الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يروج فلسطينيون لمشاريع صهيونية ويُحتفى بالمطبعين؟!

محمود عبد الرحيم

2009 / 12 / 19
القضية الفلسطينية


من المؤسف حقا ان تتحول احتفالية سينمائية تنسب نفسها للقدس وللثقافة العربية الى منبر للترويج لافكار هدامة تنسف جوهر النضال والحق الفلسطينين ،علاوة على احتفائها بدعاة القبول بالكيان الصهيوني ، كما لو كان المنظم المركز الاكاديمي الاسرائيلي في القاهرة، وليس المركز الاعلامي والثقافي الفلسطييني.
ولا ادرى كيف حدثت هذه الفعلة التى ارها خطيئة في حق القضية الفلسطينية في اخطر مراحل صراعها مع العدو الصهيوني الذى يريد بكل السبل تصفية القضية ليس فقط على الارض، وانما في الذاكرة الجمعية ايضا
،عبر الترويج لثقافة مسمومة تكرس لقبول الضحية بالجلاد وعفا الله عما سلف ،ولنبدأ صفحة جديدة ونرمى وراءنا او نقفز على اية حقوق وثوابت ،ونقبل بالامر الواقع ومبدأ شئ افضل من لا شئ ،بدلا من اضاعة العمر فى صراع غير متكافئ ومزيد من الخسارة والعذابات.
ان تورط المركز الاعلامي والثقافي الفلسطيني وسفارة فلسطين في القاهرة في مثل هذه السقطة يشير ربما الي جهل تاريخي وغباء سياسي وافتقاد الحد الادنى من الوعي الثقافي الذي يمكن من قراءة عمل سينمائي يدس السم في العسل ، أو يدرك كيفية مواجهة الاختراق الثقافي الصهيوني ،ومحاولات ضربنا من داخلنا وبايد من هم بيننا ،وربما انهم يوافقون على مثل هذه الرسائل المشبوهة ، ولا يجدون غضاضة فى المشاركة في تسويقها وتسويق الحل الامريكي الصهيوني للصراع بمنظوره الآحادي الجبري وغير العادل.
ولا ادرى على اى اساس يتم الاحتفاء بعرض اعمال لمخرجين تورطوا في التطبيع مع اسرائيل مثل المصرى يسري نصر الله الذي اصر على المشاركة مؤخرا في مهرجان تورنتو السينمائي الذي احتفى بالكيان الصهيوني رغم انسحاب مخرجين كنديين واوروبيين ، الى جانب ان فيلمه" باب الشمس" في جزئه الثاني يكرس للقبول باتفاقات اوسلو وحتمية التنازل من منظور الواقعية ،ويُلمح الى اسقاط حق العودة ،ويشير رمزيا لانتصار اسرائيل باختتام الفيلم بعلم اسرائيل الذي يتسيد.
والى جانب نصر الله يتم الاحتفاء بالمخرج مشيل خليفي وعرض واحد من اعماله ،رغم انه سبق وقام بعمل فيلم مشترك مع المخرج الاسرائيلي ايال سيفان بعنوان " الطريق 181" ، ذلك الفيلم الذي يشوش على اصل الصراع ،وحقائقه ،ويبرر الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة ،ويختصر المشكلة ويحملها فقط للنخبة العسكرية والحركة الصهيونية ،وكأن بقية الشعب الاسرائيلي ابرياء وودعاء ،وغير متورطين في جرم احتلال وتشريد شعب ،والحلول محله بغيا وعدوانا.
ويبدو فيلم شرين دعبس" امريكا" المنتج حديثا بتمويل امريكي قمة الخطيئة ، لذا يحتاج منا الى وقفة اطول ،كونه يبدو جذابا وبسيطا وتوافرت له ميزانية كبيرة ،ما يجعله يمتلك امكانية التأثير، خاصة على جمهور الشباب الذي
صار يعاني من حالة تشوش ثقافي واختلاط للمفاهيم ،ويواجه هجوما تطبيعيا احيانا بشكل جلى ،وفي احيان اخر على نحو خفي.
فالفيلم يبدو من قراءته المباشرة السطحية انه يناقش معاناة امراة فلسطينية تقرر الهجرة لامريكا هربا من مضايقات قوات الاحتلال اليومية خاصة على الحواجز، وخوفا على مستقبل ابنها ، من خلال قالب اجتماعي لا يخلو من كوميديا الموقف التى تنطلق من بعض المفارقات ،ومن اللعب بالالفاظ والمعاني المتناقضة لبعض الكلمات في العربية والانجليزية ، مثل "مات" و"كش ملك" ، الى جانب الملامح الخارجية للبطلة التي تميل للبدانة والسذاجة والثرثرة.
لكن اذا قرأنا الفيلم في اطاره الدلالي الاعمق وتوقفنا عند الرسائل التى يراد بثها والمفاهيم التى يراد تكريسها سنكتشف خطورة هذا الفيلم وما يرمي اليه بدءا من اسم الفيلم"امريكا" الذي يحيلك الى الوضعية التاريخية لهذا البلد الذي نشأ على انقاض سكانه الاصليين الهنود الحمر والذي صار الاقوى في العالم بحكم قدرته على صياغة مجتمع جديد بثقافة جديدة تصهر كل الهويات والاثنيات ،وتمحو اي اثر للخلفية الماضوية ،وهو النموذج الذي يراد اخذه في الاعتبار، وتمثله في حالة الصراع العربي الاسرائيلي وهذه هي الرسالة الاولى.
وقد سعت المخرجة الى التأكيد على هذا المعنى بان جعلت بطلة الفيلم الفلسطينية تندمج سريعا في المجتمع
وتجد تقبلا ،رغم الحديث عن العنصرية التى صورتها بانها طارئة ومرتبطة باحداث مثل غزو العراق وقبلها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ومساحة سوء الفهم وعدم المعرفة بالاخر، الى جانب انها حصرت العنصرية اكثر في فئة الشباب الصغير المتهور.
ثم حرصت على خلق حالة الفة سريعة بين مدرس ابنها التى توجست حين صرح لها بانه يهودي، لكن حين اقتربت منه وعرفته عن قرب احست كم هو رجل طيب ودود وشهم ،ويهب لنجدتها حين تلجأ اليه ويعامل برقي، على العكس من تجربتها المريرة مع زوجها الذي تركها بعد ان زاد وزنها صارت وذهب لامرأة اخرى.
وهذه هي الاشارة الثانية او الصورة التي يراد توصيلها بشكل غير مباشر ، ان رفض العربي لليهودي او الصهيوني بمعنى اصح، يأتي عن سوء فهم وتجني، في حين ان ثمة فرصة حقيقية لو اسقطنا ميراث الماضي للتعايش في سلام ، لدرجة انك قد تجد لديه ما افتقدته مع من كنت تظنه الاقرب اليك وتكتشف ان هذا الغريب هو الافضل والاكثر تحضرا.
ثم ان عمل المرأة نفسه يحمل اشارة رمزية ،فهو معادل للحقوق الفلسطينية فالبطلة في الماضي وقبل ان تأتي لامريكا كانت في وضعية مهنية افضل ،حيث كانت تعمل موظفة في بنك ،وان كانت انسانيا تعيسة ، لكن في العالم الجديد لم تستطع ان تأخذ نفس الفرصة وعملت كعاملة في مطعم ،واذا ما قارنا حالتها في الوضعيتين نرى انها افضل في الثانية ،حيث الشعور بالاستقراروالرضاء اكثر ،خاصة ان من حولها يتقبلها كما هي ولا ينظر اليها باستهجان او رفض ، وهذه رسالة اخرى انك قد تأخذ اقل مما توقعت او تسعى، لكنك ستحصد الامن والاستقرار.

وثمة وقفة عند حق العودة لا يمكن تجاهلها ،فالاخت المهاجرة لامريكا منذ 15 عاما تتحدث عن رغبتها للعودة للتخلص من مظاهر العنصرية في امريكا ،لكن الامر بالنسبة لها ليس سوى لحظات انفعال ،نتيجة حالة احباط وفتور يعتري علاقتها بزوجها ليس الا ، فبمجرد ما ان تتحسن علاقتها برجلها تكف عن مثل هذا الحديث ،خاصة انها تردد انها لا تعرف اذا ما تركت امريكا الي اين ستذهب ، والمهاجرة الجديدة بعد ان تشعر بان الحياة في امريكا ليست كما حلمت وتصورت يأتيها اتصال هاتفي من امها في الارض المحتلة يذكرها بالمعاناة وما تعرض له اخوها من احتجاز وضرب من قبل جنود اسرائيليين فتكف عن التفكير في العودة وتتمسك بحياتها الجديدة.
وحين يحدث حوارا حول الوطن وخصوصيته وتشعر القادمة الجديدة بالانزعاج والندم لانها اضاعت هدية من الام"حلوى المعمول" تحدثها الاخت الكبرى المهاجرة ان كل شئ هنا ،وتأخذها في جولة بالسيارة لتريها محلات عربية ومطاعم فلسطينية في امريكا، وكأن الوطن ايقونة وشعور نفسي ليس الا ، يمكن الاستعاضة عنه او خلق عالم مواز له بكل التفاصيل. وهي اشارة الي حق العودة وعدم جدوى التمسك به ، خاصة ان الداخل الفلسطيني ليس به ما يغري علي العودة او البقاء.
ويبدو مشهد النهاية اكثر تجسيدا لرسالة التعايش المشترك الوهمية، وقبول كل من الفلسطينيين والاسرائيليين لبعضهما البعض بصرف النظر عن ميراث الدم والتشريد ، بان جعلت المخرجة السيدة الفلسطينية تصر على مشاركة صديقها اليهودي لعائلتها في حفل غداء ، يزينه طعام عربي و موسيقي وغناء عربيين ، ثم الانتهاء برقصة مشتركة تجسد حالة الانسجام والالفة والحميمية.
وكأنه دعوة صريحة للجانب الفلسطيني بان يبادر للتسوية، لانه تلكؤه ليس في صالحه، فالمكسب على مرمى حجر.
وبعد، اليست هذه دعوات شريرة تضرب في عمق القضية الفلسطينية وتجعلنا نرتاب في مثل هذه العروض السينمائية التى لا تقترب من الهم الفلسطيني الحقيقي، ولا تحرض على التمسك بالحقوق، وانما على التنازل والاستلاب الثقافي، وخدمة مشاريع العدو ومخططاته، واليس من العار استغلال مناسبة كالاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية كباب خلفي للتطبيع وتزيف الوعى وترديد الطروحات الصهيونية.
ويحضرني هنا اسم فيلم المخرج المصري توفيق صالح " المخدعون" الذي ينطبق علي هؤلاء الذين يصح كذلك ان نطلق عليهم ايضا"المخادعون" ،اولئك الذين يدعون انتمائهم لنا ، فيما تحركهم اهواؤهم الشخصية ومصالحهم الانتهازية، وقد حرص فيلم هذا المخرج الجدير بالتقديرعلى تسليط الضوء على دورهم في النيل من القضية الفلسطينية والتآمر عليها.
*كاتب صحفي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل