الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتراع عراقي على اعادة انتاج الازمات

جهاد الرنتيسي

2009 / 12 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ثمة مصطلحات تفقد دلالاتها ، واخرى تستعيد اعتبارها ، وفق آلية تستحق المعاينة ، في المشهد العراقي المترنح ، بين محاولات ترقيع عملية سياسية تفتقر للتوازن ، ووضع امني متدهور .

فهو القادر بامتياز على اعادة انتاج التناقضات ،وجمع المتناقضات ، تحت قبة عملية سياسية تتسع لبرامج الفرقاء الاقليميين والدوليين ، وتضيق بالمكونات المحلية .

وهو الذي يثبت يوميا قدرته على البقاء ساحة لتصفية الحسابات بين الاطراف الاقليمية والدولية الباحثة عن فرص لاستعراض العضلات دون كلف حقيقية .

ففي التطورات العراقية المتلاحقة ما يوحي بتنميط حالة الصخب والضجيج وتحويلها الى قوانين ناظمة لدوران لا يتوقف في حلقة مفرغة .

ولا تخلو محاولة كسر هذه الدائرة من ملامح مغامرة باهظة التكاليف ومحفوفة بالمخاطر .

فهناك اكثر من عراق يرسم على الورق ، وارادات تتصارع على الارض ، وعوامل الحسم خارج الجغرافيا العراقية .

والظاهر في التطورات العراقية ان التوافق على قانون انتخابي جديد ، يتيح التوجه الى الصناديق في السابع من اذار المقبل ، لا يتعدى الخدعة البصرية ، التي تمتلك بعض مقومات القدرة على تغيير الوعي ، دون ان تغير شيئا ، في حقيقة المنظور اليه .

فلم يتجاوز الاتفاق الذي تراجع بموجبه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في اللحظة الاخيرة ، وتحت ضغوط دولية عن النقض الثاني للقانون جوهر المحاصصة الطائفية ، الذي يوفر الارضية الملائمة لاعادة انتاج الازمات .

ولذلك كان اقرب الى اجراء لا بد منه ، للحفاظ على الحد الادنى من التعايش بين مكونات الشعب العراقي ، وليس حلا لازمة قائمة ، او حتى ارضية لتجاوز المنعطف الذي يقف العراق امامه منذ الاحتلال الاميركي .

فقد افرزت العملية السياسية الراهنة في بداياتها مكونات مختلفة , وكرست مكاسب جديدة ، يصعب على المستفيدين التخلي عنها ، والمحرومين القبول بحرمانهم منها .

وبالتالي وفر الانجاز الذي تحقق باتفاق الكتل البرلمانية على قانون الانتخاب ، والتجاذبات التي سبقته ، شواهد اضافية على عمق الازمة المستفحلة ، وان اوجد بعض مظاهر الوفاق الشكلي ، اللازم لاطلاق مرحلة جديدة من عملية سياسية تعاني اختلالات هيكلية .

لكن ضآلة الانجاز الذي تحقق بالتوافق على قانون الانتخاب لا تقلل من اهمية الانتخابات البرلمانية المقبلة .

فهي الانتخابات الاولى التي تجري في العراق بعد انسحاب القوات الاميركية من المدن وانتقال مهمة الحماية الى الجانب العراقي .

كما تترافق الانتخابات مع تطورات اقليمية متسارعة بدءا من الاوضاع في الاراضي الفلسطينية وانتهاء بافغانستان مرورا بايران ولبنان .

ومن المرجح ان تؤدي هذه العوامل ، وهي تجمع بين الاقليمي والمحلي الى التأثير على تطورات الاوضاع العراقية خلال السنوات المقبلة .

على الجانب الآخر تثير هذه العوامل ، وعوامل اخرى ، بعضها داخلي ، شكوكا في امكانية اجراء انتخابات نزيهة .

فهناك اعتقاد لدى العديد من الاوساط السياسية العراقية بغياب امكانية اجراء اية انتخابات نزيهة في الظروف الراهنة .

ولا يخلو الاعتقاد من ركائز بدءا من الملاحظات المتعلقة بالاحصاء السكاني وانتهاء بقانون الانتخاب الملتبس ومرورا بالخلاف المحتدم بين الاكراد والاقليات في كركوك .

كما يضيف البعض الى هذه العوامل عاملا مهما يتمثل في حرمان شرائح عراقية واسعة من المشاركة الفعالة في الانتخابات .

فقد تحولت تهمة " البعث " الى وسيلة لابعاد الشرائح التي تهدد مشاركتها هرمية المحاصصة الطائفية عن الخارطة الانتخابية واضعاف حضورها السياسي .

والواضح من خلال تسارع الاحداث ان تحالف الحركة الوطنية العراقية الذي يقوده اياد علاوي وصالح المطلك لن يكون اخر المستهدفين بهذه الاتهامات .

فهناك تداخلات لافتة للنظر بين الاتهامات و ما تضخه ماكنة الشائعات والتجريح التي تحولت الى وسيلة للحوار بين اطراف المعادلة العراقية .

ولدى البحث في دوافع حالتي التنشيط والتداخل تطفو على السطح الاخفاقات المتراكمة لحكومة المالكي .

ففي السنوات القليلة الماضية جرى حديث واسع حول قطع خطوات واسعة نحو المصالحة الوطنية وتعزيز الامن والاوضاع الاقتصادية والمعيشية في العراق .

لكن هوة شاسعة كانت تفصل على الدوام بين ما يتضمنه الخطاب السياسي الرسمي والاوضاع على الارض .

فالحوارات التي جرت تحت يافطة المصالحة الوطنية منذ تولي المالكي رئاسة الحكومة كانت تستثني مكونات سياسية واجتماعية فاعلة لا تستقيم العملية السياسية دون مشاركتها .

وبقيت الانفجارات الدموية التي تشهدها البلاد بين الحين والاخر دليلا على ان الامن العراقي ما زال سرابا تلهث خلفه الحكومة دون ان تتمكن من ادراكه .

واعتادت حكومة المالكي على توجيه الانتقادات للسياسات العربية ـ فهي تبتعد عن العراق تارة ، وتساهم بالاعتداءات الدموية التي تشهدها البلاد تارة اخرى ـ حسب ما يتم ترويجه في وسائل الاعلام الرسمية العراقية .

مثل هذا الطرح لا يخلو من بعض الحقائق النسبية ، فقد ساهم الغياب العربي عن العراق في اتساع التمدد الايراني ، وتركت بعض السياسات العربية ما يثير الشبهات حولها.

في المقابل لم تستطع السياسات الخارجية التي اتبعتها الحكومة العراقية بفعل طبيعة العلاقة مع الجانب الايراني التقدم خطوة واحدة باتجاه العمق العربي رغم كل مؤشرات خطورة الدور الايراني في العراق .

وبذلك استمرت حكومة المالكي في المراوحة بين التجاوب مع طموحات ايرانية واضحة لابقاء العراق ساحة خلفية يمكن استخدامها في تصفية الحسابات وعمق عربي تحتاجه ـ رغم الاوضاع الصعبة التي تمر بها العواصم العربية ـ لتوفير التوازن السياسي الداخلي .

ففي العجز عن ايجاد علاقات متوازنة بين الجار الايراني والعمق العربي تعزيز تلقائي لنفوذ ايران المتمدد بشكل مبرمج على الاستخدام السياسي ، لا سيما وان طهران تحولت الى منازع على الشرعيات العربية من خلال طبيعة علاقاتها مع الاحزاب الاصولية .

ولا توجد مؤشرات حقيقية لقيام رئيس الحكومة العراقية الطامح للعودة الى تشكيل الحكومة المقبلة بمراجعات كافية للخروج من المازق مما يدفع اصحاب المشروع العروبي في العراق لمحاولة كسر الحلقة المغلقة .

الدعوة التي توجهها بعض القوى السياسية العراقية لايجاد رقابة دولية للاشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة احدى هذه المحاولات .

فالظروف الاستثنائية التي جرت فيها الانتخابات البرلمانية الماضية وراء الواقع السياسي العراقي الراهن ، الذي تبقي افرازاته على احتمالات اعادة انتاج الازمات ، بين الحين والاخر .

واجراء الانتخابات المقبلة ، على ارضية المحاصصة ، وفي ظل غياب قانون انتخابي متوازن ، وشبهات التزوير لا يساعد على خروج العملية السياسية العراقية الى فضاءات مختلفة .

غير ان دعوات الرقابة الدولية لا تلقى حماسة اطراف دولية واقليمية تكتفي بالجانب الشكلي من العملية السياسية واخرى لا ترغب بخروج العراق من حالة الفوضى السياسية والامنية التي يعيشها .

وتلتقي هذه الحسابات بطبيعة الحال مع مع حسابات الاطراف العراقية التي حصلت على مكاسب لا تستحقها ويهمها بقاء الاوضاع على ما هي عليه .

لكن الاستمرار بذات الذهنية لم يعد ممكنا ، مما يفرض على جميع الاطراف ادخال تغييرات على ادائها ، ليتناسب مع تطورات المراحل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال