الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- وعد بوش- و السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني

سلامة كيلة

2004 / 6 / 14
القضية الفلسطينية


"رؤية" بوش لقيام دولتين "تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن" التي أطلقها في حزيران سنة 2002، خلقت بعض الأوهام حول "الخطوة الأميركية الكبيرة" نحو دعم قيام "دولة فلسطينية"، ومنعت رؤية الهدف من طرحها قبيل الحرب على العراق. لكن "وعد بوش" الذي جاء في الرسالة التي وجهها إلى شارون في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، شكل صدمة لدى الذين اعتقدوا بجدية "رؤية بوش"، رغم أن بوش في رسالته تلك يشير إلى رؤيته الخاصة بالدولتين، إسرائيل اليهودية والدولة الفلسطينية، حيث بدا أنه يدعم "خطة الفصل" التي أعلن عنها شارون، والمتعلقة بانسحاب من غزة وترحيل المستوطنين منها إلى مستوطنات في الضفة الغربية، وإكمال "جدار الفصل" وتقديم ما يقرب من عشرة مليارات دولار من أجل ذلك والاحتفاظ بـ"الكتل الاستيطانية الكبيرة" في الضفة الغربية، وبالتالي عدم اعتبار حدود سنة 1967 مقدسة، ثم لاعودة للاجئين (أو توطين اللاجئين في الدولة الفلسطينية غير القابلة للنشوء).
كما تكرر التأكيد في الرسالة على التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل وبحدود آمنة يمكن الدفاع عنها، وبصيانة قدراتها على الردع ضد أي تهديد أو"مزيج ممكن من التهديدات". وحقها بـ"الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب بما في ذلك اتخاذ إجراءات ضد المنظمات الإرهابية". والتزامها "أمن ورفاه إسرائيل دولة يهودية".
وبالتالي إذا كان جورج بوش قد "التزم" قيام دولة فلسطينية، فإن وعده يجعل إمكانية ذلك مستحيلة، لأنه وافق شارون على تصوره للحل النهائي، القائم على التخلص من غزة (مع محاصرتها وربما تنصيب عملاء فيها)، وإكمال تشكيل المعازل التي تحصر الفلسطينيين في كتلتين سكانيتين (أو ثلاثة) منفصلتين ومحاصرتين، ويكرس سيطرة الدولة الصهيونية على أكثر من نصف أرض الضفة الغربية. كما يبقي المعابر والأجواء تحت السيطرة الصهيونية. ويمكن على ضوء ذلك إعطاء شكل للحكم لا يتجاوز "الحكم الذاتي" أو "النظام الإداري". والدولة الأميركية تموّل كل هذه العملية وترعاها دولياً، حيث تعزّز الضغط على الدولة الأوروبية من أجل الموافقة على تعديل حدود سنة 1967، وهذه الحدود التي هي غير مقدسة، وتطالب دول العالم بالتصفيق لشارون على الخطوة الكبيرة التي سوف يقوم بها.
هذه الأمور باتت واضحة، أو أتمنى أن تكون قد باتت واضحة. حيث انتصرت رؤية شارون للحل النهائي بعد أن أصبحت سياسة أميركية، أو بعد أن أعلنت كسياسة للإدارة الأميركية. وهنا سيبدو واضحاً التداخل بين السياستين، اللتين تبدوان كسياسة واحدة، الأمر الذي يفرض إعادة رؤية الدور الصهيوني في الاستراتيجية الكونية الأميركية، التي يتبدى "الشرق الأوسط الأعظم" كحلقة مركزية فيها. ليكون البحث عن دور الدولة الصهيونية في هذا "الشرق الأوسط الأعظم" مبرراً، وضرورياً، لأن المسألة لا تتعلق بالموافقة على الحل النهائي للمسألة الفلسطينية فقط، بل يرتبط بموقع الدولة الصهيونية وبدورها في "الشرق الأوسط الأعظم"، فهذا "الشكل" للحل النهائي فيما يخص المسألة الفلسطينية هو الذي يسمح للدولة الصهيونية أن تكون لاعباً أساسياً في خريطة "الشرق الأوسط" الذي كان صغيراً ًقبل ذلك (حيث كان يشمل المشرق العربي فقط)، وأصبح ضخماً يمتد من المغرب إلى أواسط آسيا ومن وسط أفريقيا إلى آسيا الوسطى الإسلامية. وهو الدور الذي طمح إليه شارون ذات مرة حينما كان وزيراً للدفاع بداية ثمانينات القرن العشرين، ووصلت قواته إلى بيروت في حرب سنة 1982.
بمعنى أن الدولة الصهيونية ستبدو مركزية في الاستراتيجية الكونية الأميركية، أكثر من كل الدول الرأسمالية الأخرى، التي ستبدو تلك الاستراتيجية وكأنها تقزّم تلك الدول، لتحلّ محلّها "الإمبراطورية الأميركية". هذا الأمر يفرض البحث في طبيعة العلاقة بين الدولة الأميركية والدولة الصهيونية التي سيبدو أنها أكثر من " تحالف استراتيجي" تقرر أواسط الثمانينات من القرن العشرين، إنها "ارتباط عضوي" يحوّل الدولة الصهيونية إلى مركز أميركي أو "كتلة" أميركية في "الشرق الأوسط". لهذا ينطرح السؤال حول دور القوة العسكرية الصهيونية في صياغة "الشرق الأوسط الكبير" بالترادف مع القوة العسكرية الأميركية خصوصاً بعد اتفاقهما منذ زمن على دور مشترك في "الحرب على الإرهاب". فأين ستوظف تلك القوة؟، خصوصاً بعد إعلان الرؤية المشتركة للحل النهائي للمسألة الفلسطينية، ستكون سوريا ولبنان في مرمى الهدف خصوصاً أن سوريا هي "الهدف التالي" في الأجندة الأميركية (حسب ريتشارد بيرل، وحسب كل المؤشرات). فهذا الدور ربما هو "المفتاح" الذي يفكك عقد الصراع العربي الصهيوني، ويخرج الدولة الأميركية من "مأزق" العراق، ويفرض الدولة الصهيونية قوة هيمنة مكملة لـ (وتحت رعاية) الدولة الأميركية. حيث يفرض على من سيصبح سلطة في سورية توقيع اتفاق مع الدولة الصهيونية يكرس التنازل التام لها، الأمر الذي يجعل الضغط (أو الفرض) الأميركي على كل الدولة العربية الأخرى مجدياً ويقود إلى اعتراف شامل بها، وبالتالي إدخالها في النظام الأمني "الشرق أوسطي" كجزء من السيطرة الأميركية، ولتتحول إلى مركز اقتصادي للشركات الاحتكارية الأميركية، ينتج لسوق واسع هو "الشرق الأوسط الأعظم".
إذن إن "وعد بوش" هو المكمل لمشروع "الشرق الأوسط الأعظم"، والضروري لتحقيق هذه الاستراتيجية المشتركة تفرض إعادة صياغة الرؤية لترابط الصراع المحلي والعربي والعالمي، لأنها تؤسس لأن تصبح مواجهة الهجوم الإمبريالي الأميركي الصهيوني من الأولويات التي تحتاج إلى ترتيب الفعل المقاوم، وصياغة استراتيجية (ورؤية) شاملة، تجعل إعادة بناء الحركة المجتمعية الفعلية ممكنة. خصوصاً وأن "الاحتقان العام" الذي نشأ عن الحرب الصهيونية في فلسطين والحرب الإمبريالية الأميركية في العراق (وقبلها في أفغانستان)، يفرض إعادة تنظيم النشاط المقاوم، وبالتالي يعزّز من أهمية إطلاق الحركة المجتمعية عبر الديمقراطية، التي لم تكون ممكنة إلا بالحركة المجتمعية كذلك.
أفق المسار الذي تدخله المنطقة العربية يفرض إعادة صياغة الأهداف وترتيب الأولويات، حيث أجهضت محاولة التطور وأعيدت المنطقة إلى هيمنة الدور الإمبريالي، الذي عاد كقوة احتلال وتحكم و"تغيير" أو فرض، لتعود آليات السيطرة الإمبريالية ذاتها، وللأهداف ذاتها.
ربما نشهد تكرار "وعد بلفور" (وبدء الاستعمار) والنهوض التحرري العربي ثم انكساره، وقيام الدولة الصهيونية سنة 1948 وبالتالي تكرار النهوض التحرري العربي الذي تلاشى خلال العقود الثلاثة الماضية، وكان احتلال العراق الشاهد على نهايته. فهل أن "وعد بوش" و"مشروع الشرق الأوسط الأعظم" هو المؤسس لنهوض تحرري عربي جديد؟ أو ربما يجب القول، إن ذلك يفرض نهوضاً تحررياً عربياً جديداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء