الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية في التعداد السكاني المرتقب

هاشم نعمة

2004 / 6 / 19
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لاشك إن أي خطط للتنمية الاجتماعية – الاقتصادية وفي أي بلد لا يمكن أن تكون ناجحة دون أن تستند إلى معطيات إحصائية موثقة . وأحد أهم مصادر تلك المعطيات أن لم يكن أهمها جميعا هي التعدادات السكانية العامة . وقد عرف العراق عدد منها منذ قيام الدولة العراقية في عام 1921 . وكانت أول محاولة للتعداد قد جرت في عام 1927 لكنها لم تشمل جميع مناطق البلاد لذلك أُلغيت نتائجها . ونظم تعداد آخر في 1934-1935 كان الغرض منه توفير معلومات للتجنيد العسكري الذي اصبح إلزاميا منذ ذلك التاريخ . وفيما بعد نظمت تعدادات في الأعوام 1947 و1957 و1965 و1977 و1987 و1997 . وبالرغم من تحسن المواصفات الإحصائية لهذه التعدادات مع مرور الزمن واستفادتها من توصيات الأمم المتحدة بدءا من تعداد 1977 إلا أنها احتوت على ثغرات ونواقص . فمثلا تعداد عام 1947 لم يشمل العراقيين المقيمين في الخارج . أما تعدادي عامي 1987 و1997 فقد جرى الأول في زمن الحرب العراقية –الإيرانية والثاني لم يشمل إقليم كردستان . إضافة لذلك فإن غالبية العراقيين المقيمين في الخارج قاطعوا هذين التعدادين خوفا من ملاحقات النظام الأمنية . والتعداد الأخير بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على إجرائه إلا أن معطياته الإحصائية المفصلة لم تنشر حتى سقوط النظام في نيسان 2003 .

الآن وبعد أن أعلنت وزارة التخطيط تاريخ 12-10 2004 موعدا لإجراء التعداد السكاني العام يفترض أن تجري تعبئة إعلامية رسمية وشعبية شاملة داخل العراق وخارجه من أجل إنجاحه ليكون علامة فارقة في تاريخ توثيق المعطيات الإحصائية العراقية . إن الحملات الإعلامية الفعالة تساهم بشكل أساسي بزيادة فهم الرأي العام لأهداف التعداد ومن ثم تحسن معدلات استجابة المواطنين وترفع من جودة المعطيات المحصل عليها . وفي الظروف الانتقالية التي يمر بها العراق يحتاج الخطاب الإعلامي أن يرتقي إلى مستوى إقناع المواطن بأن هذا التعداد يختلف عن سابقيه . وأن يستفيد المشرفون عليه من كل نواقص وثغرات التعدادات السابقة التي نظمت جميعها في ظل أنظمة قمعية واستبدادية . وأن يكون أكثر شفافية ويغطي وبشكل دقيق كل البنى الديمغرافية والاجتماعية – الاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية والبيئية وغيرها من نواحي الحياة . ولكي يكون ناجحا لابد أن يرسم صورة واقعية لكل مكونات المجتمع العراقي في داخل العراق وخارجه . فمثلا لكي نتعرف على البنية الدينية يجب أن تتضمن الاستمارة الإحصائية حقولا تخص ليس الدين فقط وإنما المذهب أو الطائفة وأن يترك للمواطنين حرية تحديد ذلك لأن الدين من وجهة نظرنا مسألة شخصية وليست وراثية . ليس الغرض من ذلك الاستفادة من تلك المعطيات للمحاصصة السياسية – الطائفية وهذا ما نرفضه بالقطع وإنما لنتعرف على تجليات اجتماعية واقتصادية وثقافية وروحية لها علاقة بالبنية الدينية . - إذا أخذا أي أطلس صادر في الدول الغربية نرى السكان المسيحيين موزعين على الخرائط جغرافيا حسب مذاهبهم مثل البروتستانت والكاثوليك وغيرهم - ولتكون هذه مادة يستفيد منها الباحثون في رصد وتحليل واستنتاج التغيرات الحاصلة في بنية المجتمع العراقي . ونحن نعرف أن نسب توزيع السكان اثنيا ( قوميا ) ودينيا ومذهبيا لا يمكن أن تكون ثابتة وإنما يطرأ عليها التغيير حيث هناك ثلاثة عوامل تتحكم في هذا التغيير هي : التباين في معدلات الولادات والوفيات وصافي الهجرة الداخلية أو الخارجية .

وبما أن التعداد السكاني عملية معقدة ومكلفة فهو لا ينظم في فترات قصيرة .ففي الكثير من الدول ينظم كل عشر سنوات . وهناك حاجة لتطوير إدارة التعداد بشكل جيد للتأكد من أن المعلومات المحصل عليها يمكن الاستفادة منها إلى أبعد حد في تعدادات المستقبل . وبما أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين سيشاركون في التعداد لديهم خبرة محدودة في مجال جمع الإحصاءات لذلك من المهم أن تنظم لهم دورات تدريبية لفهم المسائل التالية : أهمية الواجبات التي يقومون بها . معرفة الأمور التقنية للتعداد من أجل إنجاز أهدافه . الحفاظ على خصوصية المعلومات . وقد نظمت مثل هذه الدورات في تعداد 1977 إلا إنها كانت بعيدة عن الإعداد الجيد . ويجب الابتعاد عن قسر أو إجبار الموظفين والمستخدمين على المشاركة في عملية جمع البيانات كما كان يجري في الأنظمة السابقة وتقديم مكافآت مادية ومعنوية للمشاركين منهم في التعداد .

وبعد الانتهاء من عملية التعداد ومعالجة البيانات يجب أن تنشر النتائج بصورة سريعة وأن لا تبقى حكرا على الجهات الرسمية المنفذة . وأن يعاد النظر بشكل جذري بالمجموعة الإحصائية السنوية التي كان من المفترض أن تصدر سنويا عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط فيما يخص محتوياتها وأن يغطي ما ينشر فيها كل وحدات العراق الإدارية بما فيها الصغيرة منها .حيث في ظل النظام السابق كانت المعطيات الإحصائية تنشر على مستوى المحافظات فقط وهذا ما يحجب الرؤية لكثير من البيانات والمتغيرات على صعيد المدن والقرى التي تدخل في حدود المحافظات . وهذه مادة يستفيد منها الباحثون لتحليل واستنتاج التغيرات الحاصلة والاستفادة منها في رسم خطط التنمية ووضع التوقعات المستقبلية في الجوانب الديمغرافية والاجتماعية - الاقتصادية .يقينا أن النظام السابق كان يلجأ لمثل هذا التعميم لأغراض أمنية ولكي لا يكشف عدم التوازن الصارخ في تنمية مناطق البلاد المختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد