الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يأس خلاق

ازهار علي حسين

2009 / 12 / 18
مقابلات و حوارات


تقف النكتة كناطق رسمي باسم الموجوعين والمهمومين، باسم من اجتازوا حدود الوجع ليدخلوا مساحات السخرية الحرة بديلاً عن الواقع المحبط.
النكتة الشعبية بالذات، تلك الصغيرة التي تلمس اكبر الجروح، بل وتضغط عليها بثقل ابتسامة لعوب، تلك النكتة التي نتقبلها وهي تمس احرج وادق المواضيع وتتناول اخطر الابعاد لعقائد متشعبة متشابكة الاغوار، ونخضع لسلطة هيمنتها وهي تعمل على حصار فكرة المصائر المبهمة بامتعاضة متهكمة لوجع يائس وامنيات ضائعة.
هكذا ومن هذه الرحم تولد النكتة المنتقدة منتمية في اصلها لمحاولات تغيير مزلزلة على صعد عدة، قد تكون اجتماعية او عقائدية او سياسية او سواها، وهكذا تنعش النفوس الضامئة بشلال الفكاهة البارد وفورة الحنق الخلاق، وهكذا تصنف ـ رغم ذلك ـ في خانة الضحك اللامسؤول والبعيد عن الحساب.
عبر الزمن والتجارب برهن الانسان على قوة الجلد والاحتمال في ذاته، وايضا على قوة التأقلم اللامتأقلمة فيه، كفرضية راسخة تتمثل حية في قناعاته المهربة والمسربة عبر احاديث او اقوال توحي ظاهرياً بالتقبل الايجابي، لتنفيه ضمنياً وتأويليا عبر منظومة واسعة الابعاد شديدة التأثير من النقد الساخر المتهكم العامل بدأب قطرة الماء التي تحفر على مرور الزمن جلاميد الصخر وتشكلها من جديد والتي لن تتمكن قوة في الارض مهما كانت قسوة جبروتها ـ بدلالات التجارب الانسانية ـ من السيطرة عليها.
تدعم هذا الطرح تجارب عديدة في العالم لعل اقربها الى ذهن الانسان العراقي تجربته الخاصة امام القمع في عهد مظلم من الجور والتعذيب والقتل والدمار والتي لم يمر بعد من الزمن ما يكفي لمحوها من ذاكرة احد ما من ابناء هذا الشعب، ذلك الظلم الذي قوبل من قبل جبهته، جبهة الانسان المقموع، باستيلاد زخم من النكات الراقصة على شوارب البعثيين وذلك بغض النظر عما قدمه الشعب من التضحيات. ففي عهد كانت فيه التهم توزع بالمجان على الجميع دون استثناء او مراعاة لمركز او مكانة، وفي عهد كانت كلمة او ضحكة قد تكون سببا في تلك التهمة غير المعروفة السبب وغير المحددة الملامح، كانت من خلف الكواليس تؤلف ومن دون الانتساب الى عنوان او اسم، تلك النكات التي تسخر من شأن الرتب الحزبية او العسكرية، من ارقى مرتبة في الدولة الى اقلها شأناً، فالنكات التي تسخر من رأس ذلك النظام، صدام حسين، الى النكات التي تتهكم وتسخر من ولده عدي، او تلك المسقطة لشخصية عزت الدوري، او التي تجعل من طارق عزيز اضحوكة، وهكذا وصولا الى اصغر عضو في حزب البعث، لتبث حنقا مكبوتا وثورة مختنقة تحت سطح بحر الهدوء الظاهري، من خلال النكتة والسخرية فقط، ولتعد السخرية بذلك معادلا موضوعيا لنسبة الكبت واختناق حرية التعبير عن الغضب العارم والحنق المزدحم في النفوس تجاه سياسة البلد، مانجده أيضا وبنفس الادوات منعكسا ـ ذلك الاختناق غير الواضح المعالم والفورة المختفية ظاهريا ـ وبذات الصورة ونفس المستوى على صعيد الكبت الاجتماعي او الجسدي او الفكري وفي كافة الازمنة وعلى حسب فرضية الحاح الحاجة، مسربا ايضا من خلال النكتة والسخرية الممتعضتين والحانقتين على كل الاشكال الخانقة منه، فنسمع دائما تلك النكات التي تتحدث عن هيمنة خرافات تبث من خلال الوجه (الاسفنجة) للانسان الذي يتقبل العقيدة والدين او ما يبث باسمهما، دون محاولة تمحيص او نقد، لا لسبب سوى الجهل او الخوف، او نسمع تلك النكت التي تسخر من ظواهر مستحدثة وهجينة في مجتمعنا العراقي، كظاهرة الارهابيين او اولئك المنتمين الى القاعدة، او نسمع تلك النكت التي تتحدث ساخرة من اولئك الشيوخ الذين لا يعرفون من الدين الا العمامة والجلباب والذين يفتون بتكفير الناس لابسط الاسباب، وهكذا هلم جرا من انواع النكت المتسربة عبر مسارب السخرية والتهكم من ظواهر حرجة على النقد.
ولعل من البديهي بعد سنوات ممضة من الالم والقسوة والبشاعة التي لعبت ادوارها في التفجيرات الدامية والحروب الطائفية والقتل العشوائي، أن تعود النكتة الشعبية القريبة من نبض الشارع للتعبير بقوة عن نسبة الالم العظيمة التي حقن بها الشعب العراقي وبمدة قليلة من السنوات فقط، لتصبح ظاهرة حادة التأثير، وواضحة المعالم متمثلة في اسماء برزت على ساحة التعبير الفطري الموجوع والمحتج الحانق، متمثلة في ظاهرة الشعر الشعبي الساخر بأسماء اشتهرت بهذا النمط من الشعر المتلمس لمشاكل المواطن البسيط، لا لسبب الا لضرورة الحاجة الملحة التي فرضته، الا وهي ضخامة مستوى الوجع العام، فنذكر من تلك الاسماء على سبيل المثال لا الحصر رياض الوادي و رحيم مطشر كظاهرتين متفردتين معبرتين باسلوب نقد لاذع عن حالات عدة تصعب مباشرتها في النقد.
ومثل تلك الظاهرة في العراق وجدت ظاهرة لعلها اعمق واكبر تأثيرا، تعد الان عربية بعد انتشارها خارج نطاق بلدها الاصل، الا وهي ظاهرة الممثل عادل امام الذي لم تخل ذاكرة احدنا من جملة مس اوجاعنا بها اومن استرسال مشهد له لانتمكن امامه الا ان نضحك ملء افواهنا او من نظرة بلهاء ساخرة في احدى مسرحياته، ليعبر من خلالها عن الم جماعي وهمّ أممي يحول الدمعة من خلاله الى ابتسامة نابضة حية بالتحدي الابدي للانسان الذي يواصل الحياة رغم كل البشاعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن