الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول فكرة -الجمهورية-

بودريس درهمان

2009 / 12 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يتساءل بعض الأوروبيين، الجمهوريون منهم بالخصوص، الذين يريدون اختبار مدى صلاحية استمرار استعمال مصطلح «جمهورية" بداخل فضاء أوروبي إمبراطوري رحب.
وماذا بعد الاتحاد الأوروبي؟ يتساءل البعض، البعض الأخر يجيب ما بعد أوروبا الأمة [1] .
هذا ما يرد به ريجيس دوبري Regis debréعلى حوارييه، حينما ينتقد بعض ثوابت الجمهوريين قائلا:"إذا كان محرري دائرة المعارف يتعاملون مع العقل على أنه الموروث الكوني لكل الأمم و إذا كان هذا الموروث قد استطاع توحيد الفرنسيين فلماذا فشل في توحيد العنصر البشري؟".
يضيف ريجيس دوبري: "كوندورسي نفسه، الموغل في التفاؤل، يعرف الجمهورية قائلا: إنها حركة دائمة لإزالة الأممmouvement de dénationalisation وبهذا المعنى فالجمهورية هي مسطرة للمرور من الوطن إلى أوروبا الموحدة ومن أوروبا الموحدة إلى قارة الأطلنتيد الأسطورية ومن قارة الأطلنتيد الأسطورية إلى الإنسانية جمعاء. أليست الجمهورية هي ذلك الكوكب الأرضي الذي تسعى إلى تحقيقه المسيحية والأممية الشيوعية على حد سواء؟؟
الإنسانية والعقلانية التي يتحدث عنها مؤسسو الجمهورية ليست في الحقيقة إلا نموذج لمجتمع مصغر من العلماء حيث يتبادلون الأراء والحديث بكل روية. لهاته الأسباب يمكن فهم لماذا مشروع الدستور الذي قدمه كوندورسي سنة 1793لا يقوم بالربط بشكل متين ما بين المواطنة والوطنية: تكفي سنة واحدة من الإقامة على التراب الفرنسي للحصول على الوطنية والمواطنة !!! إن كوندورسي جد متقدم في الأوهام العقلانية، و أليس على هذا الأساس اعتقد كانط في إمكانية السلم الأبدي لأن الجمهوريات حينما تكن حقيقيات فإنهن يملن بالفطرة إلى التقارب. صحيح أن أفكار الأنوار هي التي تمخض عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكن هاته الحقوق قد استأنست إليها الملكيات الدستورية كذلك."
"حتى المدرسة العمومية بداخل الجمهورية، يقول ريجيس دوبري، لم تقم إلا بتكوين جنود مخلصين للأمة أكثر مما كونت أفرادا عقلاء ومتحضرين: ليست هنالك فوارق مابين الدولة التربوية للجمهورية الثالثة والدولة الانضباطية كما أراد لها ذلك مؤسسوها سنة1791، بالعكس هنالك استمرارية واضحة. ما قبل الثورة وعصر الأنوار، على الأقل الطفل حتى قبل أن يولد ينتمي مسبقا إلى الوطن؛ ولكن مع الثورة وبعدها أصبح ينتمي للجمهورية."
"الجمهورية لم تكن أبدا وليدة قرنها، بمعنى وليدة القرن الثامن عشر بل هي وليدة القرن التاسع عشر. لم تكن وليدة الرؤيا المتقدمة لأفكار فلسفة عصر الأنوار بل كانت وليدة السيف، وليدة الوقائع التي رمت بها فلسفة الأنوار إلى خارج دائرة الفلسفة معتبرين تلك الوقائع عبارة على أخطاء.
لقد كانت الجمهورية في متخيل مؤسسيها الأولين كل شيء، لقد كانت هي الصليبية، هي الحماس، هي المقدس، هي الحرب وكل العواطف الجياشة. قيم عصر الأنوار التي مهدت لتحقيق الثورة الفرنسية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتقاطع مع قيم الجمهورية، فهذه الأخيرة عكس ما تنص عليه أساطير المقررات المدرسية التي تمجد الجمهورية،هي وليدة للظلال القاتمة، الظلال التي تستحيل معها الرؤيا والكلام [2]. وكما أن الأنوار تعمي الأبصار وتحجب المستقبل والأصل فهي كذلك تكره التعقيدات التي هي كنه وجود الإنسان والأنظمة.
هكذا على ضوء قراءة بعض أفكار ريجيس دوبري يبدو أن حتى التاريخ الحديث لا زال لم يستطع الانزياح عن مجاريه التاريخية المعهودة والتي تحددت بمصطلحات كالأمة،الوطن، اللغة، الانتماء، الوطنية وغيرها. هذه المصطلحات التي تسعى العولمة إلى استئصال تاريخها وجدت لها مكانة خاصة عند هذا المناضل الأصيل، هذا المستشعر عن بعد الذي اعتقد الكثير بفعل الدعايات المغرضة على أنه استئصالي، لو كان استئصاليا لما شغل منصب رئيس المعهد الأوروبي لعلوم الأديان، ولما حاضر وألف من أجل الانتباه إلى الحضور المستمر للدين في الحياة اليومية وفي الأفكار... ربما قد يكون استئصاليا، لكنه استئصالي الأورام الخبيثة، الأورام التي إذا لم يتم استئصالها فإنها تزحف على الجسم كله.
بخصوص القيم الوطنية التي بدأ يستشعر فتور حماسها نقرئ له ما يلي:
" إذا ما تركنا جانبا بعض الهامشيين من أمثالl’abbé Du BosأوSaint-Evermond ، حتى Montesquieu قام بتحديد الخصائص الوطنية بمصطلحات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تنتمي إلى العصر الذي سبق الرومانسية. هؤلاء المؤسسون هم متبجحون يعتقدون في إمكانية بناء مجتمع متمدن على قاعدة الدستور المكتوب فقط و على قاعدة إعلان للحقوق متبوع، كما رأى ذلك المتفائل كوندورسي، بتعديلات عقلانية على رأس كل عشرين سنة. يتهكم ريجيس دوبري قائلا: "إن هؤلاء لم يكونوا يفكرون إطلاقا في الجمهورية والدليل على ذلك كما قال Camille Desmoulins عدد الجمهوريين لم يكن يناهز يوم12يوليوز1789(أي يوم الثورة) بباريس عشرة أفراد. معانقة كلمة "جمهوري" من طرف الفرنسيين تمت بواسطة جاذبية الوطنية ومنطق الحرب" وليس بواسطة جاذبية قيم الجمهورية. في خضم قيم الجمهورية ماذا كانت تعني كلمة "وطن" آنذاك؟ إنها لم تكن تعني إلا الدولة والدولة حسب منطق تلك الحقبة هي خلاصة تعاقد أفراد اختاروا ذلك عن طواعية. حتى فولتير كان يعتقد جديا بأن الوطن ليس إلا حقلا يملكه الفرد ويقوم بحرثه. في تلك الحقبة مواطن يحترم نفسه سوف لن يجرؤ على استعمال كلمة وطن لأنها كانت تشكل طابوها. محرري دائرة المعارفl’encyclopédieكانوا يتعاملون مع هاته الكلمة ككلمة متقادمة ودائما في غير محلها،إنها تنتمي إلى العصر الروماني."
هذا هو قدر ريجيس دوبري على ما يبدو دائما يلتزم بالأشياء الحقيقية كما تحددها الرؤيا ولو على حساب حقائق الواقع العنيد. لقد عانق حقائق شي كيفارا ولم يستطع أحد أن يثبت أنه صار يوما ضد هذه الحقائق، وعانق حقائق ميتران ولم يستطع أحد إلى حد الآن أن يقول لنا ما هي هذه الحقائق، وهاهو الآن يعانق حقائق الأمة الفرنسية ويسعى إلى احترام ما يميزها... ولو على حساب وضد وحدة الأوروبيين. إنها رؤيا المستشعرين، قراء الكف التاريخي ومثل هاته الرؤيا لا تضاهيها في التاريخ إلا رؤيا أخرى لأحد المستشعرين الآخرين الذي هو فيكتور هوجو. اقرؤوا معي ماذا كتب سنة1867 :«في القرن العشرين ستكون هنالك امة عظيمة...أمة مركزية ستشع منها حركة على كل القارات وستصبح أكثر من أمة، ستصبح حضارة، بل ستصبح أكثر من حضارة، ستصبح عائلة...هاته الأمة ستكون عاصمتها باريس وسوف لن يصبح اسمها فرنسا سيصبح اسمها أوروبا. سيصبح اسمها أوروبا في القرن العشرين أما في القرون الموالية ستتحول أكثر وستصبح هي الإنسانية» [3] أليس هذا ما نعيشه اليوم؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن