الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد الرئيس

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعب المفاضلة بين الدول القابعة تحت نير الإستبداد ، وإن تباينت درجة ونوع هذا الإستبداد ، فمجرد غياب الديمقراطية وحق المشاركة السياسية في الدولة يؤدي بالضرورة إلى تقارب مستوى التخلف السياسي والإجتماعي والثقافي بين المجتمعات .
لجوء السلطة إلى إعتماد القسوة ضد المواطنين يؤدي إلى إرتفاع درجة الكراهية ضد الدولة ، ويساهم في تكريس ثقافة المفاصلة بين الدولة والمجتمع ، لكن عزوف الدولة عن تعذيب المواطنين لا يؤدي وحده إلى خلق حالة وئام وطني ، بل يقلل فقط من حجم التصادم الداخلي ، وأميل هنا إلى ما قاله جون لوك " ليس للطغيان صورة واحدة فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت إلى طغيان أيا كانت صورته " ، أما الإنتقال في العلاقة بين الدولة والمجتمع إلى الحالة الإيجابية فإنه يستلزم عمل آخر أبسطه ركون الدولة إلى الديمقراطية وإفساح المجال للقوى السياسية لإبداء الرأي والمشاركة في صنع القرار .
والحق أن الدول العربية تمتلك كل مظاهر الدولة المعاصرة المتفق عليها في القانون الدولي من إقليم وحكومة وسيادة وجيش نظامي ، وتتفوق بعضها بوجود برلمان منتخب وصحف شبه حرة وإذاعة رسمية ، كما تشارك جميعها في المؤتمرات العالمية وتساهم في التوقيع إلى جانب آخرين على البروتوكولات الدولية ، وتفتخر بإمتلاكها لهيئات دوبلوماسية ومنتخبات رياضية وموسيقى وطنية ، لكنها تفتقر لوجود شعب يستوعب هذه المظاهر .
النقص الأساسي الذي تعاني منه الشعوب العربية هو النقص في خبرة الحرية وخبرة القانون الذي يكفل سلامة الحرية من أي خدش قد يصيبها ، هذه ( الحرية ) التي تبرر إلتفاف الناس حول الدولة بمضمون عقد إجتماعي ينظم العلاقة بين الفئات المختلفة ضمن إتفاق يصون حقوق المواطنين المدنية على إختلاف إنتماءاتهم الدينية أو العرقية ، ويضمن عدم التعدي عليها .
لعل هذا القول يحمل في طياته بعض المبالغة ، لكنه يعبر من وجهة نظري عن جزء كبير من الواقع المأزوم الذي تعيشه الشعوب العربية ، هذا الواقع ليس وليد اليوم بل هو إمتداد لبنية ثقافية عربية وإسلامية طويلة ، إرتفعت خلالها كل شعارات السياسة البراقة من عدل ومساواة وشورى وتداول سُلطة بطرق سلمية ونظيفة ، ناقضتها الممارسة الفعلية التي إعتمدت ( عمليا ) على القفز إلى السلطة ، وقمع المختلف ، والإنتصار لمبدء التفرقة العنصرية والطائفية ، وتقشي الإستبداد .
منذ ما يتجاوز الألف وأربعمائة سنة والإضطهاد السياسي هو الحالة العامة في العالم العربي ، نقول ذلك دون أن نتغافل عن سوءات الفترة التي سبقتها ، بيد أن تخصيصنا لهذه الفترة هي بمثابة الإشارة إلى عظيم المبادئ التي رفعها العرب وأخرجوها من هدي القرآن و سنة نبيهم الصحيحة ، دون أن تكون لهذه المبادئ والقيم أي أثر على حياتهم السياسية الفعلية حيث إتسمت بالإفراط في إستخدام القوة لبسط النفوذ وضرب التوجهات المخالفة بكل شراسة ، وإحتكار السلطة ، والتفرد عند إتخاذ القرار .
نكرر هذا القول دون أن نتجاهل أيضا الفترات القصيرة التي إتسمت بالهدوء النسبي ، وغياب الأحكام العرفية والإستثنائية التي عمت ولا تزال شطر كبير من البلدان العربية ، إذ ساهمت – فترات الهدوء النسبي – بحركة نوعية في العلوم والإبتكار والإنشغال بالأهم عن الأقل أهمية ، حيث تتفرغ المؤسسات الأهلية لتأصيل البرامج التنموية ، ويعكف العلماء على تصدير إنتاجهم للعالم ، ويمارس المثقفون حركتهم النقدية دون خوف أو تردد .
على أن هذا الهدوء يربكه إصرار الحاكم الذي يرغب أن يكون محورا في المجتمع ، ويفرض إهتماماته وأجندته على الناس ، ومثال العراق وإنتشار صور الرئيس عند كل مدخل وعلى كل قارعة طريق ، ليس علينا ببعيد ، إن الهدف الأساسي من هذا الفعل هو هدم إنسانية الإنسان ، وتحويل الشعوب إلى عبيد لا يعترضون على قول ولا يجرؤون على التفكير في حضرة الرئيس .
ومع تعاظم شأن السلطة في الذهن العربي ، إنقسم المجتمع إلى كفتين ، الأولى إستمرت في نزاعها للوصول إلى الحكم مع إختلاف الوسائل والغايات ، والفئة العظمى إستجابت لإرادة الهدم وأصبحت لديها قابلية للإستعباد ، وكلا الطرفين باتت تحركات الرئيس وأنفاسه هي محور ومنتهى تفكيريهما ، هذا ليس غبن بل ثمة دليل يلخصه السؤال التالي : ماذا قدم الطرفان ؟
لست في معرض التعريض أو الدفاع عن مسألة الدخول وعدم الدخول في الهم السياسي اليومي ، بصفته أحد الهموم التي ترافق الإنسان في كل مراحل ولحظات حياته ، ولا يمكن تجريده من آثاره ، لكن أن تدمر السُّلطة كل التمايزات بينها وبين المجتمع ، وتصهر كل قواه ومؤسساته وشخصياته في قالبها ، فهو ما سيؤدي إلى إرهاق الجميع دون إستثناء ، ويعيدنا دوما إلى المربع الاول لنتسائل عن أسرار النهوض ؟ دون أن نجني ثماره .
خاتمة القول : في المجتمعات الحديثة يُنظر إلى السلطة كأحد مكونات الدولة يقابلها مؤسسات في المجتمع لا تقل من حيث التأثير وإتساع النفوذ عن مؤسسة الحكم ، أما في الدول القديمة ( ذهنيا ) فإن المقصد الأساسي لكل الفاعلين في الهم العام الوصول للسلطة أو تمجيد السلطة ولا ثالث لهما ، هكذا ستهب كل الخلافات والصراعات لأسباب تتعلق بالعرش وإن رفعت المصاحف على الرؤوس .
في المجتمعات الحديثة تنمو الشركات والمؤسسات لتضاهي حجم وتأثير الدولة ، ولتساهم مساهمة فاعلة في تحريك القرار على مستوى العالم ، ولإجبار الرؤساء الكبار على الإجتماع والتشاور وحل بعض المشكلات العالقة التي تعيق عمل ( أصحاب المؤسسات العولمية ) ، أما في الدول التقليدية فإن غاية طموح المؤسسات الحصول على رضا السيد الرئيس .
الحل يكمن في تهميش السلطة ذهنيا ، تهميش السلطة كثقافة وكأجندة معرفية تعرقل حركة الأفراد والمؤسسات ، وتتحول إلى غول يأكل كل ما يصادفها في الطريق ، والإهتمام بالسياسة كشأن عام يخص كل المجتمع بجميع مكوناته ، إن الإهتمام بالشأن العام لا يعني إطلاقا الإهتمام فقط بشؤون الحكم ، وتتبع أخبار السيد الرئيس ، بل يتضمن تفعيل حركة المجتمع والمساهمة البناءة في رفع درجة الوعي بالحقوق والميل للمطالبة بها ، كما يتضمن إعادة الروح إلى مؤسسات المجتمع الأهلي ، وضخ الكفاءات الجديدة بإستمرار كبدائل محتملة لقيادة المجتمع نحو المستقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية