الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوت العريش تحت غناء رق الحبيب

عبدالله العقيل

2004 / 6 / 17
الادب والفن


(إلى عبدالرحمن المُلا .. دوماً.)

أرضٌ تستغيث، وقدمٌ تَشقَّقَ قلبُ صاحبها من مواعيد متعبة.
لم ينمْ, ضيقُ المكان, واتساع ذاكرته الطرية, تتكئ على خاصرة الغناء, تحت نافذةٍ تطل على بحرٍ موغل في الشرق، موجه يطاردُ غيمة, لا يعرف من أي "نجدٍ" هربت إليه!
"رق الحبيب وواعدني "
يبعثرُ شيطان اللحن وجع الجسد، يعبثُ بكل تفاصيله ولا يرحم، يأتي صوت الناي كلون الماء على طرفِ عشبٍ منزوٍٍ، نديٍ ومغرٍ, تتلمس أطراف الجسد صوت الموسيقى, وعذوبة (الله) حينما يترفق, وينزل إلى حديقته الخلفية!
رقّ "العريش"...
رقّ الهوى.. رقّ الغناء...
لحنٌ يُباغِتُ, يمعِنُ في الطعنِ، يقسو, ويماطل...
تعبث الأنامل بالوترِ والروح معاً .
"وكان له مدة غائب عني"
يدغدغ صوت القانون بخفةٍ أوتار الكمان, ويرتقيان سويا إلى سماءٍ لا حدَّ لها, ويومض اللحن البهي, كراحٍ صب عليه برق خفيف, تلهبُ الموسيقى جسد العاشق, كما وقع قبلة خاطفة،
تزيده وثبة في الشوق، وتخفِّفُ من اتكاء رأسه المُثقل على طرفِ حزنٍ بعيد.
"صعب علي أنام ..... أحسن أشوف في المنام
غير اللي يتمناه قلبي
سهرت أستناه ..... واسمع كلامي معاه
وأشوف خياله قاعد جنبي "
تمتزج الكلمات, وتتحدُ متصارعة مع اللحنِ، لتخلق حالة من غيابٍ خفي, تزيدُ من ارتخاء الجسد...
تتشكل القصيدة على شكل امرأة طازجة, تتأوه من بلل التفاصيل وحرارة الترقب.
ينهض الجسد من حلمه, ويبدأ بنفضِ ما علَقَ بقصيدتهِ من رائحةِ غناءٍ شهيٍ، ينتفض "العريش" رهبةً، ويبدأ العاشق بمغازلة أطرافها، يدعوها للنهوض، ويبدأن الرقص.
"من كثر شوقي سبقت عمري ..... وشفت بكره والوقت بدري
وإيه يفيد الزمن مع اللي عاش في الخيال
واللي في قلبه سكن، أنعم عليه بالوصال".
تتمايل (القصيدة/المرأة) تزيدُ في مددٍ رحيب، وتأخذُ أصابع العاشق في التحسُّسِ، يقبِضُ براحتيه على حوضها، وتتأوه مغمضة عينيها.
تدور بكفيها على خديه وتسحبه نحو الصوت...
لجة عود، ولذة ألم، اتساع تفاصيل في دفء خيال مُرهَق.. تجتمع, لتحفز وتحرض معاً، ويعرف العاشق, حينها, أن تلك هي ساعة غوصه واكتشافه!
"وفضِلت أفكر في معادي, وأحسب لقربه ألف حساب
وكان كلامي مع أصحابي عن المحبة والأحباب
من فرحتي بدي أتكلم أقول حبيبي مواعدني
لكن أخاف لا يكون بينهم مظلوم في حبه يحسدني"
تتحد الأصوات جميعاً و تتداخل كلون جديلة مُترعة بالماء، يغمض عينيه ويقبيلها.
خجل وإغراء،
دفء وبوح,
تخرج رائحة اللحن من بين ثدييها، ساخنة ورطبة، يقبض عليها بشفتيه ويهمس بلغةٍ لا يعرفها!
يزداد الكمان في بحته, ويناجي وتر العود الخامس, حين يشعر بارتخائه ووحدته.
يفيق العاشق من غفوته الأخيرة على حرارة نفس القصيدة, لاهثاً وسريعاً, يدعوه إلى التحام نهائي!
يرفع يديه قليلاً, وتتشابك أصابع يديه خلف ظهرها، ترتخي شِفتّها السفلى, وتحضنه بقسوة.
"هجرت كل خليل لي ...... وفضلت عايش مع روحي"
يأخذ الصوت شكل صلاةٍ عتيقةٍ، وتحترق أنامل عازف الجنون, إثر حرارة الالتصاق،
ويضرب بقسوةٍ على أوتاره, محرضاً على بوحٍ أخير.

الرياض

*لحن الأستاذ محمد القصبجي
غناء السيدة أم كلثوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي