الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع شاب جزائرى

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 12 / 15
عالم الرياضة


هل يصدق عاقل أن مباراة فى كرة القدم بين بلدين شقيقين، مصر والجزائر، تمتلك تلك القوة التى تحرك كل الألسنة والأقلام التى تنهش لحوم وتدمر عظام الأحياء والأموات فى الجانبين لينتهى الأمر باستدعاء السفراء للتشاور والتحاور. أكاد لا اصدق أن كرة يجرى خلفها لاعبون يرتدون "الشورتات" تستطيع أن تحرك الأعلام والإعلام وأن تطلق سراح الأناشيد والأغانى الوطنية كأننا ذاهبون للقاء العدو الذى اغتصب أراضينا وانتهك حرماتنا وسلب ثرواتنا. لقد اعتاد الناس فى البلدين على معايشة الأزمات فى المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم يتبق لهم سوى مجال الرياضة التى تبعث الفرحة والسعادة فى قلوبهم. لعل الجميع متفق معى أننا فى غنى عن الرياضة طالما تحول الأصدقاء إلى خصوم والأشقاء إلى أعداء. اعتقد أن الأزمة التى نشبت بين البلدين الشقيقين ليست بسبب مباراة فى كرة القدم –وإن كان ظاهرها يوحى بذلك—لكن السبب الرئيسى هو تسيد ثقافة المونولوج واختفاء الديالوج. والمنولوج هو مناجاة الذات والتحدث إليها. أما الديالوج فهو عبارة عن حوار بين طرفين حيث يطرح المرء وجهة نظره بحيث يراعى مشاعر الآخر. لقد شاءت الأقدار أن انخرط عبر الهاتف فى حوار مثمر مع شاب جزائرى.

كنت أتصفح الانترنت عندما دق جرس تليفون موقع سكاى بى فالتقطت الهاتف لافاجىء أن محدثى على الجانب الآخر شاب جزائرى لم أقابله أو أتحدث معه من قبل. توقعت أن يبادر بالسب والشتيمة أو أن يخرج من شاشة الكمبيوتر حاملا مطواة قرن الغزال لكننى وجدته يلقى على سؤالا مفاده لماذا يكيل المصريون السباب للجزائر على القنوات الفضائية؟ قلت له إن وقع الهزيمة كان قاسيا وغير متوقع وهذا بدوره أدى إلى انفلات الأعصاب والبحث عن منفذ للمشاعر المكبوتة. أكدت له أننى لا أبحث عن مبررات لكن الأخبار التى وردت من السودان تداخلت مع حسرة الهزيمة لتضغط على الأعصاب التى ساهمت فى انفلات الألسنة. وينطبق هذا الكلام على الصحف الجزائرية التى لم تتحمل الهزيمة فى القاهرة، الهزيمة التى تداخلت معها أحداث متفرقة وأخرجت مارد الانتقام من قارورته. قلت له إن الجماهير فى البلدين تعرضوا لشحن فوق الاحتمال، شحن كان له اثر على الجميع، الفقير والغنى، الأمى والمتعلم لدرجة أن أساتذة الجامعة لم يتحملوا الأمر فطالبوا بمقاطعة كل سبل التعاون مع الجامعات الجزائرية.

واصل الشاب الجزائرى إلقاء عدة أسئلة أخرى: منها، لماذا هاجمت الجماهير المصرية الحافلة التى تقل لاعبى المنتخب الجزائرى فى القاهرة؟ إجابتى كانت على النحو التالى: إننى لست ملما بتفاصيل الحادث لكن لو افترضنا أن مجموعة من الصبية قد قامت بالفعل بإلقاء الحجارة على الحافلة فليس معنى ذلك أن هؤلاء يمثلون المصريين ولا اعتقد أن الشعب يوافق على الاعتداء على الضيوف. قال الجزائرى: أوافقك الرأى فيما قلت لكن السؤال: لماذا لم تبادروا بالاعتراف بدلا من إلقاء اللائمة على لاعبى الفريق الجزائرى؟ قلت له: لعل القائمين على شئون الكرة لم يشاهدوا ما حدث وكانوا فى حاجة إلى دليل قوى غير أن الاعتراف والاعتذار كان واجبا طالما أقام الجزائريون الحجة على ذلك. قال: لقد حولتم مباراة القاهرة إلى معركة حربية وجيشتم الجيوش وحرضتم الجماهير وقمتم بضرب المناصرين الرجال والنساء وطاردتموهم حيثما كانوا وعاد الكثير منهم فى حالة يرثى لها. قلت له إن الإعلام فى الجانبين هو الذى أثار الجماهير وهذا الإعلام لا يمثل الشعب المصرى أو الجزائرى ولكن كان يتعين على الإعلاميين فى البلدين أن يضعوا الاعتبارات القومية والعربية فى الحسبان، فلا يصح أن يستخدم السباب والشتائم كردود أفعال تجاه شعب شقيق. لعل الشباب فى الجانبين لا يعرفون المواقف النبيلة لمصر تجاه الجزائر ولا يدركون تضحيات الجزائر من أجل مصر. لقد ساهمنا فى تحرركم من الاستعمار الفرنسى وقدمنا لكم يد العون للتغلب على مشكلة التعريب وفى المقابل لم يتخلى عنا البطل الجزائرى بومدين خلال نكسة 67 وأثناء الاستعداد لحرب 73 حيث قدم الرئيس الراحل هوارى بومدين شيكا على بياض للروس حتى يرسلوا الأسلحة لمصر.

وفى نهاية الحوار قذفنى الشاب الجزائرى بسؤال: ماذا تعتقد فى تأهل الجزائر للمونديال؟ قلت له إن الجزائر يمثل العرب فى المونديال القادم فى جنوب أفريقيا وعلى الجزائريين أن يطووا صفحة مباراة مصر ويبذلوا قصارى جهدهم لإثبات جدارتهم بهذا التمثيل من خلال تخطى الدور الأول وهو انجاز لم يحققه فريق عربى من قبل. وأنهى الشاب الحوار مبديا اقتناعه الصادق بكل ما جاء فيه وأعرب عن أمنياته فى أن تنقشع تلك السحابة القاتمة التى تلبد سماء البلدين الشقيقين. لم يبق سوى أن نشير إلى أهمية الحوار بين الأشقاء لإزالة كل أسباب الخلافات والصراعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشكر
هانا منتانا ( 2012 / 2 / 21 - 14:00 )
لقد كان هذا اجمل تعبير قراته في حياتي و اتمنى ان يكون قد نال اعجاب كتير من الناس متلي


2 - الموضوعية
بطرس ( 2012 / 2 / 21 - 14:57 )
شكرا لك على ماقدمته فى الحوار الهادىء من موضوعية وهذا يفيد بان الانسان يجب ان يكون صادقا مع نفسه ومع الاخرين والجميع يكسب الاحترام ..تحياتى

اخر الافلام

.. سابقة في السعودية: عرض لملابس السباحة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدوري الإنجليزي.. فودين أفضل لاعب للموسم الحالي




.. الأهلي المصري والترجي التونسي يستعدان لمباراة الذهاب بنهائي


.. أون سيت - أمير عيد وأبطال مسلسل دواعي السفر يكشفوا تفاصيل ها




.. الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يقدم دعوى لكونغرس فيفا بتعليق ع