الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة ديون دبي في نقد المقاربة الإيديولوجية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 12 / 18
الادارة و الاقتصاد



عرفت إمارة دبي؛ في الإمارات العربية المتحدة ؛ خلال الأسابيع الماضية هزة اقتصادية؛ نتجت عن تأجيل شركة دبي القابضة سداد الديون المستحقة عليها؛ مما أدى إلى هزات مماثلة في أسواق المال الخليجية و العربية و العالمية .
و هذه الأزمة –و حسب الكثير من المحللين الاقتصاديين- لا تخرج عن الإنهاك الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي بمجمله؛ سواء في أمريكا أو في وربا أو في روسيا و الصين واليابان؛ و التي أدت إلى انهيار مؤسسات مالية عتيدة؛ مثل بنك (لمين برادرز) في الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما أدت إلى تراجع مهول في مجموعة من الاقتصاديات الصاعدة؛ و التي حققت طفرة نوعية خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ و ذلك مثل الاقتصاد الإسباني؛ الذي يعيش على وقع تراجع مهول؛ يؤكد ذلك فقدان ملايين مناصب الشغل؛ و تراجع حكومي غير مسبوق عن دعم المشاريع الكبرى؛ و نفس هذه الأزمة تعرفها دول أخرى في أوربا و آسيا و إفريقيا .
ضمن هذا الإطار –إذن- يمكن مقاربة أزمة دبي؛ رغم أنها –في الحقيقة- لا تصل إلى درجة ما عاشته مجموعة من الشركات العالمية الكبرى؛ التي أعلنت عن إفلاسها أو على الأقل عن تراجع كبير في استثماراتها؛ و ما يؤدي إليه ذلك من تراجع حاد لأسهمها داخل البورصة .
و بشكل مختلف تماما؛ ارتبطت أزمة شركة دبي القابضة؛ التي تملكها إمارة دبي بإجراء هيكلي؛ تقدم عليه معظم الشركات الكبرى في العالم؛ و هو إجراء يرتبط بإعادة هيكلة الديون المستحقة على الشركة؛ و إعادة الهيكلة هذه لا تكون دائما بسبب عجز مالي؛ بل قد يكون إجراء هيكليا يتماشى و استراتيجية الشركة؛ على المدى المتوسط و البعيد .
إلى حدود الآن يكون التحليل اقتصاديا؛ يعتمد لغة الاقتصاد؛ و يسعى إلى تفسير المشاكل الاقتصادية على ضوء المعطيات الاقتصادية المتوفرة . لكن ما نريد أن نتوقف عليه في هذه الورقة؛ يختلف تماما؛ عن هذه المقاربة؛ التي لها –على كل حال- متخصصوها .
و ذلك لأن هذه الأزمة المالية؛ تجاوزت في الكثير من التحليلات (المتحاملة) حدود ما هو اقتصادي؛ و انخرطت في عويل إيديولوجي؛ لا يعبر سوى عن الحقد الدفين؛ تجاه إمارة تنتمي لدولة عربية صغيرة؛ استطاعت عبر شركة دبي القابضة منافسة كبرى الشركات في العالم؛ عبر استحواذها على استثمارات ضخمة؛ في جميع بقاع العالم .
و في الغالب؛ فقد انطلقت هذه التحليلات من رؤية مركزية أوربية-أمريكية؛ تعتقد أن غير الأوربيين و الأمريكيين؛ شعوب بدائية؛ لا يمكنها ن ترتقي إلى مدارج سادة العالم؛ الذين يمتلكون العلم و الأدب و الاقتصاد...و يوزعون منه بالتقسيط حسب إرادتهم.
و أغرب هذه التحليلات تلك التي تجاوزت بشكل مفضوح حدود ما هو اقتصادي؛ و انخرطت في مهاترات إيديولوجية؛ معتبرة أن هذه الأزمة المالية؛ ليست بالعابرة كغيرها من الأزمات التي عاشت عليها الشركات الأوربية و الأمريكية؛ و لكنها أزمة حضارة و عقل و إنسان !!!
فالعقل و منه الإنسان العربي عموما و الخليجي خصوصا؛ من منظور هؤلاء الإيديولوجيين؛ هو فاشل و متأزم بالفطرة؛ و تلك الإنجازات المتحققة ليست إلا صدفة عابرة؛ أما حقيقة العرب؛ و منهم الخليجيين؛ فهي حياة الصحراء و الجمال؛ لا العمارات و القصور و السيارات ... و قد انخرط فن الكاريكاتير ضمن هذه المهزلة؛ مصورا خليجيا يطل من عمارة آيلة للسقوط على خيمة منصوبة في الصحراء؛ و آخر يهم بالنزول من سيارة فخمة؛ و يهم بركوب جمل ...
كل هذه الجلبة؛ لا يمكنها سوى أن تؤكد الانحطاط الذي أصبح يعاني منه الفكر الغربي؛ و الكثير من العرب الذين يدورون في فلكه؛ و الذي يعاني من شوفينية مرضية؛ تدفعه إلى رفض كل آخر مختلف . و إمارة دبي –في الحقيقة- لا تشكل استثناء ضمن هذه الجلبة؛ فنفس الشيء حدث مع الصين؛ عندما دخلت نادي الكبار؛ من منظور حضاري مغاير للمنظور الغربي؛ فقد قامت نفس الجلبة؛ و صدرت التشكيكات من هنا و هناك؛ معتبرة أن الصين؛ لا تمتلك إمكانيات الغرب العقلية و الحضارية؛ التي تمكنها من مجاورته في نادي الكبار؛ فعقل الصيني سحري؛ و نظامه الاقتصادي و السياسي شيوعي؛ و كل هذا يتعارض بالتمام مع المنظور الغربي للحضارة و التقدم .
لقد فضحت-إذن- أزمة دبي كل الادعاءات التي تصدر عن الغرب؛ باعتباره موطن الاختلاف و التعددية؛ و باعتباره اقتصادا حرا؛ و فكرا ليبراليا؛ و نظاما ديمقراطيا.
و لنغتنم فرصة هذا النقاش لنؤكد من جديد أن ما وقع في إمارة دبي؛ يرتبط جوهريا بأزمة مالية؛ و لا يتعداها إلى شيء آخر؛ مثلها في ذلك مثل ما وقع في أوربا و أمريكا و روسيا و الصين و اليابان... و لذلك يجب ألا تتعدى هذه الأزمة حدودها الاقتصادية؛ و يجب أن يقاربها الاقتصاديون؛ من منظور اقتصادي ؛ لأن مجموع هذه التحليلات الإيديولوجية التي تعاني من أعراض مرضية؛ لا تسعى سوى إلى رسم صورة العربي على مقاسها الخاص؛ باعتباره ذلك الصحراوي المتقشف؛ الذي لا يفارق خيمته و ناقته.
و لعل هذه الصورة هي التي رسختها الكتابات الاثنوغرافية؛ و كرسها المستشرقون ؛ و هي الآن تسوق عبر السينما؛ و كل ذلك بهدف تقديم صورة نمطية مزورة عن امتداد حضاري عظيم خرج من آسيا و عم كل أرجاء العالم؛ من إفريقيا إلى أوربا إلى أمريكا .
و لنذكر هؤلاء بأن إمارة دبي؛ في نجاحاتها الاقتصادية؛ لا تشكل استثناء في التاريخ العربي منذ القديم؛ فقد سبقتها إلى هذا النجاح مكة قبل الإسلام؛ و التي كانت ملتقى طرق القوافل عبر العالم؛ و خصوصا بعد التوتر؛ الذي عاشته العلاقات الفارسية الرومية؛ كما تعتبر التجارة من اهتمامات العرب؛ أوصى بها نبي الإسلام؛ و مارسها شخصيا ؛ فلم يكن راهبا معتكفا في دير؛ بل كان يرافق القوافل التجارية منذ نعومة أظافره.
و يمكن في هذا السياق أن نورد الكثير منه الشواهد التاريخية التي تؤكد جميعا أن حقيقة العرب لا تتجلى في الخيام و الجمال و غيرها من مظاهر البداوة ؛ و لكنها تتجلى في النجاح الحضاري الباهر؛ الذي حققوه خلال مرحلة القحط الحضاري على مستوى العالم؛ لذلك فإن دبي ليست استثناء في النجاح العربي؛ و لكنها القاعدة؛ و أزمتها المالية العابرة؛ لا تتجاوز حدودها الاقتصادية؛ مثلها في ذلك مثل باقي الشركات الكبرى المتضررة عبر العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو ظبي.. تعاون أميركي إماراتي للتوعية من مخاطر النيازك والك


.. نشرة الرابعة | السعودية تعلن ارتفاع إنتاج الغاز.. وداعية كوي




.. إسرائيل تعلن تمديد فترة التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفل


.. وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان: إنتاج المملك




.. الإمارات.. مرصد روبوتي بصحراء أبوظبي يعمل على اكتشاف الكويكب