الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين ساقيها وعقلها

نضال الصالح

2009 / 12 / 19
الادب والفن


إعتلى صوت الصفارة معلنة الإذن للقطار الدولي بالتحرك وبدأ القطار يتحرك كالأفعى السوداء مغادرا محطة براغ. كنت في المقطورة لوحدي اهم بفتح حقيبتي اليدوية وإخراج كتاب للقراءة عندما فتح باب المقطورة ورأيتها واقفة في وسط باب المقطورة، موشحة بالوهج الشمسي المسلط عليها من النافذة المقابلة فبدت وكأنها ملاك قادمة من الغيوم السماوية. لم أدر كم كان مدة وقوفها ولكن عيوني إستطاعت في لحظة خاطفة من ذلك الزمن المجهول أن تقوم بالمسح التصويري لجسدها الفاره المتناسق من رأسها إلى أخمص قدميها وشعرت بأن نظراتي قد إخترقتها والتصقت بقوامها حتى أنني لم أسمع أي كلمة قالتها ولكنني فهمت انها تسألني إن كنت أسمح لها بالجلوس. خرجت من فمي حشرجة غير مفهومة دعمتها بإشارة من يدي تعني الف نعم.
شكرتني واستدارت لتضع حقيبتها الصغيرة على الرف فلحقتها نظراتي كما تلاحق نظرات الناقد صورة زيتية لفنان مشهور باحثا عن مأخذ فلا يجد إلا عملا فنيا متقنا خال من أي عيب. جلست على المقعد المقابل واضعة ساقا على ساق فإنحسر الفستان قليلا فوق ركبتها كاشفا مساحة قليلة من ساقها فبدت ساقاها كشلال من عصير الحسن المفترس.
تسمرت نظراتي على ساقيها وكأنما دقتا بمسامير فولاذية وأخذت اعاتب نفسي: " إحترم شيبتك يا رجل!" ولكني لم أستطع أن أقلع نظراتي بالتخلي عن تلك الساقين المتحديتين. إلتقت نظراتنا فابتسمت كأنها تقول، نعم أنا واعية لنظراتك، فانطلقت من فمي دون وعي مني كلمات "أعذريني أنا آسف، لم أستطع أن أمنع نفسي". ضحكت وقالت:" لا حاجة للإعتذار فنظراتك لا تؤذيني."
شعرت بالإرتباك وقلت لها: أتعنين أنني رجل عجوز ليس مني أي خطر؟" ضحكت مرة أخرى وقالت: " لا، لم أعن ذلك، ولكنني كإمرأة إعتدت أن أفرق بين النظرات، فبعضها يعبر عن الإعجاب وهي ليست خطيرة وأخرى تدل على النهم الجنسي وهذه أخافها." ثم أضافت: " ليس للعمر هنا أي دور."
عم الصمت المقطورة وأخذت أتصفح أوراق كتابي عله يلهيني ويخفي إرتباكي ولكنني سمعتها توجه إلي الكلام وتقول:" أرجو المعذرة، فمن أي بلد أنت؟" أجبتها سائلا وهل هو ظاهر على وجهي انني غريب؟" فأجابت أنت تتكلم التشيكية جيدا ولكن هناك في كلامك لكنة غريبة، هذا بالإضافة إلى أن شكلك يدل على أنك من بلد ما من الشرق أو من جنوب أوروبا." قلت لها أنا عربي من فلسطين.
نظرت إلي لحظة كأنما هي تدرس ملامحي ثم قالت: " لقد كان معي في الجامعة بعض الطلاب العرب ومنهم فلسطينيون ولكنني في الواقع لم أعرفهم لأنه لم يكن بيننا أي تواصل." قلت لها هذا من سوء حظهم." ثم سألتها إن كانت تعرف شيئا عن فلسطين وقضيتها فأجابت بأنها تعرف ما تسمعه من الأخبار وأنها تعتقد أن المشكلة طالت كثيرا حتى ما عادت أخبارها تثير الناس." ثم أضافت قائلة:" في الحقيقة أنا مهتمة بالإسلام وأحاول في أوقات فراغي وعندما تسنح لي الفرصة أن أقرأ ما يكتب عن الإسلام كدين وعقيدة." صمتت لحظات ثم سألتني إن كنت مسلما فأجبتها بالإيجاب وأضفت سائلا: " لماذا يهمها الإسلام؟ فأجابت: " لأنه أصبح قريبا منا في أوروبا وأريد أن أفهم هذا الجديد، القادم إلينا من الشرق، هل هو صديق أم عدو؟ أحاول أن أتفهم الإسلام على حقيقته، وقلما أجد كتبا باللغة التشيكية أو السلوفاكية عن حقيقة الإسلام وأخبار الصحف والإعلام لا تهمني فهم يبحثون عن الأخبار المثيرة كأخبار القاعدة وإبن لادن والمرأة خلف النقاب والزواج من أربعة وما إلى ذلك، ولكنني قرأت عن الإسلام الصوفي وأعجبني ما قرأت."
لم أعد أنظر إلى ساقيها وتمعنت النظر في وجهها الجميل وعينيها الواسعتين وبانت لي أكثر جمالا، ثم فتحت حقيبتي الصغيرة وأخرجت كتاب صدر لي قبل فترة باللغة التشيكية تحت عنوان " مأزق الخطاب الديني- الإسلام ضد المسيحية، صراع ديني أم صراع مصالح" وقلت لها: " أود أن أهديك هذا الكتاب وأظن أنه سيعجبك".
أخذت الكتاب من يدي وقلبت صفحاته ثم نظرت إلي وقالت: " هل أنت مؤلف الكتاب؟ هذا جميل منك وسأقبل الهدية بسرور وأكون سعيدة إن كتبت لي بعض كلمات إهداء." أخرجت القلم من جيبي ومددت يدي وأخذت من يدها الكتاب وفتحت الصفحة الأولى ونظرت إليها وانتظرت." فهمت معنى إنتظاري فأخرجت من حقيبة يدها كرتا صغيرا وقدمته لي.
قرأت الإسم والمعلومات المسطورة على الكرت فإنبهرت- الدكتورة......، دكتوراة في الفيزياء الكمية، دكتوراة في الفيزياء الذرية، مديرة قسم الطب الذري في أكاديمية العلوم السلوفاكية، ممثلة الأكاديمية السلوفاكية للبحوث الطبية الذرية في الإتحاد الأوروبي.
كتبت بعض كلمات الإهداء باللغة السلوفاكية وأضفت إليها بعض الكلمات بالعربية ووقعت إسمي باللغتين وقدمت لها الكتاب. أخذته مني وشكرتني ثم سألتني عن معنى الكلمات بالعربية فقلت لها: " معناها أنك جميلة العقل والروح والجسد، جمال عقلك وروحك ألهياني عن جمال جسدك. " ضحكت وقالت: شكرا على الكلمات وشكرا على الكتاب، سأقرأه في عطلة الأسبوع.
تحدثنا طويلا، عن فلسطين وعن العرب والإسلام وعن الفيزيا الكمية والفيزياء النووية ومجالاتها الطبية. أخبرتني أنها كانت في بروسل، عاصمة الإتحاد الأوروبي، لحضور مؤتمر يتعلق بتطبيق الفيزياء النووية في الطب. تحدثنا وتحدثنا ولم أدر كم مر علينا من الوقت إلى أن سمعت صوت السماعة في الكابينة تعلن عن دخولنا محطة براتسلافا.
قمنا، ساعدتها في إنزال حقيبتها عن الرف فشكرتني ثم قالت:" سيارتي في موقف المحطة، بإمكاني أن أوصلك حيث تريد." شكرتها وقلت لها أن إبني سيأتي لمقابلتي. غادرنا القطار وتوجهنا نحو قاعة الخروج. كان إبني واقفا في وسط القاعة في إنتظاري، قدمته لها قائلا : هذا إبني الصغير ويحمل نفس إسمي. صافحته وقدمت نفسها ثم صافحتني مودعة فقبلت يدها وأعدتها لها مكرها. تركتنا وتوجهت نحو موقف السيارات ونحن ننظر إليها نودعهها بعيون الإعجاب. نظر إبني إلي وقال: " جميلة جدا" فقلت له: لو تر عقلها يا بني فهو أروع و أجمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا شيء جديد
آريين ( 2009 / 12 / 19 - 16:00 )
الموضوع ببساطة شديدة رجل وامراة ودائما رجل وامراة ليكون العالم اجمل، فهل نعتبر اللقاء لحظة عابرة ام وقفة مع الذات لمعرفة كم من المحطات نعبر يوميا ونتحسر باستمرار على شرقنا الذي يضيع مع الايام، عشت في براتسلافا ليومين واعلم ماذا يعني الجمال هناك ، تحية لك وانت ميزت جيدا ما بين ساقيها وعقلها ولعل ما يوحد بين الاثنين اكثر بحثنا الدائم عن امراة تعرف اكثر من الجنس واللون الهادئ... امنياتي لك

اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي