الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرض الخوف

طارق الهاشم

2009 / 12 / 11
الادب والفن


يعد ـ داؤود عبد السيد أحد المخرجين القلائل الذين يكتبون أفلامهم بأنفسهم في السينما المصرية وغالباً ما تناقش أفلامه قضايا وجودية عميقة تفشل الأفلام الأخرى في مناقشتها أو حتى ملاحظتها وليس فيلم (أرض الخوف 1999م). استثناء لقاعدة داؤود عبد السيد في البحث عميقاً في أغوار النفس البشرية حتى وإن لم تكن النهايات سعيدة.
قصة الفيلم بسيطة: يحي منقبادي ضابط شرطة ـ أدلي الدور أحمد زكي: يطلب منه التحول إلى ضابط فاسد من قبل روساؤوه وذلك تمهيداً لزرعه في العالم السفلي في مهمة تستمر مدى الحياة بتصريح موقع من قبل وزيري الداخلية والعدل ومدير المخابرات. وتتمثل مهمته في أن يصبح شخصاً فاعلاً في عالم مهربي المخدرات وأن يكتب تقاريراً للقيادة عبر البريد بأحداث ذلك العالم وفي المقابل فإن كل خطاياه سيتم العفو عنها في نهاية المهمة. يبرع يحيي أبو دبوره: الاسم الجديد للضابط في المهمة فيقبل الرشوة ويدخل السجن يبدا خطوات السلم من الأسفل يعمل حارساً في كباريه ثم تاجراً في الحشيش حتى يتحول إلى أحد أهم تجار الصنف ولكنه يرفض مع مجموعة من المعلمين، سامي العدل وحمدي غيث: العمل في الهيروين فتدور الحرب بينهم وبين تجار البودرة وتنهي إلى خسارته ويحاول إنهاء المهمة ليجد أن الرسائل لم تكن تصل إلى القيادة منذ سنوات طويلة وأن زميله السابق في كلية الشرطة عزت أبو عوف: مصمم على القضاء عليه حتى بعد علمه بمضمون المهمة.
الفيلم يوفر إثارة بالغة للمتابع للأحداث فهو فليم بوليسي يملك كل البهارات اللازمة لإنجاح هذه النوعية من الأفلام ويشبه في تركيبة القصة أفلاماً شهيرة مثل العراب وـ الوجه ذي الندبة ـ وأداء الممثلين في الفيلم رائع ويذكر أحمد زكي بدور آل باتشينو في فيلم (العراب) .
ولكن.. في قراءة أخرى متأنية للفيلم تنفتح أمامنا عوالم أخرى جديدة فببساطة الفيلم يحكي قصة نزول الإنسان من الجنة إلى الأرض يحي الضابط يهبط من جنة الشرف إلى وحل الخطيئة الأرضية مقابل إرسال رسائل لا يعلم إن كانت تصل أم لا، كما الصلاة وكلما انغمس في عالمه الجديد يفقد طهارته وإيمانه بمهمته حتى أنه يطلب في الرسائل مقابلة المسؤولين فلا يقابل إلا ساعي البريد العجوز الذي لا يملك الاجوبة على أسئلته.
تتضح هذه القراءة للفيلم أكثر بمتابعة الاسقاطات فحين يقبل يحي المهمة فإنه يقضم تفاحة من صحن كان موضوعاً أمام مدير الشرطة وحين يلاقي غريمه ضابط الشرطة فإن اللقاء يتم في ميدان للجولف كناية عن الجنة. وعندما يصل ساعي البريد ـ عبد الرحمن أبو زهرة ـ فإنه يقول: (أنا مجرد رسول وما أعرفش حاجة) ولمزيد من الإسقاط فإن اسم الساعي موسي والاسم الرمزي الذي يكتب به يحيي الخطابات هو آدم.
الفيلم إذن يناقش وجود الإنسان على الأرض وإلتزامه بإيمانه بمهمته المكلف بها منذ وجوده في الجنة ـ الأمانة الالهية ـ وكما إبليس في المشهد الديني فإن عزت أبو عوف ضابط الشرطة تأكله الغيرة من حياة يحي أبو دبورة أو سمه آدم إن شئت وتدفعه غيرته لمحاولة أغواء يحي بمواصلة حياته كتاجر مخدرات حتى بعد أن حاول الاستسلام في مشهد يعيد النص الديني المعروف لتكبر الشيطان الذي كان جزءاً من منظومة الملائكة.
ويسير داؤود عبد السيد قدماً في نفس هذا الخط بتقديمه لشخصية المعلم هدهد ـ حمدي غيث ـ تاجر الحشيش ذي الإيمان القوي بالخير والقضاء والقدر. الذي يعمل مرشداً روحياً لأحمد زكي ويدفعه للتواصل مع جانبه الطيب عبر تقديمه للزوجةالبريئة ـ مثلت الدور زينه ـ التي تمنحه طفلاً يهدئ من مخاوفه. وعبر منح الحكمة القدرية كما يليق بمؤمن حقيقي.
الجوانب الفنية للفلم مميزة جداً فمن سيناريو داؤود عبد السيد الرائع والأداء التمثيلي لأحمد زكي وحمدي غيث وعزت أبو عوف وعبد الرحمن أبو زهرة في الأدوار الرئيسية وسامي العدل وزينه مخلص البحيري وغيرهم في الأدوار الثانوية. نحن مع مخرج يحترم مشاهده ويجيد استخدام أدواته الأولى وهي المممثلين. أما بالنسبة لموسيقي الفيلم فقد تميز _ راجح داؤود _ في الموسيقي التصويرية حتى أنك تغادر الفيلم وما زالت موسيقاه ترن في أذنك. وقد امتازت الموسيقي بالتنوع فمن صوت الرعد في مشهد قبول المهمة إلى صوت الريح في نهاية الفيلم مختلطاً بالثيمة الموسيقية الرئيسية وهي صوت الناي والحادي. إلى استعمال الموسيقي ضمن مشاهد مختلفة للتعبير عن بيئته المشهد. من أم كلثوم في الكبارية وموسيقي المغرب الصوفية الرائعة عند الزوجة المثقفة وايضاً صوت إديث بياف الساحر في لحظات التوتر بين الزوجين ـ أحمد زكي وفرح ـ. أما بالنسبة للصورة فقد كانت كامير سمير بهزان رائعة في الانتقال من اللقطات القريبة إلى تلك البعيدة وتصوير المشهد من مسافات مختلفة والبطء في الانتقال في بعض المشاهد مما يمنح ممتزجاً بالموسيقي تأثيراً لا يمكن نسيانه. وبالتأكيد فإن وجود ليلي فهمي إلى جانب عادل منير في فريق المونتاج قد منح الفيلم خفة واضحة في الانتقال بين المشاهد مما حماه من الترهل الذي كان يمكن أن يصيب فيلماً بكل ذلك العمق والتنوع في مستويات الطرح. ولا يكتمل الحديث عن ـ أرض الخوف ـ دون الإشارة إلى اختيار مواقع التصوير والديكور الداخلي فمع داؤود عبد السيد تكون السينما حقاً أداة لصنع الحلم، شرقياً كما في مشاهد جامع السلطان حسن أو غربيا كما في شقة فريدة. أو خانقا كما في مشهد السجن أو متسماً بالاتساع كما في جنة نادي الجولف في كل مشهد تحس بالحضور الطاغي للمكان حتى ليكاد المشهد أن يعبر عن نفسه دون وجود ممثل. أخيراً تجب الإشارة إلى صوت الراوي في الفيلم وهو صوت أحمد زكي ونثره البسيط الذي ساهم في إيضاح الأحداث بما لا يخل بالعمل التمثيلي وإنما يعززه وهي سمة معروفة في افلام داؤود عبد السيد. هذا الفيلم رائع ينصح بمشاهدته بقلب مفتوح وتذكر أن الحياة حلوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا