الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضة الديمقراطية

طارق الهاشم

2009 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


في الستينيات والخمسينيات كانت الموضة السائدة هي الاشتراكية، وفي عالمنا الثالث سمعنا عن اشتراكية الدولة واشتراكية الاسلام واشتراكية المسيحية وضرورة وحتمية الاشتراكية· وكان الراديو لا يتوقف عن ذكر الكلمة ولربما كانت اكثر كلمة تطبع بالصحف حينها، ولان الناس كانت تعيش في ظل موضة الاشتراكية صباح مساء، ظهر قطيع كامل من مثقفي الاشتراكية، وهم في الاساس منظرون يهرفون بما يعرفون وبما لا يعرفون، ويتراوحون بين زعماء أحزاب كبيرة ورؤساء دول، إلى بائعي خضار تلقوا قدرا من التعليم الاولي·

بعد نكسة حزيران يونيو في نهاية الستينيات، بدأت موضة >الاسلام هو الحلالحل في العودة إلى الاسلاماصحاب الاعمال< ، ومازالت آثارها بادية في اقتصادنا المدمر والمحاولات الحثيثة التي تقوم بها الدول العالم ثالثية للعودة إلى ازمنة سبقت· واليوم منذ منتصف سنوات التسعينيات بدأت موضة الديمقراطية وحقوق الانسان· والشاهد أنك اذا حذفت عبارات على شاكلة ديمقراطية حقوق انسان تهميش مظالم تاريخية·· الخ وما اشبهها من مترادفات من خطاب معظم سياسيي اليوم، فإنه لن يتبقى من الخطاب غير علامات الترقيم واحرف الجر، وتتحفنا نفس قطعان المثقفاتية سالفة الذكر بهذه الخطابات ليل نهار >الحل في الديمقراطية< وكما يقول المصريون >العدد في الليمون< ودون خجل يتم ابعاد مشاكل الدولة الحقيقية إلى رف بعيد واضاعة الزمن في ما لا ينفع الناس ولا يخبرنا احدهم كيف تصلح الديمقراطية مشروع الجزيرة مثلا او تحل ازمة السكة الحديد في عطبرة، ولكنهم يطالبون ليل نهار بتحقيق الديمقراطية وازالة التهميش ونشر الشفافية، دون ان نفهم حقيقة معنى هذه العبارات، كما لم نفهم من قبل عبارات مثل الاشتراكية والامبريالية والديالكتيك او عبارات الاستخلاف والتوافق والتوالي طيبة الذكر·

لا اريد ان يظن الناس انني اقف ضد تطور الفكر او ضد التفكير او ضد مشاركة المجتمع بكافة شرائحه في تقرير السياسات الافضل للدولة، ولكنني ارجو حقيقة ان يرحمنا مفكرونا العظام من هذه المهزلة، وان يشرحوا لنا بكلمات بسيطة مثلا ما هي الديمقراطية وما هو التهميش وما هي الشفافية· وهل ما يقولونه عبارة عن موضة جديدة او هو نتيجة لاقتناع ناتج عن التجربة، وان كانت هناك تجربة اين تمت وكيف تمت؟ ولننظر إلى ام الديمقراطيات بريطانيا مثلا، حيث يحصل شيوخ قبائل الانجليز على تمثيل في مجلس اللوردات يسمح لهم بمراجعة كل القوانين الصادرة في بلادهم- واصدار قوانين جديدة ملزمة طرفهم- هؤلاء الشيوخ ليسوا اشخاصا منتخبين، وحتى عام 9991 نعم قبل اقل من عشرة اعوام، كانوا يحصلون على العضوية عن طريق الوراثة دون حتى انتخابات تجري بينهم هم، واليوم لم يتغير الحال كثيرا، حيث تقوم لجنة مكونة من اللوردات انفسهم باختيار شاغلي المناصب الخالية في المجلس، وكما كان الامر حين يورث الاعضاء المقاعد لابنائهم تدفع اللجنة باسماء الاعضاء المقترحين إلى المملكة التي تقوم باستدعاء الشيخ الفلاني ليمثل المنطقة الفلانية في المجلس· ويقولون ان الملكة لا تحكم، ولكن ان كان الرئيس في دولنا يقوم باختيار اعضاء احد مجلسي البرلمان، فبالتأكيد سيتحدث الناس عن الديكتاتورية· والغريب ان هذه هي ديمقراطية وست مينستر، ولكن قد يقول البعض ان هذا المجلس صوري ولا يؤدي دورا غير الكلام والتثاؤب، وان العمل الحقيقي يجري في مجلس العموم، اقول للسيطرة على السيارة يكفي ان تمتلك المكابح، فمجلس اللوردات يمثل المحكمة العليا التي تضمن ان لا تضار مصالح الطبقة الحاكمة في بريطانيا، وهي بالمناسبة طبقة ملاك الاراضي·

وتضمن هذه المحكمة ان لا تضار مصالح الامبراطورية باسم العدالة وحقوق الانسان كما حدث في محكمة بينوتشيه، ولان عصب السلطة والثروة في بريطانيا تمثله حيازة الارض عكس امريكا، حيث يمثل المال عصب السلطة هناك، تحرص بريطانيا- انجلترا تحديدا- على بقاء سلطة اللوردات كاملة غير منقوصة· وانما قد تلطف قليلا من صورة هذه السيطرة، فببساطة يسيطر شيوخ الانجليز على أكثر من 08% من اراضي استكتلندا، لاحظ انهم انجليز وليسوا اسكتلنديين، وحتى هنا لا يتمثل اولئك الشيوخ عادات من يمثلونهم من اهل الشمال، فكل لورد من هؤلاء يحرص على ارسال ابنائه إلى المدارس الداخلية حتى لا يتحدث بلهجة القوم المحكومين، ونقف لنسأل هل هذه هي الديمقراطية؟ ان كانت هذه هي فإن عيدي امين كان سيرحب بها جدا· ونجد من يقول ان النظام الانجليزي قد صمم لموافقة اهواء اهل انجلترا وتوابعها- ويلز واسكتلندا وايرلندا الشمالية، اقول ان النظام صمم لضمان سيطرة الطبقة الحاكمة من وراء ستار رقيق يمكن كل ذي بصيرة من النظر خلاله بسهولة، ان لم يعم بصيرته بغلالة الشعارات· وعندما يتحدث الناس عندنا عن التهميش الثقافي والاثني، هل سألنا كم محطة تلفزيونية تبث في بريطانيا بلغة اهل ويلز؟ أو على الأقل كم لافتة بالويلزية في >كارديف< عاصمة ويلز؟ او عندما يتحدثون عن حكم القانون كيف رفض بلير التحقيق في صفقة اليمامة؟ وكيف كانت لكل >من المحاكم الاميركية والاوروبية آراء متعارضة تماما في مسألة البذور المعدلة جينيا، تبعا للمصالح المتعارضة لمؤسساتها التجارية؟ وحتى كيف يسمح القانون لشخص مثل بليرب شن حربين على الاقل دون تفويض- يوغسلافيا والعراق؟ بمعنى انه قام بالشئ نفسه الذي قام به صدام حسين ليس بالبقاء دون محاكمة، وانما حتى الاستمرار بالسلطة·

هذا غيض من فيض· والحق انني لا ارغب في تقويم نظام الانجليز فاهل مكة ادرى بشعابها· ولكنني ارغب في ان يدرك مثقفونا ان الموضات إلى زوال، وان كثيرا مما يطالبون بتعديله اليوم قد يكلف ثمنا غاليا لاسترجاعه في المستقبل·











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت