتخابية، الوقائع المثبطة لهمم مناصريها والمتعاطفين معها.
القادة المنهمكون في صراعاتهم حول عمادات المدن ورئاسة الجماعات، نسوا أو تناسوا مؤاخذاتهم حول ما يعتبرونه تقطيعا انتخابيا محبوكا، سلبية الدولة أو تواطؤها مع أحزاب جافاها البعض وقال فيها ما لا يتسع المجال لذكره، لكن طلب ودها سرا وعلنا وفي أكثر من مناسبة، وعقد معها "تحالفات" وفي نفسه "ولو مع الشيطان".
الممارسة السياسية بما هي صراع حول السلطة لم تعد تجد لها سبيلا إلى واقع أحزاب سياسية "تستنجد بالملك بدل الدعوة للإصلاح الدستوري"، وتضحي ببرامجها الورقية خدمة لبرامج واقعية تمارس في الميدان وبقوة لا تقبل التعايش أو الجدال.
3- المشروعية الديمقراطية:
لن نتوقف عند النقاشات التي تتمحور حول الديمقراطية المفهوم، بل سنقتصر فقط على الديمقراطية كآلية تستند إلى فعل انتخابي تبحث عبره الأحزاب عن مشروعية تجعلها قادرة ومؤهلة للحديث عن التدبير اليومي لقضايا مرتبطة بوكالات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات ومعالجتها والنقل الحضري والإنارة العمومية والتنقل وتنظيم السير، ومشاريع التنمية الاقتصادية...إلخ بعيدا عن القضايا الكبرى التي ترهن مستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية.
صفقت أجهزة الدولة ومعها الأحزاب السياسية لنسبة المشاركة في الانتخابات الجماعية الأخيرة والتي بلغت 52% . لكن ما لم يمتلك إلا القليلون الجرأة للوقوف عنده وتحليله ونقل حقيقته للمواطنات والمواطنين هو نسبة 11% من الأصوات الملغاة، و سبعة ملايين مغربي ومغربية الذين لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية رغم أهليتهم لذلك، و نسبة المشاركة المتدنية في المدن والتي لم تتجاوز في مدينة معروفة بوزنها الاقتصادي والديمغرافي كالدار البيضاء نسبة 29%. في بلد تبلغ ساكنته حوالي 33 مليون نسمة صوت في النهاية أقل من 6,5 مليون شخص.
الأحزاب المشاركة في اللحظة الانتخابية استطاعت في محصلة الأمر أن تؤسس لمشروعية ديمقراطية، تسائل حقيقتها الحزبية وحقيقة الفئات التي تصطف إلى جانبها بعيدا عن الشعارات الديماغوجية والمزايدات الدعائية.
مؤشر آخر يبعد تنظيماتنا السياسية وأجهزة الدولة عن الحداثة وربيبتها الديمقراطية، ويتمثل في ارتفاع نسبة المشاركة في البوادي مقارنة بالمدن. وهو ما يمكن تفسيره بارتكان الفاعلين في اللحظة الانتخابية إلى تراكمات ما قبل ديمقراطية حيث سلطة المجتمع الأبوي وسيطرة الأعيان والروابط العائلية والقبلية، إلى جانب الحضور الكبير لأجهزة الدولة بمختلف أساليبها. إن نسبة 47% من المغاربة لا يزالون يعيشون في القرى بما يجعلهم خزانا لتجميل مسلسل انتخابي أعلن عن رداءته منذ بدايته وصار لزاما تدارك انهياره باللجوء إلى ما قبل التاريخ ودروسه.
إننا أشبه بمن يعد طبخة بمواد فاسدة أو منتهية الصلاحية، والنتيجة ستكون وجبة مسمومة قد لا تظهر أعراضها في التو واللحظة، لكنها تسمم ببطء هذا الجسد المغربي الكادح الذي يريدون له أن يظل ممسوسا وغير معافى.
المشروعية الديمقراطية تتطلب أولا وأخيرا القطع مع أساليب التسيير القروسطوية، مع أفكار ما قبل الحداثة، مع الممارسات المذلة والمهينة لنبل الفعل السياسي، وامتلاك الجرأة على قلب الطاولة، والزهد في المناصب والمقاعد الوثيرة، واختيار طريق المجابهة والمواجهة التي لا تنقطع بمرور مرحلة زمنية ما بل تظل شعلة تتوهج كلما تطلب التغيير المنشود ذلك.
أحزاب تصفق لنتائج تتأسس على معطيات كالتي أوردناها سابقا غير جديرة بالحديث عن حقها في تمثيل المغاربة كل المغاربة، غير جديرة بإعطاء دروس في التاريخ والحزبية والديمقراطية لأي كان.
وماذا بعد؟
الرابح الأول في هذا المسلسل هي النظم الاقتصادية والسياسية والفكرية القائمة. هو اقتصاد الريع والتبعية للرأسمال الأجنبي. هي سلطة الفرد بكل أشكالها وتلاوينها. هي الثقافة الرجعية التي تكرس النقل والخطوط الحمراء.
والخاسر الأكبر هي الملايين من الباحثين عن ظروف عيش كريمة تحفظ الكرامة وتوفر ظروف الانعتاق من الاستغلال والاضطهاد.
قد تعمر الرداءة بمختلف أشكالها طويلا، لكن التطرف اليميني أسهل نبتة قد تنتجها لاستمرار هيمنتها وطرح الأسئلة والقضايا الخاطئتين.
البلد بحاجة لتنظيمات لا تجاري الأحزاب القائمة في أدائها، بل تعيد للتاريخ والحزب والديمقراطية معانيها النبيلة وتستطيع مواجهة التضليل الذي يطل برأسه ونسمع هديره في مختلف ميادين الحياة.
المشهد السياسي المغربي بحاجة لرجال ونساء من طينة العظماء الذين لم ترتبط أسماؤهم بفضيحة سياسية، مالية أو أخلاقية، إنما بمواقف مبدئية واضحة وبممارسة تروض الأنانية والانتهازية الضيقة لترمي بها في خندق أصحابها الحقيقيين. أناس ينكرون ذواتهم وينذرون أنفسهم للعمل في الظل تاركين أعمالهم وإسهاماتهم تتحدث عنهم وتؤرخ لمسيرتهم.
الوضع الحالي يفرض الكفر بكل المسلمات التي كرسها أداء حزبي انقلب إلى ضده، والإيمان بقدرة المغاربة البسطاء على المشاركة في بناء بلد لا يستقوي فيه أحد بسلطته، بنسبه، بجاهه أوبوساطاته. بلد تكون الإرادة الحرة لمواطنيه ومواطناته بوابة لبناء مؤسسات ديمقراطية حقة، تنتصر للتاريخ وللمهام العظيمة التي يطرحها على جدول أعماله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة