الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آراء في المناهج التعليمية في العراق الديموقراطي المنتظر

كامل السعدون

2004 / 6 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لقد هيمن الفكر القومي العروبي المقترن بالاتجاه الديني السلفي الذي تنتمي له الأقلية العروبية القاطنة في المثلث السنّي ، هيمن على مناهج دراسة التاريخ والدين واللغة العربية ، منذ نشوء الدولة العراقية الوطنية عام 1921 حتى يومنا هذا ، بحيث غدت رموزٌ مثل خالد بن الوليد وأبا سفيان وأبا بكر وصلاح الدين و…و…و… هي الرموز الوحيدة البهية في التاريخ العراقي وغدت المعلقات والرصافي والزهاوي وأحمد شوقي وأبو ريشة ، هو كل ما يقرأ في النصوص الأدبية ، أما عن الدين فتفاصيله تفاصيل دين الأقلية السنّية ، ولا هامش فيه للشيعة وأعلامهم ووجهة نظرهم ، فكيف بأديان العراق الأخرى …!
لا شك أن هناك هامشٌ متواضعٌ لتاريخ العراق قبل احتلاله من قبل العرب ، ولكنه هامشٌ ضيقٌ غاية الضيق …!
دروس التاريخ والدين والنصوص والتربية الوطنية ، لعبت منذ أربعينات القرن الفائت تقريباً ، دوراً رهيباً في تعزيز الفكر العروبي الشوفيني المتزاوج مع السلفية الإسلامية باتجاهها السنّي ، فكانت المحصلة هذا التاريخ البشع من الانقلابات والحروب والمشانق والسجون الرهيبة والتصفيات العرقية وحرق القرى والمدن وهدر ثروات العراق تبرعاً للغرباء ممن لم يدفن لهم جدّ على سفوح جبلٍ عراقيٍ ولم يتعمد فيهم أبٌ بماءٍ فراتيْ …!
دروس التاريخ والدين والعربية التي نسج لحمتها المربون والتربويون العروبيون المستوردون من الخارج ، خرّبت العقل العراقي إذ أحالته إلى تابعٍ ضعيفٍ ذليلٍ متوهمٍ إنه لا يستطيع العيش في العراق دون أن يطمئن إلى مباركة العربان له ، قدمائهم كخالد وعمر وعثمان وعلي أو الجدد فيهم كعبد الناصر والقوتلي وأمين الحافظ وأحمد شوقي وشبلي العيسمي وعفلق و…و…و…!
الأقلية السنّية لعبت دور الذيل الذي لا يستطيع إلا أن يجري على هوى الجسد العروبي العريض القائم في الخارج ، ونقلت عدوى ذيليتها إلى كامل النسيج العراقي الطيب المبارك بكل تلويناته ونكهات أريجه ، فصار الكردي العراقي يدعي أو يفرض عليه إدعاء العروبة لكي يعيش بسلام ، وصار المسيحي والتركماني والصابئي يزداد انطواء على نفسه وخوفاً حتى من ظله ، خشية أن يطل عليه من ركنٍ ما من الشارع من يهينه ويشكك بعروبته ( ولا نقول عراقيته ، لأن القوميون الفاشست لا شأن لهم بالعراق والوطنية العراقية ) ، بل وحتى الأغلبية العربية الشيعية ، وضعت في ذات الخانة وألزمت على طي أسرارها وطقوسها الدينية وميولها الروحية والثقافية ، خشية أن يشكك بعروبتها وتتهم بمناوئة حلم الوحدة وتحرير مقدسات عمر وعثمان …!
مثل هذا …!
لا ينبغي أن يستمر إذا ما أردنا حقاً وصدقاً بناء عراقٍ عصري ديموقراطيٍ علماني …!
مثل هذا لا ينبغي أن يستمر لأن في استمراره خطرٌ كبير على حلم الحرية والديموقراطية والبناء العادل المستقر الآمن لوطننا .
ومثل هذا لا يبدأ في البيت أو في سدة الحكم عبر التقسيم الأثني والطائفي العادل لمناصب الدولة العليا حسب ، بل ومن خلال منهج تعليميٍ ديموقراطيٍ متوازن يرضي كل الأثنيات العراقية ويشدها لبعضها البعض في لحمةٍ وطنيةٍ قويةٍ راسخةْ .
درس التاريخ مثلاً في مدارسنا الابتدائية والثانوية ، ينبغي في تصوري أن يكون في حصتين أو منهاجين واحدٌ وطني والآخر عالمي .
الأول يدرس في الصفوف الابتدائية ( الصف الخامس والسادس ) ، ثم يتم التوسع فيه في مرحلة المتوسطة ، أما الثاني العالمي ، فيدرس في المراحل المنتهية من الثانوية ( الخامس والسادس الثانوي ) …!
فأما كتاب التاريخ الوطني ، فينبغي أن يشرع بدراسة تاريخ العراق مبتدأ بالسومريين والأكديين والحيثيين وغيرهم وصولاً إلى الإسكندر المقدوني وخراب بابل ثم استباحتها من قبل الفرس وهلم جراً ، ومع السنين يتم التوسع في الدراسة فنمر بحقبة فتح المسلمين للعراق ونعبر إلى الأمويين فالعباسيين فالعثمانيين وهلم جراً وصولاً إلى فتح بغداد المبارك في التاسع من نيسان …!
طبعاً إثناء استعراض الوقائع والأحداث ، ينبغي أن تفرد صفحات للرموز العراقية في كل حقبة ، من ملوك ووزراء مهمون وشخصيات علمية وفلسفية وسياسية أغنت المشهد العراقي ، ومن مختلف أثنيات هذا الشعب ، من كرد وتركمان وأيزديين وصابئة وكلدان وآشوريين ويهود وعرب ، وينبغي أن تفرد صفحات خاصة عن الحالة السياسية والثقافية لكل أثنية في هذه الحقبة أو تلك من حقب التاريخ العراقي ، وتدرج خرائط بالمدن القديمة والأسماء التاريخية والدينية القديمة .
وكما تؤخذ المعارك والوقائع العروبية بالحسبان ، ينبغي أن تفرد صفحات لمظلوميات الشعوب العراقية الأخرى وبطولات هؤلاء الأجداد ومعاركهم التاريخية ، وكل هذا ضمن قراءةٍ تاريخيةٍ عادلةٍ متوازنةٍ محايدةْ ، لا تجرح فئةٍ لحساب أخرى ولا يساء لقومٍ على أساس اختلاف سياسيٍ أو فقهيٍ مع السلطة الحاكمة في زمانهم ، فمثلاً حركة القرامطة أو الزنج أو الخوارج أو الثورة التحررية الكردية أو ثورة الآشوريين ، ينبغي أن ينظر لها بعدلْ ، وتستقصي أسباب حدوثها بشكلٍ علميٍ عقلانيٍ محايد .
دروس التاريخ عندنا ، ينبغي أن تكون أداة وعنصر بناءٍ للوحدة الوطنية العراقية ، من خلال تكريم كل الرموز وإيفاء المناقب الطيبة للصابئة والكرد والمسيحيين والشيعة ، حقها من الاعتبار والتقدير وتثقيف الآخرين بها ، وبالتالي سينظر كل عراقيٍ لأخيه بعين الحب والرحمة ، ويتخلص من وهم أنه وحده المصيب وكل البقية مخطئون .
وقائع التاريخ الحديث ، ينبغي أن تكتب من جديد بشكل يكرّم القوى العراقية الوطنية كالشيوعيين ورموزهم البهية ( الشهداء العظام فهد ، الحيدري ، سلام عادل ، حازم …الخ ) ، والليبراليين الديموقراطيين في أربعينات وخمسينيات القرن الفائت ورموزهم البهية ( الجادرجي ، حسين جميل ، أبو التمن …الخ ) ، شهداء الإسلام الوطنيون المعتدلون ( الصدر الأول ، الحكيم ، وصولاً إلى الشهيد الشاب الخوئي ) ، شهداء اليسار من اليهود والمسيحيون والصابئة وغيرهم ، شهداء الحركة التحررية الكردية ، مأساة الأخوة الكرد الفيلييون ، مظلوميات أخوتنا الأيزديون والشبك …الخ .
وجميع هذا يقرأ ويعرض بشكلٍ علميٍ متوازنٍ منسجمْ بنّاء ، يقصد منه التثقيف والتعليم وإغناء الوعي دون افتعال أو تسيسٍ يهدفُ إلى توجيه الوعي لجهةٍ محددةٍ معينة ، وبذات الآن يحمل طابع التكريم للمناقب والرجال من خلال العرض الهادئ المنسجم .
أما في المراحل المتقدمة من دراسة التاريخ في الثانويات العراقية ، فأنا أرى أن يكون المنهاج غنياً بالمفيد عن أمريكا ، اكتشافها ، ثورتها ضد الإنجليز ، حمى الذهب وهجرة الملايين من أوربا إليها ، شيء عن مارتن لوثر كينغ والعنصرية في أمريكا ، أما عن أوربا فندرس المفاصل الأساسية في التاريخ الأوربي والتي هي بدورها الحاسمة المؤثرة في التاريخ الإنساني برمته ، مثلاً …اليونان القديمة ، صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية ، الثورة الفرنسية ، حروب نابليون ، ، الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ثورة أكتوبر ، البيرسترويكا ، ، نقرأ التطورات العظيمة التي مرّت بها الوحدة الأوربية ، ثم نعرج قليلاً على الإرهاب والحرب ضد الإرهاب ( دون أن نسرف في التفاصيل الفقهية أو أن نعطي رأياً متميزاً ) …!
أما في الشأن العربي والإقليمي ، فنقرأ القليل عن عبد الناصر وحروب العرب مع إسرائيل وشيء عن الثورة التحررية الفلسطينية واتفاقات السلام مع إسرائيل ، ولا ضرورة للإسهاب في الحديث عن الدول العربية بشكلٍ منفصل ، ففي التاريخ العربي الحديث الكثير من اللغو الذي لا يستحق حتى المرور عليه .
أما عن بقية أرجاء العالم فنقرأ القليل عن حرب فيتنام ونمرّ على العنصرية في جنوب أفريقيا ونتحدث بإسهاب عن العظيم مانديلا …!
هذه مقترحات في شأن منهج التاريخ في مدرستنا العراقية الحديثة ، وطبعاً افترضت هنا شكل المدرسة العراقية الرسمية الوطنية العامة في كل أنحاء البلد وأغفلت مسألة الفيدرالية وتنوع المناهج على أساسها ، لأن شكل الفيدرالية لم يتحدد بعد ، ولا نود أن نغضب أحداً أو نتعسف في الرأي بغير سابق علم ، أما عن المناهج الأخرى فآمل أن يتسنى لي أن أدلي بدلوي بشأنها في مقالاتٍ لاحقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في ظل


.. الانتخابات الفرنسية كيف تجرى.. وماذا سيحدث؟| #الظهيرة




.. استهدفهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم.. انتشال جثامين 3 أسرى فل


.. حرب غزة.. ارتفاع عدد الشهداء منذ الفجر إلى 19




.. إطلاق 20 صاروخا من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأدنى