الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الاميركية وتدمير حضارة العراق

محمد سعيد العضب

2009 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المقدمة
قادت حرب العراق ونفذت غزوة واحتلالة منذ سبع سنوات مجموعات من قوي سياسيةرئيسية عديدة فاعلة , هدفت تحقيق وانجاز مصالح امبراطورية و استعمارية متنوعة . مع ذلك ظلت دوافع هذة المصالح عاجزة عن توفيرليس فقط تفسير واضح و عميق لابعاد التدمير الضخم المستمر والابدي للمجتمع العراقي , بل اخفقت في التدليل عن اسباب استمرار حالة الاقتتال وتحويل البلاد الي وضع حرب دائمة . يمكن فرز وتصنيف هذة القوي التي ساهمت في صنع الحرب والاحتلال حسب اهميتها ودورها كالاتي :
اولا ترتيبات القوي الصيهونية (ZPC ) وتعتبر من ابرزها,رغم ما جري حول دورها من تعتيم من قبل وسائل الاعلام او مراكز الابحاث والدراسات .تتالف هذة الترتيبات 1.قوي يهودية اساسية متشددة مساندة لدولة اسرائيل تحتل مناصب حساسة في وزرة الدفاع في عهد بوش الابن من امثال (Douglas Feith and Paul Wolfwitz]) .
2.قادة تنفيذيون رئيسون عاملون سواء في مكتب نائب الرئيس الاميركي (Irving(scooter) Libby) او في وزارة الخزانة (Staurt Levey)اومجلس الامن القومي Elliot Abrahm David Frum, .
دعمت هذة الجماعات من قبل الالاف من موظفون متفرغون موالون لاسرائيل و منتشرون في اكثر من (51) منظمة يهودية اميركية, شكلت فيما بينها ما يطلق علية مجلس رئاسة المنظمات اليهودية الاميركية( PMAJO)
هذا ويعتبر تحقيق او تمرير اجندة دولة اسرائيل في قمة اولويات جهودها , التي تتمحورفي هذة الحالة ...دفع الولايات المتحدة الاميركية في شن حرب ضد العراق ليس فقط اسقاط نظام الحكم فية وتقسيم العراق وتدمير قدراتة الصناعية والعسكرية,بل فرض نظام حكم جديد تسيطر علية الولايات المتحدة الاميركيةو يساند اسرائيل.
لقد ايد تطهيرالعراق اثنيا وطائفيا,وتقسيمة,اليمين الصهيوني المتطرف,من امثال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو Benyamin Natanyahu, و رئيس مجلس العلاقات الخارجية الليبرالي meritus ,العسكري الصيهوني كليب Lesie Gelb,
علي الرغم من ان التدمير الكامل والمنظم للحضارة العراقية لم يكن يدور في خلد متخذ القرار الصهيوني في الادارة الاميركية ,لكن مخططات سياسة الاحتلال استهدفت ليس فقط تدمير او تمزيق كامل اجهزة الدولة العراقية,بل تم تعيين مجموعة مستشارين من دولة اسرائيل لتقديم المعرفة والخبرة في مجال تقنيات الاستجواب والتحقيقات الجنائية, وتقديم الخبرات في كبح المقاومةا و كيفية تنظيم المقاومة المضادة.
علية لعبت الخبرات الاسرائيلية بالتاكيد دورا هاما وحيويا في اشعال النزعات والصراعات الطائفية والاثنية,خصوصا بما تمتع بة اسرائيل من باع طويل في هذا المجال في فلسطين المحتلة .
يستند النموذج الاسرائيلي في شن الحرب والاحتلال الاستعماري – مثال غزو لبنان عام 1982- علي ممارسة التدمير الكامل للبلاد من خلال تبني اساليب التقسيم الاثني والعرقي الديني, هذا ما تجلي بوضوح كامل في مذابح مخيمات الاجيئين في صبرا وشتيلا المشهورة في لبنان ,التي تمت تحت اشراف الجيش الاسرائيلي .
ثانيا تالفت القوي السياسية التي وقفت وراء حرب العراق من شخصيات مدينة تعمل في الموسسة العسكرية ,من امثال دونالد رومسفيد Donald Rumsfeld ,ونائب الرئيس ديك تشيني Dick Cheny , حيث هدفت هذة القوي توسيع النفوذ الامبراطوري الاميركي في منطقة الخليج وتوطيد الوضع الجيو سياسي للولايات المتحدة الاميركية .علاوة علي ذلك استهدفت هذة القوى نشر القواعد العسكرية من اجل تطويق روسيا وتامين السيطرة والرقابة علي الاحتياطات البترولية في المنطقة عموما والعراق خصوصا , باعتبارذلك عنصر ضغط اضافي علي الصين .
لقد حاولت القوي المدنية في الموسسة العسكرية ليس فقط استغلال نفوذ نائب الرئيس الاميركي في الصناعة النفطية, بل عمدت الاستفادة القصوي من وضعة السابق كرئيس مجلس ادارة شركة هاليبريتون Halliburton ,وهي شركة مقاولات ضخمة ترتبط بها شركات فرعية مثل كيلوك بروان وروت Kellog-Brown &Rootالتي ساهمت جميعها في توطيد الامبراطورية الاميركية من خلال توسيع شبكة القواعد العسكرية عبر العالم.
مع ذلك ظلت معظم الشركات النفطية الاميركية ترغب في استمرار التعامل مع النظام العراقي السابق بسبب تعاظم مخاوفها من منافسة الشركات الاوربية والاسيوية , كما قامت بعض القوي المساندة للرئيس بوش في الصناعة النفطية في عقد صفقات سرية مع الرئيس السابق صدام حسين,رغم انتهاكها اجراءات المقاطعة والحصار المفروض علية .عموما عارضت الصناعة النفطية الاميركية اجراءات الحكومة التي ترمي تشجيع عدم الاستقرار في المنطقة.
لقد صممت الاستراتجية العسكرية للغزو والاحتلال علي اساس تاسيس حضور عسكري استعماري بعيد الامد من خلال بناء قواعد عسكرية استراتجية دائمة تدعم بوحدات قتالية وفرق تدريب وتاهيل و استشارات عسكرية . ان الاحتلال الاستعماري الوحشي لدولة علمانية مستقلةوبلد ذو تاريخ وطني عريق ومشهود, وبني تحتية متقدمة واجهزة عسكرية وامنية رفعية, وخدمات عامة مكثفة ومستوي تعليم مناسب ,كلة لابد ان يفرز حركات مسلحة معادية للاحتلال .
استجابة لهذة الاعتبارات استنبطت الادارة الاميركية وقوات الاحتلال ووكالة المخابرات المركزية والمخابرات العسكرية استراتجية "فرق تسد" (او ما يطلق عليها الحل السلفادوري الذي ابتدعة السفير الاميركي السابق ومدير المخابرات القومية جون نجرو بوبنتي John Negroponte مستهدفا منة اثارة النزعات والصراعات الطائفية وتشجيع الاغتيالات المتبادلة بين الاطراف المختلفة, كلة من اجل اضعاف الجهود الرامية لتاسيس حركة وطنية موحدة معادية للاحتلال والامبرالية
استهدفت القوي الصهيونية المسيطرة في ادارة بوش تفكيك البيروقراطية العلمانية المدنية والعسكرية ,ليس فقط من اجل تعزيز وتصعيد قوة اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط ,بل تشجيع صعود جماعات اسلامية مسلحة ومليشيات وحركات دينية وعشائرية مسلحة .
لقد برعت اسرائيل في هذة الممارسة سابقا حيث قامت اساسا في رعاية وتمويل جماعات المليشيات الاسلامية مثل حماس باعتبارها البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية,حيث تم عبر هذا الاسلوب وضع لبنات كافة الصراعات والنزعات الدموية بين فصائل الشعب الفلسطيني التي يشهدها الوقت الحاضر .
تجلت نتيجة سياسة فرق تسد الاميركية في الاكثار وتمويل سلسةعريضة من النزعات الداخلية ,حينما تم دعم قوي دينية وملالي وروساء العشائر وعصابات سياسية,وتجار حروب وفصائل مسلحة من المغتربين العراقيين علاوة علي فرق الموت .وتحول العراق ".حرب الجميع ضد الجميع" كلة من اجل خدمة قوات الاحتلال .
لقد اصبح البلد جيش من شباب عاطل مسلح ليسا هم في امداد جيوش المرتزقة بما تحتاجة من عناصر .
هذا, كما اريد من الحرب الاهلية والنزعات الطائفية والعرقية توفير الذرائع والحجج سواء للولايات المتحدة او الحكومة العراقية لتسريح مئات الالاف من الجنود والشرطةوتقويض مجمل العمالة المدنية .ففي ظل شعار حرب ضد الارهاب قامت فرق الموت الموجة والمدارة من قبل القوات الاميركية الخاصة او من قبل وكالة المخابرات المركزية في نشرالارهاب بين صفوف المجتمع المدني العراقي حيث استهدفت كافة القوي المعارضة للحكومة ,خصوصا الفئات المهنية والمثقفة وبالتحديد كافة العناصرالتي لها القدرة والامكانية علي اعادة بناء جمهورية علمانية مستقلة .
عموما وجهت حرب العراق من قبل جماعات متنفذة من المحافظون الجدد وانصار الليبرالية الجديدة التي لها صلات وثيقة باسرائيل .لقد اعتبرت نجاحها في العراق (بالطبع يعني النجاح لديها التمزيق الكامل للبلاد ) اول حجرة دمينو من سلسة حروب لاعادة استعمار الشرق الاوسط (حسب تعبيرها اعادة رسم الخارطة )هذا وتم اخفاء الاديولوجية الامبرالية عبر عبارات بلاغية طنانة "ترويج الديمقراطية في الشرق الاوسط "بالطبع تم هنا ايضا انكار او التغاضي عن الممارسات الاديمقراطية ضد الشعب الفلسطيني واستعبادة واذلاة .

ان التصفيات الجسدية والتطهير الدموي المستمر في العراق ادي الي قتل (1.3)مليون مواطن خلال السنوات السبع الماضية, كما بلغت كلفة الغزو والاحتلال التي تحملتها فقط الموازنة العامة الاميركية مبلغ قدرة (666) بليون دولار لغاية منتصف عام 2006
ان سياسية واشنطن في جعل الخلافات الدينية والاثنية وسائل او ذريعة من ناحية وتسليح وتشجيع العداءات العشائرية والطائفية وزجها في عمليات اراقة دماء المواطنين من ناحية اخري ,كلة استهدف تدمير وتحطيم المقاومة والوحدة الوطنية . ان تكتيك "فرق تسد " والاعتماد علي المنظمات الدينية والاجتماعية الرجعية يعتبر من افضل المماراسات الشا ئعة والمعروفة في اخضاع واستعباد الشعوب الهادفة للتحرر والاستقلال والتقدم .
ان تفكيك الدولة الوطنية وتدمير الاتفاق الوطني وتشجيع الانتماءات الاثنية والدينية الطائفية والاقطاعية البدائية يستلزم التخريب المنظم لكافة مصادر وينابيع خلق الشعور الوطني او احياء الذاكرة التاريخية والفكر العلمي والعلماني .ان بث روح الحقد الطائفي الاثني قد يدمر ليس فقط الجماعات من اصول عائلية او خلفيات مختلفة بل يساهم ايضا في تفكيك الموسسات التي ترسخت عبر عقود طويلة.ان التخلص من اوتجاهل الاكاديمين والكتاب والمدرسين والمثقفين والعلماء والمهندسين والاطباء والمحامون وغيرهم من المهنين يعتبر امرا حتميا في فرض قادة جهلة اثنيون ودينيون متعصبون تحت ظل الاحتلال . لاجل الهينمة والسيطرة بعيدة الامد, وادامة حكومة "دمية" بتركبية اثنية دينية يتطلب بلاشك تدمير الصرح الثقافي القائم الذي استطاع ادامة دولة علمانية والحفاظ عليها .لقد تم تدمير المتاحف ,المكتبات ,مكاتب لاحصاء وكافة سجلات الملكية والعقارات, بل امتد ليشمل الموسسات الطبية و الصحية والمختبرات والمدارس والمراكز الثقافية ...والاكثر من كل ذلك تم تخريب الطبقة العلمية والادبية . هذا واضطرت مئات الالاف من المهنين وعوائلهم النزوح او الهجرة سواء داخل الوطن او الي الخارج .علاوة علي ذلك فقد تم تقليص التخصيصات المالية للموسسات التعليمية والعلمية وغيرها من المنظمات الوطنية العلمانية .لقد تورطت فرق الموت في التصفيات وعمليا ت الاستئصال الجسدية لالاف من الاكاديمين والعلماء والمهنين المشكوك في ولاءهم او معارضتهم, او ربما بسبب مشاعرهم الوطنية .كما تمت وضع علامات اشارة واستفهام علي كافة الاشخاص الذين لديهم القدرة والامكانية في اعادة بناء الدولة الحقيقة لاجل الانقضاض عليهم بالاساليب المختلفة .
تدمير الحضارة العربية الحديثة
يدرك مخططي الحرب من الاميركان ومستشاروهم الاسرائيليون ان تغيير النظام وحدة قد لايودي الي قلع او محو جذور الثقافة العلمانية الراسخة في العراق من ناحية,كما قد يقود الاحتلال الي تعميق التلاحم والاجماع الوطني,حينما تظل الامة متماسكة وتسيطر عليها قوي علمانية مخلصة ,وعدم تدمير اسسها, لذا اقتضت الضرورات الامبرالية ان يتم قلع جذور الاجماع والاتفاق الوطني عبر عملية منظمة تستهدف ابعاد العناصر الموهوبة المتعلمة في المجتمع العراقي . ان الرجوع والتحرك الي الوراء تحول الي اداة اساسية للولايات المتحدة في فرض عناصر موالية لها, تتسم بالبدائية والولاءات العشائرية والطائفية والتعصب الاثني لعهود ما قبل الحداثة او القومية, وتنصبيهم في بغداد بعد تطهيرها من طبقتها الاجتماعية العلمانية الوطنية الراقية .
فحسب مركز دراسات الاهرام في القاهرة تم اغتيال اكثر من (310)عالم عراقي خلال ال(18)شهرا في بداية الاحتلال. الرقم الذي اكدتة وزارةالتعليم العراقية . هذا وتشير تقارير اخري الي قتل (340)مثقف وعالم خلال السنوات 2005-2007,.ان القصف الجوي لمعاهد جامعية قاد بدورة تقليص التحاق اعداد الطلبة في الجامعات العراقية ولاول مرة في تاريخها الطويل,وبنسبة تجاوزت 30% مقارنة بسنوات ما قبل الاحتلال . في هجمة واحدة من القصف الجوي علي جامعة المستنصرية في يناير عام 2007 قتل اكثر من (70) طالبا علاوة علي مئات من الجرحي.
هذا وقامت منظمة الامم المتحدة " اليونسكو "في تجميع هذة المعلومات وغيرها,مما تدلل بشكل واضح علي ان الجامعات العراقية في عهد الاحتلال قد بلغت حافة الانهيار ,خصوصا بعد هجرة اعدادا كبيرة من الاستاذة والعلماء بلغ عددهم اكتر من ( 20000) استاذا . وفي هذا المجال اشارت مجلة اللوس انجلز الاميركية الي فرار 6700 استاذا جامعيا من العراق ابتداء من عام 2003 .فرغم ادعاءات قوات الاحتلال والحكومة العراقية حول تحسن الاوضاع الامنية استمرت عمليات اغتيال الاساذة و المثقفين في العراق عام 2008ا .تم استخلاص المعلومات حول اغتيال العلماء والادكاديممين والمهنين سواء علي ايدي القوات الاميركية اوقوات التحالف ا والمليشات والقوات الوهمية المسيطرة, من قائمة شاملة نشرتها وكالة الانباء الباكستانية (www.daily.pk) . ان مثل هذة القوائم المنشورة قد تشكل بلا شك جزءا من واقع مؤلم مرير حول تصفيات منظمة للنخب المثقفة والرائدة في العراق .
الاغتيالات
تعتبر التصفيات الجسدية لافراد عزل من اكثر اعمال الارهاب تطرفا,بحيث تتنقل تاثيرية الواسعة لاعضاء الجماعة التي يتنمي لها الضحية ,هي في هذة الحالة فئة المثقفين والاكاديمين والمهنين العراقيين التي تعتبر مصدر توليد القيادات المحتملة في جميع نواحي الحياة في المجتمع .
طبيعيا ان اغتيال اكاديمي واحد يسبب هروب الالاف من المتعلمين,حيث تضطر جماعات مثقفة اخري سواء الاختفاء ,هجر موقع عملها الاصلي,ا ومزوالة نشاطات جانبية ليس لها قيمة حقيقة,بل تاديها من اجل البقاء والديمومة .لقد استطاع العراق منذ تاسيس دولتة الحديثة في ألعشرينات ان يراكم موسسات جامعية لها باع طويل في مجال اعداد الكوادر العلمية او في مجال البحث العلمي .لقد كانت جامعة بغداد من الجامعات الاكثر نتاجا في الوطن العربي, كما ان عديد من العاملون في اروقتها من حملة شهادات الدكتوراة,ويشاركون باستمرار في دراسات عليا بجامعات وموسسات علمية مشهورة في الخارج .لقد قامت هذة الجامعة العريقة في تخريج علماء ومهنين بتخصصات مختلفة,يعملون ليس فقط في العراق,بل في بلدان الشرق الاوسط والعالم برمتة . ان الحصار الاقتصادي التي فرضتة الولايات المتحدة الاميركية بمساعدة الامم المتحدة لم يمنع الطلبة والمهنيون العرب والاجانب في الالتحاق في موسساتها العلمية المشهورة من اجل الدراسة والتدريب .علاوة علي قيام عديد من علماءها في تقديم الابحاث والاوراق العلمية في المنتديات والموتمرات عبر العالم .الاكثر من كل ذلك تمكنت جامعة بغداد في تطوير او المحافظة علي ثقافة علمية علمانية متحررة من التمييز الطائفي,وتمتع بكادر علمي من جميع الخلفيات الدينية والاثنية.
لقد حطم خلال فترة الاحتلال هذا العالم نهائيا .حيث في ظلة استشهد لغاية نوفمبر عام 2008 اكثر من 83 اكاديميا وباحثا ومدرسا من جامعة بغداد فقط ,كما هرب الالاف من زملاءهم وطلبتهم وعوائلهم .
القتل الانتقائي للاكاديميين حسب التخصص
في مقالة نشرتها وكالة الانباء الباكستانية في شهر نوفبر من العام الماضي ,وردت اسماء وتخصصات ضحايا اغتيالات فرق الموت من اساتذة عراقيين يعملون في جامعات البلد المختلفة بلغ عددهم الاجمالي 281 استاذ منهم في جامعة بغداد (154 )ا ستاذا,وان 25% منهم او (21ا) استاذا من كليةطب بغدادوتعتبر اعلي نسبة اغتيالات من كافة الكليات الاخري . النسبة الثانية العالية في كلية الهندسة( 12 ) اي بنسبة قدرها 7,8%,يتبع ذلك الحقول الانسانية( 10)استاذا او نسبة قدرها 6,4% وعلم الاجتماع (8)نسبة قدرها 5,2%وبقية الاغتيالات البلغة نسبتها اكثر من 50% تتوزع علي كليات الرياضية البدنية وكلية الاقتصاد وادارة الاعمال والزراعة وغيرها .هذا وقد تم تصفية واغتيال 53 استاذا في ثلاث جامعات عراقية اخري من ضمنهم 10 في علم الاجتماع 7 من كلية الحقوق 6 من كلية الطب و9في العلوم الانسانية و9 في الرياضة البدنية .
ففي نكتة تافهة لرومسفيلد في 20 اغسطس عام 2002 حول العلماء العراقيون قال "لنفترض انهم علماء لكنهم يمارسون لعبة القرص والكاس " كلة لتبرير اعمال التطهير الدموي للعلماء العراقيون في مجال الفيزياء النووية او الكيمياء الجرثومية انذاك . ان هذة النكتة تحولت الي ممارسة مشوؤمة,ترجمت الي تصفيات جسدية لعناصر اكاديمية وعلمية من محافظات العراق بعد الاحتلال : 127 اكاديمي من جامعات الموصل والبصرة وغيرها هذا,وقد حصلت اغتيالات باعداد مرتفعة في المحافظات التي تنشط بها القوات المسلحة البريطانية او الاميركية او قوات التحالف.ففي البصرة قتل (35ستاذا وفي الموصل 55 وفي الانبار 11 استاذا جامعيا و17 في ديالي .
نفذت معظم الاغتيالات للاكاديمين من قبل فرق الموت .فمثل هذا القتل المنتظم شمل البلاد برمتها وقاد الي تدمير الاسس الثقافية والتعليمية للحضارة العربية الحديثة في العراق .ففي حين قامت فرق الموت في تنفيذ اعمال الاغتيالات هذة ,اخذت الجماعات الدينية الاثنية البدائية لما قبل الحداثة والوطنية بفضل الاستراتجية العسكرية الاميركية في تنظيف العراق من كافة قواة الفكرية والوطنية التي تنشد تحقيق اجندة اعادة بناء الدولة والمجتمع علي اسس علمانية حديثة وجمهورية عراقية موحدة كما تمكنت تثبيت مواقعها وتثبيت سيطرتها علي اجهزة الدولة والمجتمع ,بل تحولت بذاتها الي موسسات حاكمة في المجالات المدينة والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية .
ان حالة الذعر والخوف من استمرار المقاطعة والحصار قامت المديرية العامة للتفتيش والرقابة الوطنية في ديسمبر عام في تقديم اسماء 500 عالم عراقي الي فرق التفتيش التابعة للامم المتحد ة للتحقيق معهم حول برامج اسلحة الدمار الشامل في البلاد .فمن دون شك استخدمت هذة القوائم او تحولت الي عنصر هام في برنامج التصفيات الذي وضع بعد الغزو والاحتلال لتطهير العراق من علماءة ,ففي خطابة ردي السمعة في الامم المتحدة اشار كولن باول وزير الخارجية الاميركي الي قائمة تحتوي 3500 عالم وفني عراقي يتطلب احتواءهم واعاقة استخدامهم او استغلال خبراتهم ومعارفهم من البلدان الاجنبية المختلفة .علاوة علي ذلك امتنعت قوات الاحتلال في تنفيذ البرامج السرية التي خططت لة,وخصصت لة الموارد المالية من برامج النفط مقابل الغذاء , الذي يرمي اعادة تدريب وتاهيل هذة الكوادر العراقية . ان الطرق الرخيصة لاحتواء فائض العلماء والمهندسين والفنين العراقيين اتضحت جليا فيا اشار الية الخبير الاميركي في ورقتة المورخة في ابريل 2004."قد قررت الولايات المتحدة في تبني وتوسيع عمليات الموساد الاسرائيلي السرية في اغتيال العلماء العاراقيون بالجملة "
حملة الاندفاعة العسكرية الاميركية وتصاعد الاغتيالات 2006-2007
ترافق مد وجز اعمال الارهاب واغتيال الاكاديمين والمثقفين مع تجدد هجمة الاندفاعة العسكرية في بغداد والمحافظات. فمن اجمالي الاغتيالات المسجلة في بغداد البالغة 110 حالة ,نفذ منها حوالي 80%(87 قتيل) في عامي 2006-2007 . النموذج ذاتة برز في المحافظات الاخري حيث استحوذت الفترة علي 70%(او84 )من مجموع الاغتيالات علية اصبحت الامور واضحة وجلية ...لقد ازداد عدد القتلي من الاكاديمين بذات الوقت الذي تم فية تنظيم جيش وشرطة مرتزقة,كماقدمت الاموال الي رجال الدين وروساء العشائر من الطائفتين والميليشات.كل هذة الاجراءات اريد منها منها تكثيف حماية قوات الاحتلال والتصدي الي المعارضة او حركات التمرد .لقد بدات تصفية القوي المثقفة عام 2005 وبلغت ذروتها عامي 2006 -2007 التي بدورها قادت الي تصاعد الهجرة الجماعية خصوصا من كلية طب بغداد .الاستاذة الذين لا يتمكنون من تحمل اعباء وتكاليف هجرة الوالدين معهم ,اضطرو البقاء في العراق,واعتمدو اجراءات احتياطية واستثانيئة من اجل اخفاء هويتهم او ربما اضطرو التعاون مع قوات الاحتلال او الحكومة,املين ان يسمح لهم لاحقا من الهجرة الي الولايات المتحدة الاميركية او الي اوربا . في عام 2008 يبدو حصل تراجعا ملحوظا في اغتيال الكفاءات حيث سجلت 4 حالات فقط .يكمن السبب ليس في تغيير سياسة الولايات المتحدة او الحكومة العراقية بل ان الغالبية العظمي من الاستاذة او الاكاديميون اما اصبحو من المهاجرين او اضطرو الي الاختفاء او التنكر .
ان حرب العراق قد تعتبر نجاحا للولايات المتحدة الاميركية حينما تمكنت من احتلال امة يتجاوزعدد سكانها 23 مليون نسمة ونصبت علية حكومة تتلقي اوامرها من ضباط الجيش الاميركي او السفارة الاميركية وعرضت حقول نفطة في المزاد العلني والغيت كافة القوانين التي تحمي تراثة او موادرة الطبيعية وسن لة دستور يعطي افضلية للامبراطورية الاميركية .ان خدم اسرائيل في ادارة بوش واوباما يبتهجون بزوال الحداثة عن االعراق وتحويلة الي صحراء قاحلة سياسيا وثقافيا. بالتوافق مع الاتفاق الذي عقد بين كبار المسوولون في الخارجية والدفاع مع الجماعات النافذة في المجلس الاميركي للثقافة في يناير2003 وجد نهب كنوز بلاد الرافدين القديمة طريقة عبر تجميع النخب في لندن ونيويورك وغيرها من الامكنة .
الخلاصة والاستنتاجات
ماذا كسبت الولايات المتحدة الاميركية (بريطانيا واسرائيل ) من اقامة نظام رجعي في العراق يعتمد علي قواعد اجتماعية اثنية طائفية من القرون الوسطي ؟
المهم والاول في الامر تكمن في تحول العراق الي قاعدة امامية للامبراطورية الاميركية .وثانيا اقامة نظام عاجز عن تحدي الهيمنة الاسرائيلية الاقتصادية والعسكرية في المنطقة, بل اجبارة تحاشي نقد او طرح التساولات حول اعمال التطهير الاثنية التي تقوم بها اسرائيل ضد سكان عرب فلسطين في القدس او الضفة الغربية او غزا .ثالثا تخريب وتدميرالاسس والمقومات العلمية الثقافية الاكاديمية والقانونية لدولة وامة مستقلة, مما يعني تعميق تبعيتها للشركات متعددة الجنسية الغربية (الصينية ),وما يرتبط بها من هياكل وبني تحتية فنية وتقنية ,كلة من اجل تسهيل عملية الاختراق والاستغلال الاقتصادي الامبرالي .
ففي القرن التاسع عشر بعد ثورة عام 1848 اعترف عالم الاجتماع الفرنسي المحافظ اميل دوركهايم بضرورة وحتمية قيام البرجوازية الاوربية في مواجهة التحديات المتصاعدة من الصراعات الطبقية ,خصوصا مع تزايد قوة ونفوذ الطبقة العاملة ونضالها المستمر ضد الراسمالية. علاوة علي توكيدة علي ضرورة قيام الطبقة البرجوازية استخدام اسطورة الدين التقليدية سواء في خلق التماسك الاجتماعي اومن اجل سحق جذور الاستقطاب الطبقي رغم الريبة والشكوك الفلسفية حول الدين والاكليوسية (النفوذ الديني في السياسة) .هكذا صاعد عالم الاجتماع هذا, مطالبتة للطبقة الراسمالية الباريسية المتعلمة والراقية,ليس فقط دعم واسناد العقيدة الدينية الهلامية والظلامية وعدم الاعتراض عليها او نقدها وتسفيهها فحسب , بل يجب عليها ايضا تسخير الدين ,واستخدامة كوسيلةهامة من اجل المحافظة علي هيمنتها وسيطرتها السياسية.
يبدو ان الولايات المتحدة الاميركية اعتمدت الطريق ذاتةحرفيا , حينما قامت بدعم من الصهاينة في وزارة الدفاع في اعتماد تركيزها علي القوي الدينية و الملالي وروؤساء العشائر , واستخدام هذة القوي وسيلة هامة لتدمير القيادات السياسية الوطنية العلمانية والطبقةالمثقفة العراقية, وممارسة القتل والابادة الجسد ية للفئات العلمية والمهينة ان اقتضي الامر , كلة من اجل توطيد الحكم الامبرالي الاميركي في البلاد علي الامد البعيد .عموما قامت قوات الاحتلال الاميركية في دعم واسناد القطاعات الاجتماعية السياسية الاكثر تخلفا في البلاد,في حين قامت بذات الوقت استخدم احدث الوسائل والتقنيات الحديثة المتطورة في شنها الحرب . هذا و لعب المستشارون الاسرائيليون اعتمادا علي تجاربهم المستخلصة من المماراسات السابقة التي تجاوزت ال60 عاما في فلسطين , دورا هاما في تعليم وارشاد قوات الاحتلال في تنفيذ عمليات التمرد المضاد في المدن العراقية من ناحية, او اضطهاد المواطنون من ناحية اخري. ان مذابح العوائل الفلسطينيةالمشهورة في دير ياسين عام 1948 شكلت رمزا لتصفيات مئات القري الفلاحية التي قطنها العرب الفلسطنيون لقرون طويلة , بكل ما خلدتة ليس فقط من روابط تقافية وحضاريةفحسب بل وعززت الانتماء للارض والتعلق بها , كلة من اجل اقامة مستوطنات ونظام استعماري جديد.
.شكلت ممارسة استئصال الفلسطينين محور الاستشارة والنصائح الاسرائيليةلمتخذ القرار السياسي الاميركي . لقد قام عملاء اسرائيل الصهاينة المنتشرون في ادارة الرئيس بوش, اواولئك الذين لايزالون يحتلون مواقع هامة في ادارة اوباما , منطوق الخطاب الاسرائيلي ,الذي تمحور في اوامر توجيهات,ليس فقط تمزيق بيروقراطية الدولة الحديثة والمجتمع المدني في العراق ,بل استخدام فرق الموت العشائرية لما قبل الحداثة, والمكونة من مرتزقة في تخريب وتدمير الجامعات وموسسات البحث العلمي لهذة الامة المبعثرة. عليةيمكن التوكيد ان الغزو الاميركي للعراق قاد في حصيلتة النهائية تحطيم جمهورية علمانية حديثة, وتحويل البلاد الي صحراء قاحلة تفتقر التقافة والعلم والحداثة والعلمانية. المتبقي فيةظل فقط (تطرف ديني عاصف تشرب في دماء رجال دين اثرياء متانقون ) جحافل من المحتالين والمنافقين والقتلة يعملون موظفون في الحكومة ,علاوة علي تجمعات دينية / اثنية وعشائرية ,رموز ومرجعيات دينية من القرون الوسطي .الجميع يعمل تحت توجية وارشادات شركة حملة الشهادات ويست بيونت ., " مخطط الامبراطورية "ا لذي تم صياغتة من قبل خريجي ارقي الجامعات الاميركية مثل برنتكون وهارفارد وييل وشيكاغو , لخدمة الشركات متعددة الجنسية .
الترجمة من المصدر ادناة
The US War against Iraq:
The Destruction of a Civilization
By James Petras
August 2009
http:// petras.lahaine.org

ترجمة محمد سعيد العضب










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب


.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة




.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز


.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام




.. الشرطة الإسرائيلية تقمع مظاهرات تطالب بوقف الحرب على غزة