الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبودية الكراكيب !

سمير محمود

2009 / 12 / 20
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


قمامة مصر هل هى كعشوائياتها ، التى حاول المسئولون طيلة أربعين سنة أنهه فوجئوا بها، وأنها تضخمت بشكل فاق توقعاتهم وأن حلها يحتاج أربيعن سنة أخرى لحلها ويا ترى مين يعيش؟ بين كونها أزمة فجائية تهبط علينا من السماء أو قضية تتسم بالطابع التراكمى وسواء كانت مشكلة أو قضية أو تفاقمت فصارت أزمة استعصت على الحل لتنذر المجتمع المصرى بكارثة بيئية وصحية خطيرة خاصة مع انتشار فيروسات الإنفلونزا العادية بكل أنواعها "العادية ـ الطيور ـ الخنازير" وغيرها فإنه من الواضح أننا أمام كتلة ثلجية تطفو برائحتها فوق سطح المجتمع المصرى وما خفى كان أعظم.
لست بحاجة إلى إعادة سرد الأرقام حول آلاف الأطنان التى تنتج يومياً بمصر وبالعاصمة وحدها وصولاً لتوليد 20 مليون طن مخلفات صلية سنوياً.
هناك أيضاً عشرات الدراسات والرسائل الجامعية حول سبل الإفادة من القمامة بالتدوير وإعادة التصنيع وإنتاج الوقود الحيوى وغيرها بحسب نوعية المخلفات وهى دراسات مهمة تكدست واصرفت أوراقها على أرفف معهد البحوث والدراسات البيئية بجامعة عين شمس ومختلف كليات العلوم والزراعة بطول مصر وعرضها.
لكن القضية الأخطر والتى تسكننا منذ عقود وترتبط ارتباطاً لصيقاً بالقمامة التى تخرج من بيوتناومنشآتنا، هى القمامة التى نحتفظ بها فى بيوتنا ولا نشأ أن نسميها بمسماها بل نفضل أن نطلق عليها مسمى "الكراكيب".
حجم هذه الكراكيب أو القمامة غير مرصود فى مصر لا كما ولا كيفاً. لكن إذا كانت القاهرة تبرز ضمن الأكثر تلوثاً فى العالم وكأنها قرية تزكم الأنوف بروائح قمامتها حسبما تشير كتابات الرحالة والمستشرقين والزوار السائحين على السواء. فدعنى أرد على ما قلته أننى أشارك جموع الوافدين إلينا شعورهم بالاشمئزاز كلما كنت عائداً من رحلة خارجية إلى الوطن اقتربت الطائرات من الهبوط تصطدمنى أسطح منازلنا وبناياتنا التى تحولت مع الزمان إلى مقالب قمامة مفتوحة ودائمة عشوائية أو منظمة لا تفرق حتى لو أسميناها بالكراكيب.
إن لدى أعداد كبيرة من المصريين هوساً إلى حد العبودية للكراكيب، ابتداء من الأثاث المتهالك ومروراً بعلب الصفيح وفوارغ الزجاجات البلاستيكية وبقايا الورق والخشب وانتهاءً بأكياس البلاستيك وأغطية زجاجات المياه الغازية التى أيقن المصريون مع الوقت انه "كلما جمعوا أغطية فارغة وأكياس أكثر فرصتهم فى الفوز تكبر" وخلى بالك من الغطا.
المشهد الكئيب لأسطح المنازل يزداد كآبة مع دخول الشتاء وهطول الأمطار.. وبينما سعدت بلحظات عايشتها لهطول المطر مدن مثل نيويورك وواشنطن ويوتا وعدة ولايات أمريكية ومروراً بالمدن الألمانية (برلين وبون وفرانكفورت وميونيخ) وحتى كيب تاون ومدن بلجيكا وهولندا وغيرها من المدن التى زرتها فى مهام صحفية، بينما شعرت بالمرارة إزاء مقارنة أسطح منازلنا وواجهاتها بمنازلهم وواجهاتها الأكثر إشراقاً حتى فى عز المطر.
ولأن القمامة تحاصرنا حتى الركب فقد آثر عبدة الكراكيب الاحتفاظ بها فيما كان يطلق عليه قديماً "بالكونات" أو "فراندات" اختفت اليوم وأصبحت مقالب قمامة خلف الكراسى المنزلية المحطمة وبقايا أجهزة كمبيوتر عطلانة وتلال من الأحذية القديمة والأقمشة البالية وأسياخ الحديد وربما بقايا كسر الزجاج وفازات وقطع خشبية أثرية محطمة تزينها عناقيد الثوم والبصل مشكلة لوحة سيريالية من القبح والقذارة التى يسميها البعض كراكيب.
ومن البالكونة التى تبرز منها كل بقايا ومخلفات وكراكيب البيوت إلى مداخل العمارات وما يسمى "بالمناور" أو المتنفس الذى ينير العمائر والبنايات والتى تحتلها هى الأخرى زجاجات مياه غازية مهملة وغسالة عطلانة وجزء من تكييف بالى وبقايا شباك محطم وكسر رخام أو سيراميك وأكوام من كتب المدارس والصحف القديمة، وكلها من نوع القمامة الراكدة التى تتحرك باتجاه التصريف أو إعادة التدوير وإنما تظل فى دور "المحفوظات المصرية الخاصة" والتى تنفرد بها بيوتنا بامتياز، باعتبارها مقتنيات وكراكيب وليس باعتبارها قمامة.
وليس لنا أن نسأل أحداً عن نظافة شخصية ولا أن نبحث عن دور للحكومة ووزارة البيئة ولا اتحادات ملاك وشاغرين تكتفى شهرياً بمخاطبة السكان عبر ملصقات تزيد الحوائط قذارة، تذكرهم بعطل الأسانسير الذى يحتاج كام ألف وصيانة الصرف التى تحتاج لعشرات الألوف وتبرز العجز فى الميزانية أمام فداحة المصروفات.. وتبقى علاقة الملاك بالقمامة علاقة عشق أبدية بينما تبقى اتحادات الملاك "خيال مآتة" لا تحرك ساكناً ومنها وعنها تصبح البيوت بكل همومها ومشكلاتها وتفوح رائحتها على الملأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة