الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا بُني

محمد شرينة

2009 / 12 / 16
الادب والفن


يا بُني العب هنا في فناء الدار، في داخل الغرفة، حول الدار، في المزرعة ضمن الحيد المحدود من الغابة حيث استطيع أن أجدك.

لا تذهب إلى الغابة غير المغلقة، احذر الغابة المفتوحة – هناك ستضيع و لن يستطيع أحد أن يجدك- فاحذر.
احذر المكان الذي لا حدود له، احذر الزمان المطلق..... أحص الزمان ، إياك أن تغرق في فكر عن زمان لا حدود له، احذر الحرية غير المقيدة، إياك المطلق و احذره، اتقه لا يهلكك، الحدود الصلبة العالية ارفعها من حولك، احجز نفسك عنه أبعدها منه.

ارفع الحواجز أقم الحدود- إياك و الضياع.
من وطأت قدماه الغابة غير المغلقة لا يستطيع احد أن يجده. هو نفسه لا يقدر على العودة إلى المكان الذي خرج منه.

الحب الفياض الغامر الذي لا يُفرق اخشاه، خف منه خوفك من الشيطان بل أكثر، خوفك من أدهى الدواهي بل أشد، إن هذا هو الحب المطلق الذي يحطم الحواجز و يدمر الحدود، و يلقيك في الفضاء العاري عن أي حاجز أو حد.

في البحر الخضم الذي لا قرار له.
موجه لا يهدأ.
قعره لا يُبلغ.
شواطئه غير موجودة.
الذي يغوص فيه لا يرى شيئاَ و لا يعرف شيئاَ.
كل الأشياء متشابهة ماءْ وماءْ و ماء.
الذي يدخله، منه لا يعود.
ذلك البحر الذي يبدو رائعاً في الأفق، رائعاً و أكثر روعة من كل شيء عرفه احد.

يشد ناظريك كلاهما إليه. تسير نحوه، تخطو إليه، ناظريك معلقان ببهاء روعته الجليلة، لُبك مخلوب بنوره الساطع، بجماله الباهر، هذا الجمال الخادع.

إنك كبشر، كإنسان، كجسد، لا بد تشعر بعد حين بالوهن و التعب يعصف بجسدك، بالكلل يملأ عينيك اللتين كلتا من النظر، بالدوار في رأسك الذي أنهكه التأمل.
أنت كبشر كجسد من لحم ودم ستنشد هنيهة من راحة.

فإذا نشدتها و احتجت إلى صخرة، إلى ركيزة صلبة ترتاح عليها لحظات، تسند إليها جسدك المنهك، ترد إليها بصرك السارح الحائر، تجمع عندها أفكارك المشتتة التائهة.

فإنك لن تجدها، أبداً لن تجدها.
فهذا بحرٌ لا قرار له و لا شاطئ.

فإذا أحسست برعشةٍ من رعب، برجفةٍ من خوف وأدرت عينيك تبحث عن الشاطئ، عن مستقر من يمين أو يسار، عن ملجأ من أمام أو خلف، عن الأرض التي قدمت منها من أي اتجاه؛ فإنك غير البحر المائج الذي لا يستقر غير واجد .

غير البحر لن تجد شيئا.
ومهما أبحرت وعُمت وأيان يممت وسرت، البحر وحده هو الذي تجده.
سيضيع الشاطئ الذي منه قدمت.
ثانية لن تراه ولن تبصره ولن تقف عليه.
الذي يدخل هذا البحر لا يعود منه ثانية.
فلا يغوينك الجمال ولا يغرنك الجلال.
الحواجز عالية حولك متينة أقمها.
الحدود واضحة صلبة من كل جانب ارفعها.
إياك والمكان المفتوح، إياك والزمان أن تحس به غير محدود.
إياك والحرية أن تشعر بها مطلقة من كل قيد.
إياك والحب الصرف اللا مشوب. إنه يدفعك إلى مطلق الحرية ويحطم الحواجز ويزيل الحدود.
إياك أن تضيع. إياك أن.... أن..... أن.... أن تتبع .... أن تتبعني .
الحب غير المطلق هو ما تحتاجه، الحب المقيد هو ما يمنعك من أن تضيع وتفقد حتى ذاتك.

الهائم في ذلك البحر المطلق، حتى إذا نظر إلى نفسه لا يعرفها.
الذي يطلب الكل يفقد الكل، الذي يريد كل شيء لا يأخذ أي شيء.
الذي يحب الكل يهلك حتى ذاته و كأنه يكره الكل.

الحب المقيد هو أن تحب هذا لأنه يختلف عن ذاك، فإذا أحببت هذا كرهت ذاك و إذا أحببت ذاك كرهت هذا.

العالم لا يكون بغير حب ولا يُعاش؛ لأن اللا حب هو أيضا مطلق، الحب أساس العالم.
لا يكون العالم إلا بوجوده، اهرب من الهلاك واهرب من ظلمة ووحدة أن لا تحب.
بشكل أو بآخر الحب المطلق الهلاك بعينة .
لتفعل، ليس لك إلا أن تحب حبا مقيدا، أن تكره هذا لتحب ذاك.
هذا يجلب مفاسد كثيرة ولكنه إذا انعدم، فساده أكثر و أعظم.
عن يمينه الفناء وعن يساره الظلمة من أعلاه الضياع ومن أسفله المرارة.
من أمامه الخواء ومن خلفه العذاب، إنه الصراط المستقيم أدق من الشعرة و أحد من السيف.
لو أمكن لك أن تحب حبا مطلقا ثم لا تضيع لما احتاج العالم إلى العدل.
لو أمكن لنا أن نعيش بدون حب من أي نوع لما احتجنا إلى الرحمة.
لأن الأمر هكذا كان عالمنا هذا مبني على العدل والرحمة.
على القسط والرحمة،أحب بقدر وأكره بقدر.

الحب مغروز في طبيعتنا والكره موجود في فطرتنا.
العدل والرحمة، أشياء يجب أن نتعلمها.
لكل هذا كان التعلم ضروريا.
من أجل هذا أصبح العلم أساس العبور السالم في هذا العالم.
العلم لا يركض وراء المطلقات ولا يسعى وراء الأحلام ، العلم شيء غير الحُلم .
العلم والحياة يورثان الحكمة.

الحكمة تقول: وإن كان لا بد من الخيال فمن غير المفيد ولا هو مجدٍ ؛ محاولة التيقن مما هو خارج الغرفة قبل أن يُفتح الباب.

إذا فتح الباب فانظر لتتيقن ما يوجد هناك.

إذا لم يفتح فاشتغل بما تراه داخل الغرفة فهو الوحيد الممكن لك أن تعلمه علم اليقين.

الحكمة تقول حب الغرائب واستعجال الأمور والرغبة فيما لا يوصل إليه تنسف الحكمة، وتدمر العلم وتنفي الرحمة والعدل وتطيح بالتسامح وتدفع الناس إلى السقوط في بحر لجي لا سماء فوقه.
لا أرض تحته.

لا شواطئ تحيط به، طعمه طعم الماء، رائحته رائحة الماء، لونه لون الماء، ملمسه ملمس الماء. ولكن ما لون الماء إنه لا لون له ولا رائحة له ولا طعم له.

إنه ماء وحسب ولا شيء آخر. وإذا انعدم الآخر استحال التمييز وإذا استحال التمييز استحال الشعور.
واستحال من بعده المعرفة ومن وراءها العلم والوجود.
إنه الخواء إنه الفناء، هو بعينه الهلاك فإذا شعرت أن بابا ما لن يُفتح مهما طال به الوقت،
فاشتغل بما في الداخل مِما لا يمكن أن ينتهي صغرا بدلاً مِما في الخارج مما لا ينتهي كبرا.

إن دعوى الملل فارغة، فلو تبعت العالم إلى أقصاه لوجدت تشابهه وتماثله يختزله ويحوله إلى متشابهات صغيرة أكثر إملالا من محتويات غرفة صغيرة.

وإذا تحررت روحك بطاقة الفن التي بداخلها فإن الشيء الصغير جدا يتجزأ أجزاء لا تنتهي.
تختلف جوهريا عن بعضها البعض، تستطيع أن تشغلك عدة أعمار وليس عمرا قصيرا واحدا.
هيا إلى الداخل، ادخل غرفتك، ادلج إلى فناء دارك، عد إلى بستانك وأعد حواسك من حولك و داخلك .
فإذا أقبل المساء وأعتمت السماء وأظلم العالم وانعدم تمايز المعالم.
إذا أصبحت عاجزا عن أن ترى الحواجز،غير قادر على أن تتلمس الحدود.
فانك سقطت في البحر اللجي المطلق وضعت، أبدا انك لن تنجو فقد ضاعت منك كل طرق النجاة.
وسُدت أمامك كل مسالك السلامة وأحاط بك من كل صوب الهلاك وأدركك الفناء.

فعد إلى دارك فالشمسُ تتأهب وقد لملمت أذيالها لتختفي وراء العالم، عد إلى داخلك المحدود قبل أن تعجز عن أن تعود.
المساء اقبل والليل ليل، فادلف إلى حجرتك الدافئ الصغيرة.
واجلس جوار موقدك وتسل بأشيائك الصغيرة الحميمة .
هيا عد قبل أن لا تعود .

لا تنظر إلى ذلك المبحر بعيدا تحسده، انه يشتهي لو أنه مكانك ويتمنى لو أنه لم يُبحر.
كالطفل ينظر من الشاطئ إلى رجل في عرض البحر، هذا يحسده وذاك يغرق.
ذاك يتمنى انه لا زالت قدماه صلبتان على الشاطئ وهذا يتمنى لو أن جسده يحلق عائما في الماء .

ما السعادة؟
إن السعادة أن تجوع جوعا تطيقه ثم تطعم طعاما لا يتخمك.
أن تتعب تعبا تتحمله ثم ترتاح راحة لا تُمِلك .
أن تشتاق إلى أُنثاك شوقاً تحتمله ثم تأتي إليها و تكون معها وقتاً لا يُشعرك بالضجر.
أن تسهر سهرا تستطيعه ثم تنام نوما لا يفسد نفسك فكل ما زاد عن الحد افسد .
أ ن تدخل غرفتك الدافئة و قد ملأك البرد، أن تتفيأ ظلاً يَهُبُ إليك فيه نسماتٌ باردة و قد أضرك الحر.
صدقني يا بني إن سعادة المرء فيما يتجدد الشَبِعُ(الشبعان) يعود إلى الجوع والريان يعود إلى العطش.
المجد لا نهاية له والثروة لا حد لها تقف عنده .
إن الشقاء هو أن تطلب ما لا ينتهي وما لا حد له .
أن تطلب مالا يوصل إليه .

لا تسألني أين الشاطئ الذي قدم منه هذا العائم، الشاطئ لم يذهب لا يزال حيث هو.
ولكن الريح القوية لا تزال الدهر كله تهب من الشاطئ إلى البحر وهي أكثر عتوا كلما اقتربت من كبد البحر .
واشد عصفا كلما أبحرت في عمق اليم، فالذي يبحر في البحر تدفعه الأمواج قدما.
حتى ولو كان هائل القوة شديدها فهو اضعف من أن يعوم عكس الريح و ضد الموج.
فلا يزال الموج يدفعه والريح تسحبه إلى وسطِ بحرٍ لا يعود الواصل إليه، فاحذر.

هذه الحياة نهر هائل شديد السرعة تسحبك معها.
الحكمة أن تقوم وسط المجرى متكيفا معه كيف جرى.
إذا حاولت الاقتراب من الحافة حطمتك الدوامة .
نهر يجري بسرعة هائلة؛ ألف ميل في الساعة أو تزيد.
مهما جريت في وسط المجرى لا تشعر باضطراب الماء.
عند الحواف هناك دوامات هائلة.
شاطئ صلب عنيد ونهر سريع الجريان، ماذا يحصل بالماء المحاذي للشاطئ؟
لا تحاول أن تغوص إلى القعر
لتعرف ما هناك، فهو مثل الشاطئ، دواماته ستسحقك ولا تفكر أن تيمم إلى الحافة.
حيث الشاطئ لتكتشف ما فيه، إن دونه الهلاك ينتظرك.
استسلم بحكمة وتكيف، بقبول، في وسط المجرى بعيدا عن معرفة ما لا يمكن معرفته.
فهناك تكمن السلامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو