الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاسدون الكبار

سعدون محسن ضمد

2009 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


من نقطة صغيرة في التاريخ انطلقت مسيرة بناء الحضارة البشرية.. في يوم ما استطاعت نخبة من البشر أن تضع أساس تشكيل أولى التجمعات عندما وضعت بنود أول قانون. وتجاوزت عند ذاك عقدة التعارض بين حاجة الفرد للحرية التامة وبين حاجته للانضمام إلى جماعة تؤويه، فالفرد دائماً بين خيارين، بين أن يهرب بحريته بعيداً عن قوانين الجماعة وقيودها، وبين أن يفرط ببعض هذه الحرية مقابل عطف الجماعة ورعايتها.
النخبة التي اكتشفت أولى القوانين استطاعت أن تعلم الإنسان معنى أن يعقد اتفاقا ويحترم هذا الاتفاق وعلمته أيضاً بأن لا يحترم مصالحه وحقوقه فقط، بل ومصالح وحقوق الآخرين. منذ تلك النقطة التاريخية وهذه النخبة معنية بتطوير ثقافة احترام القانون. وكلما وجدت أن القانون عرضة للترهل سارعت لمعالجته، وبجهودها ظهرت مؤسسة السلطة، التي هي مؤسسة ضامنة لتطبيق القانون، وبجهودها أيضاً تبلور دور مؤسسات التنشئة، كالعائلة أو المدرسة، فهذه المؤسسات تركز الكثير من جهدها لبث ثقافة احترام القوانين، وبجهودها أيضاً ظهر الدين، فهو الآخر، في بعد من أبعاده، مؤسسة داعمة للقانون، وما الشرائع إلا قوانين مرفوعة لدرجة التقديس التي هي درجة الغرض منها منح القانون صفة روحية تحصنه من تمرد أفراد الجماعة. والمهم في الموضوع أن كل الفعاليات المتعلقة بالقانون سواء على صعيد تشريعه أو تجديده وحمايته من الترهل، هي فعاليات قامت بها النخب المثقفة على طول خط التاريخ، لأن هذه النخب تمثل خط الدفاع الأخير ضد الانهيار القيمي، هي الساتر الأخير الذي يحتمي به القانون في حربه المستمرة ضد الفوضى.
اليوم يمر المجتمع العراقي بانعطافة حضارية تاريخية مهمة، وقد وصلت هذه الانعطافة لعقدة أخلاقية قانونية حرجة جداً، فمن الواضح أن اغلب مؤسسات المجتمع تعاني من الفساد، ولو اقتصر الفساد على المؤسسات السياسية والدوائر التنفيذية لهان الأمر، لكن مع الفحص الدقيق نجد بأنه شمل حتى المؤسسات المسؤولة عن مكافحة الفساد، أي تلك التي تدار من قبل نخب يفترض بها أن تكون مثقفة وعلى مستوى عال من النزاهة واحترام القانون وهي حالة تنذر باليأس.
مفوضية النزاهة، مفوضية الانتخابات، هيئة الإعلام والاتصالات ومكاتب المفتشين العامين في الوزارات.. الخ. كل هذه المؤسسات أصبحت في دائرة الاتهام مع انها تدار من قبل شخصيات قضائية وإعلامية وثقافية يفترض بأنها تمثل لب الثقافة العراقية وسدها المنيع أمام فيضان الفساد الذي بات يهدد بإغراق كل مساحة القيم في مجتمعنا.
عندما تكتفي المؤسسات المعنية بملاحقة الفاسدين ببعض الإجراءات الشكلية، في محاولة للتغطية المكشوفة على جرائم الفساد الكبرى، وعندما تدعم المؤسسات المعنية بحرية الإعلام وحق الوصول إلى المعلومة الجهد الاستبدادي لدى السلطة التنفيذية وتسعى معها لتكميم الأفواه، وعندما تشارك بعض الجهات المسؤولة عن ملاحقة الجرائم الارهابية والجنائية ببعض هذه الجرائم فهذا يعني أن آخر دفاعات المجتمع ضد الفساد والانهيار التام قد سقطت، وهو ما يعني بأن الفيضان بات وشيكاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نخبة فاسدة
ساطع راجي ( 2009 / 12 / 21 - 12:02 )
يبدو إن النخبة في العراق هي أشد الحلقات الاجتماعية فسادا بل وهي في مستوياتها الاعلامية والادارية تحديدا مروج وداعم ومدافع عن المفسدين من الساسة، هناك حديث يومي عن الكفاءات وحقوقها المغبونة لكن احدا لم يتحدث عن دور هذه الكفاءات في عمليات الفساد والتخريب على مدار عمر الدولة العراقية ، لدينا قيادات جامعية فاسدة واطباء مرتشون وفاسدون وقساة وادباء يبيعون مواقفهم لكل عابر وصحفيون يحتفون يوميا بكل أفاق ومخرب وكل ذلك مقابل سقط المتاع وفتات المائدة، وصدق القول القديم -إنما القوم بسراتهم-


2 - ساطع راجي
سعدون محسن ضمد ( 2009 / 12 / 22 - 09:13 )
عزيزي لقد اوجزت في تعليقك ما لم استطع ان اوجزه في مقالتي، فشكرا لك وتقبل خالص تحياتي.

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين في البحر الأحمر والمحيط الهن


.. لجنة مكافحة الإرهاب الروسية: انتهاء العملية التي شنت في جمهو




.. مشاهد توثق تبادل إطلاق النار بين الشرطة الروسية ومسلحين بكني


.. مراسل الجزيرة: طائرات الاحتلال تحلق على مسافة قريبة من سواحل




.. الحكومة اللبنانية تنظم جولة لوسائل الإعلام في مطار بيروت