الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنجان شاي مع أدونيس والدلباني

حنين عمر

2009 / 12 / 11
الادب والفن



ما زالت الفلسفة الحداثية بشكل عام والتجربة الأدونيسية بشكل خاص، حديثا مستساغا بين الباحثين عن حقيقة ادعاءاتها و منجما ثريا يمتهن فيه عدد كبير من الدارسين مغامرات التنقيب والتحليل والدراسة، آملين الخروج في يوم ما بماهيتها السريالية أو الاقتراب من "مثلث برمودا" الخاص بها دون الضياع في ذلك الزخم الفكري الذي يبدو في كثير من الأحيان مبالغا فيه، و متجها نحو تنظير نفساني وإيديولوجي وفلسفي أكثر من اتجاهه نحو التنظير الأدبي•

وقد كان لي أن صادفت في رحلة قطار ليلية كتاب "مقام التحول : هوامش حفرية على المتن الأدونيسي" لمؤلفه الأستاذ أحمد الدلباني، والذي بدأه بعبارة جميلة تؤكد أهمية السؤال مفردا ومطلقا أكثر مما تلح على الجواب: بعبارة: "إنني فضلت أن يكون احتفائي بالمعلم أدونيس بداية مساءلة للأدونيسية ذاتها"•
ولكن بداية المساءلة هذه - برأيي- هي في حد ذاتها نفي لنظريات المتن الآدونيسي، التي حاول أدونيس ورواد الحداثة أن يتنبؤوا فيها بتغيير العالم عبر" فتح مندل" الطريقة الآبوكاليبتية لتسييد الشكل الشعري الجديد الذي يرى أن "المعنى أمام الإنسان" والذي اختلف معه كلية لأن المعنى الحقيقي - حسب قناعتي الشخصية جدا- هو الإنسان•

فالإنسان هو من خلق المعنى اللغوي بالأصل وهو الشكل الحقيقي للإبداع المرتبط بالوعي واللاوعي في نفس الوقت، وهو المحرك الأساسي لعملية الخلق الفنية التي تغير المادة الطبيعية الجامدة و المادة الشفهية - اللغة - من حالة عامة إلى حالة خاصة، و من بداهة العادي إلى دهشة اللاعادي، لهذا فإنه من غير المنطقي أن نفترض الفصل بين المعنى والإنسان لنقوم بتحديد مكانهما زمنيا أو مكانيا بصفة منفصلة سواء كان الأول أمام الثاني أو الثاني أمام الأول•
و قد تحدث أحمد الدلباني أيضا في هذا الكتاب عن النظرة الشاملة للشاعر الحداثي التي حسب قوله: "لم تحاول التأسيس لشعر يزيّن العالم، بقدر ما أرادت أن يكون الشعر إبداعاً لعالم خاص في أفق التخييل، تشف فيه التجربة الإنسانية، التاريخية والحضارية" ولكن النظرة الآدونيسية هنا أيضا - وحسب الرؤية المطروحة في الكتاب- تبدو متضاربة من حيث اعتبار "التخيل والخيال" أفقا أبعد عن الكيان الإنساني، لأن الخيال ممارسة إنسانسة بحتة، كما أنه مرتبط لدى الشاعر بالحس الجمالي، والنظرية الجمالية هي أساس شعري لا يمكن أن ننفيه، و الشعر أصلا مؤسس على الصورة الجمالية•
فكيف ينظرُّ الآدونيسيون لحداثة شعرية لم تؤسس لتززين العالم على حد تعبيرهم ؟ إن كتاب " مقام التحّول " للأستاذ أحمد الدلباني، بغض النظر عن اتفاق أو اختلاف الرؤى النقدية بيني وبينه وبين عمدة "كفر الحداثة"، كتاب يستحق ليس فقط القراءة، وإننما يستحق أن نقيم به حفلة خاصة جدا لممارسة التفكير والتعمق في فلسفة تعد من أكثر القضايا الأدبية تعقيدا وإثارة للجدل في هذا العصر، إنه ببساطة كتاب ممتاز لتشغيل مادتنا الرمادية وجعلنا نشعر أننا : موجودون ••• لأننا نفكر، ولأننا نناقش، ولأننا قادرون على صنع حداثتنا الخاصة وفكرنا واتجاهنا وشرب فنجان شاي مع الدلباني وأدونيس، حتى وإن كانا يفضلان القهوة.

حنين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض