الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يُركز البعثيون على مسألة العشائرية ؟

عادل الخياط

2009 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



ذات يوم كنت أجلس مع صديق في هذه المدينة الكندية التي أرقد فيها , نتحدث عن العراق ومآسي العراق وتاريخ العراق وحزب العراق الشيوعي وغيرها . كنا نتحدث ونحتسي الخمر .. فجأة رن جرس التلفون .. الصديق المشار إليه شيوعي , وأمضى ما يقرب العشرة سنوات في كتائب الأنصار في كردستان , وتعرض للضرب الكيمائي في أحداث الأنفال إلى حد إنه إلى الآن آثار السلاح الكيميائي على جسده . وبعد كردستان إستقر هذا الشخص في سوريا , وبعدها إنتقل إلى - كندا - .. ولأنه قد كونَ علاقات أثناء تواجده في سوريا , ولأنه كذلك من النوع المردانة في إعطاء الفلوس لمن هب ودب فقد ظلت ذكراه خالدة لأصحابه هناك , ولأن أحد أصحابه كان قد إتصل به من بضعة أيام فقد حدثني عنه : وقال عنه إنه بعثي عراقي من جماعة سوريا وإنه إنسان طيب وصاحب علاقات كثيرة مع أركان الحُكم في سوريا .. لم أعبأ بما قاله عنه لكن ظلت المعلومات التي ذكرها لي في رأسي.. وفي اليوم التالي كانت رنة التلفون من هذا الشخص , قال له بأنه محتاج فلوس , فأجابه : عندما تتوفر عندي سوف أرسل لك , أما الآن فليس عندي أي نقود .. ثم أشار عليه أن يتحدث معي : هذا صديقي أحب أن أعرفك عليه والتحدث معه , في البدء سلم علي وأنا كذلك , وبعدها أثارني سؤاله التالي : من أي عمام أنت ؟ .. إستغربت وضحكت على السؤال , وقلت له : ماذا تعني من أي عمام , وأضفت له : أنتم البعثيون دائما تسألون عن العشيرة , ما هو سركم في ذلك التساؤل , هل هو من ضمن عقيدكم العروبية , أو هل في إجتماعاتكم الحزبية يُضخ فيكم هذا المفهوم العشائري !؟

التعلق البعثي بالمفهوم العشائري لا تستشفه من هذه الواقعة , لأنك ليس مغربيا أو تونسيا أو جيبوتيا .. أنت عشت وسط هذا الرعاف في العراق , وعلى معرفة مطلقة من هم عناصر البعث التي كانت تدور الفُلك في العراق , من رأس الهرم صدام وعشيرته إلى القادة العسكريين العشائريين إلى التشكيلات القيادية الحزبية التي جلها من الأعراب , مع التأكيد هنا على خصخصة المفهوم العشائري , بمعنى ليس بالضرورة إن الفلان الحزبي يعيش ضمن الحاضرة المدنية منذ عشرات السنين .. كلنا ننتمي لمجتمع قبلي , الشعب العربي عموما يُوصف إنه شعب قبلي , لكن الإنعتاق من هذا المفهوم الحجري هو الجوهر هنا...وتعود لتقول أو تبرهن هذه الحقيقة في عراق البعث .. لناخذ مثالا بسيطا لذلك :

شخص عسكري , جندي عادي , أُلقي القبض عليه قرب جسر ( محمد القاسم ) بين قضاء الدير والبصرة , جسر محمد القاسم على بُعد خطوات من مقر قيادة الفيلق الثالث في البصرة .. أقتيد هذا الشخص إلى قائد الفيلق - ماهر عبد الرشيد - القائد الماهر سبَ هذا الجندي ولعنه حتى آخر هلبة صفراء في شواربه , وبعد أن أكمل قال له الجندي : هل تعرف من أنا , أنا إبن - بدر الرُميض- يُقال - والعُهدة هنا على مراسل ماهر عبد الرشيد الذي كان حاضرا في هذه المواجهة - يُقال إن عبد الرشيد قد قال لهذا الجندي : حبيبي كان المفروض بك من البداية أن تقول لي إنك إبن بدر الرُميض .. ومن ثم أكرم هذا الجندي مع هالات التقدير والإحترام !!
والتكريم لم يأت من فراغ , فيُقال إن - بدر الرُميض هذا - هو شيخ عشيرة الرُميض في مدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار , وإنه يضع مشعلا من النار فوق أحد التلال ليستدل بها التائه , وإنه أشبه بحاتم الطائي في تكريمه لهذا التائه , وان بدر الرُميض مُتزوج من مئة إمرأة , وإن أبنائه واحفاده لا يُحصون! ! ولذلك فإن القائد العسكري , ولكونه عشائريا تحركت في صميمه الجرثومة العشائرية فندم على فعله الأول ومن ثم أغدق ما أغدق على الجندي المُهان والمُكرم لاحقا .

هذه واقعة يرافقها قرار مناقض , ومن ثم فِعل مُعاكس لهذا النقيض .. القرار إن نظام الحكم السابق في العراق كان قد ألغى الألقاب في سنوات الثمانينات , ما معناه لا تسمية بإسم : الدوري , أو الدليمي , أو العبودي .. وغيرها من الألقاب العشائرية.. لكن الغرابة إن هذا القرار بدل أن يأخذ مجراه في التنفيذ , فقد كان التنفيذ مُعاكسا تماما للقرار , بحيث إن العشائرية أخذت تتوغل في شرايين الحياة العراقية : التسميات والأفعال العشائرية ..

وهنا هي العلة الكبرى للبعث في هذا التركيز , فهو أصلا مُؤسس على هذا المفهوم : مفهوم العربي الذي تكتنفه القوة التاريخية التي بمقدورها خلق الخوارق , مع إنها قد أوجدت الخوازق وليس الخوارق , مع يقيننا إن العربي مثله مثل أي كائن على هذه الأرض , من الممكن أن يكون خارقا وعاجزا ولصا ومجرما وأنسانيا وجميلا وفنانا .. وغيرها من السمات .. أما إنك تعطيه مميزات فوقية فهذه هي الكارثة الكُبرى , وهذه بالذات التي وصمت البعث بالنازية , هذه هي الأصداء التي قالت عنكم أيها الشراذم إنكم فاشست نازيين , ليس منظورا فكريا فقط إنما فعلا إجراميا مُجسدا في الواقع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف