الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى الساعات الأخيرة في حكم آل مبارك

هويدا طه

2004 / 6 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أربعة أحداث وقعت في مصر مؤخرا، تشير إلى حالة من الفوضى يعيشها المصريون، حالة تصاعدت تدريجيا خلال فترة وقوع الشعب المصري في قبضة عائلة آل مبارك، الحاكمة منذ نحو ربع قرن، وواجهها المصريون بصبرهم المعروف تاريخيا، لكن وصول الفوضى إلى ذروتها في الأشهر الأخيرة جعل المصريين يشعرون بأن صبرهم صار(عبثيا)، وبدون الترتيب الزمني لتلك الأحداث فإن إحداها: مصادرة الأزهر لرواية(سقوط الإمام)التي نشرت منذ نحو عشرين عاما، وهي إحدى مؤلفات الدكتورة نوال السعداوي(كاتبة ليبرالية علمانية)، وثانيها: مقتل(أو قتل)المهندس أكرم الزهيري- الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين- أثناء اعتقاله بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وثالثها: الحكم بالسجن لمدة عامين على الدكتور أحمد عز الدين- الأستاذ في الاقتصاد- بعد كتابته عدة مقالات تشير إلى موازنات الدولة المالية، مدعمة بأرقام وإحصائيات أقل ما تشير إليه هو خراب مصر وقرب إعلان إفلاسها، ثم رابعا: إشاعات وغمز ولمز عن زيارة خاطفة بعد منتصف الليل، قام بها جمال مبارك(ابن الرئيس)إلى منزل الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء، وقبلها تكهنات حول سبب إلغاء جلسة للبرلمان وخروج رئيس المجلس إلى منزل الرئيس بعد وصول ورقة إلى يده أثناء انعقاد الجلسة ، في ظل تكهنات بأن الزمن فعل فعله مع رئيس، وصل عمره إلى خمسة وسبعين عاما، ثلثه قضاه- ولا يزال- ممسكا برقبة مصر الصابرة حتى العبث والعدمية.
السبب في القول بأن هذه الأحداث الأربعة تشير إلى حالة من الفوضى، هو أنها تخبط في كل الاتجاهات، فالدكتورة نوال السعداوي مؤلفة رواية(سقوط الإمام)معروفة بأنها كاتبة ليبرالية علمانية، متمردة على ثقافة اجتماعية مهترئة مختبئة وراء عبارة(العادات والتقاليد)، وهي عبارة خبيثة تتستر على قبح ثقافي واجتماعي تعيشه مصر وورثه المصريون من تراكم تاريخي طويل مجهد، والدكتورة نوال شخصية تتحدى هذا القبح الاجتماعي وتتحدى الغيبوبة الدينية التي يعيشها الشعب المصري، وتتحدى ما وصفها جمال حمدان في كتابه عن(شخصية مصر)بالسلطة(الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول)، وهي تواجه تعتيما إعلاميا رسميا متعمدا داخل مصر، كما تواجه بشجاعة كراهية مشايخ الأزهر والمتأسلمين في كل أرجاء مصر، بسبب جرأتها في التصدي لثقافة الخرافة المتخفية بالدين، الدولة إذن وإن لم تصادر رواية سقوط الإمام مباشرة، فقد منحت الأزهر هذا الحق، الذي يتطلع إليه رجاله ليعيشوا دور محاكم التفتيش التي عاشتها أوروبا في عصر الظلام، ونفس تلك الدولة التي تواجه العلمانيين المتمردين عليها بإلقائهم بين أيدي مشايخ الأزهر، ليفترسوهم على طريقتهم، هي التي تعذب وتقتل آلاف الشباب المنتمين للتيار الإسلامي- ورغم الاختلاف الجذري مع رؤية هؤلاء الناس التي تنظر إلى المستقبل بعيون ماض ميت- فإن قتل وتعذيب البشر لاختلافهم في الرأي والرؤية هو بربرية، حلم المفكرون والفلاسفة في كل الأمم بتجاوزها، للعيش في عالم سوي تتحقق فيه العدالة، فالوحشية التي قتل بها المهندس أكرم الزهيري حيث وثقت يداه وساقاه وألقي في سيارة مصفحة ظلت تتخبط طوال الطريق، وعندما وصل إلى المعتقل كان عموده الفقري مهشما ورأسه نازفا، لكن السلطات تعمدت عدم نقله إلى أي مستشفى وترك يموت في زنزانته، هذه الوحشية ليست حالة فردية، فكل تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية تؤكد أن تعذيب المعارضين للسلطة في مصر- إسلاميين كانوا أو غير ذلك- صار تعذيبا ممنهجا، ووصل إلى ذروته في العقدين الأخيرين، ولم يعد حتى في المعتقلات البعيدة في الصحاري وإنما صار في أقسام الشرطة على مرأى ومسمع عابري الطريق، وآخر تقرير لمنظمة حقوقية مصرية عن أحوال التعذيب في مصر يقول بأن بعض طرق التعذيب أصبح لها اسم تعرف بها، وأحدثها طريقة(أبو غريب)!، حيث يعرى المعتقلون البؤساء وتغطى رؤوسهم بأكياس سوداء، وتمارس عليهم كل البشاعات التي تعلمها ضباط مصريون- مرضى نفسيا- من صور سجن أبو غريب في العراق، لكن الفوضى لا تقف فقط عند مهاجمة الدولة للعلمانيين والإسلاميين على حد سواء، وإنما حتى طالت من يتحدث بلغة علمية صرف، مستخدما أرقام الدولة نفسها، لينتقد المسار الاقتصادي المصري نحو الهاوية، فها هو الدكتور أحمد عز الدين الذي دأب على المطالبة بإقالة حكومة عبيد التي تم خراب مصر على يديها، وتم في عهدها اغتيال المصريين اقتصاديا، حتى صار الفقر ينهش- فعليا وليس مجازيا- أجساد المصريين، وانتشرت لأول مرة في تاريخ الفقر المصري حوادث الانتحار فقرا وقتل الأبناء بسبب الفقر والجوع، لم يقل الدكتور أحمد عز الدين في مقالاته شيئا سوى تحليل أرقام الحكومة التي تصدرها رسميا، لكنه قدم لمحاكمة وحكم عليه بالسجن عامين آخرين، وهي ليست المرة الأولى فقد خرج من السجن منذ أشهر لنفس السبب، كل تلك الفوضى المؤلمة للمصريين اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، تأتي في ظل حكم لا يشغل بال قمة هرمه سوى ترتيب إجراءات تسليم التركة المصرية إلى نجل الرئيس، الذي لم يشبع نهمه ربع قرن من الزمان بل يريد مد أجل ملكية مصر لعائلته من بعده، رغم تذمر المصريين من(حكاوي التوريث)التي شغلنا بها على مدى السنوات الماضية، وصارت تكهنات الصحف حول تغيير حكومي قادم في مصر تتبع تلقائيا خطى جمال مبارك، حتى أن زيارته في منتصف الليل إلى منزل رئيس الوزراء، رأت فيها بعض الصحف محاولات الساعة الأخيرة من أجل(ترتيب الأمر)لابن الرئيس، وهو ترتيب يتم في الظلام من وراء ظهر المصريين المذهولين، وحتى لو علموا وتأكدوا أو تذمروا فإن قوة البوليس جاهزة لتأديب الجميع.
الفوضى العارمة في مصر صنعتها إذن دولة ليس لأجهزتها هدف، سوى الحفاظ على حالة الشلل القائمة، التي تضمن لأسرة مبارك الاستمرار في تملك مصر من جيل إلى جيل، ويستفيد منها بضع لصوص حوله، فتحولت إلى دولة بوليسية تغتال الناس علنا، وتهددهم بالسلاح وتسرقهم وتذلهم داخليا وخارجيا، بغض النظر عن انتماءاتهم وأهدافهم وطبقاتهم.
وإذا كان مبارك يتحصن بقوة بوليسية غاشمة ليقوم بترتيب الأمر لابنه في الربع ساعة الأخيرة، فالشعب المصري- الذي صبر على الصبر نفسه- يحتاج إلى تكتل مضاد ليرتب الأمر بما يناسبه، وحتى لا نسقط في فخ الحلول الإنشائية على صفحات الجرائد، فإن عامة المصريين لا يستطيعون المبادرة فهم في ذهول وضجر وعجز، وواقعين بأجمعهم تحت تهديد السلاح البوليسي للدولة، لكن الفرصة الأخيرة المتاحة - ونحن في الربع ساعة الأخيرة من حكم فاسد ظالم- هي الأمل في تكوين مثقفي مصر الكبار- ذوي الأسماء التي تضمن لهم شيئا من الحصانة- جبهة وطنية لا تناشد الرئيس وإنما(تعزله)، لا تطالب بإصلاح مائع وإنما(تصدر قرارا)بعزل رموز هذا الحكم من قمة هرمه إلى خدمه، هذا حدث تاريخيا لأمم أخرى ، بل حدث حتى في بلدنا، رغم ما عاناه من استبداد على مر تاريخه جعل الشعب المصري في نظر كثير من المؤرخين، شعبا يميل إلى استمراء الإذلال ، ألم يقرر عمر مكرم ومن معه عزل حاكم وتولية آخر.. وقد كان ، بغض النظر عن الظروف في الحالتين، إذا كان المصريون في الشارع وصلوا إلى درجة من العجز جعلت بعضهم ينتحر فقرا وبعضهم يموت جوعا وبعضهم ينزوي كمدا وبعضهم يرتعب ذعرا من قمع البوليس الشرس، فإن الأمل الوحيد هو تكوين جبهة وطنية(تعزل ولا تناشد)، وربما حينها ينتبه الشعب المنهك، ويلتف حول تلك الجبهة ويمدها بقوة تدفعها نحو التمهيد لتغيير حقيقي، وليس تغيير الترقيع الذي اعتاد الرئيس المصري أن يضحك به على ذقون المصريين. تكاد تنتهي إذن الساعات الأخيرة– قضاء وقدرا- في عمر عهد ظالم سبب لمصر الإفلاس داخليا وخارجيا، فلماذا نترك لشبحه ترتيب الأمر المصري، مثقفونا ومفكرونا الكبار.. أين أنتم.. إنها الربع ساعة الأخيرة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على