الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الطفّار: ما لهم وما عليهم

خضر سلامة

2009 / 12 / 11
الحركة العمالية والنقابية


"ضربت" كلمة طفار في جزءٍ واسع من المجتمع اللبناني، مع صعود نجم فرقة الراب البقاعية، طفار، المؤلفة من شابين رفيقين، رفعوا قضية منطقتهم ومن خلفها مناطق الأطراف كلها، المهمشة تماماً من قبل دولة لبنان الكبير، منذ أن ركبت حدوده، اختاروا اسماً حساساً لمشروعهم الفني، اسم يرتبط بالعلاقة السيئة مع الدولة.
والطافر، في جرود بعلبك الهرمل، هو الملاحق من قبل الدولة لجنحة أو "جريمة" ارتكبها، يُلاحق على أساسها من قبل القضاء الذي وُضع على حجم الضعفاء، غير المسنودين سياسياً، يلجأ الملاحق اذاً، إلى الجرد، بعيداً عن أعين القوى الأمنية ومخبريها، تحت سلةٍ من الظروف القاسية.

وفي البداية، نعود سريعاً إلى حقبة مهمة من التاريخ العربي، المهمش عن التدوين لأسباب فكرية ودينية، هذه الحقبة كان أهم أعلامها، هم الشعراء الصعاليك، والشعراء الصعاليك، هم الشعراء الفرسان، اللذين تمردوا على أعراف القبيلة وقوانينها، القبيلة الدولة في تلك الفترة، فطردوا من ظلها السياسي والاجتماعي، فلجأوا الى الصحراء القاسية، وشكلوا ثورةً اجتماعية أدبية مهمة، هجوا فيها أنظمة الأمر الواقع - القبائل، ورؤوسها وأعلامها المتحكمين بكل شيء، تحولوا الى قطع الطرق في أغلب الأحيان، ليوزعوا غنائمهم على الفقراء المنبوذين من حماية القبيلة المالية، بمعنى أن العرب، ابتدعوا قبل العرب بكثير، صورة حقيقية وواقعية ل "روبن هود"، والدارس لشعر الصعاليك، يجد في نواحيه أسس قديمة للاشتراكية، ولو بصورة غير منظمة، لغياب التنسيق والتواصل بين الفرسان، وبقاءهم ضمن أطرٍ فردية.
ولاحقاً، بعد قيام الدويلات الاسلامية المتلاحقة، والظلم الاجتماعي المتراكم، ومع التحولات الفكرية التي رافقت الدولة العباسية، نشأ ما يمكن اعتباره تطوراً طبيعياً لحركة الصعاليك، وهي حركة القرامطة الخارجة من رحم المذهب الاسماعيلي، اعتمد القرامطة شعارات اشتراكية المال واشتراكية الغلة واشتراكية السلاح، وأسسوا حركة فلاحية ثورية في الأرياف السورية والعراقية احتمت بالجبال وبالجرود، وهددت بشكل جدي المركز السياسي العباسي، وقامت بتنسيق خطير مع الحركة العمالية الحرفية في بغداد، حورب القرامطة من قبل الخطاب السياسي والديني المنسق، ومن قبل الدويلات المحيطة جميعها ونفوا القرامطة وشبهوا بقطاع الطرق لاعتمادهم وسيلة تأميم أملاك الأغنياء وسلبهم لتوزيعها على الفلاحين، وأسقطت في آخر المطاف وأغلق التاريخ على تجربة اشتراكية رائدة في العالم، كانت أول شكلٍ منظم للثورة العربية.

طبعاً، هنا، لن نتجه إلى اسقاط هذين المثلين على حديثنا، فبعيداً عن التشبيه أو المقارنة، مجرد سرد لأشكال تمرد، شهدها تاريخنا، تمرد كان محركه الأساسي ظلم الدولة وقسوتها، وتحول إلى تمرد دموي، أو عصيان مدني، وجد شكل فكري تارة، أو أدبي تارة أخرى، لتنظيمه.

