الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المآذن في سويسرا في الحاجة إلى نقد مزدوج لثقافة التطرف

إدريس حنداري

2009 / 12 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


رغم ما أثير في السنوات الأخيرة من نقاش مستفيض؛ في جميع دول العالم؛ حول ما يسمى عادة بحوار الحضارات؛ أو التحالف بين الحضارات؛ أو التواصل الحضاري... رغم هذا النقاش المستفيض؛ يبدو أن هناك حركية يمينية متطرفة تغزو الغرب؛ و تسعى إلى تغيير منحى البوصلة؛ في اتجاه التطرف و الانكفاء على الذات .
و يؤسس هذا التوجه الجديد/ القديم نشاطه المعادي؛ لكل ما ليس أوربيا على صعود المد السياسي اليميني المتطرف؛ في مجموع الدول الأوربية؛ و الذي يبدو أنه بدأ يهدد أوضاع التعايش السلمي؛ السائد بين مختلف الأجناس و الطوائف و الديانات في هذه الدول .
لقد سمعنا كثيرا عن التطرف اليميني في فرنسا مع (جون ماري لوبان)؛ و في إيطاليا مع الحزب اليميني الذي يدعو إلى تشديد الخناق على المهاجرين؛ و نفس الشيء حدث في إسبانيا؛ التي انتقلت فيها البلوى اليمينية إلى اليسار الحاكم... لكننا لم نأبه للتطرف الآتي من دولة؛ كنا نعتبرها لوقت قريب؛ بأنها نموذج للتعايش و الاختلاف و التعددية؛ مثل كندا في أمريكا الشمالية تماما !!
لقد أسست سويسرا لنموذج سياسي و اجتماعي منفتح؛ و قد زكى كل ذلك النموذج الاقتصادي السويسري؛ الذي كرسته البنوك السويسرية؛ التي تودع فيها أموال العالم بجميع العملات.
لكن هذه الصورة النمطية التي كوناها عن سويسرا؛ لم تكن في الحقيقة صورة صحيحة؛ لأن هذا الانفتاح الموهوم؛ و هذه الحرية الاقتصادية؛ تخفي الكثير من التطرف تجاه الأقليات؛ و خصوصا الإسلامية منها .
لقد أقدمت سويسرا على استفتاء شعبي؛ حول مدى قبولية أو رفض بناء المآذن؛ و كانت النتيجة أن السويسريين يعارضون هذه المآذن. من الناحية الشكلية؛ من حق كل دولة أن تستفتي شعبها؛ عن رأيه في قضايا تهمه؛ و من واجبها أن تعمل برأيه في هذه القضايا. لكن الأمر جوهريا يتجاوز هذا المستوى؛ لأن القضية أعقد و أكبر من الاستفتاء في حد ذاته.
لنتساءل مثلا: هل بإمكان الدولة السويسرية؛ أو أية دولة أخرى؛ أن تفكر حتى؛ في استفتاء شعبها؛ عن رأيه في قضية تخص المعابد اليهودية مثلا ؟ أم إن تهمة معاداة السامية ستكون لها بالمرصاد ؟
إذن لماذا هذه الاستباحة المبالغ فيها لكل ما هو إسلامي؛ بتهم تافهة و مزورة؛ من قبيل محاربة التطرف و الإرهاب الإسلامي؛ هل المآذن مثلا رمز للتطرف و الإرهاب؛ حتى يمنع تشييدها؟ أم إنها على العكس من ذلك تعتبر من أهم الرموز المعمارية لحضارة عظيمة؛ شملت آسيا و إفريقيا و أوربا؛ و هذه المآذن التي تحارب في سويسرا؛ تجني من خلالها إسبانيا أرباحا خيالية بالعملة الصعبة؛ عبر الترويج لها سياحيا .
إن الكنائس المسيحية و المعابد اليهودية منتشرة في مجموع الدول العربية و الإسلامية؛ و من بين روادها مواطنون عرب مسيحيون؛ في مصر و لبنان و العراق... و يهود في المغرب؛ و في إيران حتى؛ و في جميع هذه الدول يتم التعامل مع هذه الأماكن المقدسة بإجلال و احترام؛ و تخصص مجموعة من الدول العربية و الإسلامية ميزانيات لتشييدها؛ و تحظى بعناية خاصة؛ مثلها مثل المساجد تماما. لكن هل يقبل الغرب المسيحي- اليهودي أن تنتهك حرمات هذه المعابد ؟
كلها تساؤلات؛ لا نسعى من خلالها إلا إلى تأسيس خطاب نقدي مزدوج؛ ينتقد الذات؛ و ينتقد الآخر في نفس الآن؛ مع الانتصار –طبعا- للقيم المشتركة بين بني البشر؛ و التي تجسدها جميع الديانات و الشرائع .
إن مسألة المآذن التي أثيرت مؤخرا في سويسرا؛ ليست في الحقيقة سوى الشجرة التي تخفي الغابة المتوحشة؛ التي ترفل في اللاشعور الجمعي للغرب؛ غابة تفرج عن وحوشها المفترسة؛ كلما تعلق الأمر بقضية ترتبط بالإسلام و المسلمين.
و إذا عدنا إلى افتحاص الصورة؛ التي نسجتها نخبة الغرب عن الإسلام و المسلمين؛ يمكن أن نستوعب بشكل جيد هذا الرعب؛ الذي يشكله الإسلام للغرب.
فقد صاغ هكتنكتون كتابا كاملا (صدام الحضارات) حذر فيه الغرب من العدو الأخضر القادم؛ و الذي لا يختلف في شيء عن العدو الأحمر(الشيوعية) المندحر؛ لذلك يجب أن تستعمل نفس الوسائل القديمة في المواجهة القادمة؛ و الغاية المحورية هي المحافظة على طهرانية الغرب المسيحي-اليهودي؛ من دنس الشرق الإسلامي- الكونفوشوسي.
لذلك يجب على الغرب أن يحافظ على تماسكه و نسقيته؛ باعتباره يشكل نهاية للتاريخ؛ و تتويجا للتطور الإنساني؛ منذ العصور البدائية الأولى؛ و إلى الآن يقول الكونفوشوسي على الطريقة الأمريكية (فوكوياما).
إن كل تطرف في الواقع يزكيه تطرف مماثل على مستوى الفكر؛ و نحن هنا لا نجانب الصواب؛ حينما نعتبر أن الحركة اليمينية المتطرفة في الغرب؛ تعتبر صياغة إيديولوجية متماسكة؛ لمجموع الأفكار التي طرحت منذ هيجل؛ و مرورا بالمرحلة الاستشراقية؛ و انتهاء بفوكوياما و هكتنكتون. و هي أفكار انطلقت من مركزية أوربية شوفينية؛ تعتبر أن الغرب هو مركز الحضارة؛ التي يجب أن توزع بالتقسيط على شعوب العالم؛ و قد قادت مثل هذه الأفكار حركة استعمارية متوحشة خلال القرن التاسع عشر؛ و هي ما تزال لحدود الآن تقود حروبا تدميرية بشعة؛ باسم نشر الديمقراطية و الحرية خارجيا؛ و في نفس الآن تقود داخليا حركة يمينية متطرفة؛ تعادي كل ما هو مغاير و مختلف عن النموذج الأوربي؛ بادعاء الخطر الذي يشكله هذا المختلف و المغاير على النموذج الطهراني للغرب.
إن التطرف –في الحقيقة- ليس له عرق أو دين؛ لكنه في جميع تمظهراته؛ يحضر دائما في مقابل ثقافة الحوار و التعددية و الاختلاف؛ و كلما غابت هذه الثقافة إلا و كشر التطرف عن أنيابه. لذلك يبقى من واجب النخبة المثقفة؛ سواء في العالم العربي/الإسلامي أو الغربي؛ يبقى من واجبها الدفاع باستماتة عن ثقافة الحوار و الاختلاف؛ التي تعتبر جوهر الحضارة الإنسانية الحديثة؛ و لن يتحقق مثل هذا الرهان إلا بامتلاك هذه النخبة لحس نقدي مزدوج؛ يمارس نقدا مزدوجا؛ على الذات و على الآخر.
من هذا المنظور لا يجب علينا أن نقابل تطرفا بتطرف مماثل؛ فخير جواب على التطرف اليميني هو تكريس ثقافة الحوار و التعايش السلمي في الثقافة العربية/الإسلامية؛ و ذلك طبعا يمر عبر احترام الآخر المختلف؛ في ثقافته و ديانته و رموزه؛ لأن الدين الإسلامي في جوهره يحث على هذه القيم الإنسانية النبيلة؛ من خلال الدعوة إلى التواصل الحضاري بين الشعوب و الثقافات؛ و يؤكد القرآن الكريم على هذه القيم النبيلة بشكل صريح و مباشر( و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الحقيقة؟؟؟
مواطن ( 2009 / 12 / 15 - 22:26 )
الاستاذ المحترم ادريس
ارى انك ابتعدت كثيرا عن الحقيقة , لانة اولا فى العالم الاسلامى وعلى الاغلب وليس كل دولة تمنع بناء الكنائس او يعتدى فيها على الدين الاخر, مثلا فى السعودية يمنع دخول الغير مسلم الى بعض المدن ويمنع بناء اى مكان عبادة لغير المسلم السنى , حتى ان الشيعى مضطهد , اما فى ايران فنجد ان الكل مضطهد ما عدى الشيعى
فى مصر , اصلاح دورة المياة فى كنيسة تحتاج لقرار ومرسوم رئاسى جمهورى
هذا عن الحريات فى الدول العربية والاسلامية, ناهيك عن الاعتداءات على المسيحيين فى مصر التى اصبحت شبة يومية
اما من ناحية الدين الاسلامى ؟ فاعتقد بانك تعرف ان بعض الاحاديث والايات تكفر الاخر - الغير مسلم - وتشتمة وتحقرة , وتدعو لمحاربتة وغزوة واستعبادة ونكاح بناتة
كذالك انت تعرف بان اعمال بعض المسلمين هى بالاساس اعمال حاقدة وارهابية ومتخلفة , حتى ان المسلم الاخر الذى يختلف معهم بالراى يتم تكفيرة او حتى قتلة
الا ترى ان مجمل هذة الاعمال والتعاليم الاسلامية هى السبب فى خوف السويسريين من الاسلام ؟؟؟
نتيجة هذا كلة , اصبحت كلمة مسلم تدعو الناس للخوف , والابتعاد عنة
مع الشكر استاذى


2 - تحيه
عبدالعزيز ( 2009 / 12 / 16 - 00:34 )
السيد ادريس ان كنائس الخليج يمنع فيها قرع الاجراس ورفع الصلبان وكذلك كنائس المغرب اتفقت مع الحكومة ان لا تقرع اجراسها احتراما لمشاعر المسلمين ..هههه .اما في مصر فبناء كنيسة او ترميمها يحتاج لواسطات وشهدت على ذلك بنفسي بزياراتي لمصر والقتيت بمسلمين لاهم علمانيين ولا ملحدين ولا غيرهم قالو لي هذا الكلام.

اخر من يحق لهم الحديث عن الحرية المسلمون ولو تعمقنا السنة الوهابيه في السعودية اعترضوا على هذا القرار لكن يا صديقي السعودية اغلقت عشر مساجد شيعيه العام الماضي ومنعت الاذان الشيعي الذي يتضمن عبارة اشهد ان علي وليّ الله !!

وايران ايضاً دخلت مسرح الاستهزاء واعترضت على حظر الماذن في حين ان طهران لا يوجد بها مسجدا سنيا ويقوم الايرانيون بهدم مساجد سنية .

يا عزيزي الاصلاح يجب ان يبدأ من الداخل ان العالم الغربي ليس بجاهل بواقع حالنا ومجتمعاتنا ديننا فهم يعرفون كل شيء لهذا احتاطوا من ذلك والسبب المسلمين انفسهم والفقه الاسلامي الذي المختص باهل الذمة والذي يبتاكى عليه المسلمون اليوم هو بحد ذاته مخالف لحقوق الانسان وحرية العبادة .

شكرا لك


3 - كلامك ليس صحيحا
Ibrahim ( 2009 / 12 / 16 - 00:51 )
سيد إدريس ...
إتق الله .. ألم تسمع بتهجير مسيحيي العراق وقتلهم وتفجير كنائسهم وآخرها اليوم الثلاثاء ...ألا تسمع بما يجري للصابئة وبقية الاقليات، ألا تسمع بما يجري لاقباط مصر ..فكيف تقول الكنائس منتشرة في مجموع الدول العربية والاسلامية ... أين مسيحيوا هذه الدول ؟ لماذا هربوا وتشتتوا في انحاء المعمورة ...على من تضحك؟
إن التطرف الاسلامي بلغ ذروته ولا زال في استمرار وإن منع المآذن هو بداية إعادة دراسة أوربا لوضعها مع المسلمين، أعيدوا النظر بتفكيركم واسلوب عيشكم مع الاخرين...لا تخيفوا الناس بممارساتكم لكي يطمئنوا لعشرتكم ، فالدين معاملة.


4 - لماذا
عراقي ( 2009 / 12 / 16 - 01:34 )
لماذا حذف تعليقي؟ لم اشتم ولم احرض على القتل! كل الذي قلته حديث هاديء جدا وواقعي بينت للسيد الكاتب لماذا هذا التيار المتخوف من المسلمين في الغرب ردا على تسائله! ام ان المسألة انتقائية؟


5 - تعقيب
إدريس جنداري ( 2009 / 12 / 16 - 15:34 )
تحية زكية
أشكر كل الذين تفاعلوا مع الموصوع؛ من زوايا نظر مختلفة؛ و أنا أحترم كل الآراء الواردة
لكنني أود أن أؤكد أن دعوتي كانت صريحة إلى ممارسة النقد المزدوج؛ أي نقد الذات و نقد الآخر في نفس الآن؛ و هذه في نظري هي المقاربة المنهجية السليمة؛ التي لا تسقط في ممارسة مازوشية عدوانية على الذات
أنا لم أبرئ المسلمين- و أخصص المتطرفين منهم- من ممارسة العنف؛ و في نفس الآن يجب أن ننتقد كل ممارسات اليمين المتطرف؛ الذي أصبح يهدد التعايش السلمي بين الشعوب و الثقافات في العالم
لقد أكدت على أن التطرف ليس له مذهب أو دين؛ و لكنه يحضر في مقابل ثقافة الحوار و التواصل الحضاري؛ سواء ارتبط الأمر بالثقافة الإسلامية أو بالثقافة الغربية
أكرر مرة أخرى أن قيمي العلمانية العقلانية المتحررة لا تسمح لي بان أحابي أي تطرف كان؛ لذلك سيان عندي ما تمارسه السعودية في حق المعابد المسيحية؛ و ما مارسته مؤخرا سويسرا في حق المآذن الإسلامية
دامت لكم المسرات و دام الحوار المتمدن فضاء للحوار الحضاري البناء


6 - رموز ومعاني المنـــــــارة
كنعان شماس ايرميا ( 2009 / 12 / 16 - 21:37 )
قال الدكتور كامل النجــــار في مقال شيق له على الحوار المتمدن ان المنارة ترمز الى الرفعة والعلو على الاخرين ... لم يكن لها وجود في زمن رسول الاسلام . ابتدعها الامويين لتغطية نفاقهم وبعدهم عن روح الاسلام وربما لتغطية جريمتهم الشـــنيعة في قتلهم لحفيد الرسول الحسين بتلك الطريقة الوحشـــية ورفع راسه على رمـــح لترويع المسلمين وعليه فاظن ان على المسلم النقي الابتعاد عن التشـــبه بالمنافقــين الامويين ورموزهم وان لايستفز من موقف الشعب السويسري المســــالم الذي يعامل جميع مواطنية بالعدل والمساواة . سويسرا لم تشترك في اي حرب


7 - ماذا يريد مسلمو سويسرا و الغرب
معلق ( 2009 / 12 / 17 - 07:12 )
يريد مسلمو سويسرا و الغرب عموما الإسلام كما هو في منابعه الأصلية ببلاد الحجاز، و برواية و تفسير علماء السلف، و لكن دون مغادرة البلاد الغربية أو التفريط في مكاسبهم فيها، و دون التفريط في هياكل و قوانين الدولة الديمقراطية التي ينعمون تحت ظلها بكل الحقوق، يريدون أموال الغرب و حقوقه و مكاسبه المادية، و لا يريدون قيمه و فلسفته التي بفضلها ينعمون بتلك الحقوق، يريدون الإسلام بالطريقة التي تركوها في بلدانهم، و لا يريدون العودة إلى تلك البلدان لـ-ينعموا- فيها بإسلامهم الذي يتوقون إليه.

اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه