الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوء استخدام الحرية

احمد ثامر جهاد

2004 / 6 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


: بوضوح شديد
سوء استخدام الحرية
بزوال النظام الصدامي الفاشي استبشر الناس خيرا برياح التغيير التي سوف تكتسح شتى منافذ حياتهم ، اعتقادا منهم بأن تغيرا شاملا للمجتمع هو فقط الحل الناجع الذي يمكنه تبديل معادلة الحياة العراقية المقموعة بعد خراب طال كافة مسمياتها في ظل سياسات البعث التعسفية طيلة العقود الماضية . وقد تعززت قناعات الناس بضرورة هذا التغيير الذي انتظروه طويلا لدى رؤيتهم حراك الشارع وحماسه غير المعهود الداعي في مقدمة مسؤولياته إلى توحيد الصفوف أولا وبناء الوطن ثانيا عقب دمار الحرب وويلاتها
وبتناسل الأحزاب إلى خلايا ومقرات وتجمعات ، تصّور المواطنون – بعد أن طردوا من أذهانهم صورة حزب البعث الدموية المقيتة - أن قناةً جديدة تختلف عن سابقتها ، سيُتاح لهم من خلالها التعبير عن همومهم ليضَعون مع المسؤولين فيها بلسما نظيفا يداوي جراحهم الغائرة ، طالما أن لافتات براقة لا تخطئها العين من يمينها إلى يسارها َتعِدُ بصلاحٍ للحال جديد ، وهي تُنشد للمواطن بشعاراتها من كل زاوية ومقام وعداً ديمقراطيا مرجوا وأملا جديدا بحياة عراقية حرة تمنح الفرد رفاها ومساواة واستقرارا يعيشه بكل مساماته المتفتحة . وما هي إلا أيام حتى دُهش عامة الناس بسلوكيات غريبة لبعض تلك الأحزاب تمارس بعلن مخزي مشفوعة بأفعال فردية لا تنفع الناس ، لا تحل لهم مشكلا ولا تفك لهم ضائقة وكلها تحت دعاوى الحرية الجديدة واصحاب الشان أدرى بمصلحة العامة !
ليصبح تساؤل الأغلبية الصامتة حقا مشروعا لكل عراقي يهمه مستقبل بلده ويسعى لعدم تكرار مأساة الماضي المؤلم ثانية : فما معنى أن تغتصب بعض تلك الأحزاب ( الوطنية ) مباني الدوائر الحكومية من دون أي ترخيص قانوني وتستبيح بدافع القوة حرمتها لتحولها إلى مقرات لجدل عقيم لا يتخطى الاستئثار بهذه المصلحة أو تلك ، هذا المنصب أو ذاك ، مدعية أنها تنسق جهودها مع الغير خدمة للصالح العام ؟ في حين ترى غالبية المواطنين أن استعادة العمل في أية دائرة حكومية أو خدمية انفع لهم وأجدى لحل أزماتهم الخانقة .
وما معنى أن يستحوذ بعض عناصر الأحزاب على أعداد كبيرة من السيارات الحكومية حديثة الصنع خدمة لمصالحها الشخصية ، علما أنها بكل الأعراف والشرائع جزءا لا يتجزأ من الأملاك العامة التي تخص أبناء الشعب كافة ، وما وجدت إلا لخدمته ؟ وما معنى أن يسهم بعض الأشخاص المتحزبين في خلق أزمات أخرى ترهق كاهل الناس في الوقت الذي يقضي عملهم كقياديين وطنيين بتوفير كل السبل لحل ركام المشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي في الظروف الحالية ؟ وليس خافيا على أحد منا كيف تتعدد تلك الممارسات المرفوضة وتستحيل على الحصر ، متمثلة في صورة من صورها العديدة بالتدخل غير المشروع للبعض في صلاحيات وخصوصيات أعمال الدوائر الحكومية وإجراءاتها الوظيفية كـ ( الصحة والتربية والقضاء ودوائر الكهرباء والبلدية وشبكات المياه ) ناهيك عن إدارات المعامل الإنتاجية والبث التلفزيوني ، وهي التي بدأت للتو تسترد عجلة حياتها ، حتى إنها أحوج ما تكون إلى الدعم والمشورة .
كلنا يعلم إن تركة النظام السابق ثقيلة جدا ، ركام من السلوكيات والمفاهيم السلبية عشعشت في كل مرافق الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ووجهت لفترة طويلة حركة المجتمع العراقي عامة ، فاستحقت أن توصف عن حق بإرث الظاهرة الصدامية .لذلك تقع على الجميع مسؤولية مضاعفة تتمثل في توعية الناس بمضار تلك الظاهرة الواجب اجتثاثها من الواقع بشكل نهائي ، لكي يتسنى للمواطنين فيما بعد إدراك ماهية حقوقهم وواجباتهم في مجتمعهم الجديد ، ولاشك أن على نخبنا السياسية والثقافية تقع المهمة الأكبر بحكم وعيها وريادتها وأخلاقياتها .
فإذا كانت تلك هي غاية جميع العراقيين ، يلزمنا أن نتساءل عن حقيقة ما نرى هنا أو هناك من ظواهر جديدة أو قديمة بزي جديد ، وكلها في المحصلة دخيلة على قاموس الحياة العراقية الأصيلة :
ألـْم نعي الدرس جيدا من كل ما جرى بنا عبثا على أيدي زمر البعث الملوثة التي استباحت حياة البلد والناس والطبيعة بجنون مقيت ؟ إلا تفكر أحزابنا الوطنية ملياً بمعنى الضجر المزمن لمواطننا العراقي الذي فقد ثقته لأسباب معروفة بالأحزاب واللافتات التي لم تجلب لحياته سوى التعاسة والويلات ؟
كفانا شعارات ولنعمل معا يدا بيد لبناء عراق حر موحد ينعم الجميع فيه بسلام وطمأنينة ، بعيدا عن المداراة والانتهازية . ولا يشك أحد إن للوطنٍ اليوم ما يكفيه من المشاكل التي يتوجب عليه منذ الآن الانشغال الجاد بوضع حلول ناجعة لها ، كما إن للفرد العراقي أيضا رصيد وافر من الخيبات والمرارات لا يبدو انه بحاجة إلى تكرارها اكثر من حاجته لصناعة أفق حقيقي لحياة شريفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #


.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض: الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق إز


.. رصد لأبرز ردود الغعل الإسرائيلية على اغتيال القيادي في حزب ا




.. وزير الخارجية اللبناني يتهم إسرائيل بـ-الإرهاب- بعد انفجارات