نعود إلى الطفار، طفار بعلبك الهرمل تحديداً، وهم، اذا سلّمنا بارتكابهم تجاوزات قانونية، الا انهم ضحايا، ضحايا ما دفعهم إلى ذلك، وما وضعهم أمام الخيارات الصعبة.
منطقة بعلبك الهرمل، ممتدة ومتصلة بمنطقة جرود عكار، أشد المناطق اهمالاً من قبل الدولة المركزية في لبنان، إهمال يبدأ في الاقتصاد ولا ينتهي عند حدود العناية التربوية والتعليمية، ما يترك السلطة متقاسمة بين نفوذ العشائر الكبيرة، ممثلة بأفراد مهيمنين سياسياً على شكلها، ونفوذ الأحزاب الكبيرة أيضاً، التي تتعلق مصالحها بما هو أهم، بالنسبة لها، من مصالح الأفراد والفقراء.
في هذا الجو، ومع توارث العداء للدولة من زمن العثمانيين، ليترسخ غياباً تاماً للدولة اللبنانية لاحقاً، نشأ المجتمع البقاعي الشمالي الحديث، فقر مدقع، بطالة واسعة، غياب الغطاء السياسي اللازم في النظام اللبناني لدخول الوظائف والمدنية الحديثة، والأهم، استهداف اعلامي شديد دون دراسة لجذور المشاكل الاجتماعية والأمنية وحقيقتها.

معظم الملاحقين قانونياً في تلك المناطق، يلاحق على خلفية زراعة نبتة الحشيشة، "بترول" البقاع الأخضر، وجرائم أخرى كالسرقة والقتل، التي تتعلق فيما تتعلق بطبيعة المجتمع البقاعي وظروفه الحياتية اليومية الصعبة، وتعقيدات الحسابات العائلية والعلاقة الهشة بالمؤسسات الأمنية، معظم هؤلاء، يلاقون تعاطفاً من قبل أبناء المنطقة، بمعظمهم، اذا استثنينا بعض العائلات الاقطاعية التقليدية وبعض العائلات الصغيرة المحسوبة على أحزاب سياسية نافذة في المنطقة، تحارب هؤلاء الطفار لحسابات مصالح مع أجهزة المخابرات والقضاء اللبناني.
يلجأ الطفار، عندها للجرود، مخزنين غضباً وحقداً ضد ما يعتبرونه ظلماً واجحافاً، واستهدافاً ومطالبةً بواجبات مواطنية، دون مقابل حقوقي يوازن هذه الواجبات، معظم الشباب الصاعد، يتعاطف مع هؤلاء "المتمردين" لكونهم يعايشون الواقع ذاته، دون أدنى شعور من النواب المنتخبين الممثلين، ولا من الحكومة الوطنية او غيرها، معهم، ويتحول الطفار في ذهن الحكايا الشعبية، والقصص المحلية، إلى مضرب مثل في البطولة عند بعض الناشئين، وفي الكرم والجود والشهامة وعزة النفس.

كل ذلك لا ينفي حقيقة ارتكاب هؤلاء لما يعتبر خروجا عن القانون أو تعدياً عليه، بطبيعة الحال، ولكن المطلوب من اعلام البلد، أحزابه، قضائه، مراكز الأبحاث فيه، قراءة واعية للمشهد، لخلفية هؤلاء وسبب التعاطف الشعبي مع بعضهم، قراءة لطبيعة المجتمع البقاعي، حاجاته، تعقيداته الاجتماعية العائلية، وتعاملاًً من الدولة اللبنانية لمرة واحدة مع المنطقة، على أنها جزءٌ أساسي من الوطن، لا أرض ملحقة بها، لاستيعاب حالات التمرد، والتعاون لانجاز اقتصادي وقانوني يسوي مشاكل المنطقة، سواء المدنية الحقوقية، أو القانونية الجنائية ضمن اطارٍ يوازن بين الواجبات والحقوق للمواطنين، كل المواطنين.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم(3-5-2024):عدنان البرش.. طبيب مستشفى الشفاء، في عدا


.. نقابة الصحفيين الفلسطينيين: 135 صحفيا وعاملا بمجال الإعلام ق




.. 10 طلاب بـ-ساينس بو- يضربون عن الطعام لـ 24 ساعة دعماً لغزة


.. إضراب طلاب في معهد العلوم السياسية في باريس عن الطعام بسبب إ




.. في حصيلة غير مسبوقة.. اعتقال 2200 مؤيد لغزة من الطلاب والعام