الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة فلسفية للحرب العراقية

سليمان يوسف يوسف

2004 / 6 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


مع اقتراب موعد تسليم السلطة ونقل السيادة للعراقيين في نهاية الشهر الجاري، وبعد الإعلان عن أول حكومة ورئيس لجمهورية العراق الجديد، عراق ما بعد صدام، تصاعدت حدة النقاش والجدال الدائر في مختلف الأوساط السياسية، العربية والأجنبية، حول مبررات الحرب على العراق وعن مستقبله السياسي.
حتى لا أدخل في ذات السجال حول أسباب هذه الحرب وأهدافها، لن أناقشها من الزاوية السياسية التقليدية،لأن الاقترابات السياسية والعسكرية وحدها لن تكون كافية لفهم هذه الحرب، لذلك ساتناولها من الرؤية الفلسفية القائلة:((أن الحروب ظاهرة تاريخية))، مبتعداً بذلك عن المواقف الايديولوجية والسياسية وعن الأحكام القطعية المسبقة ، التي تعودنا- نحن أبناء هذه المنطقة خريجي الثقافة الواحدة والمحكومين بالرأي (المقدس) الواحد- أن نطلقها ونتخذها من كل القضايا، حتى قبل ان نعرف شيئاً عنها، كما قد تفيدنا هذه (المقاربة الفلسفية) للحروب في اكتشاف النقاط المضيئة والايجابية في الحرب المأساوية على العراق.
انطلق، في هذه المقاربة الفلسفية،من مبدأ رفض نظرية الـ(حروب العادلة أو المقدسة) في التاريخ، فكل الحروب بنظري، بأنواعها واشكالها المختلفة، وتحت اية تسمية أدرجت، ايديولوجية أو دينية، هي حروب قذرة، مرفوضة ومكروهة إنسانيا وأخلاقياً، لأنها تحصد الأبرياء من البشر وتسبب الويلات والمآسي، وهي السبب في انقراض معظم الحضارات القديمة. لكن مع هذا علينا أن نعترف، بأن البشرية عبر تاريخها الطويل، لم تستطع تجنب وقوع الحروب، فهي تبدو جزء لا يتجزأ من جميع الحضارات. مما دفع بالفيلسوف الألماني (هيغل) للقول:((أن الحروب هي التي تحكم التاريخ وتحدد مساره)) إذ كثيراً ما تؤدي الحروب إلى تغيرات عميقة في تاريخ البشرية، وتترك آثاراً سياسية واجتماعية وثقافية هامة على مستوى العالم أجمع، وقد شهد التاريخ(( تغييراً حضارياً)) بين عامي 1453 و 1521 م على اثر سقوط ثلاثة عواصم هامة هي: القسطنطينية، وغرناطة، ومكسيكو.فـ(الحروب) بقدر ما هي مكروهة إنسانياً، يبدو انها ضرورة (تاريخية حضارية)، و يرى البعض فيها( امتحاناً للشعوب)، حيث تقوم بإحداث تغيير ما في التصورات العامة والأفكار السائدة،وإزالة الأنظمة السياسية القائمة والدول أو الحكومات (المنهكة) لتخلي المكان لقوى اجتماعية جديدة وحية ، وتدفع باتجاه أشكال وأساليب جديدة من التفكير والعمل.
ألم تؤمن (الحروب الأوربية) في القرون الثلاثة الأخيرة ، فرصة الاتصال المباشر بين الغرب الأوربي المتقدم والشرق الغارق في الجهل والتخلف، وحملت معها أسباب العلم والتقدم مثل المطابع وفتح المدارس ونمو الحركات الفكرية والأدبية والجمعيات العلمية...؟ ثم ألم تتحرر معظم الشعوب، المعروفة بالعالم الثالث، من حكم الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية.
ضمن هذا السياق التاريخي والحضاري للحروب، وبغض النظر عن الأهداف الأمريكية/البريطانية من الحرب على العراق، قد تكون هذه الحرب وسقوط (بغداد) في التاسع من شهر نيسان الماضي (ضرورة تاريخية) لزوال (صدام حسين) أخطر وأخر دكتاتور في العالم، ونهاية حقبة تاريخية طويلة عاشتها المنطقة وسادت فيها مجموعة من العقائد والمبادئ والإيديولوجيات والشعارات السياسية و القومية، التي من أجلها زج بالآلاف في السجون وبالآلاف مثلهم أعدموا، أو تم نفيهم.وقد تكون هذه الحرب مقدمة لدخول العراق والمنطقة مرحلة تاريخية حضارية جديدة . فلو لا هذه الحرب ما كانت ستنتهي امبراطورية (صدام حسين)، التي شكلت خطراً حقيقياً على العديد من دول وشعوب المنطقة، فقد حاول توسيع امبراطوريته بغزوه لإيران ومن ثم للكويت، مقتدياً بـ(نبوخذ نصر) الذي كون (امبراطورية آشورية) قوية في (بلاد ما بين النهرين_ العراق)في القرن الثاني عشر ق.م، وكان صدام قد أطلق عبارته المشهورة:(( من نبوخذ نصر، الى صدام حسين)).وفي السياق ذاته أرى أن الحملة الأمريكية على العراق لا بد من أن تترك أثراً ايجابياً ومهماً على الفكر السياسي والوعي الثقافي والاجتماعي في المنطقة، فسقوط بغداد بيد قوات الاحتلال، من غير قتال وبدون مقاومة، لا بد من أن تكون قد نبهت معظم (حكام العرب) إلى مخاطر استمرارها في نهج الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي لشعوبها ومصادرة حرياتهم، وإلى مخاطر الاستمرار في سياسية النعامة اتجاه مشكلاتها الداخلية عامة واتجاه مسألة حقوق القوميات بشكل خاص، كما نبهت إلى مخاطر الانقسامات العمودية في المجتمع العراقي ،حاله حال جميع المجتمعات العربية والإسلامية.
لا شك من الصعب جداً، قراءة مستقبل العراق الجديد ومازال العنف والعنف المضاد هو سيد الموقف، وفي زحمة و تطاحن الشعارات الإسلامية والقومية، والعلمانية، التي تضج بها الساحة العراقية، لكن قطعاً صورة عراق المستقبل لن تبقى كما كانت عليه،كما أنها لن تكون كما ترغب بها أمريكا.
من المهم جداً أن يتنبه العراقيون ، في مقدمتهم الحكومة الانتقالية، لمخاطر استمرار أعمال العنف والقتل والتدمير في العراق- خاصة بعد الثلاثين من شهر حزيران، موعد استلام السلطة والسيادة من قوات الاحتلال- من قبل أتباع نظام (صدام حسين) البائد ومن قبل مناهضي الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحت شعارات اسلامية أو قومية، إذ هناك خشية حقيقية من أن تنسحب قوات التحالف من العراق، إذا استمرت وتصاعدت أعمال العنف والقتل والتخريب،قبل أن يتمكن العراقيون من اعادة بناء مؤسسات دولتهم، عندها سيدخل العراق في جحيم الحرب والصراعات الأهلية، ولن تنتهي إلا بتقسيم العراق إلى كيانات عرقية مذهبية طائفية، وربما قد تنتقم أمريكا من الشعب العراقي ودول المنطقة، فيما إذا خرجت من العراق مهزومة، من خلال تأجيج الصراعات العرقية والطائفية في العراق تمهيداً لتجزئته، وقد تجد بعض الأطراف العراقية والإقليمية مصلحة لها في تجزئة العراق.لهذا من المفيد جداً، أن يتمسك شعب العراق بقوات التحالف، إلى حين يتمكن من اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية، وخاصة الجيش الوطني العراقي الذي هو وحده القادر على حماية الوطن العراقي من مخاطر التقسيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خامنئي و الرئيس الإيراني .. من يسيطر فعليا على الدولة؟ | الأ


.. مناظرة بايدن-ترامب .. ما الدروس المستخلصة ؟ • فرانس 24 / FRA




.. #فرنسا...إلى أين؟ | #سوشال_سكاي


.. المناظرة الأولى بين بايدن وترامب.. الديمقراطيون الخاسر الأكب




.. خامنئي يدعو الإيرانيين لمشاركة أكبر بالانتخابات | #غرفة_الأخ