الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما تخلد قصة وفاء كلب ياباني !

يوسف ابو الفوز

2009 / 12 / 3
الادب والفن


مؤخرا زار الممثل الهوليودي ريشارد جير (مواليد 1949) ، المعروف عنه نشاطه السياسي وكونه يؤمن " أن الحرية والليبرالية ملك للجميع "، ومعروف أمر دعمه للشعب الفلسطيني ، زار العاصمة الايطالية ، روما ، ليس لبرنامج سياسي في دعم اقليم التبت في الصين ، بل لحضور العرض الأول لفيلمه الجديد "هاجيكو ، قصة كلب " ، الذي يروي قصة كلب ياباني شهير يحمل هذا الاسم كان رمزاً للوفاء النادر . الفلم من اخراج لاسي هالستروم (مواليد 1946) السويدي الاصل، الذي عرف جيدا باخراجه الاشرطة الموسيقية المصورة لفرقة ABBA الغنائية السويدية الشهيرة ، واخرج أيضا بعض الافلام التي لم تنل الاهتمام الكافي في حينها ، ولكن بعد نجاح فلمه "حياتي ككلب " في عام 1985 ، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب السويدي ريدار يونسون ، ونيل هالستروم العديد من الجوائز العالمية عن اخراجه للفيلم ، صار يعمل في هوليود واخرج عدة افلام رشح بعضها وتنافس على جوائز الاخراج . هذه المرة يبدو ان هالستروم توقف عند قصة الكلاب من جديد ، هذا اذا ما تذكرنا انه في فلمه " حياتي ككلب " كان بطل الفلم في تداعياته يكرر مرارا حكاية الكلبة لايكا الشهيرة التي ارسلها الاتحاد السوفياتي عام 1957 في مركبة فضائية الى الفضاء الخارجي من دون رجعة .
ان الاطلاع على تفاصيل القصة الحقيقية لهذا الكلب الياباني الذي يتناوله فلم هالستروم الجديد ، يجعلك تتوقف مليا عند قصة تعتبر مثالا نادرا للوفاء تجعل الانسان يقف حائرا ومتسائلا : كم هو بني آدم بحاجة لأن يتعلم من قصص الحيوان ؟ اعجبني قول الفنان ريشارد جير وهو يتحدث عن الفلم الجديد لوسائل الاعلام بان : "الحيوانات ليست أسيرة الماضي، فنحن نفكر في الأمس ونحلم بالغد ، في حين الماضي والحاضر ليسا من الأمور الواقعية. أما الحيوانات فهي تعيش في الواقع تماماً". وقال الفنان ريشارد جير إنه تأثر كثيراً عندما قرأ قصة الكلب هاجيكو، التي قال عنها إنها تؤكد أن "الحب الحقيقي ليس له بداية أو نهاية ... لدرجة أنها هزته من داخله وجعلت دموعه تفيض " . ويعتبر النقاد مساهمة الفنان ريشارد جير في الفلم طبيعية ، انطلاقا من تقديره وارتباطه بالفلسفة الشرقية ، فالفلم الجديد ، اقتبس قصته عن قصة حقيقية ، سبق وقدمتها السينما اليابانية قبل عشرين عاما بأكثر من فلم . الفلم الحالي اجرى بعض التغيرات في بعض التفاصيل وكيفها للحياة الامريكية ، لكنه حافظ على الخطوط الدرامية الاساسية للقصة الاصلية، فالممثل ريشارد جير ، الذي هو ايضا يساهم في انتاج الفيلم ، يمثل فيه دور استاذ الموسيقى باركر ويلسون الذي يعثر ، وهو في طريق عودته من عمله ، على جرو مهمل فيأخذه معه الى البيت على اساس مؤقت ، فيجابه باعتراضات زوجته كاتي ويلسون ، التي لعبت دورها الممثلة جوان ألين ، وتتطور القصة ليكون الكلب بالتالي جزءا من العائلة . ودرج الكلب على انتظار استاذ الموسيقى ، الذي غمره بالحب ، عند عودته من العمل ، وبالرغم من اختفاء أستاذ الموسيقى وعدم عودته بسبب موته المفاجيء ، يواصل الكلب انتظار صاحبه في نفس المكان لسنوات طويلة . وطوال هذه السنوات الطويلة من الانتظار في محطة القطار يتعرف ويتلمس الكلب هاجيكو حياة الناس الذين يعملون بالقرب من مكان انتظاره .
النقاد اعتبروا الفلم مصنوع لاجواء العائلة ، وان الاطفال خصوصا سيحبونه كثيرا ، وان لحظاته النهائية ستجعل دموع الامهات والأباء تطفر قسرا . وذكرت التقارير انه خلال تصوير الفيلم تم أستخدام ثلاثة كلاب بالغة وعشرين جروا لتؤدي دور الكلب هاجيكو ، ومعها عدد لا يستهان به من مدربي الكلاب !
فما هي تفاصيل القصة الحقيقية لهذا الكلب الوفي ؟
كان الكلب المخلص هاجيكو Hachikōمن فصيلة أكيتا إينو (1923 - 1935) ولد في مدينة أوداته ، محافظة أكيتا اليابانية . أُحضره إلى مدينة طوكيو معه في عام 1924 البروفسيور اوينو Hidesaburo Ueno الاستاذ في كلية الزراعه في جامعة طوكيو . كان الكلب يرافق البروفسيور الى محطة قطار شيبويا يومياً في الصباح وينتظره يوميا بعد الظهر عندما يعود في الساعه الثالثة عصرا في زاوية من المحطة. وظل على هذه المنوال يوميا ، وفي يوم من الايام ، وهو في الجامعة تعرض البروفسيور الى ازمة صحية ادت الى وفاته . لكن الكلب هاجيكو ظل على برنامجه اليومي في انتظار صاحبه الذي لن يعود . ولاحظ الناس استمرار وجود الكلب ، وعرفوا قصته ، وكونه ينتظر صاحبه الميت، فراح الكثيرين يطعمونه، وسمح مدير المحطة ببقائه بعد ان لاحظ انه لا يؤذي الناس وخصص له مكانا للنوم ، حتى بادر احد طلاب البروفسيور واخذ الكلب للاعتناء به ، ولكن هاجيكو مع ذلك ظل على برنامجه في انتظار البروفسيور كل يوم الساعة الثالثة بعد الظهر، وظل على هذا الحال من الانتظار لمدة عشر سنوات . أكرر لمدة عشر سنوات !!
وبما لكل قصة من نهاية ، ففي يوم من الايام في سنة 1935 ، وتحديدا في الثامن من اذار وجدوا الكلب هاجيكو ميت عند المحطة في المكان الذي اعتاد ان ينتظر صاحبه فيه ، ولغرابة قصته تم تحنيط وحفظ جثته في المتحف الوطني للعلوم في طوكيو !
قصة وفاء هاجيكو كتبت عنها الصحافة اليابانية في حينها كثيرا ، والفت عنه العديد من الكتب ، وانتشرت بين الناس في عموم المدن اليابانية ، أعجابا بوفائه الذي صار رمزا له ، فأقيم له عام 1934 نصب من البرونز لتخليده ، الطريف أن الكلب هاجيكو كان حاضرا في حفل افتتاح التمثال الاول ، لكن هذا التمثال وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية تم استخدام معدنه الثمين يومها في صنع الاسلحة . بعد انتهاء الحرب ، وفي عام 1948 تم اعادة صنع تمثال هاجيكو من جديد ، والذي لا يزال موجودا في المكان الذي اعتاد ان ينتظر صاحبه فيه وعينيه بأتجاه باب الخروج ، ويعتبر من معالم مدينة طوكيو السياحية حيث يزوره الالاف من السواح بأستمرار، وهو مكان معروف جيدا في مدينة مزدحمة مثل طوكيو ، فمن الطبيعي ان تسمع الناس ببساطة يقول لبعضهم البعض : انتظرني عند هاجيكو ! . يذكر ان هناك تمثال اخر للكلب هاجيكو في مسقط رأسه امام محطة مدينة اوادته في ولاية اكيتا . ودخلت قصة الكلب هاجيكو في المنهاج المدرسي للتلاميذ اليابانيين ، وهناك عيد خاص كل عام في اليابان لمحبي الكلاب يقام عند تمثال الكلب هاجيكو حيث يصطف الالاف في طوابير طويلة للانحناء له وتحيته والدموع في اعين الكثير منهم ، وفي المناسبات السعيدة ، كولادة طفل أومغادرة المستشفى وغيرها ، يكون تمثال مجسم صغير من الكلب هاجيكو افضل هدية علامة على الوفاء والاخلاص .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ناس تعرف معني الاشياء
محسن ( 2009 / 12 / 3 - 12:36 )
قصة موحية


2 - شكراً
ميشيل الشركسي- شمال القفقاس /روسيا ( 2009 / 12 / 3 - 22:45 )
الى الأستاذ المبدع الصديق يوسف
شكراً على المقال، تحفة انسانية، الكلاب أوفى من كثير من الناس في زماننا، الذين ماتت قلوبهم وتعفنت، يتصرفون كالضواري مع الناس الآخرين وخصوصاً المخالفين لهم بالدين والمذهب واللون... طوبى لك ولقلمك

اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا