الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعذبون جغرافياً

فاضل فضة

2004 / 6 / 19
الادب والفن


تنحسر الشمس ونورها، وتغلق النوافذ على القلب الممتليء حيوية، وعلى العقل المتموّج في المحيط، وتتضاءل الحياة في فضاء روحي بلا حدود في أفق الأرض والكون والمدى.
وأنا الإنسان ولدت للمطلق، بولادة متحررة، يريدون أن اختصر الفضاء وذاتي قصورا قسريا، أن أمارس الغريزة البدائية بعيدا عن التسامي ورقي التفاعل والعطاء الذي كان ثقافتي عبر آلاف السنين.
عبدت النار في ظلام التاريخ، فخدمتني لاحقا.
رمّزت الحجر، فحررته وصقلته فصار بيتا وأرصفة وتحفا للنظر.
بحثت عن اللامحدود فكان إلها أكبر من النظر ومن شعور القلب والأمل.
حاصرته بالحب، فرفضوا، أعادوني واعادوه إلى كهوف الظلام والقهر والتعذيب.
أنا الإنسان، رافض للسلاسل، متمرد على ذاتي، خارج من قلاع الحمقى والدوائر والمساحات والتأطير.
مطلق في تاريخي البشري والكوني، هارب من الضياع، باحث عن الإنسان أينما ولد وأينما كان.
العقل وطني والحرية قوميتي والمساواة والعدالة دستوري.
هجرت أرض الولادة بحثا عن أرض المساحات وعن وجود مسالم، عن قيم أوسع من أفق الغروب، عن الإنسان الذي لم يولد بعد.
ولدت لأكشف الحجب عن كل نظر، ولدت للمشاركة والإبداع. وظيفتي ان احرك الركود والبؤر المزمنة مرضا وإرهاقا.
أنا الإنسان، ابن التكوين الأول وأبن أقدم الحضارات المغتصبة حاضرا.
ابن شعلة النور التي حجبت، وحرية التسامح والقبول بالأخر التى منعت، أنا أبن للعدل والإنسانية.
كنت أول شمعة أضاءت الطريق للبشرية، فأصروا على اطفاء نور الحياة في قلبي، واصروا على سجن الحيوية في عقلي، وخدّروا بالفتات إنسانيتي.
أصبحت ابنا لغابة أمازونية لا تعرف إلا البقاء الركيك، ونسيت الرحمة، نسيت الشعور، وهجرت العالم.
اخترعت التراجع بشعار التقدم، وأنجبت ديكتاتورية الإنسان التي لم تبارح شواطئي منذ عصور الموت والتخدير.
اخترعت حكاما لا يعرفون الجفاف، وأنظمة تقهر الولادة.
قتلت ذاتي، دفنتها في قبور الجهل والتطرف الأسود إلى أبد لا يعرف نهاية.
أصبحت فصيلة لا معنى لها إلاّ في خرافات الحاضر، وصرت البقية في هموم ثقيلة همّها التدمير والقتل واستهلاك الحياة.
تحوّلت إلى بؤس في كيان بيولوجي لا يعرف للسعادة والعيش الآمن أي معنى.
حاصرني القلق في يومي وفي ليلي بدون عواصف. تعلمت الحذر من صورتي بدون أشباح. عدت إلى بدائيتي وأنانيتي، إلى حسد بدون سبب وحقد بدون جذور.
تعلمت منهجية الارتجال وطبقتها أجيالا. أصبحت هلاما وكلاما، خامدا بلا وجود، نائم الزمن الأسود، أنظر بحسرة إلى تقدم الآخرين وحضاراتهم الناصعة إبداعا، متقوقعا على ذاتي من ظلم قبيلتي وعشيرتي وعصابات الموت.
أصبحت ورقة خريفية، إنسانا منهكا تتلاعب به الرياح الملوّثة لإفنائه.
أنا الغض المجروح من حقيقة الألم ولا يعرف أين الدواء.
أنا مريض التاريخ المزمن في مدينة القهر التي لا تعرف التعب. اقتلعت من أرضي ومن تاريخي. حوكمت بدون جريمة، وسجنت بدون قانون، وما زلت هاربا في مكاني وزماني، أبحث عن جغرافيا جديدة، ومناخ أصفى.
حكايتي عجيبة وقصتي غريبة. حكاية الوطن المغتصب من حكايا التاريخ وحضاراته المتعاقبة.
وجودي اسمه النسيان. لم يكتب في وطني الأصلي ولن يكتب أبدا. منبوذ منه ومما تبقى. غريب عن ذاتي مع أنني الأصل بالولادة. مبعد من كل المعادلات والمساومات والماضي والحاضر والمستقبل، مع أنني الضمير والشاهد الأول والأخير على جغرافيا الإنسان وخرائط الأرض التي تنهب وما زالت، كل يوم وكل ساعة..
أنا ابن الكون المعذّب المتجذّر بدون وثيقة.
أنا الإنسان الذي غادر عمره وسجنه وحصاره بحثا عن مطلق الآتي في إنسانية أسمى، في جغرافية أكبر، وحدود لا تعرف التمييز والقهر والظلم والأحكام الجائرة.
أنا ابن الإله الأكبر الذي يرفض أن يحاصره الإنسان بأي اسم أو قانون أو شريعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كندة علوش ملهاش في الأكشن وبتمنتج معايا أفلامى .. عمرو يوسف


.. كيف برأ الباحث إسلام بحيري فراس السواح و يوسف زيدان من التط




.. -للحديث عن الغناء الكلاسيكي-.. صباح العربية يلتقي بالفنان ال


.. الفنان السعودي مشعل تمر يوصف شعوره في أسبوع الأزياء بباريس




.. الفنان السعودي مشعل تمر يتحدث عن حصوله على مليار مشاهدة على