الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ثورة عراقية زرقاء عبر الفيس بوك
شاكر الناصري
2009 / 12 / 18حقوق الانسان
بعد مرور أكثر من ست سنوات من سقوط النظام البعثي الفاشي في العراق بفعل الاحتلال الامريكي ...وبعد ست سنوات من الارهاب والقتل والتشريد والتهجير والاختطافات والاغتيالات ..وبعد أن فشل الساسة الذي يحكمون العراق في وضع هذه البلاد وأهلها على سكة الامان وسكة الحقوق والاعتراف بالمواطنة كهوية أنسانية وفوق كل الهويات الزائفة الاخرى ..وبعد ان تلمس أهل العراق ان مساحة هائلة من أنعدام الثقة والخوف والتخوين والاتهامات تحكم الساسة والزعامات السياسية في العراق وأنشغالها بمصالحها ومصالح أحزابها وطوائفها وقوميتها بشكل تعسفي وعنصري ..فان الكثير من العراقيين أصبحوا يواجهون معضلة حقيقية في كيفية عيشهم في بلد تطحنه الخلافات والصراعت العرقية والارهاب والمصالح السياسية والفساد وامتهان كرامة الانسان ..ولعل ما قام به مجموعة من العراقيين عبر الفيس بوك هو محاولة من محاولات أعلان حالة السخط الذي يعم فئات وشرائح واسعة من العراقيين .
ففي مبادرة من الكاتب والسيناريت العراقي أحمد هاتف ،أطلق مجموعة من النشطاء العراقيين ، ثورة عبرموقع الفيس بوك أسموها الثورة الزرقاء بهدف إحداث تغيير في العراق ولفت الانتباه الى ما يحدث فيه من أوضاع مزرية ولاتدفع للاطمئنان ، بعد كل الذي حصل من دمار وكوارث حلت بهذه البلاد وأهلها وتخوفهم مما سيحدث لاحقا وبعد ان تبين ان الصراعات السياسية تقود البلاد نحو كارثة حقيقية وتحمل مخاطر تهدد أمن ووجود العراق برمته . (الازرق نهر بلا جثامين .وسماء بلا دخان .. ومدى دون ريبه . الأزرق انا وأنت والآخر دونما هواجس سوداء ..ونيات سوداء ..ودسائس علم دون أحمر ...ورايات دون سواد...ورجال دون غيبة أو تغييب وشعب دون تعليب ..الازرق نحن..) هكذا يقول أحمد هاتف في بيانه الاول في حين يقول أحد الناشطين معلقا على اللون الذي اختاروه لثورتهم ( ربما سيكون للعراقيين التفرد ..ثورتهم ليست بلون الدم ..أنها بلون السماء ..ثورة ليست من أجل الايدلوجيا والامتيازات ..إنها ثورة الرحمة بالانسان..) وكتب ناشط آخر( لأجلك ..لأجلنا لأجل الغد ...لليوم ..للمستقبل ..لطرد بقايا عدم المبادرة ..للمحبة ..للعدالة للمواطنة لكل شيء ..للعراق ..الازرق مساحة حرية ) ..أحدى الناشطات كتبت تقول (قد نختلف بالشكل..قد نختلف بالرأي...قد لانحب بعضنا بعضا ...لكن الأكيد اننا نحب الازرق..) في تعبير عن دلالات هذا اللون وشاعريته .
القائمون على مشروع الثورة الزرقاء دعوا الراغبين بالانظام الى هذه الثورة لأرتداء اللون الازرق والشارات الزرقاء ووضع الاعلام الزرقاء فوق أسطح المنازل يوم الاحد القادم ..تعبيرا عن المطالبة بوضع حد لما يحدث في العراق ...
المطالبة بالتغيير العاجل احتراما لكرامة العراقيين وحقنا لدماء الابرياء ..
هكذا هي أوضاع العراق والعراقيين كل يوم محنة وكل يوم محاولة ومسعى للتغيير والانقاذ ..
من أجل المواطنة والشعور بالأطمئنان فان وضع حد للخلافات السياسية وصراعات السلطة والنفوذ بات مطلبا ملحا ومصيريا بالنسبة للعراقيين جميعا..
ما يميز نشطاء الثورة الزرقاء انهم جمع من المثقفين والاعلاميين والفنانيين والسياسيين المستقلين ...ورغم فرادة اللون الذي أختاروه تعبيرا عن ثورتهم فأن ألوان الرايات السياسية الان باتت خالية من المصداقية ورموزا لحساسيات وتعصب قومي وطائفي عنصري بأمتياز ...جربنا كل الالوان وسرنا خلفها وحملنا راياتها فلعل الازرق لون وراية توصل الجميع الى بر الامان او تدفعهم لان يقولوا كلمة صدق واحدة مع ناسهم وأنفسهم ..
إن أهم ما يمكن تأشيره في مواجهة هذه الثورة وتقييم خطواتها الاولى ، وهو إن منطق الثورة ،حتى لو كانت حلما ، لم يزل باقيا وقادرا على أن يكون مغريا ومثيرا وأنه لم يسقط من حسابات الكثيرين ، رغم إن مراكز القوى والمؤسسات الاعلامية الناطقة بإسمها والساعية الى قولبة اذهان سكان العالم وفقا لمصالح ومتطلبات هذه القوى تسعى جاهدة الى أزاحة فكرة الثورة ومنطق التغيير من قاموس العالم السياسي والاعلامي وتحوبه الى مجرد ذكرى عابرة في مخيلة بعض الحالمين . كذلك فأن وقائع العالم الذي نعيش فيه وبعد سيل جارف من التغييرات والانهيارات التي طالت الأقطاب الدولية الكبرى والمتحكمة في مصير العالم لعقود طويلة وبعد ان عشنا عصر العولمة وثورة المعلومات التي نخرت كل الاسس المتهالكة وجعلتها في مواجهة الاسئلة الجدية ورغم مراحل الحداثة وما بعدها التي سعت الى أقناعنا إن منطق الثورة قد غادر الساحة والى الابد وإن العالم الذي نعيش فيه الان عالم يعيش على التفاهم ونبذ العنف وتعزيز الخصوصية والفردية في الحياة والعمل والواقع الاجتماعي وإن التطلع للثورة من أجل تغيير الواقع المرير الذي يحيا فيه الانسان في مناطق شاسعة من العالم محض خيال او لاجدوى من وراءه .
من السهل أن نحلم لان الحلم هو خيط النجاة من الأنهيار والجنون الذي يمكن أن نصل الى أدنى درجاته جراء الصدمات المتتالية التي نتلقاها كنتيجة مباشرة لممارسة الاستبداد والدكتاتورية والقمع والانفراد بالسلطة وحكم الحزب الواحد والشمولي ومصادرة المجتمع من قبل المليشيات المسلحة ، الرسمي منها وغير الرسمي فكلها تمارس أقصى طاقاتها من أجل أستلاب كرامة الانسان وتهميش دوره وتحويل حياته الى جحيم أو كنتيجة للحروب وانهيار الدولة وتمزق بنية المجتمع الذي نعيش فيه.. أو نتيجة لسطوة الدين وسلطة أحزاب الأسلام السياسي وتعزيزها للنزعات الطائفية والعنصرية أسوة بالنزعات القومية التي لاتكتفي بما لديها بل تريد المزيد حتى تتحول الى فقاعة قابلة للانفجار في أول مواجهة مع ما يحيط بها . المجتمع العراقي وحياة المواطن العراقي تحولت بفعل كل ما تقدم الى ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين قوى داخلية واقليمية عزمت أن تتقاتل حتى آخر قطر دم عراقية.
من السهل أن تطلق ثورة وسط عالم أفتراضي ، ثورة تكون محور نقاشات وتصورات وملاحضات عابرة أو جدية يغلب عليها طابع التمني والحلم ، ولكن في حالة الثورة الزرقاء فان الكثير من الاسئلة لابد وان تطرح حول جدية القائمين على هذا المشروع الطموح وطموحاتهم وأفكارهم ومشاريعهم المستقبلية ، نظرتهم الى المجتمع وممارسات الساسة والنظام القائم والمشاريع الطائفية والقومية ..أي افق يحملون ، بماذا يفكرون ؟؟. إن المواجهة الحقيقية هي في نقل الثورة من العالم الافتراضي حيث لادماء ولا مفخخات ولابطالة ولاتهجير ولا أغتيالات ولا كواتم صوت ولا أقطاعيات طائفية أو قومية ولا أسوار عازلة ولا أحزاب تسعى لمصادرتك تمام وكأنك لست بشرا يحلم وله آماله وطموحاته الأنسانية ، الى عالم الواقع المعاش لان ثمة مواجهة حقيقية ستكون او هي لحظة الانفصال الحاسمة بين الواقع والخيال الافتراضي ..هناك سنكتشف كيف تعيش الناس وكيف يواصل الأبرياء حياتهم في أنتظار حزام ناسف أو شاحنة ملغومة ، او كيف يواجه العاطل عن العمل حياته ومتطلباتها وكيف يتقزم طموح الشباب وأحلامهم في الحياة المرفة والسعيدة الى التطوع في سلك الشرطة أو الجيش بعد أن ضاقت بهم سبل الحصول على عمل يناسب شخصياتهم أو مؤهلاتهم العلمية وكيف تتمكن المرأة من تطوير قدراتها وتحقيق ما تطمح اليه ، حريتها وحقوقها ومساواتها الحقوقية والاقتصادية والثقافية والسياسية وكيف يواجه الطفل الصغير مناهج مدرسية متخلفة تحوله الى ببغاء يردد فقط وفي نفس الوقت فأن جميع هؤلاء سيكتشفون ما نسعى اليه وأذا ماكنا فعلا منهم أم نحن باعة كلام وتجار مناسبات ومتسلقي أكتاف . هناك سوف نسأل عن بديلنا للدولة والمجتمع ، للثقافة والاعلام ، للتربية والتعليم ، للحقوق والحريات ، و ما الذي نريده . والى أين نريد الوصول.؟؟ تلك هي الاسئلة الاولى التي تراودنا وتراد كل من يعنيه أمر ما يحدث في العراق رغم ان ثورة الزرق في اولى خطواتها ...
أمنياتي بالنجاح لجميع مناصري هذه الثورة ولمساعيهم في تغيير أوضاع العراق ونقله الى مرتبة يستحقها .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اعتقال ضابط إسرائيلي بإطار قضية التسريبات الأمنية.. ما التفا
.. هاريس وترامب يحاولان استقطاب الأقليات في ولاية ويسكونسن
.. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى الحضري
.. كلمة المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البش
.. تغطية خاصة | طرابلس تحتضن النازحين إليها من جنوب لبنان والبق