الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة في المجتمع الفلسطيني تدق ناقوس الخطر.!

محمد داود

2009 / 12 / 5
القضية الفلسطينية


استيقظ المواطنون في قطاع غزة على أخبار أتحفتهم بها وسائل الإعلام تفيد بمقتل الطفل "فرج الله" بطريقة فجة ومروّعة، مما أفسدت فرحتهم وأفزع الأطفال خاصة وأن الجريمة تزامنت مع حلول أيام عيد الأضحى المبارك؛ فتحول بذلك الفرحة وبسمة العيد إلى استياء وخوف. حيث كانت الجريمة أقسى من القسوة نفسها، فقد شوهت عدالة نضالنا ومكانة قضيتنا الوطنية وجسدت تعبيراً آخر للحقد الأسود الذي يملئ أفئدة الجناة الذين يعانون حقيقة من حالة نفسية مضطربة. فما يثير الخنق والغضب حقاً حول مسوغات ومبررات أفعال هؤلاء الأشرار، أنهم كيف ارتضوا لأنفسهم إزهاق نفس بشرية بريئة في عمر الزهور بهذه الطريقة البشعة المؤلمة ..! وبكل استهتار يعترف الجاني بفعلته ويبررها أنه تأثر بمشاهدة فيلم سينمائي إجرامي.
وهكذا يتضح أن المجتمع الفلسطيني يقع من جديد ضحية لجبروت وقسوة بعض السفاحين من قطاع الطرق ليرتكبوا جريمتهم، بطريقة مفزعة ومفجعة ومؤلمة ومحزنة ومثيرة للهول والأسى بقتلهم لطفلٍ بريءٍ وقبل أسابيع كانت الضحية عجوز مسنة، فهل من معاني الرحمة أو الإنسانية اكتنفت وقائع الجريمتين وجرائم أخرى وقعت خلال الأشهر الماضية تقشعر منها الأبدان، ومقتل الطفل "فرج الله" كانت تمثيلاً مشيناً وقتل متعمد مع سابق الإصرار والترصد الغرض منه الانتقام بطريقة وحشية لم نعهدها من قبل في المجتمع الفلسطيني أو في مجتمعات عربية أخرى. ويمكن قراءة طريقة وضع ألاصق على منطقة الفم والآذنين وتكبيل المجني عليه بالسلك ووضع كيس من البلاستيك بعد ضربه بآلة حادة على الرأس وهو نائم.
وهذا يدلل أن جرائم القتل يمكن أن تتكرر حتى وإن كانت مجرياتها عبر التلفاز أو الإعلام، أما بخصوص خنق العجوز المسنة فإن الغاية كانت السرقة، ويتضح من ذلك أن الظروف الاجتماعية والفقر وانتشار ظاهرة البطالة...الخ، وفي أي كانت الظروف، فإن الخطورة تكمن أن ينحرف المجتمع الفلسطيني ويتواصل ارتكاب هذه الجرائم الغريبة بشكل طبيعي، وهو يكشف عن مرحلة خطيرة ينساق إليها المجتمع الفلسطيني دون مراعاة للوازع الديني والأخلاقي والنضالي للشعب الفلسطيني. وبمعنى أخر؛ كيف سيكون الموقف بعد سلسلة من الجرائم الميدانية التي وقعت مؤخراً من قتلٍ وخطفٍ وبترٍ أطراف وتعذيب دون وجه حق؛ تم تبريره وتشريعه بمصادقة من المستوى السياسي والتصريح به لايزال مستمر من "تحريض وتكفير"، والتي يمكن اعتبارها بمثابة ترسيخ لهذه الثقافة، "ثقافة العنف وارتكاب الجريمة" وكانت النواة الأولى الكافية لغرس هذه الثقافة في نفوس أطفالنا وأبنائنا حتى أصبحت هي سمة الحالة الفلسطينية السائدة والتي يصعب مكافحتها إضافة لجرائم تعاطي السموم والعقاقير ونصب واحتيال وقضايا أخلاقية وشرف وفساد يندى لها الجبين واهتز لها عرش الرحمن واقشعرت منها الأبدان لاسعنا عرضها، ليغرق بذلك المجتمع الفلسطيني في أتون المظاهر السلبية من انتشار ظاهرة البطالة ورعباً وإعاقات وصراعات من أجل الاستحواذ على كابونة وأمراضاً وقلق نفسي ومعيشة ضنكه نتيجة الحصار، حتى بات حديث المارة بالدعوة للرحيل والهجرة إلى أماكن يكون فيها المواطن أكثر استقراراً ويعيش الإنسان فيها بكرامة وآمان، ونحن نؤمن ونسلم بالقضاء والقدر خيره وشره.
إن عسكرة المجتمع الفلسطيني وغياب منظمات حقوق الإنسان وتقيد دورها، وما تعرض له النظام السياسي الفلسطيني نتيجة الاقتتال الفلسطيني الداخلي"الفصائلي والعائلي" من أجل الاستحواذ على السلطة واستخدام القوة والسلاح لنفي الآخر، هو رفض وشطب للشريك السياسي؛ وهي إحدى أدوات الجريمة السياسية التي فرضت لاحقاً ظاهرة الفلتان والفوضى الأمنية في المجتمع الفلسطيني وأوجدت مظاهر وتداعيات غريبة ومرفوضة في تاريخ شعبنا المقاوم. جرت ومثلت حالة من القلق والرعب والإرباك وهي كانت المدخل أمام تفشي هذه الظاهرة المرفوضة، خاصة أنها ارتكبت بغطاء سياسي وبوازع ديني، عندما قامت عناصر محسوبة بإلقاء مناضلين على خلفية سياسية من أعلى أسطح البنايات المرتفعة وتعذيب الآخرين حتى الموت، وهذه الجرائم وغيرها "حمى الجريمة" عانى منها مجتمعنا الفلسطيني، وخلّفت ورائها جيشاً من المعاقين والضحايا بلا رحمة أو شفقة، ومثلت مدخلاً نحو المضي قدماً في عالم الجريمة واستباحة الدم الفلسطيني المقدس حتى بخّست من ثمنه وجعلته ورقة رابحة رهينة في عصمة أفراد و دول إقليمية.
وهذا يكشف عن مدى خطورة الوضع الاجتماعي الفلسطيني ويشكل إنذاراً مبكراً ما لم تضع السلطات الثلاثة حداً لهذه الآفة الخطيرة والكشف على ملابسات الجريمة والقبض على الجناة ووضع نهاية حازمة لهذه الظاهرة التي أصبحت تفتك بآمن مجتمعنا المناضل، وتساق في وسائل الإعلام المحلية والدولية فاحتلت مكانة بارزة وردود فعل جمعت بين المعالجة والاتهام، فمنهم من رأى أن الانقسام يشكل أحد أعمدة تفشي الظاهرة وآخر من اعتبر في ضعف الأجهزة الأمنية سبباً، بينما حمل البعض الأوضاع الإنسانية التي يعيشها المواطن.
مسلسل الجرائم مختلف كما ذكرنا، والجديد أنه قد ازدادت جرائم التفجيرات سواء الداخلية أو بأيدي خارجية لاسيما تلك التي وقعت مؤخراً في ظروف يكتنفها الغموض تحت مسمى "مهمة جهادية" كما ازدادت ظاهرة الانتحار خاصة في صفوف النسوة، وتفجير المحلات التجارية والانترنت ومهاجمة مؤسسات خدماتية أو سلب محتوياتها أو إغلاقها بذريعة دواعي أمنية أو سياسية أو عدم حصول المؤسسة على التراخيص ألازم.
وعلى أي حال فإن في خضم غياب القانون ودور القضاء واستشراء حالة الفلتان الأمني وفوضى السلاح والاقتتال والتحريض والتخوين عبر وسائل الإعلام ورفض المصالحة الوطنية التي تسهم في رأب الصدع الفلسطيني لوضع نهاية لتدهور الأوضاع الاقتصادية التي ذهبت إلى مستويات متدنية، وتراجع الخبرة الشرطية في مكافحة الجريمة أو كشفها دون محاسبة المرتكبين ينذر بتطور آخر نخشى منه خاصة في ظل الانفجار السكاني للقطاع وغياب الأفق السياسي والمستقبل المجهول الذي يكتنف العملية السياسية ومواصلة العدوان الصهيوني واندفاع المجتمع الفلسطيني إلى مزيد من التشرذم والتفكك الأسري وسوء العلاقات الاجتماعية وتفسخها، جميعها تفرض واقع مغاير وانسياق نحو مزيد من الاضطهاد ما لم يتحسن الوضع الإنساني المعيشي ويقف القانون بحزم ضد هذه الفوضى العارمة؛ التي فاقت كل التصورات، العقل والضمير وكل المعايير الدينية والأخلاقية وتقاليدنا وتاريخنا النضالي.
كاتب وباحث










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام