الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خربة سلم حين ينتصر ترابها

حسن عماشا

2009 / 12 / 14
سيرة ذاتية



قالوا عني غريب:ِ
وأنا أبصرت النور على "درب البير"، وأحتضنني "العرضَّان"، وحبوت إلى "الكسار" قبل أن تستقيم قامتي. حجارة "الدبشة" تعرفني، وقندول "خلة القصب" يترك توقيعه على أنحاء جسدي. أما "العريض" إذا ما تجاوزته أصبح في بيروت- هكذا كان اعتقادي حينها.
ارتويت من ماء "العين"، لكن العطش حجتي بترقب "كزدورة" الصبايا في كل عصر.
ولي مع "البير" حكايات عن إستعراض الشباب لعضلاتهم في نشل الدلو لملئ الجرار والمناشل. و "الجرانيف" ينبسط فراشاً للحاج إبراهيم سلطان، يرتاح عليه من عناء التجوال راعياً للمواشي. ومغر"العرضان" ما كان يجاريني بمعرفتها إلا المرحوم الحاج عبد الحميد الطويل. وحواري الضيعة تعرفني سطوح منازلها المتلاسقة، ذات الفتحة في أعلى جدرانها التي تمكنني من رؤية وسماع ما يدور فيها. و"الساحة" محطة انتظار الليل والتسلل إلى "جل الحيوك" و الطَب على رمانِهِ.- كم أشتهي طعم ذاك الرمان- وتنتهي السهرة عند الحاج علي فياض نتسامر بإنتظار أن يخمر العجين.
ماذا أقول عن "الساقية" و "عين الملولة" ووادي "القيسيية". الذين حدثوني عن إبتعاد أحبتهم عنهم للإقامة في "السناسل" أو "الطبالة". أشكوا لهم ويشكون لي تغير حالنا وأحوالنا.
وعشيقتي التي تفتحت عيناي عليها وكانت تمثل حدود الدنيا بالنسبة لي وآبعد ما تراه عيناي من بيتنا؛هي، شجرة الخروب الوحيدة في طرف "الشَّحِل" المنتصبة فوق "بين الدروب"، حدثتني طويلا عن حكايات البطولة التي يسطرها شبان بلدتنا بين وادي "القيسيية" و"سهلة البير". لتخفف عني ما كانت شهدته من عليائها، جمع المحرضين عليّ والقول بأني غريب (في خربة سلم عشرات الشهداء، تسعة أعشارهم قضوا غرباء، ليس من حزب أو منظمة أو تنظيم تشكل في لبنان إلا وله منها شهيد). يوم استصرختني: شجيرات الصنوبر، المزروعة حديثأ في كتف "الشحل"؛ وأمشاط الصبير، في "العريض" و"العرضان"؛ والدوالي في "الكروم"؛ وأرواح الشهداء في "المقبرة". أن أمنع العدو من الاقتراب إليها.
(لعلني تجاوزت الحدود يوم أشهرت سخطي عليهم ونعتهم بالعملاء غاضبا لتجرؤ العدو بالتسلل إلى عمق البلدة وأسر إبن بلدتنا إبراهيم الطويل).
وكان الاجتياح عام 1982. أصعب لحظات العمر لكنني لم أنهزم وسقط رهان المروجين بأننا في الحزة هاربون. وتكشفت وجوه العار.
وكنت وحيدا أشعر بحياء من صبار "درب البير" وشتلات التبغ في "الكروم". و"بيدر القش" كان أبعد ما يمكنني الوصول. وضاق علي جدران البشر، حتى نادتني "مغارة الصفراية" لتبلغني دعوات شقيقاتها في أنحاء "الضيعة" لتمنحني الدفئ والآمان. ويوم خرجت سعيا إلى أمي التي أتت تبحث عني، ووجدتني والتراب يغطي بدني وثيابي. قالت باكية "أتدفن نفسك بالتراب يا ولدي وأنت حي؟" فقلت لها هذا التراب سينتصر يا أمي وأدعي للناس أن ينير الله بصيرتهم، ولا تدعي عليهم.
وبالأمس القريب كنت بزيارتها وكانت حادثة المواجهة بين قوات الطوارئ وأهالي البلدة، ما زالت تتفاعل
قالت أمي وبفخر: "ها هم أهالي بلدتي ينتصرون للمقاومة ويحمونها" وتابعت "كم كنت محقا يا ولدي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا