الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا

ياسين تملالي

2009 / 12 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


عدد السبت ٥ كانون الأول ٢٠٠٩
لم يؤلمني شيء من العنصرية التي تذكر بها الجزائر ومصر في بعض وسائل إعلام البلدين كما آلمني مقال يوسف زيدان "ذكريات جزائرية"، "الصادر في "المصري اليوم" في 25 نوفمبر 2009. كان أحرى بمن كتب دفاعا عن "عزازيل" أن "العنف لا يرتبط بجوهر الديانة" بأن يردد أنه ليس كذلك من "جوهر الجنسية الجزائرية"، بدل إقناع قرائه بأن الجزائريين مثال للعنف وكل الصفات الذميمة من جبن وتعصب وتأهب دائم لـ "فقأ العيون".


ولنبدأ حديثنا بعنوان المقال: "ذكريات جزائرية". بحثنا عن أكثر من ذكريين شخصيتين فلم نعثر على شيء. الذكرى الأولى لسفر (لا نعرف تاريخه) ولما قاساه خلاله من "برد قارس" و"إهمال شديد"، والثانية لمعركة لفظية مع طلبة جزائريين "كانوا مثالاً للغباء والعنف الداخلي، والتعصب المطلق"، وصفوا مصر جهلا بالتخلف، فذكّرهم هو، متعالما، بأن "المغرب بلد حقيقي عرفناه فى التراث وفى الحاضر، ولكن تراثنا لا يعرف بلداً اسمه الجزائر " (وهل يعرف "تراثنا" بلدا اسمها "سوريا" أو "تونس" مثلا، وهل البلدان بأسمائها الحالية في "التراث" ؟)


يقول يوسف زيدان بعد أن روى لنا ذكرياته الجزائرية : "أتذكر لأن المعرفة كما قال أفلاطون تذكُّر". ما علاقة "المعرفة الأفلاطونية" بذكرياه التعيستين ؟ وما "المعرفة" التي نستقيها من كلامه عدا إدانته 35 مليون جزائري بما اقترفته حفنة من مشجعي كرة القدم (وهو ما يذكرنا بإدانة شوفينيي الجزائر مصر كلها بجرم حفنة من المهووسين)؟


على هاتين الذكريين شيد يوسف زيدان صرحا من الكليشيهات. نعرف من قراءتنا لإدوارد سعيد أن "الابتداع الجغرافي" (أي رسم جغرافيا وهمية تتلاءم مع ما نريد إثباته و وإصباغ صبغة المسلمة عليها) وسيلة من وسائل الاستشراق. هذا بالضبط ما يقوم به زيدان، فلا حديث له عن الجزائر إلا كـ "صحراء". ونحن إذ نذكره بجغرافيا الجزائر، فلأن "لصحرائه" المبتدعة على منوال المستشرقين (أو بالأحرى على منوال هوليوود) وظيفةً محددةً : تصوير هذا البلد على أنه بلد عنف أعمى لا يعرف النظام (بالنظر إلى أنه بيداء قاحلة) وتصوير الجزائريين همجا يهيمون على وجوههم في تلك البيداء منذ قديم الزمان.


الجزائريون فخورون بصحرائهم ويذكرون باعتزاز أن قادة ثورتهم رفضوا مقترحات الاستقلال الفرنسية من دونها ومسرورون كل السرور بثرواتها، لكنهم سيسخرون من يوسف زيدان لو قرأوا وصفه بلدهم بالصحراء فلا أحد وصفها بهذا اللفظ من الرحالة القدامى ولا من الجغرافيين المعاصرين. كل من وصفها ذكر ما يميزها عن بلدان أخرى تقتسم معها الصحراء الكبرى، أي جبالها وهضابها وغاباتها وأمطارها وثلوجها (كما توصف مصر بما يميزها، أي بالنيل ودلتا النيل لا بما تشترك فيه مع جيرانها من كثبان). والطريف في الأمر أن لبعض الجزائريين كليشيها مماثلا عن مصر. كلها صحراء، يقولون، لكن هل يصدق الحديث عن مصر دون الحديث عن النيل ودلتاه ؟ ثم هبْ أن الجزائر بحر من الرمال، هل يبرر ذلك احتقارَها؟ ماذا سيقول "صحراويو" مصر وهم يقرأون هذا الكلام العنصري ؟ ألا يستحق احترام زيدان سوى من عاد تاريخه إلى 5000 سنة قبل الميلاد؟


ويبدو هذا الاختراع الجغرافي مقدمة لاختراع هوليودي آخر، اختراع بدو خياليين يسكنون الجزائر (ويعيثون فيها فسادا بطبيعة الحال، فالبدو كما يعرف الجميع في الأرض مفسدون). هنا أيضا لا يهمنا فضح تجاهل زيدان لحقيقة أن الجزائريين في التاريخ أساسا من سكان الجبال والمزارعين وأن معدل استقرارهم بالمدن حاليا (65 بالمائة) من أعلى المعدلات في العالم العربي، بقدر ما يهمنا فضح كراهيته لبشر مثله، ("البدو الصحراويين")، ينعتهم بـ "الجبن" تارة وبالخشونة تارة أخرى، فيما يشبه تقليدا بائسا للخطاب الاستعماري. ولا يهمنا فضح هذا الجهل إلا لأن ابتداع "شعب بدوي" مقدمة لهذا التساؤل المتعالي: "هل هناك حقاً حكومة وجماعات إسلامية بهذا البلد المسمى الجزائر؟". تمنينا لو كان زيدان صادقا وألا حكومة في الجزائر ولا جماعات إسلامية، لكن الحقيقة المرة أن فيها حكومة جاثمة على صدرها وحركة إسلامية مسلحة تُعمل في شعبها تقتيلا منذ قرابة عشريتين.


لا ندري كيف أصابت يوسف زيدان "فوبيا الصحراء" لكننا نتساءل : ما الغرض من مغالطاته الجغرافية ؟ ربما رغبته في إدانة ما يعانيه المصريون في بلدان "صحراوية" أخرى (ليبيا أو دول الخليج) لم يجرؤ على التعرض لها صراحة لسبب غير معلوم، فاختلق "دولة بدوية" ينتقم منها لما أهين من كرامة مواطنيه في مختلف بقاع "العالم الصحراوي". ألم يكن أليق بمقامه أن يدافع عن المصريين بلوم بوتفليقة وملوك الخليج أو قائد ليبيا الأبدي بدل "الاستئساد" بشتم الشعوب.


ولا يكترث يوسف زيدان لجهله ببلد لم يره في حياته سوى مرة فتراه يسخر حتى من تسميته بنفس اسم عاصمته : "عزَّت الأسماء وندرت، فجعلوا للبلد وعاصمته اسما واحدا!". هل هذا دليل "غباء" ؟ أو "تعصب" ؟ أو "عنف داخلي" ؟ وما اسم القاهرة الشعبي إن لم يكن "مصر"، فهل عزت الأسماء أم أن الحقد أنسى صاحبه اسم عاصمة بلده بالنسبة لأغلب المصريين ؟


ويصل التهكم على لفظ "الجزائر حد الزعم أنه قبل الأمير عبد القادر "لم يشتهر عالم واحد في تراثنا باسم الجزائري" (وهل اشتهر الكثير في "تراثنا" باسم "المصري" أو "السوري" أو "اللبناني"؟)، وأن الجزائريين من فرط جهلهم "انتزعوا الأمير بعد أن كان مدفوناً "بجوار محيى الدين بن عربي (...) كى يضعوه في مكان مهجور على طريق المطار، فلا يزوره أحدٌ هناك اليوم.. بل لا يكاد أحد يعرفه الآن". لن نرد على هذا الكلام بمثله من التفاخر الشوفيني بالأعلام والمشاهير. نكتفي بالإشارة إلى أن هذا "المكان المهجور" هو مقبرة الشهداء وأن الأمير يرقد فيه بجوار بعض من سعى مثله إلى تحرير البلاد. وعدا أن الجزائريين يعرفون الأمير جيدا (بل وتنسيهم معرفته أحيانا أبطالا غيره لفّهم صمت التاريخ)، فهم يفتخرون بمرقده في ذلك "المكان المهجور"، فجوار الشهداء ليس أقل شرفا من جوار شيخ الصوفية الكبير.


ويعتقد يوسف زيدان صادقا أن مصر "صنعت الجزائر" دولة والجزائريين شعبا فقد أصبح من شبه الروتيني في بعض الإعلام المصري طي تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، وأحزابها العديدة ونقاشاتها الحامية وتجاهل ملايين الجزائريين ممن قاوم ومات وعذب وسجن وشرد ونفي إلى أقاصي الأرض أو عاش طريدا في أعالي الجبال، ليعلو اسم عبد الناصر وحده لا شريك له.


نعم ساعدت مصر الثورة الجزائرية وآوت القاهرة مناضليها، لكن من حرر الجزائر هم الجزائريون، كما أن من عبر القنال هم المصريون لا رفاق معركتهم من النود الجزائريين. ما يشرف مصر هو أنها ساعدت ثورة الجزائر لا الندم عليه (ولا أنها أرسلت إليها "بعثات" من رجال الأعمال لينهبوها بعد أن أتموا نهب بلدهم). كذلك، ما يشرف الجزائر هو أن جيشها شارك في حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف وأنها دعمت حركات التحرر في فلسطين وجنوب إفريقيا وناميبيا وغيرها، لا الندم على ذلك كما يفعل نظراء زيدان من الشوفينيين الجزائريين.


ويضيف يوسف زيدان، متعالما كـ"الإعلامي الكبير" عمرو أديب (وجاهلا مثله بتاريخ الجزائر اللغوي) : "وأوفد عبد الناصر إلى بلادهم المدرسين المصريين كى يضعوا على ألسنتهم اللفظ العربى". شكرا صادقا لكل هؤلاء المدرسين المصريين، لكن هل حفظت العربية في الجزائر بفضل عبد الناصر أم بفضل جزائريين تعلموها وعلموها في مدارس شبه سرية وسجنوا ونفوا بسبب ذلك ؟ أيعرف أن الجزائريين خلال الفترة الاستعمارية، حتى المتعلمين منهم بالفرنسية وحتى الأمازيع، كانوا يدافعون عن العربية لا لشيء سوى النكاية في الاستعمار ؟


وعندما تصل الأفكار إلى منتهاها (وما أقرب منتهاها إلى الأرض)، يبدأ تعيير الشعوب بمآسيها : الجزائر استعمرت طوال 132 سنة وعاشت في التسعينات حربا أهلية طاحنة. لا تعليق ليوسف زيدان على المأساة الأولى سوى الزعم بأن جميلة بوحيرد "حبيسة بيتها تتجرع آلام حسرتها على جهادها الذي (...) خفضه الواقع الجزائري المعاصر إلى أسفل سافلين". جميلة بوحيرد ليست "حبيسة بيتها"، وأحد آخر أسفارها كان في مطلع 2009 إلى كفر كلا، جنوب لبنان لتنظر إلى فلسطين باكية من وراء السياج. ثم ما قوله في أن شوفينيي الجزائر يفكرون بطريقته ويزعمون أن "الواقع المصري خفض مصر وتاريخها العريق أسفل سافلين" ؟


ولا يبدو يوسف زيدان أكثر تعاطفا مع معاناة الجزائريين في التسعينيات، فهو يكتفي بحمد الله على أنه نجا من بعض أحداث هذه العشرية الحمراء. يقول، مفسرا عزوفه عن السفر إلى الجزائر بعد رحلة "البرد القارس" و"الإهمال الشديد" : "وقد أكون رُحمتُ من تفجيرٍ عشوائى أو مذبحةٍ جماعية من تلك المذابح التي نراها دوماً على شاشات التليفزيون،" ثم يضيف كاستعماري أصيل : "ولا أحد يعرف لماذا يذبحون بعضهم البعض". تتوقف دورة التفكير، تُنسى علوم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ وتُنسى السياسة ويُلقى بالحس الإنساني في سلة المهملات لتبتسر تراجيديا شعب كامل في سؤال استنكاري، يقارن بين الضحية والجلاد فكلهم "جزائريون دمويون".

هذا منتهى الأفكار. أما منتهى الحمية فالدفاع عن شركة أوراسكوم : "لا يستغربن أحدٌ تشبيهى لأفعال الحكومة الجزائرية بالرقاعة (...) وإلا، فما هذا الفعل الحكومي الجزائري الذي حدا بهم إلى فرض ضرائب غير منطقية على رجل الأعمال المصري، نجيب سايويرس؟" لا تعاطف لنا مع الحكومة الجزائرية لكن ما أدرى عالم الاقتصاد يوسف زيدان بأن هذه الضرائب "غير منطقية" أم أن فرض الضرائب على الأثرياء "غير منطقي" بالبديهة ؟ وهل يعرف أن استثمارات ساويريس في الجزائر ما كانت لتتم لولا قروض البنوك الجزائرية وأنها تشغّل بالأساس عمالا مصريين، بعضهم يؤتى به من أقاصي الصعيد لأن أجره أقل تكلفة من أجر العمال الجزائريين؟

لا تحرك الهوجة الإعلامية الجزائرية-المصرية في يوسف زيدان سوى وتر النقمة على أنها جعلت "الجزائر (...) خصماً لمصر التي لم يعرف الزمان كفواً لها في هذه البلاد الوليدة المجاورة ". ما "البلاد المجاورة" ؟ لسبب غامض، لا ذكر للسعودية أو ليبيا وغيرها من الدول التي تسوم المهاجرين (المصريين وغير المصريين) سوء العذاب، فـ "البلاد المجاورة" في المقال، رغم أنف الجغرافيا، هي الجزائر التي تبعد جدودها عن حدود مصر بما لا يقل عن ألفي كيلومتر.

يحز في نفس يوسف زيدان أن يذكر اسم مصر مقرونا بدول "وليدة". أليس هذا عين الشوفينية بل عين الفاشية ذاتها؟ ألم تبدأ الفاشية في البلدان التي قاست منها بالنقمة على سقوطها في الحضيض، يليها الانتقاص من غيرها من البلدان و تليها أحيانا الرغبة في احتلالها لاستعادة بعض المجد القديم؟ هل سنقرأ في مقال زيداني قادم دعوة إلى إرسال "قوات خاصة" إلى الجزائر بعد أن تعذر إرسالها إلى السودان "لإجلاء" المشجعين المصريين؟

يقول يوسف زيدان في مطلع مقاله : "فكرت طويلا في الاعتذار عن عدم الكتابة هذا الأسبوع، لأنه (...) من غير اللائق الكلام عن الرؤية الصوفية للعالم في عالم تضطرب فيه بواطنُ المصريين (...) بسبب اللقاءات الكروية البائسة مع ذلك البلد المسمى الجزائر". ونأسف نحن في ختام ردنا على أن صاحب "عزازيل"، بدل إفادتنا بشيء عن "الرؤية الصوفية للعالم" كاد أن يصيبنا بالغثيان وهو يصف "رؤيته الشوفينية" للحاضر والتاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرؤيه
متفرج ( 2009 / 12 / 5 - 17:37 )
شعبا مصر والجزائر تنتهك حقوقهما الاساسيه وبصفه يوميه ولا يتحركا فى اتجاه نيل هذه الحقوق بل يتوجه كلا منهما الى التطرف الدينى والفراغ الكروى لمحاربه طواحين الهواء ...ويجردا حمله اعلاميه شوفينيه قوامها الغوغائيه فى الكتابه وتهافت الاعلام لمجرد مباراة كره قدم وتقتحم الشركات وتسيل الدماء وتحاصر السفارات....وينشغل الشعبان بحرب داحس والغبراء ويترك التطرف والفساد يرعيان....الا نامت اعين الجبناء


2 - وتغرق الشمس في بحر الاعلام ويغتال العقل
خولة ( 2009 / 12 / 6 - 10:35 )
لقد قرات موضوع السيد ولكنني تدكرت الاقدام الحافية وعرفت انه لم يقرا موضوعك السابق ليصحح معلوماته عن الاجرومية وعلى اقتناعي الاممي الراسخ ان قصر النظر هو الطريق المباشر الى الهاوية لقد كان الامير فارسا وشاعرا ومتصوفا وصادقا مع اتباع المسيح بقى ان نلوم الظرف ونوزع النسخة الامازيغية لاغنية شيد قصورك

اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د