الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار بين الواقع والخيال في مسيرة الحوار المتمدن

صادق إطيمش

2009 / 12 / 11
ملف - في الذكرى الثامنة لتأسيسه -09-12-2009 -, الحوار المتمدن إلى أين؟


اليسار بين الواقع والخيال في مسيرة الحوار المتمدن
حينما ننطلق في تسميات التوجهات السياسية بين اليمين واليسار والوسط وما يتخلل ذلك من إرتباط بالفكر المحافظ أو التقدمي أو الليبرالي ، فإننا ننطلق من مفاهيم برزت على ساحة العمل الفكري سياسياً وثقافياً واجتماعياً لتشق طريقها عبر مراحل تاريخية مختلفة نحو المواقع التي بلغها هذا المجتمع أو ذاك من خلال حركة التطور العالمية التي لم تواكبها المجتمعات بصورة متساوية وبالتالي فإنها لم تستفد منها إلا بالقدر الذي إستطاعت به التَّماس والتأثر بها كماً ونوعاً. ومفردة اليسار التي طالما دخلت ميادين الصراع السياسي ، خاصة في الدول التي عانت من ويلات التسلط الأجنبي على مقدراتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، أخذت حيزاً واضحاً ووقتاً طويلاً من الجدل حول ثلاثة محاور تعلقت بها تعلقاً جدلياً حتى أصبح الحديث العلمي الهادئ حول التوجه اليساري في العمل السياسي مرتبطاً بهذه المحاور شاء المتحاورون ذلك ام أبوا .
يتعلق المحور الأول من هذه المحاور بمفهوم هذه المفردة (اليسار) ، واختلاف المضامين التي إرتبطت بهذا المفهوم حتى أصبح الحديث عن التوجه اليساري في العمل السياسي كحوار الطرشان أحياناً . لقد برز هذا المفهوم وكأنه خالٍ من كل القيم التاريخية والإجتماعية التي إرتبطت به عبر حُقب النضال التي خاضتها الشعوب والتي قدمت فيها الملايين من الضحايا دفاعاً عن حريتها أو ثمناً لها ، بحيث أخذت التفسيرات المنطلقة من هذا الموقف الآني أو ذاك وكأنها تشكل قاعدة القيم التي يقوم عليها هذا البناء السياسي ـ الإجتماعي . الموقف الآني الذي لا يلم بحيثيات الحدث عن عمق ولا يتجاوز التصور الفردي المغمور في غياهب العواطف والإنفعالات لا يمكنه ان يضع التوجه اليساري في الموقع الذي يمكن من خلاله عكس مفاهيمه على الواقع العملي والحصول على النتائج الإيجابية المتوخاة من خلال ذلك . وانطلاقاً من هذا التصور يقدم لنا التاريخ نماذج لا تعد ولا تحصى والتي إرتبطت بحركات التحرر الوطني والقومي لدى الكثير من شعوب الأرض خلال ممارساتها النضال الفعلي على أرض الواقع الذي حدد معالم نضالها هذا . وذلك ما نسميه بالمحور الثاني الذي يشمل الأرض الفعلية التي برزت عليها ممارسة وتطبيق هذا المفهوم والتعامل مع المعطيات المتاحة له. تُشير احداث التاريخ إلى أنواع الحركات السياسية والإجتماعية التي وقفت مواقف مختلفة أزاء إستيعاب وتفعيل الفكر اليساري . فقد وضع البعض مفهوم الخروج عن المألوف ضمن السياقات التي يتجلى فيها التعبير عن تبني التوجه اليساري الذي يرفض هذا المألوف ويطالب بالخروج من شرنقته ، حيث يعني هذا الخروج : التحرر من صيغ الماضي الذي تسعى حركة التحرر السياسي والإصلاح الإجتماعي إلى بلوغه باعتباره الحل الأنجع لما تعاني منها مجتمعاتها من تخلف في جميع ميادين الحياة . واعتبر البعض الآخر تأكيد مفهوم اليسار من خلال رفض القوانين والأنظمة التي عملت أو ساعدت على سنها القوى الغاشمة المستغِلة لخيرات وموارد الشعوب والتي شرعنت هذا الإستغلال من خلال هذه القوانين التي يجب ان تُرفض حتى ولو عن طريق العنف . في حين جعل فريق آخر الدين كعدو أزلي للتوجه اليساري ودعى إلى أن التحقيق الأمثل لهذا الفكر ينطلق من محاربة الدين والتصدي له ولإفكاره وخطابه ، إنطلاقاً من التحليل الخاطئ والفهم المقتضب لعلاقة الماركسية ، كنظرية فلسفية ، بالدين . ولم يتوان البعض الآخر من إتباع أساليب ألإسلام السياسي المتزمت الذي يجعل من غير المسلمين كفاراً يجب مخالفتهم حتى وإن كانوا على صواب ، في تبني نفس هذا الأسلوب في مواجهة القوى التي مارست أو التي لا زالت تمارس السياسة الإستعمارية الإستغلاليه بأشكالها الجديدة وجعل التصنيف للإنضمام إلى الصف اليساري مرتبطاً بهذا الموقف بشكل أساسي . ولم يكن نصيب أعداء التراث القديم دراسة وتحليلاً وتمحيصاً وتجربة بقليلين من دعاة التوجه اليساري الذين دعوا إلى قطع الصلة بهذا التراث الذي إعتبروه متخلفاً لا ينبغي صرف الوقت للإهتمام به وبالتالي ضرورة خلق ثقافة جديدة تحاكي ثقافة العصر ولا تتخلف عنها . أما في المجال الإجتماعي البحت فقد إمتد الجدل حول تبني التوجه اليساري من البعض إلى الموقف من العلاقات الإجتماعية السائدة ، وخاصة المحافظة منها ، معتبراً إتخاذ الموقف الداعي إلى نبذها وتغييرها ، تحت أي ظرف من الظروف، من السمات الهامة التي تحدد ألإنتماء إلى هذا الفكر أو عدمه . ولم يغفل البعض الآخر مسألة الإنتماء الحزبي وجعلها البوصلة الراصدة للتوجه اليساري ، إذ إعتبر كثير من هذا البعض أن الإنتماء إلى حزب معين بذاته هو المقياس الصحيح لعكس هذا التوجه ، وكل ما دون ذلك فهو يميني متخلف .
هذه الأشكال وغيرها الكثير من الممارسات على الواقع العملي لمفهوم ومحتوى الفكر اليساري الذي ظل ، بسبب هذه المفاهيم ، موضوع الجدل الذي بدأ يتبلور حتى قبل إكتساب هذا المفهوم الأسم الرسمي له في فرنسا عام 1814 ولم ينته حتى يومنا هذا .
فكيف إنعكست هذه الممارسات والتفسيرات لمفهوم التوجه اليساري على حياة الشعوب التي خاضت صراعاتها تحت هذه الشعارات وما الذي جنته من تلون هذه الممارسات ...؟ وهذا هو المحور الثالث الذي يدور حوله نقاشنا لهذا الموضوع .
لم يحظ فريق الخروج عن المألوف كتعبير عن التوجه اليساري ، ولا القائلون بالتنكر للتراث ، او الذين حاولوا التصدي للقوانين والأنظمة السائدة عن طريق العنف ، ولا أولئك الذين إتخذوا العداء من الدين منهجاً للتعبير عن التوجه اليساري ، ولا حتى دعاة العمل ضمن الأحزاب اليسارية ، لم يحظ كل هؤلاء بتحقيق النهوض بمجتمعاتهم نهوضاً تقدمياً حقاً من خلال تمسكهم بواحد أو أكثر من هذا الفِهم لمعنى التوجه اليساري سياسياً واجتماعياً . بل بالعكس فقد قاد هذا التطرف في فهم وتفويض الفكر اليساري في النشاطات السياسية والإجتماعية إلى طرق مسدودة غالباً لم يستطع بها متبنوا هذا الفكر من المساهمة الفعلية المجدية في حل المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتهم . لقد برزت على الواقع العملي أعراض مرض الطفولة اليساري التي عانت منها الحركة السياسية التحررية بشكل أدى إلى تراجعها أو ضمورها في كثير من الأحيان ، حيث أنها لم تكن تنسجم والظرف الموضوعي الذي يمر به المجتمع وبالتالي عدم توفر القدرة العلمية على تشخيص الحلول الناجعة لمشاكله .
فأين يقف موقع الحوار المتمدن من كل ذلك......؟
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأن إستيعاب الدرس بغية تجاوز الخطأ ومن ثم إصلاحه للخروج بنتائج إيجابية من هذا الدرس ، أصبحت إحدى السمات الرئيسية التي يجب توفرها في النشاطات الفكرية خاصة تلك التي تتعامل مع الحركات السياسية والإجتماعية في مجتمع ما . وبالرغم من مرور المجتمعات الشرقية ، وخاصة العربية الإسلامية منها ، بالكثير الكثير من الإخفاقات التي أحاطت بالفكر اليساري وتوجهاته في علمي السياسة والإجتماع بشكل خاص ، إلا أننا لا نرى إلى جانب هذه الإخفاقات الكثيرة كماً جيداً من الدروس المستبطة التي يمكن إعتبارها مؤشراً جيداً للنهوض بالفكر اليساري نهضة علمية جديدة تعكس فعلاً محتواه وتبلور مساعيه في المساهمة الفعلية الناجعة لإيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات . فالأحزاب ذات التوجهات اليسارية تفرقت لتصبح كالفرق الإسلامية التي يدعي كل منها بأنه يمثل الفرقة الناجية . فتشتت بذلك حاملوا راية الفكر اليساري ، إذ لم تجمعهم صحيفة ناطقة باسمهم ولم يتبلور منبر إعلامي يعكس مبادءئ توجهاتهم أمام الجماهير التي يسعى هذا الفكر لكسبها أو إبعادها ، على الأقل ، عن التأثر المباشر بالفكر الظلامي المتخلف .
وفي هذا الخضم من التلاطم الفكري لقوى اليسار برز موقع الحوار المتمدن كأول مركز إعلامي يساري تقدمي عَلماني لا لبس في توجهه ولا غموض ليفتح آفاقاً جديدة في بلورة الفكر اليساري وإعطاءه زخماً قد لا ينسجم وتطلعات بعض مَن يتبنى هذا الفكر ، إلا أنه ينسجم بكل تأكيد مع مضمونه ومع الدور الريادي الذي يجب ان يلعبه في المجتمع ، خاصة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية وفي هذا الوقت بالذات الذي يعاني فيه الفكر اليساري من التطرف الديني والتعصب القومي الشوفيني والإصطفاف العشائري . إن حرص الحوار المتمدن ، بكل مواقعه للسياسة والفن والأدب ، وفي إستيعابه لكل الأفكار التي تخضع للجدل والنقاش من خلاله ، وفي قيادته وتوجيهه لهذا الصراع الفكري على أسس علمية حضارية ، دون أن يتخلى عن التأكيد على منهجيته العَلمانية اليسارية ، إن كل ذلك يشكل ظاهرة جديدة على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا لا يسعنا إلا إسنادها وتفعيلها بشكل ينسجم وتطلع هذا الموقع الرائد ليظل نبراس الفكر اليساري وطوده الشامخ .
الدكتور صادق إطيمش










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال