الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقع إلكترونية أم قبائل سياسية؟

نصير عواد

2009 / 12 / 10
الصحافة والاعلام


لا أظنها غضبة مضرية صادقة تلك التي دفعت الباعة الجوالين في المواقع الإلكترونية إلى شتم الكتّاب والقرّاء واتهامهم بتهم كنا قد توهمنا نسيانها في خضم الصراعات والتغييرات المؤلمة الجارية بالعراق.إنّ تسابق السياسيين إلى قتل المواطن العراقي لتسوية خلافاتهم السياسية وتراكض المواقع الإلكترونية إلى تخوينه وتشويهه يضعنا أمام صفقة غير معلنة بين الباعة والتجار لخلط الأوراق والنيل من كرامة المواطن وحقه بالعيش الكريم. وحتى لا أطيل بالكلام أعرض عليكم ردا من موقع "الفنان العراقي" كما وصلني على مقال عن الفن التشكيلي كنت قد أرسلته لهم يقولون فيه (نمتنع عن نشر نتاجات جميع الاشخاص الذين يكتبون في المواقع التي تدعم وتروج كتابات العفالقة,أو البعثية والداعمة للإرهاب كموقع شبكة أخبار العراق نت وموقع البُراق وموقع كتابات والبصرة نت والكادر والبديل العراقي, ومن ينتمي لمؤسسة كتاب بلا حدود ,ومراسلون بلا حدود, ومن يكتب بأسماء مستعارة وأي مادة تسيء لأي دين أو طائفة عراقية او مكّون عراقي. كما اننا نمتنع عن نشر المواد الضعيفة او تلك التي تنشر في عدد كبير من المواقع وتلك التي لا ترفق بصورة شخصية للكاتب. من شروطنا ان لا يكون الكاتب قد نشر او تعاون مع المواقع البعثية المناصرة للإرهاب واولها موقع كتابات.لا يمكننا نشر اي مادة لكم بعد الان حتى نستلم ردكم )
وهذه السطور القليلة المشحونة بالوطنية الكاذبة التي أُرسلت كـ "كليشهة" إلى الكثير من الكتّاب والفنانين كشكل من أشكال التطاول والقمع تُذَكّرنا بدائرة الزمن العراقي التي لا تريد التوقف عن إلغاء الآخر، وتشير إلى ضعف ذاكرة الضحية بعد تحوّل صاحبها إلى جلاد صغير ليس له من هم سوى إثبات وجوده بعد أن اكتشف فجأة أن ليس لديه ما يتشرف به بين الآخرين. بالنسبة لي سأفترض أن المقال لم يُنْشَر انسجاما مع جزء من فقرة المنع التي تقول ( كما اننا نمتنع عن نشر المواد الضعيفة او تلك التي تنشر في عدد كبير من المواقع وتلك التي لا ترفق بصورة شخصية للكاتب) وهذا الافتراض ليس تواضعا ولكنه من باب التسهيل للأمر لأني لا استطيع هضم حقيقة أن يُمنع نشر المقال بسبب مواقف سياسية تخص الكاتب، ثم تكال له مفردات التخوين والإرهاب والطائفية، فهذا ما لا يمكن بلعه والسكوت عليه. ففي الوقت الذي تفتخر فيه المواقع اليسارية والوطنية المقروءة "الحوار المتمدن، كتّاب العراق.. وغيرها" بانفتاحها على كل التيارات والأفكار، نجد الجهات التي لا تاريخ لها تزاود وتبالغ وتتهم حتى نسوا أنفسهم.
إن المواقع الإلكترونية التي أدركت أن الفكرة تطير ولا يمكن منعها أو حبسها، عليها أن تدرك كذلك حقيقة أن الفكرة أوسع من قبيلة وأوسع من حزب وأوسع من وطن، وأن تُقدر أن الكاتب الحر الذي يحترم نفسه وكتاباته يشغله "ماذا يكتب" أكثر مما يشغله "أين يكتب" خصوصا بعد انتشار الصحف والمواقع الالكترونية التي غطت على كافة الجوانب والاختصاصات وبعد أن تأكد أن لا فوارق كبيرة بين الأحزاب المتناحرة على السلطة. فلقد ولى الزمن الذي كنا فيه نركض خلف الأحزاب والجرائد والمواقع وحل زمن فيه "الماوس والكنترول" نستطيع بواسطتهما الذهاب إلى أطراف الكوكب. فعلى من أفتى بعمالتنا وخيانتنا بسبب مقال فني ليس له علاقة بالسياسة أن يوضح لنا ما هو ذنب الكاتب إذا أخذت مواقع وجهات أخرى مقاله ونشرته على صفحاتها من دون علمه أو موافقته، وهو أمر متعارف عليه قد يتم فيه ذكر المصدر الذي أُخذ عنه المقال أو لا يتم؟ وماذا يفعل القاص إذا وجد في موقع "البديل العراقي" تعبيرا عن أفكاره وتطلعاته ومواقفه فهل يداهن ويسكت تلبية لمطالب قبيلته؟ وماذا يفعل الكاتب الذي يريد الوصول إلى جمهرة معينة من القرّاء المغضوب عليهم في موقع "كتابات" المفتوح على كل الأسماء والقرّاء والتيارات والكتابات الغث منها والسمين، فهل يدخل سرا للموقع بعد أن يطفئ ضوء غرفته ويكتب باسم مستعار حتى لا يجرح مشاعر المواقع الوطنية؟. يجدر الإشارة هنا إلى أن أسماء المواقع والمؤسسات التي ذُكرت في قائمة المنع الوطنية لموقع "الفنان العراقي" هي جهات معروفة فيها اليساري والقومي والإسلامي، وفيها من تبنى مشروع الاحتلال وفيها من أعلن عدائه الصريح للعملية السياسية الحالية بالعراق. أي أنها تعكس حالة الصراع الجارية على الأرض ولا مفاجآت فيها. وبالمناسبة أين هي المفاجآت إذا كان البعثي يكتب باسم مستعار؟ ألا تستدعي الحالة العراقية المحتدمة أن يكتب فيها المطلوب قضائيا والمطارد سياسيا باسم مستعار؟ ألم نفعلها نحن ضحايا دكتاتورية البعث في المنفى أكثر من ربع قرن؟ فهل ثُقبت ذاكرتنا، أم أن ذلك حلال علينا وحرام على غيرنا؟. ثم ما هو اختلافنا وفرقنا عن البعثيين إذا كنا نمارس ممارساتهم ونمنع ونهدد ونقصي كل من يختلف معنا ولا يستمع إلى فتوانا ؟
أنا هنا لا أساوي بين الضحية والجلاد، ولا أبرر أو أدافع عن تاريخ ظلم البعثين لكافة شرائح المجتمع العراقي على مدى أربعة عقود، لأني ببساطة من ضحايا حزب البعث وسبق وأن واجهته فكريا في شوارع الديوانية وبغداد، وواجهته بالسلاح في جبال كردستان عندما كان في أوج قوته في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان بعض من المشرفين على موقع "الفنان العراقي" يعمل يومها لتبييض آلة الرعب الديكتاتورية. ولكني رغم خلافي مع البعثيين أحترم معتقداتهم وحقهم في العيش الكريم، وأطالب المواقع الإلكترونية – على الأقل تلك التي تدعي الانفتاح على الآخر - بالاستماع إليهم وإفساح المجال لهم للتعبير عن أنفسهم وعن عراقيتهم، والكف عن خنق الحريات وعن رمي الآخرين بتهم العمالة والخيانة بسبب مواقفهم السياسية، فمصيبتنا أكبر من ذلك بكثير .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يحاول تقبيل زوجته ميلانيا أثناء حفل تنصيبه


.. الأسيرة المحررة بشرى الطويل: فترة اعتقالي الأخيرة هي الأقسى




.. مشاهد صادمة لحجم الدمار والخراب الذي خلفه الاحتلال بمدينة رف


.. جماهير الرجاء المغربي تحتفل بوقف إطلاق النار في غزة




.. الإعلام الإسرائيلي يتناول وعيد وزير المالية سموتريتش بعدم ان