الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعرية الماغوط و القارئ

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2009 / 12 / 11
الادب والفن


حالما بأهله و إخوته , بلون عيونهم و ثيابهم و جواربهم , نقش محمد الماغوط اسمه بين الكبار بعفوية حلم يتسلل إلى السرير و هدوء شبيه بهدوء الجدات, باقترابه من أفئدتنا و إخضاعها بموهبته و ثوران لغته ... و نكرانه سخف السلطة و العصر . و كأي شاعر حقيقي , فجر ذهولنا العاطفي و أوجد المكان المناسب للإنسان في الإنسان ذاته و الصمت , دون أن يرهق نفسه بالسؤال عن جنس ما يكتب , متابعا السرد و الغناء كشمعة عجوز تتلذذ بأنفاسها الأرجوانية الأخيرة و هي تضيء مخيلتنا المفتوحة بما تبقى لها من الرماد و الذكريات .

الصور المضيئة و المظلمة , و التساؤلات المصيرية المرتبطة بالإنسان و الهوية و العصر بكل تحدياته و غموضه , تجعل من كل مقطع كتبه الماغوط لوحة فريدة و سفرا أسطوريا في أغوار روح استنبطت شاعريتها من كل ما في الحياة , حتى الشاذ فيها . و فيما تعلو الأنفاس و الأضواء , و تنخفض الأغصان و الأنامل و العيون , يتصادم الوعي و اللاوعي , التحضر و البداوة , الأنا و الوطن , انكسارات الكبر و براءة الطفولة , لتتشكل الأقصوصة بكامل زخمها و أحاسيسها و رؤيتها الكونية للأشياء , و تتفاعل التجليات مع الهواجس في محيط الماغوط و وجدانه . و لعله من الزمرة القليلة من الشعراء التي استطاعت بشاعريتها العالية و أسلوبها البسيط ملامسة الإنسان و مخاطبة روحه .

و كالسحر , يأخذنا الماغوط على حين غرة , يسرقنا من دواتنا و يمضي بنا إلى عوالمه لنسمع نواح أشجار بعيدة و نرى جيوشا صفراء تجري فوق ضلوعه , مما يتيح الفرصة للتحرك الايجابي داخل المفارقات الكونية بكل تفاصيلها , عبر الإنسان و الحياة . فالقصيدة التي تنطلق منها بين الفينة و الأخرى صرخات عميقة تكشف بعضا من وحدة الشاعر و ألمه بينما يسير بقدمين جريحتين على قلب أمة و في مفاصله ينبض الفرح و يتشابك وجوده مع كل شيء و يتوالد ليصبح أكثر من نجمة صغيرة في الأفق , هي نفسها القصيدة التي تبدأ الليلة أو صباح غد حيث الغيوم الشتائية الحزينة تحمل له رائحة الأهل و السرير و السهرات المضيئة بين أشجار الصنوبر . لهذا , فالنص الماغوطي ساحة للسجال الفكري و التقلبات العاطفية , و هو ودون شك , مهلة نادرة للتأمل في محيطنا البشري و البحث عن جوهرنا الإنساني .

و مع مرور الزمن لم تفقد كتاباته بريقها الجمالي و قيمتها الأدبية , لأنها ابتعدت عن تطبيق القواعد و المفاهيم , و اكتفت بالتعبير عن الذات بأكبر عفوية و صدق ممكنيين , في محاولة للتذكير بأن جوهر الشعر عنفوانه . و رغم العديد من الدراسات الأكاديمية و المقالات النقدية التي تناولت تجربة الماغوط الإبداعية , سيبقى الأخير بعيدا عن متناول واقعنا , قريبا من أحلامنا , كأكبر دليل على أن الشعر حيوي و حاجتنا إليه تفوق حاجة الأرض للماء .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي