الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الفرنسية: الدرع الواقي للجزائر

حمدي حميد الدين

2009 / 12 / 17
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


عندما كانت القومية العربية في تمدّد جارف، مسنودة بأنظمة انقلابية على رأسها زعامات نشأت على الإيديولوجية البعثية، كانت الجزائر في حالة انتفاض لفك أغلال الاستعمار الفرنسي الذي استولى على البلد وأذاق الشعب الجزائري ويلات الفقر والمرض والأمّية.
كانت الأنظمة الانقلابية في العواصم المشرقية تتسابق باستخباراتها للظفر بمجال حيوي في كل بلد "عربي" يخوض كفاحا تحريريا ضد الاستعمار وهذا لزرع الهرطقة القومية وتكوين طابور خامس تعدّه لحكم البلد بعد نيل الاستقلال.
في حال الجزائر وصلت تلك الاستخبارات إلى طريق مسدود فقد صدمت بقيادة ذات تكوين فرانكو فوني متين وهي قيادة ذات نزعة استقلالية في قراراتها وليس سهلا ترويضها ولما شددت مضايقاتها على وفد جبهة التحرير في القاهرة غادرها "الوفد" ليستقر في تونس على الخصوص.
هنا اشتد حنق تلك الاستخبارات وعرفت أن الفرنسية كلغة وثقافة ستظل العائق القوي الذي يحول بينها وبين استزراع أعوانها والنفاذ إلى مراكز القرار أو التأثير في القيادات الثورية الجزائرية فبرزت لها فكرة تجنيد كل الوسائل الممكنة للقضاء على الفرانكفونية في الجزائر واختارت طريق ضرب النخبة ذات التكوين الفرنكوفوني بمتوسطي الثقافة أو من الذين كان حظهم في التعليم قليلا وأوعزت إلى الطابور الخامس بتنفيذ المخطط المشؤوم وهو تكوين أشباه متعلمين ثمّ دمجهم في سلك التعليم ومنحهم "فرص" الحصول على شهادات (دون استحقاق في الواقع) تضرب بهم المتعلمين الحقيقيين وهنا برزت فكرة ضرب المدرسة والنظام التربوي في الجزائر واتخاذ المدرسة في الجزائر ميدانا للحرب التي ستخوضها الاستخبارات المصرية على منظومة التعليم الجزائرية بعناصر جزائرية وقد انتهى ذلك بتدمير التعليم وإحلال ما سمي بالتعليم الأساسي محله.
وطبعا لم يكن صعبا في بلد شاسع خرج لتوه من حرب ضروس ضد مستعمر شرس استعداء الجماهير على اللغة الفرنسية بل كان أمرا في غاية السهولة فيكفي رفع شعار أن الفرنسية هي لغة الاستعمار لكي تنتفض جماهير العامة التي لا تدرك أبعاد ما يرمي إليه أولئك المتربصون بالبلد من نتائج وخيمة تعود على الجزائر بالخسران المبين.
روج الإعلام المصري وأذنابه في الجزائر لفكرة أن الشعب الجزائري حورب في هويته وتمت فرنسته وعليه أن يسترد هويته "العربية" وتمكن الطابور الخامس الذي استزرعته الاستخبارات المصرية من التاثير في قرارات لحكومة الجزائرية وتأسيس تعليم سمي التعليم الأصلي وجلب له آلاف المعلمين من الأزهر واخذ الحجاب في الانتشار ووفد إلى الجزائر مئات الدعاة الذين تخلص منهم النظام المصري بإرسالهم إلى الجزائر.
في الأخير ينبغي التنبيه إلى أن الهجمة القومية العربية التي قادتها الاستخبارات المصرية بالخصوص كانت أشرس هجمة على الجزائر وكانت لها نتائج وخيمة جدا على البلد بحيث قسمت الساحة الثقافية إلى معرّبين (تقليديين وظلاميين) ومفرنسين (حداثيين) ، ذلك أنّ الاستخبارات المصرية استعملت كل الوسائل : الإعلام، السينما والمسلسلات، المنشورات الحزبية والدينية، الدعاة، المعلمون، وهذا ليس لتحرير الجزائر من الغزو الثقافي كما يدّعون في شعاراتهم ولكن للقضاء على النخبة الكفأة فرانكوفونية التكوين التي تقود الجزائر وإحلال قيادات (معرًّبة) ضعيفة يمكن ترويضها لضمان تبعيتها للمركزية القومية العربية في القاهرة.
لكن ما نستغرب له حقا هو أنّ الفرنسية لغة وثقافة لا تزال هي أمل الطبقة الحاكمة والطبقة العليا في مصر ولا ننسى في هذا المجال السعي المصري الدءوب وراء منصب مدير المنظمة الفرانكوفونية الذي رشح له بطرس غالي ومنصب مدير اليونسكو الذي رشح له فاروق حسني.
لقد ظلت الفرنسية هي الدرع الذي حمى الجزائر من المشاريع المذكورة ولولاها لسقطت الدولة الجزائرية في التسعينات
نتمنى أن يستفيق الجزائريون لما يراد لهم وأن يخرجوا من سجن اللغة الواحدة إلى فضاء تعدّد اللغات اختصارا للوقت والجهد للحاق بركب التقدّم فيكفي ما أضاعوا من فرص كثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المؤامرة
عبد القادر أنيس ( 2009 / 12 / 17 - 09:29 )
مقالك عالج مسألة في غاية الأهمية غير أنك وقعت نسبيا في مخالب ما يسمى بنظرية المؤامرة.
لا مجال لدحض رأيك في الدور الذي قامت به المخابرات المصرية لاستتباع الجزائر، ولكن هذا يعتبر شيئا طبيعيا تقوم به الدول. المشكلة هي أصلا جزائرية بسبب الذهنية المتخلفة للكثير من قادة حزب الشعب الجزائري الذي بادر إلى الثورة. بن بلة مثلا وحتى بن خدة كان مفرنسين ومع ذلك فقد تصارعا وانتصر المنافق بن بلة الذي ادعى اليسارية وانتهى إلى تأييد الإسلاميين. بن خدة كان رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة بعد فرحات عباس حتى أطاح به بن بلة وبومدين، ويغيب الرجل عشرين سنة ثم يخرج علينا بحزب إسلامي مع الانفتاح والديمقراطية في التسعينات.
عبد الحميد إبراهيمي وزير الرأسمالية المتوحشة في عهد الشاذلي مفرنس لكنه إسلامي للنخاع.
المشكل إذن جزائري، ومع ذلك فأنا أؤيدك في إشارة مررت عليها سريعا وهي دور المفرنسين الجزائريين سياسيين ومثقفين ونقابيين وأرباب عمل في القطاع العام والخاص، دور هؤلاء في وقف الهجمة الأصولية ومنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة وتحويل الجزائر إلى سودان أو صومال أو إيران أخرى، أي دولة ثيوقراطية رجعية.
تحياتي


2 - فضيحة النظام
محمد البدري ( 2009 / 12 / 17 - 12:26 )
مصر هي المصدرة لفكرة العروبة للجزائر بل ان الاسلمة ايضا هي من منجزات الناصرية علي الارض الجزائرية. وانا اتفق معك في هذا الطرح. لكن المسخرة السخيفة التي اتت من النظام المصري كانت في التنصل من العروبة باعتبار انم الجزائر هي اصل العروبة وفي نفس الوقت يتمرغ النظام المصري علي رمال الخليج ويخلع ملابسه علي طريقة الاستربتيز عروبيا واسلاميا. ولفهم ما جري فان مشاكل الداخل ومحاولة الاسنحواز علي بعض المكاسب الاستثمارية والسطو علي بعضها هو الدافع. لكن ما العمل مع الاغبياء فقد احرقوا سفنهم التي يريدونها للابحار بعد نهاية العمل الافتراضي لمبارك كرئيس للدولة، فادخلوا الابناء لجذب الغوغاء فخسروا الجمهور وحرقوا الابناء بعد ان سبوا الشعوب، اي بعد ان اعلنوا ما يمتمونه ضد اي جماهير واي شعب.


3 - بن بلة صناعة استخباراتية مصرية
Martyr KUSSEILA ( 2009 / 12 / 17 - 18:50 )
شكرا استاذ حمدي
ما لا يعرفه الكثير ربما هو ان بن بلة رغم احترامه لنضالاته الا انه في واقع الحال كان صناعة استخباراتيه ة مصرية فالرجل ليس له تكوين فكري يمكن ان يدرك به ابعاد ما يراد له وقام الاعلام المصري بتلميعه فصنع منه نجما بعد ان تاكد من ولائه التام وتم ما خطط له واعتلى بن بلة سدة الحكم
بن بلة الذي لا يتقن العربية اطلاقا الى ذلك الحين كان في تربيته التقليدين كسائر العامة في الجزائر لا يفرق بين العروبة والاسلام، حاصة وان الاستعمار الفرنسي مهد للقومية الاسلامية في الجزائر باطلافه صفة الفرنسي المسلم على اهالي الجزائر
بن بلة اليساري حتى النخاع يغتنق القومية العربية وهو مثال لمحدود الكفاءة الذي يجمع تناقضات دون ان يدري واكثر من ذلك فهو امازيغي قدم جده من مراكش واستوطن مدينة مغنية الحدودية واصبحت عائلته جزائرية فكيف جمع بين الاصل الامازيغي والنزعة القومية العربية ثم الانخراط في النزعة الاسلامية

هذه هي نكبة الشعوب التي يحكمها محدودو التفكير والتكوين ولذلك لا عجب ان ينتهي حكمه للبلد بسرعة


4 - الفرنسية درع واقي و فرنسا حضن دافئ
الامازيغي مصطفى ( 2010 / 12 / 25 - 21:35 )
الفرنسية درع واقي و فرنسا حضن دافئ
لم اكن اعلم ان مصر كانت تخطط لاحتلال الجزائر...و ان الفرنسية درع واقي و ان فرنسا حضن دافئ حماها 130 سنة من المشرق و من العثمانيين بل و من الاسلام ...........
انت تفكر بالفرنسية و تكتب بالعربية
و تفوح بالاستعمار و تنضّر للاستقلال
--------------
و اريد ان اقول لك شيئا واحدا فقط يعيدك الى نقطة الصفر انت و من صفقوا لك
انا جزائري امازيغي من المعربين و من الجيل الجديد والاغلبية في الجزائر و الذي بصق على الفرنسية و تبرأ منها و كل هاته التفاهات كانت مفروضة علينا نحن كجيل المعربين و كثيرا ما اظطهدنا بها اولاد فرنسا و احفادها في الجزائر من الاجيال التي كانت و لاتزال تعشعش في المراكز الحساسة من امثالك
لكن الان و مع الانفتاح و الانترنت و القنوات و الفضائيات كلامك هذا لم يعد يقنع احدا و فرنسيتك مفروضة فقط من طرف باريس و ابواقها و عدا ذلك فانت تعلم ان الجميع سيلتفت الى الانجليزية
----------
انشر او لا تنشر ...تحيا الانترنت التي حررت الجزائر من سجن فرنسا و مفرنسيها


5 - الاختراق
محمد البدري ( 2010 / 12 / 25 - 22:18 )
إذا قامت النظم الانقلابية والقومية بتكوين طابور خامس تعدّه لحكم البلد بعد نيل الاستقلال فانها وبدون استثاء اصبحت مخترقة بما اقامت الدنيا ضده ولم تقعدها حتي الان الا وهي اسرائيل. آخر فضيحة هي ذلك الجاسوس الذي اعلن عنه مؤخرا في مصر فمنذ متي يمكن الحديث عن الاختراق لو اننا تذكرنا ما اذاعته اذاعة اسرائيل عن الاجابة النموذجية لاسئلة اللغة الفرنسية والميكانيكا للثانوية العامة في العام 1960. مرة أخري العام 1960. مما اضطر الزعيم وبطل الانقلابات القومية من الغاء الامتحان هذا العام واعادته كاملا مرة اخري. تحياتي للمخترقين من فوق ومن تحت وفي كل ثقب او فتحة في الجسد القومي للامة الاعربية والاسلامية. ههههههه

اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت