الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوت الفقراء

باسم محمد حبيب

2009 / 12 / 8
حقوق الانسان


لا ادري أن كان شيء من الحلم أن نفكر باستحداث صوت إذاعي أو تلفازي خاص بالفقراء ، فالفقراء دائما ما كانوا يعانون من متاجرة الآخرون بقضيتهم التي تحولت وعلى مر التاريخ إلى مجرد ورقة رابحة بيد الأغنياء والمتنفذين ، الذين لا تهمهم كثيرا قضايا الفقراء بقدر تحقيق مصالحهم الذاتية ، لذا لا غرابة في تزايد غنى الأغنياء وبقاء الفقراء على فقرهم ، لكن قد يقول قائل بان الفقر حالة كونية ولا يمكن لأحد أن يتصدى له ، ومن يرفع شعار التصدي للفقر فهو إما كاذب أو مجنون .
جوابنا أن هذا الأمر ربما يكون صحيحا من بعض النواحي ، فالفقر ليس حالة ظرفية بقدر ما هو حالة كونية طبيعية ، بل أن الفقر مرتبط بالغنى والعكس صحيح وكثيرا ما تحولت الشعوب الفقيرة إلى غنية ، ولكن لم يتم ذلك إلا بانعكاس المعادلة حيث تتحول الشعوب الغنية إلى فقيرة ، ونفس الشيء تماما بالنسبة للإفراد الذين يصيبهم التقلب أيضا ، فقد تحول نبلاء فرنسا إلى مواطنين عاديين بل وفقراء أيضا ليحل محلهم الكثير من ثوار العهد الجديد ، وبالتأكيد فان هذا الأمر قد شكل حالة عامة على مدى الكثير من حقب التاريخ ، لكن في المرحلة الحديثة تغير الأمر تماما ولم يعد ينظر إلى قضية الفقر على أنها نتاج شرور الأغنياء واحتكارهم للامتيازات بل نتاج الديالكتيك الذي يسير حركة التاريخ ، فالحداثة التي بشرت بعالم جديد ينظر إلى الأمور بمنظار موضوعي ، قلبت كل الحقائق وبينت أن الأمور لا يمكن طرحها من زاوية الخير والشر بل من زاوية النجاح والفشل ، فقد حصل الغني على الغنى لأنه استثمر الفرص بشكل جيد ونجح في تخطي العوائق والصعوبات ، وبقي الفقير على فقره لأنه فشل في التعاطي مع الظروف المناسبة التي توفرت له و الفرص التي أتيحت له ، لكن الحداثة لم تترك الأمر دون حل ، فإذا كان القداميون أي ما قبل الحداثة قد دعموا فكرة الصراع من اجل اخذ الحقوق وتغيير المعادلات ، فان الحداثويون قد دعموا فكرة التعاون من اجل إيجاد علاج علمي لهذه القضية والتخفيف قدر الإمكان من مشكلة الفقر ، لكن محاولتهم هذه هددها المؤدلجون الذين يرون في هذا الأمر مضيعة للوقت ، فمثلما عارض الكثير من الرأسماليون هذا التنازل غير الطبيعي ، عارضه المؤدلجون من مدعي نصرة الفقراء على أساس أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى ، ثم جاء ما بعد الحداثويون ليقفوا حجر عثرة أمام مشروع الحداثة الطموح ، فقد عاد هؤلاء إلى القول أن الفقر والغنى حالتان طبيعيتان ويجب عدم التدخل بهما لا سلبا ولا إيجابا بل يجب أن تترك الأمور لسنة الطبيعة لأنها الادرى بحقائق الأمور .
ما يحصل في العراق الآن ربما يقترب من فهم ما بعد الحداثة لقضية الفقر والغنى ، إذ لم نلمس حتى الآن ما يشير إلى البدء بخطوات عملية لمعالجة قضية الفقر المتفشية في العراق ، بل هناك من يؤكد حتى من داخل البطانة السياسية على أن هذه القضية عصية على الحل وربما هي سنة طبيعية من سنن البلاد ، أي أن المسؤول وحده هو الذي يجب أن يتجاوز معادلة الغنى والفقر ، على أساس القاعدة المشهورة عالميا والمعكوسة عراقيا المسؤول أول من يستفيد وأخر من يضحي .
إذن لم يبقى للفقراء إلا إن يعتمدوا على إمكانياتهم الذاتية ليس من اجل قلب المعادلة كما يجري سابقا بل من اجل تغييرها بما يسهم بالتخفيف من آلام الفقراء والمعوزين ، فهم بحاجة إلى صوت نابع من وسطهم وليس من الوسط الأخر الذي لم يلمسوا منه ما يتوافق مع طموحاتهم ، وعليهم أن يستفيدوا من دروس التاريخ التي جعلت الغنى والفقر مسالة صراعية محضة ، وليس حالة بالإمكان معالجتها بما يخدم الواقع الإنساني .
إذن لندعوا لرفع صوت الفقراء عاليا ليس لكي يحلوا محل الآخرين بل لكي يحصلوا على حقوقهم المشروعة كمواطنين صالحين ، فهل إلى ذلك من سبيل ؟ وهل يعي الفقراء مصالحهم ، أم يبقوا مجرد ورقة بيد الآخرين أو الطامحين على حسابهم ، هذا ما سوف تثبته الأيام بالتأكيد










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية


.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق




.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري