الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلب تعيين

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2009 / 12 / 16
الادارة و الاقتصاد


لا توجد مفردة يستقبلها المواطن العراقي، باشتياق وفرح، ويتسلى بذكرها، ويحلم بها بتأمل مثل مفردة (تعيين)، ولا يوجد طلب أكثر رواجا بين الناس من (طلب تعيين) بتوقيع شاب عراقي، يطرح في سيرته الذاتية انه أول المعذبين في الأرض، وآخر المستفيدين من خيرات البلاد، فهو لا يميز بين حقول النفط، او حقول الألغام، وبين الديمقراطية والدرجة الوظيفية، لأنها لم ترض طموحه، ولم تجلب له ما يرغب من أحلام يسيرة التحقق.
كما يطرح ان هموم المعيشة، وسياط الظلم، قد حرمته من إكمال تعليمه إلى مستويات اعلى، وهو في دواخل نفسه يربط بين انتمائه، ومواطنته، و بين الموافقة على طلبه، التي تتطلب بالطبع وسيطا متنفذا، ربما يكون مسؤول سياسي او إداري، بهدف تحويل طلب التعيين إلى ورقة انتخابية، او سمسارا يحول هذا الطلب الى عدة وريقات من فئة المئة دولار، وبالتالي نضيع مكتسبات المواطن من الدولة وقوانينها الجديدة التي باتت تنظر الى المواطنين من زاوية تختلف عن أيام العهد السابق، الذي كان فيه التعيين ضياع للوقت او حلم بعيد المنال في نظر أكثر الناس.
واما اليوم فقد تصدرت مفردة (تعيين) معاجم لغة التخاطب، وأصبحت لا تضاهيها مفردة أخرى، من حيث تأثيرها السياسي، والاجتماعي، ومفعولها الساحر الأخاذ، الذي بات يفوق تأثير مفردة حرية، او ديمقراطية، أو دستور، وربما يجعل منه البعض مادة يغزل منها سجادته الحمراء الى بلوغ مجد السلطة.
وبقدر ما كانت هذه المفردة، (تافهة) و(غير مقنعة)، في السابق، أصبحت (متألقة)، (مدللة)، تتصدر صفحات القاموس الشعبي، والسياسي، الى الحد الذي يقاس وفقها حجم وتاثير أي حزب سياسي، بمقدار ما تمكن من إرجاع طلبات التعيين مزهوة بهامش الموافقة، بالحبر الاحمر، او الأخضر، او سائر الألوان.
يحدث كل ذلك لان وصفة التعيين هي الحل المتيسر، لمشكلة اكبر تفتك بالمجتمع هي البطالة، والخوف من المستقبل، ولو ان المبالغة والعشوائية في التعيين، تؤدي الى مشكلات ابرزها الترهل الاداري، والبطالة المقنعة، ومشاكل اقتصادية، تثقل كاهل القطاع العام غير المنتج.
إلا ان عدم ثقة المواطن بأي باب آخر، جعلته يتعلق بطلب وظيفة حكومية، تؤمن له حياته ومستقبله، مع استمرار الجامعات بضخ إعداد كبيرة من الخريجين، وتسوق بهم الى مصير مجهول، تكون وفقه الدولة قبل غيرها مطالبة بنزع فتيل انفجار محتمل، لجيش غير معلن من العاطلين حملة البكالوريوس الذين يطالبون بعمل ملائم.


فإلى أي مدى، يبقى التهميش بالموافقة على طلبات التعيين، مصدر لإثراء سماسرة الدوائر الحكومية، الذين يربطون بين مكاتب أصحاب القرار، وأمنيات جيوش المتقدمين للفوز بالوظيفة الحكومية، لقاء مبلغ يتجاوز ال500 دولار بضعف او اقل او أكثر أحيانا.
والى أي مدى يبقى طلب التعيين هو السلاح الذي يستخدمه رجل السياسة، والإدارة، في إرضاء وكسب الجمهور، دون التفكير او الاتجاه نحو إستراتيجية أخرى، ربما تسهم في التخفيف عن كاهل القطاع العام، وتسحب البساط من مجاميع الوسطاء بين المواطن والدولة، سواء من الذين اعتاشوا على الرشوة، او على السحت السياسي.
وهنا يتبادر الينا سؤال بشأن إمكانية أن تحل مشكلة البطالة بدون اللجوء إلى باب التعيين، والتهميش على الطلبات، والمتاجرة بمشاعر واماني الناس، التي اعتاد عليها السواد الأعظم من شبابنا، الباحثين عن الاستقرار العائلي، وسد ابسط متطلبات المعيشة، من (رغيف الخبز) إلى (كارت شحن الموبايل)، لينعموا بحياة طبيعية في بلادهم.
فنحن نتصارع على دخول وزارات الدولة، المتخمة بالقوى العاملة غير الماهرة، في وقت يمكن ان تؤسس شركات عملاقة، وتدور ماكنة الأعمار والاستثمار، وتنطلق عجلات الصناعة، فتتحرك الدولة لسن القوانين التي تضمن استيعاب شبابنا الباحث عن حياة كريمة، ليتجاوز حلم الشاب مجرد (طلب تعيين) في دائرة حكومية، ربما تعلمه كيفية (التحايل) على القوانين اكثر مما تدربه على تنمية مهارات وملكات تجعل منه طاقة واعدة مطلوبة تؤدي الغرض من الوظيفة العامة.
ان الحلول المثلى للتخفيف من تكالب الناس على دخول الدوائر الحكومية، هي اما العودة إلى (الطريقة الاشتراكية) التي تتبع (مركزية التعيين) وبالتالي اختصار حلقة الوسطاء، بشتى انواعهم، ودرجاتهم، او رعاية رأسمالية وطنية، معززة بقوانين في صالح القوى العاملة العراقية، بالشكل الذي تكون على أساسه الوظيفة في القطاع الخاص موازية للوظيفة الحكومية من حيث تأمين المستقبل لمواطن يبحث عن ذاته المفقودة في ورقة عنوانها (طلب تعيين).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احباطات ذوي الكفاءات
علياء ( 2012 / 6 / 22 - 07:43 )
طبعا ياسيد عباس اذا كنت من الذين تحسسو واقع الشاب العراقي فانت جزء من مجتمع يقلل الفرص امام الطموحين ويكبت جماح تفوقهم واليك مثال على ذلك حيث اننا في اخر ايام الامتحان النهائي لم نشغر باي حافز لي نكمل الامتحانات لكون الطلبة جميعهم يكررو عبارة (ليش هذا التعب هو وينة التعيين )وكأن جهدهم يقتصر فقط على الرغبة في التعيين وكأن جميع طموحات العراقيين عبارة عن ايجاد وظيفة والسبب هو ندرة الحصول عليها بدون توصية من مسؤول او بعبارة ادق (واسطة)ا.

اخر الافلام

.. حازم عمر: ظروف الناس هتتحسن في 3 سنوات لو فزت.. وأختلف مع ال


.. الدولار عاد للصعود في السوق الموازية وتحول في استراتيجية صند




.. هل غير صندوق النقد الدولي رأيه في التضخم وسعر العملة؟.. د.مد


.. كلمة أخيرة - شارك في وضع برنامج لإنقاذ اقتصاد البرازيل.. من




.. كلمة أخيرة - المرشح الرئاسي حازم عمر: اعتمدت على ضعف المنافس