الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمراطية العراقية .... في الميزان

هرمز كوهاري

2009 / 12 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


النظام الديمقراطي ، هو كنظام الميزان ، أن يكون حرا طليقا من التدخل الديني والقومي والمذهبي ، كالميزان فإذا لم يكن الميزان حرا طليقا لم يبق معنى أوفائدة له، .فهل الديمقراطية العراقية حرة طليقة من التعصب الديني والتعصب القومي والمذهبي والمناطقي ؟

كان الساسة العراقيون قديما يطالبون بجمهورية بدل الملكية ، لماذا ؟
لأن في النظام الجمهوري الشعب يختار رئيسه أي الشخص المؤهل وهذا كل شيئ
وقال الإسلاميون بلسان قائدهم السيد باقر الحكيم بعد 9/ نيسان : نريد إحترام الأسلام ! كيف ؟ فقط إحترام الشعائر الدينية والحسينية وهكذا ببساطة !!
وقال الديمقراطيون نريد نظاما ديمقراطيا ؟ ما هو ؟ إنتخابات برلمانية حرة نزيهة ، تغيير السلطة بطريقة سلسة ، حرية الكلام والنشر حرية تشكيل الأحزاب ، وهكذا بكل بساطة .
فكانت الجمهوريات ، ثم تحولت الى دكتاتوريات وراثية ومدى الحياة بدل الملكية الدستورية ، وإحترام الدين الإسلامي تحول الى إخضاع الدستور للثوابت الإسلامية ، ووضع كل قانون تحت رحمة فتاوى الملالي .
و ديمقراطية الإنتخابات والأحزاب وحرية النشر والكلام ، والإنتقال السلس للسلطة وديمقراطية حكم الأكثرية ، تحولت الى ديمقراطية الثلث المعطل والربع المهدد ، وتحولت الى مزايدات بشعارات فارغة مبهمة ،و الى توزيع الحصص والمكاسب بين المكونات القومية والمذهبية ، والى ديمقراطية " التراضي ، مما أدى الى إلغاء المعارضة وهو أهم مبدأ تتميز به الديمقراطية عن غيره من المبادئ السياسية !!
وبهذا تلاشت وضاعت معارضة ومحاسبة السلطة وفقدت الديمقراطية معناها ثم تتحولت الى دكتاتورية قادة إئتلافات وأحزاب ، ومن سلاسة إنتقال السلطة الى صعوبة أو تعذر سن أو تعديل قانون أو إتخاذ قرار ، بل أصبح تعديل كل قانون ما أو نظام أو إحالة وزير مرتشي الى القضاء أو حتى إتهامه بالتقصير ، في هذه الديمقراطية ،الى إضطراب أركان دولة "القانون والمؤسسات" في " الديمقراطية العراقية " !! ، ولكن ماذا لو أرادوا سن قانون للأحزاب ومصادر تمويلها ومصدر أسلحتها ؟ وقانون من أين لك هذا !!! بحيث يشمل الكل من رئيس الدولة الى أبسط موظف وليس فقط الموظفين الصغار والشرطة مثلا !! أو تفعيل مبدأ الفيدرالية والأراضي المتنازع عليها !! أو تعديل الدستور أو إلغاء فقرة الثوابت الإسلامية ، إستغفر الله !!! لتكون ديمقراطية علمانية حرة كالميزان الحر ؟؟؟

وأنا أقهم أن حل المشاكل بالتوافق أو التراضي ليس إلا المساومة على حقوق ومصالح الشعب ،( كتبت في هذا الموضوع عدة مقالات ) خذوا مثلا الفساد المالي والإداري وعدم إمكانية محاسبة الوزراء المقصرين في إنجاز المشاريع مع هدر اموال الشعب حيث يقف مبدأ التراضي والتوافق حائلا دون ذلك ! أليست هذه المساومة على أموال وحقوق الشعب بإسم ديمقراطية التوافق ؟؟ ربما يعتبره المسؤولون العراقيون أنه تطوير للنظام الديمقراطي العالمي !! ويرتاحون عندما يسمعون رجل الشارع الساذج يقول : حلوها بيناتكم ! علويش الإختلاف ما تسوى القضية يا معودين !!!

و إذا سأل سائل مشاغب ومتشائم وغير متفائل وغير سياسي ، ويقول: طيّب إذا توفرت حرية الإنتخابات وحرية الأحزاب وحرية الرأي والنشر ولم تتوفر مستلزمات الحياة المادية الضرورية ، مثل المأكل والمشرب بما فيها الخمور ودور اللهو كالمسرح ودور السينما ... ! والملبس والمسكن والبنية التحتية والعمل للعاطلين ،وحرية الرأي والعقيدة، ومساواة المرأة والنزاهة والشفافية هل نقول نحن بلدا ديمقراطيا ؟؟

بمفهوم الديمقراطية العراقية والمسؤولين العراقيين :نعم !! نعم إننا نعيش في نظام ديمقراطي كما يقول بعض كتابنا بما فيهم الديمقراطيين أو حتى اليساريين منهم ! وديمقراطيتنا لا يعوزها إلا العدالة والمساواة والخدمات وبعض النزاهة والشفافية !! كما قال شيخ الشمر للملك فيصل الأول :، الشمر بخير لا يعوزهم إلا الخام والطعام !! نعم نحن بلدا ديمقراطيا لأننا لنا دستورا " ديمقراطيا " و" برلمانا " منتخباً ! وحرية الصياح والعياط في الشورع وحتى في الفضائيات ! وقد يقولون إن النقص في توفير ماء الشرب والغذاء والملبس والمسكن والعمل للعاطلين والطرق والجسور فهذه قضايا خدمية لا علاقة لها بالديمقراطية وهولاء أي المتشائمون دائما يثيرون السلبيات و لا يذكرون الإيجابيات مثل الحرية والإنتخابات والدستور وغير ذلك
ولهذا فالأحزاب التي تسمي نفسها بالوطنية والقانونية أو العراقية لا تلتفت الى الخدمات والإعمار ولا تدخلها في برنامجها الإنتخابي ، بل برامجها أرفع من أن تذكر هذه القضايا الثانوية بل هي فقط تذكر وتؤكد على المبادئ العليا والمثلى !! مثل : الوطنية والعراقية والديمقراطية .ودولة القانون والمؤسسات ! وأحزاب القومية والدينية والمذهبية لبستْ عباءة الوطنية والعراقية والقانونية غطاءا لنواياها وأهدافها !!
وتصوروا أن أحدهم سأل جاره : عندكم ماء؟ لا ، عندكم كهرباء ؟ لا ، عندكم وقود ؟ لا ، أخذتم الحصة كاملة ؟ لا ،ولكن إنتخبتم إنتخابا ديمقراطيا ؟ نعم ، هاي هي !! أنت تعيش في بلد ديمقراطي ككل البلدان الديمقراطية !!

علما بأن الأحزاب في الدول التي تعلمنا منها الديمقراطية تبني برنامجها الإنتخابي على مشروع واحد يتنافس مع غيره من المشاريع في خدمة الشعب ، كما حصل في أمريكا ، فالحزب الديمقراطي تبنّى التغيير ، أي الإهتمام بالضمان الإجتماعي يتقدم على مكافحة الإرهاب ، والحزب الجمهوري بنى برنامجه على مكافحة الإرهاب أولا والأهم ، وفي أوروبا أحد الأحزاب يتبنى مكافحة التلوث مثلا ، وأخر يتبنى إيجاد الطاقة النظيفة وهكذا ، وكل حزب من هذه الأحزاب يتصور أن برنامجه يتقدم على برنامج غيره في خدمة الشعب ، ولم يرفعوا شعار الوطنية أو الديمقراطية ! وماذا يعني هذا لاشيئ ، وتصوروا أن حزبا في أمريكا أو بريطانيا أو السويد يرفع مثل هذه الشعارات ، لأن هذه الشعارات لا يحتاجون الإشارة اليها لأنها أرضية النظام والكل متفقون عليها ، فكيف ينافس أو يزاحم غيره بها !!! إنها شعارات مبهمة و المعنى في قلب الشاعر ، كما يقال !!

ولا حزب في العراق رفع شعار إلغاء تدخل الدين أو إلغاء فقرة ، الثوابت الإسلامية ، أو إلغاء مبدأ التوافق الى مبدأ الأكثرية ،أو يتبنى شعارا واحدا فقط مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمقصرين والمتسترين على الفساد والتقصير ، أي تطهير الجهاز الإداري للدولة ، وبدت هذه المشكلة في مقدمة مشاكل العراق !! لأن كل الأحزاب المتحكمة في العراق دينية مذهبية كانت أم قومية عنصرية متهمة بالفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية ، ولكنها ترفع شعارات علمانية وديمقراطية تمويها ! و تلتجئ الى الدين عند الحاجة عدا الحزب الشيوعي وأحزاب صغيرة أخرى وبإعتقادي أن هذه الأحزاب ، مثل الحزب الشيوعي ، ولكنها لا تضر الغنم ، كما يقول المثل !! و قد لا يسمح لها بالتوسع وتقوية نفوذها ، بل سيسمح لها بالبقاء ضعيفة ليقولوا أن ديمقراطيتنا تشمل من أقصى اليمين الى أقصى اليسار !!!

نعم في الوضع الجديد ومنذ 9 / نيسان /2003 فتحت الجماهير أفواهها في الصياح والعياط بفضل الحرية التي وفرتها لهم قوات الإئتلاف بقيادة الأمريكان ،مقابل ذلك غلقَ المسؤولون آذانهم وعيونهم مع وضع سدادات لكي لا يتصرب الى سمعهم صوت جائع أو بكاء أم ثكلى أو أنين مريض ويزعجهم لأن هذه القضايا يعتبرها رئيس الوزارة من السلبيات التي يؤكد عليها بعض المشاغبون مثلي !!
بينما في فترة البعث كان الأمر معكوسا الشعب أفواهه مغلقة غلقا محكما مقابل فتح آذان المسؤولين مضافا اليها لاقطات حساسة تلتقط حتى أنفاس ودقات قلوب المتذمرين أو المستائين علنا إن وجدوا وحتى الحالمون بأحلام وردية!! .

والبعض من الكتاب والمثقفين خوفا ألا يحدث رد فعل لدى الناس من الديمقراطية بسبب نقص الخدمات أو عدم وجودها كالمتطلبات الضرورية للعيش الكريم يبررون تلك التصرفات من مسؤولينا "الديمقراطيين " ، بأن ليس لديهم خبرة بالديمقراطية فهي ، أي الديمقراطية شيئ جديد وغريب عليهم وعلى الشعب العراقي .
أي أن المسؤولين اليوم لا يعرفون أن في الديمقراطية لا يجوز النهب والسلب من المال العام !! بل ربما يحتاجون الى عدة دورات في السلطة ليتعملوا هذا !!، كما لا يعرفون أن الديمقراطية تحدد صلاحياتهم ! ولا يعرفون أن الحكومة في الديمقراطية هي منصب تكليفي وليس تحكمي على أحوال وأموال الشعب ،لإدارتها بنزاهة وتقديم حسابات نهائية أو ميزانية تنفيذية شفافة وصريحة بها للصحافة أو البرلمان أو للجماهير مباشرة ، وليست فقط تحكّم وتقبض الرواتب بآلآف الدولارات ، ولا يعرفون أنهم ليسوا مفروضين عليه فرضا ليتصرفوا بأمواله وأحواله كما يروق لهم !! ولقلة خبرتهم في الديمقراطية ظلوا يتصارعون على الكراسي والحصص وكادوا يتوصلون عن طريق التوافق وإنشاء الله سيتوصلون ويتوحدون والقوة والبركة في التوافق !!!

ونسى بعض الأساتذة والمتفائلون أن ما يجري في العراق ليس إلا تحريفا للديمقراطية ، وهي الديمقراطية التي سماها أحد الكتاب
ب - [ بالديمقراطية من دون مخاطر] أي الديمقراطية التي لا تتدخل في التفاصيل ولا تشكل أي خطر على معتقداتهم وتقاليدهم !، مثل خطر الرقابة على التصرف بالمال العام ، وخطر إطلاع الشعب على رواتب ومخصصات وصلاحيات المسؤولين ! وخطر إخضاع الكل للقانون والنظام ! وخطر التحرش بالثوابت الإسلامية ، وخطر عدم الإعتماد على العشائر والقبائل في تطبيق " الديمقراطية " وخطر إطلاق حرية المرأة ومساواتها مع الرجل لما قد يسبب خللا في مجتمعاتهم المحافظة على تقاليدنا الأصيلة !.

إن مسخ أو تحريف المبدأ ، أي مبدأ ، هو أخطر من مقاومته علنا ، لأن المسخ والتحريف هو التخريب من الداخل وتشويهه بحيث يمقته الناس ويتجنبونه ويصبح موضع الإستخفاف والتنكيت ،كما علت أصوات في بعض الدول : أنهم لا يريدون ديمقراطية مثل الديمقراطية العراقية !!! وكما شوهوا في القرن العشرين كلمة الإشتراكية عندما قالوا : بالإشتراكية العربية والإشتراكية الإسلامية والإشتراكية الرشيدة والإشتراكية العادلة والإشتراكية الإجتماعية ...الخ ، وتجنبوا أن يقولوا بإسمها الصحيح وهو الإشتراكية العلمية أي المبنية على النظريات الإقتصادية العلمية .

إن النظام الديمقراطي هو مشروع كبقية المشاريع يتكون من هيكل والنتيجة ، فالمشروع الصحي لا يمكن أن نسميه مشروعا صحيا إذا إقتصر على بناء المستشفيات من دون أطباء وأدوية وأجهزة أو مدارس دون مدرسون و مناهج لا يعني نشر العلم والثقافة ، و لا بناء المعامل دون إلإنتاج يعني تصنيع البلد ،
وكذلك الديمقراطية تتكون من ركنين أساسين : الموسسات الديمقراطية والركن الثاني تفعيل هذه المؤسسات أي تقديم الخدمات التي أسست من أجلها تلك المؤسسات والتعامل بالشفافية والنزاهة والمساواة في تطبيق القانون وتوزيع الثروة ،وإلا تبقى تلك المؤسسات دون فائدة بل مضرة جدا في تبذير أموال الدولة بمقدار رواتبهم ومخصصاتهم ، وبهذا لا يمكننا أن نقول أسسنا نظاما ديمقراطيا .

إن الديمقراطية بمعناها الصجيج هو نظام متكامل ، يبدأ من الأسرة ويتعلم عليها الطفل منذ طفولته حب الغير حب الحيوان نظافة الشارع إحترام الآخر حرية العقيدة ، نظام يوفر العدالة في توزيع الثروة والشفافية ، نظاما يقر بفوز الأكثرية في المنافسة النزيهة ، يوفر الرعاية الإجتماعية يوفر العمل للعاطلين ، الأمن والحرية واللقمة والخدمات .
فالحرية لا تصمد أمام الجوع ، فالكلمة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعوّض عن اللقمة ، بل أن كافة العاملين من الموظفين الى الخدم يقايضون أي يتخلون عن حريتهم بعض الوقت أو كله لقاء لقمتهم ولقمة عوائلهم وأطفالهم ، بل كثير من المعدمين الأحرار يتمنون أن تضمهم سجون ليحصلوا على السكن والأكل والرعاية الصحية !!!

وأخيرا أريد أن أؤكد أني لا أقصد هنا تعريف أو تعليم المسؤولين بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، وإنما مجرد للتذكير ليس إلا ، لأن السادة المسؤولون يعرفونها ربما أفضل مني ومن غيري ، ولكن المشكلة أن السادة المذكورين يعرفون ويحرفون ! لأن مصالحهم الشخصية أولا والطائفية ثانيا تتقدم على مصلحة الشعب ، وهنا المسألة أوالمشكلة الأساسية في العراق وبقية الدول العربية والإسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع