الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مستنقع حرب اليمن / المقدمة
ميسون البياتي
2009 / 12 / 18مواضيع وابحاث سياسية
الى صديقي ( ج . م )
لكي نكتب التاريخ من جديد , علينا أن نتعلم قراءته بطريقة مختلفة , وليس في نيتي الحديث عن العواطف والآمال التي سحقتها الحرب والتي لاتدرج عند نهاية القتال في سجل الخسائر رغم أنها أغلى ما وقعت عليه التضحية .. سأكتب فقط عما حدث , أما الحب والأمل والألم وهم لب الحياة , الذين رافقوا ما حدث .. فمثواهم اليوم في ضريح الجندي المجهول .
الحديث عن حرب اليمن ( 1962 _ 1970 ) حديث مُربك ومُحَير , ليس لأنه حديث عن موضوع غامض , ولكن لأنه يشبه حكايات ألف ليلة وليلة .. قصة في داخل قصة في داخل قصة .. الى ما لا نهاية , بحيث تحتار من أين تبدأ وأين تنتهي .
لكني أستمد الدعم والعزم من خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب السيد باراك حسين أوباما الى الأمتين الإسلامية والعربية , والذي شخّص فيه موضوع إستعمالنا بالنيابة كمسلمين وعرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق غاياتها في الشرق الأوسط والعالم .
الولايات المتحدة الأمريكية دخلت الى حرب اليمن من طرفيها المتقاتلين مستعملة العرب وقوداً لهذه المحرقة التي دامت ما يزيد على 8 سنوات من أجل أن تطرد البريطانيين من الجنوب العربي بسياسة الأرض المحروقة . و سندخل الى حرب اليمن من بابين مختلفين وهما :
# ميناء عدن .
# المملكة المتوكلية اليمنية .
ميناء عدن : وهو ميناء تكون من فوهتي بركان خامد ألقى حممه الى مياه بحر العرب في العصور القديمة فشكلت بذلك شبه جزيرتين : ( شبه جزيرة عدن ) و ( شبه جزيرة عدن الصغرى ) فأصبحت المنطقة المحصورة بينهما ميناءا طبيعيا ممتازا يصلح لرسو السفن ويبعد عن مضيق باب المندب مسافة 170 كيلومتر فقط , ويسكن عدن اليوم قرابة مليون إنسان .
تروي الحكايات أن عدن قديمة ربما قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض , ويُعتقد أن قابيل وهابيل مدفونان فيها . أما موقعها البحري على الطريق الواقع بين أوربا والهند فقد جعلها عرضة لمحاولات عديدة للسيطرة عليها من قبل قوى خارجية , ففي القرن الأول قبل الميلاد كانت مركزاً تجارياً لدول البحر الأحمر , أما في القرن الأول بعد الميلاد فكانت قد تحولت الى ميناء للسفن العابرة الى الهند .
حين حكم ( الحميريون والسبأيون ) اليمن بنوا فيها القلاع والحصون في مأرب وحضرموت من أجل مراقبة الطريق البحري , وجباية الضرائب عن البضائع المتداولة , ومنع التهريب .
من أقدم المخطوطات الصينية التي ورد فيها إسم عدن : مخطوطة صينية تعود الى عام 1421 ميلادي , ذُكر فيها أن الإمبراطور الصيني كان قد أمر 3 سفن صينية بحمل الهدايا من جزيرة سومطرة الى سلطان عدن لتوثيق علاقات التجارة والنقل بين البلدين .
في العام 1838 إضطر سلطان لحج ( محسن بن فضل ) وتحت ضغط هجوم القراصنة الى التخلي عن حماية عدن الى البريطانيين , ولهذا ففي يوم 19 كانون الثاني 1839 دخلت الى عدن ( القوات الملكية البحرية البريطانية ) بمعية ( شركة الهند الشرقية البريطانية ) لإحتلال المنطقة , والتصدي للقراصنة المهاجمين . وفي الحقيقة يُشك بالوجود الفعلي للقراصنة .. لكنها كانت محاولة بريطانية للسيطرة على عدن , خصوصا وأن ( قناة السويس ) و ( بومباي ) و ( زنجبار ) كانت كلها في ذلك الوقت ( ممتلكات ) بريطانية تربط أوربا بالشرق وقد ضمت إليها عدن مؤخرا لتصبح ميناءا على الطريق تتزود فيه السفن بالماء الصافي ووقود الفحم اللازم لتكملة الرحلة الى الشرق .
في ثلاثينات القرن الماضي , كانت الحرب في الهند قائمة على قدم وساق بين الأمريكان والبريطانيين لتقاسم الهند بينهما بإستعمال المسلمين لخدمة الغرض الأمريكي بتهييج الصراع بينهم وبين الهندوس .. مما أسفر عن فصل الهند الى ( هند + باكستان + بنغلاديش ) تسيطر فيها الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على الباكستان وبنغلاديش , بينما لها إتفاقيات مشتركة الى جانب بريطانيا مع الهند . وفي خضم هذا الصراع المحتدم .. خشيت بريطانيا على عدن من أن تشملها القسمة مثل الباكستان وبنغلاديش بإعتبارها جزءاً من ( الهند الشرقية البريطانية ) وحيث كانت بريطانيا قد وسعت ما كانت تعرف بإسم ( مستوطنة عدن ) فضمت إليها :
# جزيرة بريم _ مساحتها 13 كيلومتر مربع .
# جزر خوريا موريا ( في خليج عمان ) _ مساحتهن 73 كيلومتر مربع .
# جزيرة كمران _ مساحتها 108 كيلومتر مربع .
لهذا السبب ففي العام 1937 قامت بريطانيا بفصل عدن عن ( الهند الشرقية البريطانية ) ومنحتها إسما جديداً هو : ( مستعمرة عدن ) ومحت عن هذه المستعمرة كل ما يشير الى علاقتها السابقة بالهند الشرقية البريطانية بما في ذلك تغيير عملتها من ( الروپية الهندية ) الى ( الشلن الأفريقي ) الذي كان مستعملاً في ( أفريقيا الشرقية البريطانية ) .
عام 1956 إستعمل الأمريكان المصريين بالنيابة لطرد البريطانيين والفرنسيين عن قناة السويس , وإجلاء القوات البريطانية عن مصر , بما يعرف بإسم حرب السويس , ولهذا غدت مستعمرة عدن مستقراً مهماً للبريطانيين في المنطقة بعد خروجهم من قناة السويس .
مثلما قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتأسيس الكثير من الخلايا الشيوعية والقادة المحسوبين على الشيوعية في العالم .. فإنها ومن أجل التحرك لمهاجمة مستعمرة عدن , كانت قد بدأت بتأسيس بعض الخلايا الشيوعية فيها , فسارع الإتحاد السوفييتي الى مد يد الدعم لهذه الخلايا كنوع من أنواع إثبات وجوده في هذه المنطقة .
وكانت بريطانيا تراقب بحذر , وتعرف أن شيوخ وسلاطين وأمراء المنطقة أشخاص ضعفاء , يمكن تسقيطهم أو شراء ولائهم من قبل من يدفع لهم أكثر , لذلك ولكي تحسم بريطانيا أمرها كانت قد سعت الى توحيد هذه المشايخ والإمارات والسلطنات في كيان واحد هو ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) ولم يتم التوحيد دفعة واحدة بل على عدة مراحل .
المملكة المتوكلية اليمنية : خلال عشرينات القرن الماضي كان ( الإمام يحيى حميد الدين ) قد نشر سلطته في اليمن الشمالي في جنوب تهامة وجنوب العسير لكنه تصادم مع قوة آل سعود المتعاظمة في نجد والحجاز . الحدود الحالية بين السعودية واليمن الشمالي يعود تاريخ ترسيمها الى إتفاقية الطائف الموقعة في مايس 1934 .
أما حدود اليمن الشمالي مع مستعمرة عدن , فبقيت دون إعتراف من الإمام يحيى لأن البريطانيين لم يوقعوها معه , وإنما مع الدولة العثمانية التي كانت تبسط نفوذها سابقاً على المنطقة , وبقي في خلاف مع البريطانيين حول ترسيم هذه الحدود , جعلهم يخططون عدة محاولات لإسقاط حكمه .
مات الإمام يحيى أثناء إنقلاب وقع عليه عام 1948 فخلفه إبنه ( أحمد بن يحيى ) على العرش والإمامة . وكان عهده حافلاً بالخلافات مع بريطانيا .
عام 1955 تعرض الإمام أحمد الى محاولة إنقلابية فاشلة قادها العقيد ( أحمد الثلايا ) وهو ضابط يمني متخرج من العراق وعلى صلة بمنظومة الضباط الأحرار . لذلك ومن أجل الوقوف بوجه بريطانيا , كان الإمام قد وقّع مع مصر الجمهورية في نيسان عام 1956 معاهدة للدفاع العسكري , ثم تحولت هذه المعاهدة الى تحالف ( كونفيدرالي ) مع الجمهورية العربية المتحدة عند تأسيسها بين سوريا ومصر في 1 شباط 1958 .
مرض الإمام أحمد بن يحيى وسافر الى روما للعلاج , فظن إبنه وولي عهده أنه لن يعود حياً , لذلك أخذ يذم عهد والده , ويتصل بالقبائل ويعد بالإصلاحات الدستورية , وفتح الإذاعة لإلقاء الخطب الثورية والأناشيد المصرية . لكن الأب تعافى من مرضه وعاد , فألغى كل ما قام به إبنه , وأعدم الكثيرين .
إنفضت الوحدة بين سوريا والمملكة المتوكلية اليمنية مع مصر في أيلول 1961 . حقيقةً فإن ذلك كان ضربة موجعة لعبد الناصر , رآها موجهة للنيل من كرامته كقائد ( لكل العرب ) مما جعل الحكومة المصرية تحاول الثأر من الإنفصال ممثلة بسفارتها في المملكة المتوكلية اليمنية بتدبير عدة محاولات إنقلاب في وقت واحد للإطاحة بالعرش , وكانـت مجموعة ( عبد الله السلال ) واحدة من هذه المجاميع الإنقلابية .
توفي الملك ( الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ) يوم 18 أيلول 1962 فخلفه إبنه الملك ( محمد البدر ) على العرش , ولثقته بمصر والرئيس جمال عبد الناصر فقد كان من أول أوامره تعيين العقيد عبد الله السلال المعروف بانه ( إشتراكي ناصري ) بمنصب قائد الحرس الملكي .
تمكنت السفارة المصرية بعد 8 أيام من إعتلاء محمد البدر العرش وبواسطة حليفها الإشتراكي الناصري العقيد عبد الله السلال أن تقلب نظام حكم المملكة اليمنية المتوكلية يوم 26 أيلول 1962 , ويتم الإستيلاء على السلطة , وغض الطرف عن الملك محمد البدر والسماح له بالهرب من الباب الخلفي للقصر مع مجموعة من رجال حمايته الى المملكة العربية السعودية .. لعبة ظاهرها تحرير اليمن من حكم ملكي مقيت , لكن حقيقتها هي التأسيس لحرب ستطول ولن تنتهي حتى يخرج البريطانيون من الجنوب العربي .
بعد نجاح محاولة السلال بدأت إذاعات عبد الناصر والموالون لها من الإشتراكيين والناصريين بالتطبيل والتزمير للنصر المؤزر الذي تجلبه حكومات العسكر , التي تنجح في هزم بريطانيا وفرنسا , وتم تصوير ذلك للجماهير العربية المتعطشة للخلاص .. وكأنه فتح الفتوح , وليس مرحلة تبديل مستعمر بمستعمر .
يوم 19 ديسمبر 1962 إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة السلال , ولأن بريطانيا كانت تعرف بأن الخلايا الشيوعية النائمة في محمية عدن سرعان ما ستثور بدعم من حكومة السلال الإشتراكية التي تغذيها مصر الأمريكية ذات السلاح السوفييتي . لهذا قامت بعد شهر بالإعلان عن تأسيس ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) يوم 18 كانون الثاني 1963 بالضد من رغبة ( الإشتراكيين ) حكام ( الجمهورية ) اليمنية وداعمتهم _ مصر _ ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية .
حقيقة فإن إعلان ( الوحدة البريطانية ) في الجنوب العربي كان شيئاً مبهراً للجماهير العربية في كل مكان وهي تنظر الى 19 كيان عربي يتحدون في دولة واحدة .. كان الأمر شيئاً يجسد كل الطموح العربي تلك الفترة , حيث توحدت ( مستعمرة عدن ) مع ( مشيخة العلوي ) و ( مشيخة العقربي ) و ( سلطنة العوذلي ) و ( إمارة بيحان ) و ( مشيخة دثينة ) و ( إمارة الضالع ) و ( السلطنة الفضلية ) و ( سلطنة الحواشب ) و ( سلطنة لحج ) و ( سلطنة الصبيحي ) و ( سلطنة العوالق السفلى ) و ( سلطنة الجعيطي ) و ( مشيخة المفلحي ) و ( مشيخة يافع العليا ) و ( مشيخة الشعيب ) و ( مشيخة العوالق العليا ) و ( سلطنة العوالق العليا ) و ( سلطنة الواحدي بلحاف ) .
لم يتحمل الأمريكان أن تسحب بريطانيا البساط من تحت أقدامهم بهذه الطريقة .. لذلك فبعد 20 يوماً فقط قاموا بقلب نظام الحكم في العراق , حيث أسقطوا الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمثل ( عقبة ) بوجهة الوحدة مع مصر وأحلوا محله عبد السلام عارف ( المبهور بعبد الناصر الى حد الهوس ) وكان ذلك يوم 8 شباط 1963 .
وكان ينبغي في تلك الأيام غسل ( عار ) الإنفصال الذي وقع على وحدة مصر مع سوريا في الجمهورية العربية المتـحدة , لذلك وقع في سـوريا إنقلاب عسـكري بقيادة الضابط الناصري ( لؤي الأتاسي ) يوم 8 آذار 1963 . تم بعده رفع برقية الى عبد الناصر مكونة من 10 كلمات , تعرّف معنى هذا الإنقلاب تعريفا شاملا , مكتوب فيها : (( الرئيس جمال عبد الناصر . القاهرة . لقد ثأرنا من الإنفصال وغسلنا العار )) .
المدة ما بين إعلان فيدرالية الجنوب العربي .. وإسقاط نظام الحكم في سوريا هي 48 يوم فقط . عندها وكما كانت تتغنى بريطانيا بوحدتها في الجنوب العربي , صارت الولايات المتحدة تتغنى بوحدتها ( الثلاثية ) بين كل من سوريا والعراق مع مصر .
المواطن العربي .. سواء كان في الجنوب العربي .. أو سوريا ومصر والعراق .. لم يقبض من هذه الآمال العريضة غير تحشيد أبنائه ليقاتلوا بعضهم , نيابة عن الأمريكان والبريطانيين , فمن واقع عملي لم يكن شعار الوحدة الثلاثية غير ( كلام جرايد ) الهدف منه :
. * الإستهلاك الإعلامي لإشغال ذهن المواطن العربي
* التغطية على الإعلان البريطاني البراق عن وحدة الجنوب العربي , بإعلان أمريكي عن وحدة بديلة .
* تطمين عبد الناصر أنه إذا دخل الحرب في الجنوب العربي فلن يدخلها بمفرده , وإنما هناك دول عربية ذات كثافة سكانية عالية تقدرعلى تأمين جيوش كبيرة ستكون ( ليس معه ) وإنما ( تحت إمرته ) بهذه الوحدة .
أما الواقع الفعلي لهذه الوحدة الثلاثية فقد كان كالتالي :
# في سوريا ورغم إعلان الإتفاق على إجراء مباحثات الوحدة الثانية أو ( الجديدة ) بين سوريا ومصر .. إلا أن الإعتقالات في صفوف الضباط الوحدويين السوريين بقيت متواصلة , ولهذا تحرك العقيد السوري الناصري ( جاسم علوان ) للقيام بإنقلاب فاشل في 18 تموز 1963 .. أعقبته حركة إعدامات في صفوف الجيش السوري , ولأن عبد الناصر أدرك فشله في الوحدة من جديد مع سوريا فقد فضَّل أن ينسحب هو هذه المرة من الوحدة , وأن لا يدع للسوريين الفرصة ( مرتين ) ليتخلوا عن الوحدة معه , وكان ذلك بتاريخ 26 تموز 1963 فكان رد السوريين هو إنتخاب ( أمين الحافظ ) المسؤول عن تلك الإعدامات رئيسا للجمهورية السورية يوم 27 تموز 1963 .
# الوضع في العراق كان مختلفاً تماماً .. فالرئيس عبد السلام عارف كان مأخوذا ً ومبهوراً بعبد الناصر الى حد الهوس , وكان كلامه لا يخلو من ترديد شعار الوحدة الثلاثية عدة مرات يومياً .... من أجل لجمه ومنعه من القيام بأي فعل بخصوص هذه الوحدة ( الشعارية فقط ) فقد قامت مليشيا الحرس القومي التي يسيطر عليها بعثيون وقوميون أغلبهم لهم إرتباطات مع سوريا بفتح سجل إعتقالات وتصفيات شملت كل المؤيدين للزعيم عبد الكريم قاسم , وبغض النظر عن كونهم شيوعيين أم لا .. لتعم الفوضى كل العراق .
وبعد أن أخذت تلك المرحلة مداها وإنتهت .. إنقلب عبد السلام عارف على البعثيين شركائه في الحكم في 18 تشرين الثاني 1963 عندها بدأت في العراق مرحلة ( إنشقاق حكومة عارف على نفسها ) بما يعنيه ذلك من حملة إعتقالات وتصفيات موجهة ضد البعثيين حيث عمت الفوضى في حكومة العراق هذه المرة .
رغم هذا لم يتوان عبد السلام عارف عن المشاركة بقوات رمزية عراقية في القتال الدائر في اليمن .. كما لم يتوان عن فتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب العربي في بغداد , ومكتب لجبهة تحرير ظفار في بغداد , وهذه المكاتب كانت موجودة في بغداد شارع السعدون مقابل تمثال عبد المحسن السعدون في موقعه القديم قبل حفر نفق التحرير في الباب الشرقي .
لهذا فقد كان الحل الأخير لإخماد عبد السلام عارف .. هو إشعال فتيل النزاع الكردي بقيادة الملا مصطفى البرزاني الذي كانت قواته هذه المرة مدعمة بالتدريب الإيراني من قبل شاه ايران الأمريكي , ومعززة بالسلاح الأمريكي المتطور أيضاً .
من يدري فلعل ميتة عبد السلام عارف الغامضة , مردها الى موقفه من المشاركة في حرب اليمن خصوصا في المنعطف الخطير الذي دخلت إليه الحرب عام 1966 حين رصدت حكومة الرئيس الأمريكي ( ليندون جونسون ) مبلغ 100 مليون دولار على شكل آليات عسكرية لدعم الملكيين في اليمن , أما عبد السلام عارف فقد قتل أثناء فترة ذلك الدعم الأمريكي للملكيين في حادث طائرة غامض وقع في العراق في مدينة البصرة يوم 13 نيسان 1966 .
صلاح نصر رئيس جهاز مخابرات عبدالناصر يذكر بأن اليمن كانت بالنسبة للمصريين مجاهل لا يعرفون معالمها ، لكن عبدالناصر وجد فى التدخل العسكرى فيها عملاً يستعيد به توازنه ويرد إليه اعتباره بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا الذي سدد ضربة عنيفة لطموح عبد الناصر لقيادة العرب .
محمد حسنين هيكل فى كتابه ( عبدالناصر والعالم ) ص 47 يذكر ما يؤكد جهل عبدالناصر بعناصر المغامرة التي سيدخلها في اليمن حين قال للثائر الشيوعى ( جيفارا ) فى حوار معه عام 1965 : (( .. الوضع في اليمن غير صالح للثورة فقلت مثلك إنه مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا فى حد ذاته وبالتالى يجب مساعدتها )) لكن محمد حسنين هيكل في كتابه ( لمصر لا .. لعبد الناصر ) يغالط هذه الحقيقة جملة وتفصيلاً
يعتبر محمد حسنين هيكل نفسـه مؤرخ القرار المصري لقربه من الرئيس ( وأراه متواضعاً جداً في منح نفسه هذا اللقب ) فخلال فترة الربع قرن التي عملت بها في الإعلام العراقي .. رأيت وقرأت لصحفيين عراقيين يرون أنفسهم ( كُتّاباً كباراً ) أيضاً .. من يدّعي منهم أنه هو الذي صنع من صدام حسين رئيساً للعراق .. أو أنه كان صمام أمان الإعلام العراقي , ومنهم من كان يعتقد أنه مُنظِّر القادسية وكاتب بياناتها والراقص على أنغام أنشـودتها ( ياحـوم إتبع لو جرينه ) وكان يحـلم مقابل ذلك بالوزاره .. وظلت عقدة الوزاره ملازمة لتفكيره حتى اليوم .. أوغيره من كان يحلم بالسفارة .. أو أن يتسلم موقع مدير عام , وشق عصا الطاعة منذ وقت مبكر جدا ً, لأنه لم ( يبوأ ) موقع مدير عام , وغيره من كان يحلم بأن يُعَدَّ المفكر الأوحـد في العراق .. كل هؤلاء تزلفوا لصدام وقيادته بحيث أنهم لو كان يطرح عليهم السؤال : 1+1 كم يساوي ؟ لكان ردهم العفوي والتلقائي : ( كم تريد الناتج ؟ حتى أكتبه لك ؟ ) وعلى حجم الناتج الذي تريده القيادة , يبدأ الكاتب بالتدليس الفكري والسياسي بالضد من كل الحقائق الموجودة على الأرض .
لهذا وأنا أستعرض رأي هيكل فلا أراه يختلف كثيرا عن آراء هؤلاء العراقيين , وأسـتعرض الرأي فقط , من أجل أن نطّلع على طريقة التفكير التي جلبت للشعب المصري المنكوب , الكثير من الويلات والمصائب . فهيكل يقول بأنه يتفق مع ناصر في قضية إسـناده لإنقـلاب السلال , لكنه يرى أن إنقلاب السلال لا يحتمل استيعاب الكم الهائل من القوات المصرية التي من شأنها أن تصل إلى اليمن لدعم نظامه .. فهل يعتقد هيكل فعلا أن القوات المصرية كانت ذاهبة الى الجنوب العربي من أجل حماية إنقلاب السلال ؟
ثم يذكر هيكل أنه قد يكون من الحكمة التفكير في إرسال متطوعين قوميين عرب من مختلف أنحاء الشرق الأوسط الى حرب اليمن عوضاً عن الجيش المصري للقتال الى جانب القوات اليمنية الجمهورية , وعلى غرار ما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية , لكن عبد الناصر وكما يدعي هيكل , رفض الفكرة .
العبرة بالخواتيم كما قالت العرب ... فرغم رفع شعار الوحدة الثلاثية في تلك الفترة , إلا أن سوريا والعراق أعيقتا عن الإلتحاق بتلك الوحدة عن سبق إصرار وترصد وإمعان في القصد .. ومصر كانت قد زجت ب 70 ألف مقاتل مصري في اليمن بعد أن حُرِمَتْ من مشاركة الجيشين السوري والعراقي .
من أين سيجمع عبد الناصر ( كما أشار عليه هيكل ) متطوعين قوميين عرب يصل تعدادهم الى 70 ألف ؟ ويملكون خبرة وتدريب الجيوش النظامية ليسدوا مكان الجيش المصري الذي كان مقصودا إبادته في تلك الحرب ؟ لكي يقبل ناصر الفكرة أو يرفضها !؟ أليست حرية الخيار هي أول شروط الرفض أو القبول ؟؟
لايوجد وكيل أمريكي تدوم وكالته الى الأبد .. كل وكيل أمريكي يؤدي دوره .. عليه أن يرحل بعده , بإرادته أو غصباً عنه , والدور الذي كان مرسوماً لعبد الناصر هو أن يتسلم السلاح من السوفييت ويحرقه , مبيداً معه وحدات الجيش المصري خدمة للمصلحة الأمريكية في الجنوب العربي ( خسرت مصر في هذه الحرب 26 ألف قتيل ) وبعد ذلك عليه هو وجيشه مغادرة المشهد العربي بخاتمة غير مشرفة إسمها حرب حزيران .. تؤدي الى نكسة العرب , وتحفظ أمن إسرائيل .. فهل العبرة بالخواتيم ؟؟ أم أن التنظير .. كلام والسلام !!؟؟
بعد ذلك يخبرنا هيكل أن عبد الناصر دخل الى حرب اليمن لأنه كان يرى (( أن محاربة الإمبريالية هي قدر مصر )) فإذا سلّمنا أن الحكومة المصرية لم تكن تدرك وقتها أنها هي نفسها كانت أداة من أدوات الإمبريالية .. وهذا سيتطلب منا الدخول الى قصة جديدة مفادها أنه في مرحلة نهاية الأربعينات من القرن الماضي كان لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضابط متجول في الشرق الأوسط يدعى ( كيرمت روزفلت ) هو حفيد الرئيس الأمريكي روزفلت . وكانت مهمة هذا الرجل , هي حمل حقيبة مليئة بملايين الدولارات , لشراء الذمم والنفوس , لغرض صناعة ( رموز شيوعية ) و ( رموز معادية للشيوعية ) في الشرق الأوسط , واللعب على تصعيد وتنزيل هذه الرموز خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة , وتحت شعارات ( الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية ) .
بداية الخمسينات من القرن الماضي نجح كيرمت روزفلت والسفير الأمريكي في طهران ( هنري گرادي ) في توصيل رجل أمريكا في ايران ( محمد مصدق ) الى منصب رئيس وزراء , ثم عمل الرجلان على ( تسقيطه وحمايته في نفس الوقت ) إدامة للمصلحة الأمريكية .
لكن مهمة كيرمت روزفلت في الشرق الأوسط لم تكن محصورة بإيران وحدها بل كانت تشمل مصر أيضا , فبعد أن نجحت وكالة المخابرات الأمريكية في إسقاط الحكم الملكي المصري المتحالف مع بريطانيا وإقامة حكومة العسكر برئاسة رئيس مجلس السيادة المصري اللواء محمد نجيب .. وكان كيرمت روزفلت في تلك الفترة يشغل منصب أمين عام جمعية ( أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكيون ) والتي كانت أكبر مهامها هي المحافظة على العلاقة ( العربية _ الأمريكية ) من الإنفـراط بسبب الدعم الأمريكي لليهود عند تأسيس الدولة العبرية , حيث كانت أقوى المخاوف الأمريكية وقتها أن يحصل تقارب عربي سوفييتي كرد فعل على ذلك .
حالما تأسست مصر الجمهورية , منح كيرمت روزفلت مبلغ 12 مليون دولار الى محمد نجيب بإعتباره رئيساً لدولة ( معادية للشيوعية ) ولم يكن على مصر وقتها غير واجب حماية الجمهورية من الداخل . لكن ( غربلة ) الأمريكان للحكومة الجديدة كانت عملية ضرورية لكشف التحالفات الداخلية والخارجية لضباطها ومسؤوليها وقد إستمرت الغربلة سنتين , لم يبق شيء لم تتضح خلالهما صورته , تحت دعوى ( خلافات بين ضباط الثورة أنفسهم ) .
حين وطدت الحكومة الجديدة نفسها وتخندق ضباطها ولم يعد سهلا إغتيال الجمهورية وإعادة العملية السياسية الى الوراء , كان على الأمريكان ( تغيير موديل ) الحكومة المصرية من أجل تمكينها من القيام بالدور الفعلي الذي يطالبها الأمريكان القيام به وهو ( محاربة البريطانيين والفرنسيين وإجلائهم عن مصر وطردهم من البحر الأحمر والجنوب العربي وشمال أفريقيا ) .
بسبب هذا جرت عملية الإطاحة باللواء محمد نجيب , ووضعه تحت الإقامة الجبرية حوالي 30 سنة .. لتحويل مصر من دولة ( معادية للشيوعية ) الى دولة شيوعية ( إستحياءاً , وإثارةً للحفيظة في نفس الوقت , تمت تسميتها : إشتراكية ناصرية ) تتقارب مع الإتحاد السوفييتي لتضرب وبإسم شعارات الحرب الباردة مصالح الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة في كل مكان من الوطن العربي , إستعداداً لإحلال المصالح الأمريكية محلها .
حالما وضع اللواء محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية , قام عبد الناصر بمصادرة مبلغ 12 مليون دولار التي كان نجيب قد تسلمها من كيرمت روزفلت , وكان يمكن أن تكون هذه المصادرة سرية , أو حتى معلنة بفضيحة على لا ذمة اللواء محمد نجيب . لكن عبد الناصر تصرف بطريقة ثانية .
أمر على الفور بإستعمال المال لبناء برج القاهرة , وقد كلف البرج مبلغ 6 مليون جنيه مصري وبدأ العمل ببنائه عام 1956 وأطلق على البرج تسمية ( وقف روزفلت ) حيث إدعى عبد الناصر أن كيرمت روزفلت كان قد أرسل المال ( له شخصياً ) .. من أجل أن يقطع ناصر الدعم المصري ( الأمريكي حقيقةً ) عن ثورة الجزائر ضد الفرنسيين .
حكايات : عزل محمد نجيب التي يشوبها الكثير من الغموض , وبناء برج القاهرة , ودعم ثورة الجزائر , كن جميعاً ذوات إستعمال مزدوج . الوجه والإستعمال الأول كان للإستهلاك المصري والعربي من أجل تلوين صورة عبد الناصر بألوان زاهية .
أما الوجه والإستعمال الثاني فهو مخصص للإستهلاك الدولي : عبد الناصر بهذا العمل كان قد أعلن رسمياً بداية تقاربه مع الإتحاد السوفييتي وبداية ضربه لمصالح الدول الإستعمارية القديمة ( بريطانيا وفرنسا ) بإعترافه الرسمي بدعم ثورة الجزائر .
ونعود الآن الى محمد حسنين هيكل والحديث عن ( قدر مصر في محاربة الإمبريالية ) فإن لم يكن هيكل أو عبد الناصر مدركان ذلك الوقت أنه تم تحويل مصر من ( دولة معادية للشيوعية ) الى ( دولة _ إشتراكية ناصرية _ شيوعية , متقاربة مع الإتحاد السوفييتي ) لتقوم بمـحاربة مصالـح بريطانيا وفرنسـا من أجل إحـلال المصالح الأمريكية محلها ... أفلا يحق لنا على الأقل أن نتساءل : هل كان يوجد في مصر ذلك الوقت ( جهاز مخابرات ) أو ( جهاز إستخبارات عسكرية ) حقيقيان ؟؟ ليرصدا للقيادة العليا في الدولة حقائق تقول إن المملكة العربية السعودية التي تأوي الملكيين ما هي إلا دولة ( أمريكية ) صنعتها شركة أرامكو النفطية ؟ أو أن قائد قوات الملكيين هو الضابط ( الأمريكي ) بروس كوندي ؟ أو أن ( الأمريكي ) شاه ايران كان يزود الملكيين بالسلاح والمال لأنهم حسب إدعائه من مظاليم الشيعة ؟ أو حتى أن باكستان ( الأمريكية ) كانت قد أثرت ثراءاً فاحشا ً في تلك الفترة من تجارة بيع المرتزقة لجيش الملكيين تحت قيادة بروس كوندي !!؟؟ إذا كانت الأطراف المتحاربة كلها تتقاتل بموجب الدعم الأمريكي بما في ذلك مصر نفسها .. فهل كانت حرب اليمن ( قدرا ً) على المصريين أم تهلكة ألقوا بأيديهم إليها عابثين ؟؟
يطرح هيكل بعد ذلك رأياً غريباً لتعليل تورط عبد الناصر بالمشاركة في هذه الحرب قائلاً بأن ناصر دخلها إنتقاماً من العائلة المالكة السعودية لأنها ساهمت في تقويض وحدته مع سوريا , كما أنه تورط فيها إنتقاماً من البريطانيين بتخريب مصالحهم في الجنوب العربي . ونفس هذا الرأي يؤكد عليه الكاتب البريطاني السير ( أنثوني ناتنگ ) كاتب سيرة عبد الناصر في مولفه الضخم ( ناصر ) المؤلف من 490 صفحة من حجم كبير المتوسط .
من أوضح حالات ( الإنتقام ) بين الدول في العصر الحديث , هي حالة إنتقام الأمريكان من اليابانيين بعد موقعة ( بيرل هاربور ) بقيامهم بضرب هيروشيما وناگازاكي بقنلتين نوويتين قتلتا خلال برهة قصيرة ما يزيد على 450 ألف ياباني دون أن يتكبد الأمريكيون قتيلا واحداً مقابل ذلك . أما في حالة الإنتقام المصري فقد كلف مصر 26 ألف قتيل من أبنائها في حين أن السعودية وبريطانيا كانتا تقاتلان بجيش من المرتزقة تم جمعه من العالم تحت إشراف الضابط الأمريكي الجنرال بروس كوندي ... ولا ندري على ماذا يدل هذا الإنتقام بأعمق المعنى , هل عن رخص قيمة الإنسان والدم المصري , أم عن تخبط خطة السياسة المصرية !!؟
كتب الشاعر نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر , مرتين , المرة الأولى كانت بعد نكسة حزيران في قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة 1967 ) والتي بدأها بقوله :
أنعي لكم ، يا أصدقائي ، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم ..
كلامَنا المثقوبَ ، كالأحذيةِ القديمه ..
ومفرداتِ العهرِ ، والهجاءِ ، والشتيمه
أنعي لكم .. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه
ضربت هذه القصيدة مثل الإعصار في وجدان الشارع العربي معبرة عن خيبة أمل الشعب العربي بقائده المفترض , على إثرها قامت الحكومة المصرية , بمصادرة جميع مؤلفات نزار قباني , كما منع هو شخصياً من دخول مصر ... لا بل منعت حتى إذاعة قصيدته التي غنتها أم كلثوم وهي ( أصبح عندي الآن بندقية ) .
المرة الثانية التي كتب فيها نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر كانت في قصيدة ( هوامش على دفتر الهزيمة 1991 ) صحيح أن القصيدة كانت مكتوبة عن هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الثانية والتي يفتتحها الشاعر بقوله :
مضحكةٌ مبكية معارك النضال
فلا النصال تكسرت على النصال
ولا الرجال نازلوا الرجال
ولا رأينا مرةً آشور بانيبال
فكل ما تبقى لمتحف التاريخ
أهرام من النعال !!
لكن نزار قباني وهو يحدثنا عن ( هزيمة صدام حسين ) في حرب الخليج , فهو لا ينسى أن يقرنها لنا بمثيلتها ( نكسة عبد الناصر ) حين يقول :
فى كل عشرين سنة
يأتى إلينا حاكم بأمره
ليحبس السماء فى قارورة
ويأخذ الشمس الى منصة الإعدام
فى كل عشرين سنة
يأتي إلينا نرجسى عاشق لذاته
ليدعى بأنه المهدى .. والمنقذ
والنقى .. والتقى .. والقوى
والواحد .. والخالد
ليرهن البلاد والعباد والتراث
والثروات والأنهار
والأشجار والثمار
والذكور والاناث
والأمواج والبحر
على طاولة القمار
فى كل عشرين سنة
يأتى إلينا رجل مُعَقَّدٌ
يحمل فى جيوبه أصابع الألغام
غير أن نزار قباني كشاعر مبدع لافض فوه , لا ينسى وهو يصف لنا النكسة والهزيمة , أن يقرنهما أيضا بوصف لكُتّاب النكسة والهزيمة حين يقول :
نكذب فى قراءة التاريخ
نكذب فى قراءة الأخبار
ونقلب الهزيمة الكبرى
الى إنتصار
للأدباء عندنا نقابة رسمية
تشبه فى شكلها
نقابة الأغنام
إن رضيَ الكاتب أن يكون مرة .. دجاجة
تعاشر الديوك أو تبيض أو تنام
فإقرأ على الكتابة السلام
آخر ما ساقوم به في هذه المقدمة السريعة هو تعريفكم بالمصادر التي إعتمدتها لكتابة هذا الموضوع , وهي أعداد كثيرة من الصحف والمجلات التي تعود الى نفس تاريخ الحرب , كذلك الى كتب كثيرة تتجاوز الخمسين كتاباً لتدقيق الكثير من المعلومات عن الحوادث والشخصيات الواردة في الموضوع . إضافة الى البحث على شبكة الإنترنت .أود الإشارة من بين جميع هذه المصادر الى كتاب ( اليمن _ الحرب المجهولة ) للباحث الأمريكي ( دانا آدمز شميدت ) الكتاب يقع في 316 صفحة من قطع كبير المتوسط , مطابع بودلي هيد , لندن , سيدني , تورنتو , 1968 . وقد تخيرت هذا الكتاب مصدرا رئيسياً لكتابة موضوعي , ليس لأن المصادر الأخرى قاصرة أو ذات عيب , ولكن لأن مؤلف هذا الكتاب شخصية مهمة وعلى إطلاع وثيق بالحروب التي وقعت تلك الفترة في الشرق الأوسط وكما سنرى .
درس دانا آدمز شميدت في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية , وغادر الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1938 ولم يعد إليها إلا نادراً في الإجازات أو خلال 7 سنوات عمل بها في واشنطون في مكتب التحقيقات الصحفية التابع الى وزارة الخارجية الأمريكية .
أرسل الى الشرق الأوسط أول مرة عام 1940 حيث تعرف عندها في إسطنبول على صديقته تانيا التي أصبحت زوجته فيما بعد ورافقته في معظم رحلاته والتي أهدى إليها جهده في تأليف كتبه .
خلال فترة عمله كمبعوث في الخارجية الأمريكية عمل مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز من عام 1943 حتى عام 1972 لتغطية أخبار شمال أفريقيا والشرق الأوسط . عام 1963 فاز بجائزة ( أفضل مراسل يتحلى بشجاعة إستثنائية وحضور في موقع الحدث ) .
كان مقر عمله في بيروت ومن هناك أشرف إخبارياً على عدة حروب في الشرق الأوسط منها حرب اليمن التي نحن بصددها في هذا الموضوع وحرب حزيران 1967 , والحرب الكردية في شمال العراق حيث كتب عنها كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) . ذكر فيه أنه حين كان يقيم في بيروت وصله مرسال عتب من الملا مصطفى البرزاني بأن الحرب الكردية قائمة ولكن تغطيتها الإخبارية ضعيفة .
إعتزازاً ومحبة من دانا آدمز شميدت وحكومته للقائد البرزاني , فقد قام هو بنفسه برحلة الى منطقة كردستان , حيث أجرى لقائين مهمين مع الملا مصطفى , منشورين في هذا الكتاب الذي يصف رحلته كاملة الى مناطق القتال , اللقاء الأول كان عام 1962 أما اللقاء الثاني فكان عام 1963 وسأقوم بترجمة هذين اللقائين في موضوع منفصل .
قام الكاتب البريطاني جيمس موريس بالإطراء على جهود دانا آدمز شميدت في هذا الكتاب
بقوله (( لا يحصل في الوقت الحالي أن نجد مراسلاً أجنبياً بارزاً يُهرِّب نفسه على بغل ليصل الى مناطق نزاعات محرمة ليكتب عن تفاصيل كل شيء في طريقه )) .
أثناء تغطيته تفاصيل حرب اليمن إنقلبت سيارة الجيب التي تقله في رمال اليمن الشمالية فإنكسرت رقبته فنقل الى جدة ومنها الى بيروت مرة أخرى , ومن مستشفاه في بيروت أرسل في اليوم التالي تقريراً الى صحيفة نيويورك تايمز .
خلال تولي جون فوستر دولس منصب وزير دولة في عهد الرئيس آيزنهاور تم نقل دانا آدمز الى پاريس , فرانكفورت , أثينا , بيروت , القدس , ڤيننا , پراغ , لندن , وإسرائيل لتغطية مهام دبلوماسية في هذه الدول .
صورة دانا آدمز شميدت الوحيدة الموجودة على الإنترنت منشورة على موقع ويكيپيديا وتجمعه بالرئيس اليمني عبد الله السلال , بينما صورته على غلاف كتاب حرب اليمن فتجمعه بالمقاتلين الملكيين , في الوقت الذي يؤكد بنفسه في كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) الى أنه كان يلتقي بالملا مصطفى البرزاني والحكومة المركزية في بغداد . ولا تدري في اليمن أم العراق , هل كان يمارس عمله الصحفي كمراسل فقط مع الطرفين ؟ أم انه كان يقوم بمهمة دبلوماسية أيضاً ؟
الموضوع المنشور على موقع ويكيپيديا عن حرب اليمن هو تلخيص ( غير أمين ) لكتاب دانا آدمز شميدت عن تلك الحرب , لأن التلخيص يبتر أجزاء من حقيقة المواقف التي كان التصريح بها وقت نشر الكتاب أمراً عادياً , لكن نشرها في الوقت الحالي يعتبر كشفاً لتطورات اللعبة التي لم تزل جارية لحد اليوم في اليمن وعموم الشرق الوسط .
كان دانا آدمز شميدت بعمر 78 سنة , صحته معتلة , سقط فكسرعدة أضلاع , ومن إختلاطات الحالة وقعت له نوبة قلبية أدت به الى الموت يوم 25 آب 1994 .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر