الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (الاختيار)

غسان سالم

2009 / 12 / 3
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في هذا الكتاب يؤشر بريجنسكي على أمريكا بأنها مهووسة بأمنها الخاص ويخاطبها بـ(أمريكا القلقة)، ويؤكد بأنها ستصبح (منعزلة في عالم عدائي) ان استمرت بهذا السلوك الأحادي، وسيتحول موطن الأحرار إلى (دولة حصن عسكري).
ويعتقد ان شعور أمريكا بـ(القلق) يعود لكونها القوة الأعظم في العالم، وهذا الموقع يؤجج مشاعر العداء، وهذا الشعور -القلق- يزداد بسبب انتشار تقنيات الاتصال والقدرة على صنع أسلحة الدمار الشامل، ليس بين الدول فقط بل حتى من قبل مجموعات سياسية تعادي أمريكا، لأنها كما قلنا مركز القوة العالمية (سياسيا،اقتصاديا، عسكريا).
ويقول "ربما تكون أمريكا فريدة في قوتها في المنظور العالمي، لكن أمنها الداخلي مهدد بشكل فريد-، قد يكون اضطرارها إلى العيش في مثل هذا الجو من انعدام الأمن حالة مزمنة على الأرجح".
والقضية الأهم التي يؤسس بريجنسكي أفكاره المتعلقة بـ(خيارات أمريكا المستقبلية) هي الأمن الأمريكي، وتزايد المخاوف داخل الولايات المتحدة من الخطر العابر للمحيط. والشعور بالقلق يحرك صاحب القرار لاتخاذ إجراءات أحادية (الهيمنة)، والسلوك هذا سيقود حتما لانهيار أمريكا بسبب تزايد الكراهية لهذه الهيمنة، ليس من الأعداء بل حتى من قبل حلفاء كانوا لوقت قريب من اشد المناصرين لأمريكا ، لكنهم باتوا يشعرون ان أمريكا بدأت تتحول إلى قوة عسكرية غير عقلانية، وبدأ يخبو البريق الأمريكي كونها ارض الديمقراطية، ومركز الإشعاع الحضاري، وهنا يطرح بريجنسكي مقولته المستقبلية (القيادة بدل الهيمنة)، إشراك القوى الأخرى كالاتحاد الأوروبي واليابان والصين، وغيرها من القوى الإقليمية في توحيد الجهود، لتكون أمريكا القائد لهذه الشراكة، وسيعمل هذا الخيار (الاستراتيجي) على تقليل حالة الكراهية، ويمنع نشوء تكتلات معادية لأمريكا، ويناقش خيارات هذه التحالفات بشكل مفصل ويعطي جميع احتمالاتها.
ويرى ان البر الأمريكي يرتبط بالحالة العامة للشؤون العالمية "يتعين من الآن فصاعدا اعتبار الأمن الأمريكي مرتبطا بشكل وثيق بالوضع العالمي".
ويستعرض في كتابه هذا، مراحل تطور مفهوم الأمن القومي الأمريكي، ويحدده بثلاث مراحل ويطلق عليه بـ(الجدال التاريخي بخصوص دفاعها القومي) وهذه المراحل هي:
الجدال الأول: الذي ظهر مباشرة بعد الاستقلال ودار حول (هل تمتلك الدولة جيشا نظاميا في أوقات السلم) حيث رفض الكونغرس في البداية الموافقة على تأسيس جيش نظامي.
الجدال الثاني: والذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى، اثر رفض أمريكا الانضمام لعضوية (عصبة الأمم) واستمر ثلاثة عقود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودخلت أمريكا في (منظمة الأمم المتحدة)، والتزمت أمريكا بالحفاظ على امن أوروبا، واعتباره الخط الأمامي للدفاع عن الأمن القومي الأمريكي.
الجدال الثالث: وما يزال مستمرا، وظهر بعد أحداث (11/أيلول) ويتضمن السؤال عن المدى الذي ينبغي ان تذهب إليه الولايات المتحدة في تعزيز أمنها الخاص، وعن التكاليف المالية والسياسية، وحجم المخاطر بروابطها الإستراتيجية مع حلفائها.
ويعتبر صيانة القدرة العسكرية غير كاف دون بذل الجهود في تعزيز الاستقرار في المناطق غير المستقرة، والتي يتحدث عنها بتفصيل واسع، ويحددها بمصطلح جديد (البلقان العالمي) ويقصد بها المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى كسين جيانغ، ويحث أمريكا على التخلص من الأسباب الدافعة للعنف السياسي، لان هذه المناطق غير المستقرة (البلقان العالمي الجديد) تدفع إلى نمو مجاميع سياسية معادية لأمريكا، وهذه المجاميع باتت قادرة أو على وشك ـ امتلاك أسلحة الدمار الشامل، لانتشار تقنيات صناعة هذه الأسلحة، ليس عند الدول بل حتى المنظمات غير المرتبطة بدولة.
وينتقد الديماغوجية في وصف وتفسير العداء لأمريكا، وتعريف هذا العداء بأنه (شر)، كوصف إدارة بوش الابن (محور الشر) أو أعداء الله والإنسانية عندما يتم التحدث عن (القاعدة) ، واعتبر ذلك ناتجا عن النوازع الدينية للرئيس، وخاصة استخدامه عبارات لاهوتية في توصيف الأحداث، صراع بين (الخير والشر) ويعتبر هذه التوصيفات مفيدة في الحصول على تعبئة شعبية، لكنها في المدى البعيد لا تمثل أساسا منطقيا، ومبهمة للغاية، لكن بريجنسكي وقع في الخطأ ذاته فقد استخدم عبارة إنجيلية في وصف أمريكا في نهاية كتابه هذا "لا يمكن ان تخفي مدينة مبنية على جبل... هكذا فليضئ نوركم قدام الناس ليروا اعمالم الصالحة". انجيل متى (5:14-16)
ويرى في عبارة (الحرب على الإرهاب) غير مفهومة، فالإرهاب هو (أسلوب أو تكنيك) وهو من تقنيات الحرب، تستخدمه المجموعات والدول، ويسأل ما معنى ان تشن أمريكا حربا على (الأسلوب) دون تشخيص من هو (العدو) ويقول "لم يعلن احد عند بداية الحرب الثانية ان الحرب تشن ضد الحرب الخاطفة".
وينتقد السياسة الأمنية، والسياسة الخارجية لأمريكا، التي تضع الإرهاب محورا أساسيا، ويعتبر هذا المحور ضيقا، واعتبر أطلاق الحرب على الإرهاب مفهوما ضبابيا، لا يحتوي على تعريف واضح للعدو "تعريفها للعدو غامض جدا".
ويدعوا أمريكا للعمل المشترك وليس الأحادي، لإشاعة الاستقرار في منطقة (البلقان العالمي) لأنها أساس الاضطراب السياسي الحاد، والسيطرة عليها يعني السيطرة على العالم، لما تحتويه من كثافة سكانية متداخلة بين أقوام وشعوب لم تتحقق فيها أسس الدولة الصحيحة، ويعتبرها الخطر الحقيقي على الأمن العالمي، ولتحقيق هذه السيطرة والاستقرار فان أمريكا بحاجة إلى حلفاء دائميين يرتبطون معها.
وهنا يطالب أمريكا بتطوير حلف الناتو وجعله حلفا بين أوروبا وأمريكا وليس حلفا بين ست وعشرين دولة قومية، بعد ان تتحقق شروط الوحدة الأوروبية (السياسية والعسكرية) والتي يعتقد بتحققها بعد عقدين من الزمن، ويدعوها إلى ترسيخ (علاقة أمنية أكثر بنيوية) مع اليابان والصين.
وبرأيه هذا ما سيجعل أمريكا تستمر بتفوقها وبقيادة العالم، لان الهيمنة ستنتهي لا محال أو كما يقول "الهيمنة ما هي إلا مرحلة تاريخية عابرة"، فأمريكا بإشراكها حلفاء أقوياء اقتصاديا وعسكريا، وسيجعلها هذا تستمر بدورها المميز في العالم وستعطى الشرعية لسلوكها الساعي للحفاظ على أمنها، فأمنها الداخلي مرتبط بالأمن العالمي، بحسب بريجن وأخيرا يرسم بريجنسكي في كتابه هذا (الاختيار) طريقا مستقبليا لأمريكا كي تحافظ على دورها التاريخي المميز، لما تمتلكه من قدرات خلاقة، ويؤكد على قادتها "تشجيع الوعي المتنامي للمصير المشترك للبشرية، فالمصلحة المشتركة تقتضي إيجاد توازن بين العوائد والمسؤوليات، وتفعيل القدرات لا الإملاء، وأمريكا في وضع فريد يؤهلها لقيادة تلك العملية.


الاختيار
(السيطرة على العالم أم قيادة العالم)
تأليف زبيغينو بريجنسكي
ترجمة عمر الأيوبي
الناشر: دار الكتاب العربي 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا