الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء الذوات وأبناء المحرومين

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أحد التباينات الرئيسية بين المجتمعات الحديثة والمجتمعات التقليدية هي في نظرتها إلى الإنسان ، تنظر الاولى إلى الإنسان من خلال الإمكانات التي يمتلكها ، بينما تنظر الثانية إليه من خلال إنتماءه القبلي أو العائلي .

في المجتمعات التقليدية إبن الملك ملك ، وإبن التاجر تاجر ، وإبن شيخ الدين شيخ ، ويقدم المجتمع للإبن أو الحفيد ذات الولاء الذي يقدمه لأبيه بإعتباره الحبل الواصل به ، أو كونه الوارث لأموال أو علم أو جاه أجداده . بينما لا تعتني المجتمعات الحديثة كثيرا بهذه الروابط وترى أنها لا تمثل ميزة يجب الالتفات لها أو التوقف عندها ، فلا معنى أن يتم إحترام شخص ما لأن أبوه عالم دين أو دنيا ، أو أن تثنى الوسادة لآخر لكون والده أحد أثرياء أو وجهاء البلد .



في المجتمعات التقليدية يكفي أن يكون الإنسان من نسل إحدى القبائل أو العوائل الثرية ليتمكن من تبوء أعلى المناصب في الدولة ، أو للحصول على حصانة رسمية ، أو الفوز بفرص إستثمارية كبرى وتسهيلات من الدولة ، بينما تستبعد الدول الحديثة مثل هذا الأمر تماما ، فالفرص متوفرة للجميع دون تمييز أو إستثناء ، والكفاءة العلمية والقدرة الذاتية هي الأصل في تقديم شخص على آخر ، ولا أثر لإنتماء الشخص القبلي أو العائلي في الأمر .



في المجتمعات التقليدية يتم سؤال الشخص مباشرة أو ضمنا عن مدى قوة ونفوذ أسرته السياسي أو الإجتماعي ، وحسب النتيجة يتم التقرير في إمكانية قبوله في منصب قيادي أو إستثناءه ، أو كونه يستحق المساعدة أم لا ، أو كونه يخضع للشروط العامة أم لا ، بينما ترفض المجتمعات الحديثة مثل هذه الكشوف الشخصية وتعتمد في القرار على الهوية التي صنعها الإنسان لنفسه .



تتعمق هذه النظرة القاصرة للإنسان في المجتمعات التقليدية لتركن إلى أسس أخرى كثيرة يفترض أن لا يكون لها أثر من بعيد أو قريب في النظره إليه ، مثل المعتقد والإنتماء المذهبي وما أشبه ، بينما تتلاشى هذه الأسس في المجتمعات الحديثة لتحل محلها أسس الإنتاج والكفاءة والفاعلية ، ولذلك يتغير السؤال بين المجتمعات فبينما نسأل عن الشخص : من أي قبيلة هو ؟ وإلى أي عائلة ينتمي ؟ وإلى أي مذهب ينتسب ؟ تتسائل المجتمعات الحديثة عن الشخص : ما هي كفاءته ؟ ما هي قدراته ؟ ما هو إنتاجه ؟ كم عدد مؤلفاته ؟ وما مدى قوة أفكاره ؟؟؟



يتم الخلط بصورة دائمة بين الفكرة والشخص أو العمل في المجتمعات التقليدية ، بحيث يصعب النظر إلى فكرة دون النظر إلى قائلها ، نحن نتسائل من قال ؟ قبل أن نسأل ماذا قال ؟ ونحدد موقفنا من الفكرة بحسب إنتماء قائلها . فقد تكون فكرة جميلة نرفضها لأن قائلها ينتمي إلى مذهب مغاير . بينما تتعامل المجتمعات الحديثة مع أي فكرة أو عمل ضمن أسس موضوعية ، تقبل الفكرة أو تنقدها لذاتها وبغض النظر عن قائلها .



وتتمدد هذه النظرة إلى كافة أفرع المجتمع التقليدي ، فالمجتمع الديني كحالة أخلاقية نموذجية يكتنفها الكثير من أوجه الخلل في هذا المضمار ، فرأي الفرد أيا كان مستوى ثقافته لا يقارن برأي إبن شيخ أو ابن مرجع ديني ، ونصيحة يقدمها عالم متخصص في أحد الحقول العلمية لا تحظى بذات الإهتمام الذي تلقاه فكرة عابرة يقدمها إبن خطيب المنبر ، ورأي يدلي به حفيد إمام مسجد يضاهي أرقى الآراء التي يقدمها مفكر مرموق .



خلاصة المقال : في المجتمعات الحديثة لا فرق بين ابن السيد الرئيس وإبن ساعي البريد ، ولا بين إبن مرجع الدين وابن حمَّال الخُضار ، و لا فرق بين ابناء الذوات وأبناء المحرومين إلا بمقدار ما يكسبه كل واحد منهم من علم أو مال أو بما يقدمه من إنجاز إجتماعي وثقافي ، وأعتقد أن هذا ينسجم تماما مع الطرح القرآني " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " .



إن طروء تغيير في نظرتنا للآخرين يساهم في خلق مجتمع جديد يكافح كل فرد فيه من أجل الحصول على موقعه الإجتماعي بقدراته وملكاته الفكرية والعلمية والسياسية ، وهذا يعني فتح الأبواب المغلقة وإنطلاق العقول المفكرة في كل إتجاه لإثبات ذاتها ، وهي تعلم أن الأبواب لن تكون مغلقة امام طموحاتها لكونها سليلة عائلة محرومة أو من قبيلة ليست ذات شأن إجتماعي نافذ .



إن كثيرا من هذا الهم موكول إلى المجتمع ، فهو القادر على تغيير منظومة العلاقات من خلال تقديره لأهل العلم ، ودعمه لأصحاب المواهب والمشاريع الحقيقة ليحققوا ذواتهم . قوى المجتمع المدني هي وحدها القادرة على نطق كلمة ( لا ) أمام إجترار الأخطاء من قبل السلطة ، والوقوف امام إصرارها على إستخدام ( المعادلة القبلية ) أو ( العائلية ) أو ( الطائفية ) للتعيين في الناصب الوزارية والقيادية .



مشكلة العالم العربي تكمن في تردده من تطبيق ( العدالة الوطنية ) بين الفئات المختلفة في المجتمع ، رغم أن هذه العدالة هي أساس فكرة الحقوق والواجبات في المجتمع الحديث ، ولا يمكن لمجتمع أن ينهض من كبوته إذا شعر أكثر أفراده بأنهم مشاركون وطنيا في الخسارة ، وخارج مساحة الوطنية في الأرباح وتقسيم المغانم .





تعليق : تسائل القارئ العزيز جابر عن خلفية المبالغة التي تضمنها المقال السابق– السيد الرئيس – من عدم وجود شعب يستوعب مظاهر الدولة في العالك العربي ؟ والإجابة تتضح من خلال تحديد مقدار إستفادتنا من الشعارات والعناوين التي نرفعها يوميا في الوطن العربي ؟؟ وأدعي – أنا – أنها إستفادة ضئيلة جدا ، بالحجم الذي يسمح لنا بالحديث عن غياب خبرة الحرية ، لعدم إستقرارها أصلا في الحياة العربية ، إن حظنا - يا أخي العزيز – من شعارات الحرية والحقوق والعدالة في العالمين الإسلامي والعربي هو حظ الأيتام في مائدة اللئام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو