الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صليبية داخلية

مهدي بندق

2009 / 12 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


في دار متواضعة للمسنين ، ُخصصت غرفة بسريرين واحد للمدعو شديد ، والثاني للمدعو فالح ، وذات يوم فوجئ فالح برائحة نفاذة غير مستحبة تملأ فراشه ، فانبرى معاتبا ً زميله : أيصح يا أخي شديد أن تأكل الفسيخ على سريري ؟! أقسم بآبائي أن أجئ بـ " الغائط " وآكله على سريرك .
تذكرت هذه النكتة السقيمة وأنا أقرأ ما صرح به البعض هنا في مصر عقب الاستفتاء السويسري الأحمق على حظر تشييد المآذن ثمة . قيل هنا : إن ضعف قيادات الدول العربية والإسلامية ، وحرصها على مقاعدها في الحكم ؛ هو ما يمنعها عن ترتيب استفتاء مماثل تكون نتيجته منع تعليق الصلبان على الكنائس وتحريم دق أجراسها في بلادنا ! ( صحيفة النبأ 5/12/2009 ) هكذا راح " فالح " يهدد ( ضمنا ً) زميله " شديدا ً " بأنه في حالة استيلائه على السلطة فلسوف يفعل علناً فعل الفاشيين ( يخنق مواطنيه الأقباط ليكون السن بالسن ! ) مغامرا ً بالدخول في حرب أهلية ، ومستعدا ً للحرب العظمي ضدا ً على مسيحيي العالم ويهوده ! أي أنه باختصار سيكون جاهزا ً لأن يأكل الغائط لكي " يقرف " شديدا ً!
ربما رأى القارئ أن الاهتمام بمثل هذا الطرح – بنقضه وتفنيده – تحصيل حاصل ، فقيادات العالم العربي والإسلامي محصنة دستوريا ً وإسلاميا ً أيضا ً من خطر الانزلاق إلي ذلك الشرك المريع .. بيد أن الدول ( في عصر ما بعد الحداثة ) لم تعد صاحبة الكلمة الأخيرة في القرارات المصيرية . فثمة قوى مجتمعية "غير مسئولة " يمكنها أن تباشر ضغوطا ًعنيفة على أنظمة الحكم " المسئولة " ، بجانب أن تلك القوى باتت قادرة على العمل باستقلالية عن أنظمتها، ضاغطة ً في اتجاه أن تتغير أنظمة الحكم ذاتها – بالانتخابات أو بالانقلابات - لصالح " أصولية " مرجعيتها : الماضي بمخايلاته العاطفية والأسطورية ، بينما المستقبل بالنسبة لها أمر غير جدير بالتفكير .
الخطورة إذن صارت على مرمى البصر ، فلقد ُولدت من صلب ورحم الأحداث التاريخية الكبرى في عصرنا الحديث : الاستعمار ، النهب الإمبريالي لموارد العالم الثالث ، ضياع حلم البشر في أن يأتي يوم يسود فيه العدل ، خاصة بعد انقشاع الوهم " الاشتراكي " بانهيار الاتحاد السوفيتي ( نظام رأسمالية الدولة ) إثر هزيمته أمام الرأسمالية الصريحة في الحرب الباردة . وكل هذا كان من نتائجه : التشكك في قيمة العقلانية ، وانحسار الإيمان بمقولة أن الإنسان سيد مصيره ، وانقلاب التفاؤل بمستقبل يحرر العلم فيه البشر من الفاقة والجهل والمرض والبطالة ...الخ إلي تشاؤم فظ جراء هيمنة اللوردات الجدد على المصائر بآليات التكنولوجيا ، وسطوة المؤسسات المالية والشركات العملاقة عابرة القارات .
من هو العدو ؟
في ثنايا تلك المشاعر السلبية كان منطقيا ً أن يبحث الناس الصغار عن كهوف تقيهم شرور ذلك الطوفان . عندئذ وجد بعضهم بغيته في الطائفية بديلا ً عن الولاء للدولة التي لم تقدم لهم الحماية الكافية ، ورأى البعض الآخر في الاستمساك الشديد بطقوس الدين ما تطمئن به قلوبهم ، أما البعض الثالث ( من ذوى العزم ) فاختاروا سبيل الجهاد ، ولكن من دون التفات إلى حقيقة العدو المعاصر ( النظام الرأسمالي العالمي ) فوقعوا في مصيدة استدعاء الماضي التاريخي صائحين : إن عدونا هو الصليبيون واليهود . هنا صفق لوردات النظام العالمي ترحيبا ً ، تماما ً كما سبق وصفقوا للنازية التي رفعت شعارها: عدونا هو الشيوعيون واليهود . فكان أن وظفت الرأسمالية العالمية هذا الشعار الغوغائيّ المضلل للخروج من أزمتها المالية الطاحنة ، مغرية الألمان النازيين بإشعال حرب عالمية كان حصادها 80 مليونا من القتلى والجرحى والمشوهين . يقول اللوردات : بالحرب الساخنة قضينا على النازية العنصرية عدوة البشر ، وبالحرب الباردة أسقطنا العدو الأحمر مبغض الديمقراطية .. واليوم هاهو ذا عدوكم الأخضر الجديد يا دافعي الضرائب قد كشف عن وجهه ، فاتركونا إذن نعد له العدة من حصار وعقوبات اقتصادية وسياسية ، ومن قنابل نووية إذا لزم الأمر ، والويل لكم إن نسيتم يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وغيره من أيام الإرهاب الأخضر على مستوى العالم .
خطوة للأمام خطوتان للوراء
قد يجادل منا عقلاء ُ – لا ينتمون لنموذج " فالح " – محتجين بأن ما جرى في سويسرا لا يعبر إلا عن نوازع شريرة لدى اليمين المتطرف وحده ، وآية ذلك أن عددا ً من مقاطعات سويسرا منعت نشر وتعليق الملصقات الرافضة لبناء المآذن ، والملصقات المذعورة من النقاب بحسبان تلك الملصقات عنصرية ً مستفـِزة ً لمشاعر المسلمين المقيمين بالبلاد (300 ألف من 7.5 مليونا ً أي بنسبة 4 % ) كما رفضت صحيفة 24 ساعة السويسرية اعتبار الإرهاب والنقاب والسيوف والصواريخ رموزا ً خاصة بالإسلام ، كذلك فقد شددت كاترين جورنج القيادية بحزب الخضر الألماني على أنه من الخطأ إخضاع الحريات الدينية للاستفتاءات ، بينما انتقد الفاتيكان نتيجة هذا الاستفتاء بقوة لا غش فيها ، وأما " نيكولاي ساركوزي" رئيس فرنسا( وهو بالمناسبة يهودي) فقد أعلن أنه لا يعارض بناء المساجد ، وإن دعا اليهود والمسيحيين والمسلمين إلى ممارسة شعائرهم الدينية دون مبالغة أو استفزاز. وكل هذا لا شك قد يهدئ من الخواطر ولو قليلا . ولكن تبقى نتيجة الاستفتاء ذاته (57% موافقون ، وهي نسبة كبيرة في الأعراف الأوربية ) مؤشرا ً ذا دلالة على استمرار زحف اليمين الصهيوني المسيحي المتطرف نحو تفجير العلاقات مع المسلمين .. ففي مثل هذه الأزمات المعبرة عن آفاق الإستراتيجية ، فإن التكتيك المتبع عادة هو التقدم صوب التهدئة خطوة إلى الأمام ، يليها خطوتان إلى الوراء ، والشاهد أنه بعد الهجوم البربري الذي دمر برجي التجارة في نيويورك ، وإعلان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أنها "حرب صليبية" عاد وقال إنها زلة لسان كانت ، لكنه ما لبث حتى أصدر أوامره بغزو أفغانستان ! بعدها ، وعلى درب التمويه من جديد قام بزيارة ودية لمسجد المركز الإسلامي بواشنطون ، خالعا ً حذاءه عند الباب كناية عن الاحترام ، إنما قبل أن يمر عام على تلك "الغمزة " الناعمة جرى غزو العراق .

هل الحوار هو الحل ؟
يطيب لعدد غير قليل من المثقفين والمحللين السياسيين غسل أيديهم من دم الخطر القادم بحجة أنهم ضد التهويل ، وفي الوقت ذاته تراهم يكتبون حول الموضوع ولكن برزانة وهدوء أعصاب ربما ليقال عنهم إنهم ليسوا مع التهوين . والحق أن ما جرى في الآونة الأخيرة بسويسرا ، وما سيتكرر حتما في غيرها من البلاد الأوربية ( بدأت حملة مماثلة في هولندة منذ يومين ) لا مشاحة خليق بإيقاظ الموتى دون أكفانهم ، فالمسألة ليست هزلا ً ، ولا هي فتن طائفية محلية قد ينفع معها ولو إلى حين " قعدات العرب " ومجالس الصلح العرفية ، إنها مسألة استراتيجيات ، ومصالح عظمى ، وترتيبات مالية ، وتكتلات اقتصادية وسياسية ؛ لكنها جميعا ً تتقنع – هنا وهناك - بأقنعة التعصب للدين ، والتحوصل على القومية ، والخوف على الثقافة من الآخر المختلف ...الخ .
فهل يمكن للحوار بين الشعوب أن يكون الحل للتناقضات المنبثقة من النزاعات الدينية ؟( بغض النظر عما إذا كانت مفتعلة أم حقيقية) وما هي القنوات المتاحة لإجراء مثل هذا الحوار ؟ ومن هم الأشخاص المهيئون له بحكم ثقافاتهم ومعرفتهم العلمية بجذور المشكلات ، و في نفس الوقت القادرون بفضل مكانتهم على التأثير في شعوبهم ؟
أسئلة لابد من طرحها على النخب المصرية والعربية والإسلامية ، تمهيدا ً لنقلها إلى قرنائهم الغربيين ( ممن لا صالح لهم في اندلاع حرب صليبية جديدة ) سواء كانت مواقعهم في اليسار الأوربي ، أو الوسط أو حتى بين اليمين اللبرالي في كل الأمكنة بما فيها أمريكا، وذلك قبل أن تقع الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة . وصدق الشاعر العربي الذي قال : أرى تحت الرماد وميض نار ٍ / وأخشى أن يكون له ضرام ُ / فإن النار بالنيران ِ تزكو / وإن الحرب أولها كلام ُ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا الان ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2009 / 12 / 18 - 18:00 )
عزيزي الكاتب كلامك في الصميم ولكن لماذا الان وليس قبل عشرين سنة ، وهل رايت شعارات الاسلاميين المتخلفين عقليا ... في قلب لندن نعم قد يستطيع المرء الضحك علي مخلوق فترة وليس إلي ما لانهاية ... وما يحدث الان من أفعال هو ثمار أعمالنا وشرورنا والتي أعضم إذا ما إستمرينا بحماقاتنا كما ذكرت وعلى نفسها تكون قد جنت براقش ... ولكن ما ذنب أهل الوطن من الاقباط والمسلمين أصلا هم غزات لبلدهم أم حلال على المسلمين الغزو والسلب والنهب والاقبح بإسم الله والدين وحرام علي الاخرين ... لقد صدق المثل القائل أبويا ما يقدر إلى على أمي والسلام مسك الختام .....!؟

اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر