الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الانتخابات وموضة دولة القانون

حسقيل قوجمان

2009 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش العراق اليوم معركة قانون الانتخابات او ازمة قانون الانتخابات التي ما زالت قائمة عدة اشهر. وحتى بعد الاتفاق عليه رفضه نائب رئيس الجمهورية واعاده الى مجلس النواب لاعادة صياغته وفقا لما يريده هو والجدال يدور الان في التساؤل ما الذي سيكون موقف نائب رئيس الجمهورية بعد ان اعاد مجلس النواب صياغة القانون ووافق عليه رئيس الجمهورية ونائبه الاخر وتدخل السفير الاميركي في الموضوع لكي يكون قانون الانتخابات متفقا مع ما تريده الولايات المتحدة ومع اهدافها. ملاحظة:(كتب هذا الموضوع قبل الاتفاق النهائي التوافقي على القانون)
لوحظ ان مجلس النواب العراقي لم يجد صعوبة في الاتفاق على الرواتب الخيالية للنواب والوزراء ولم يجد صعوبة في الاتفاق على منح حتى الطفل الرضيع من عوائل النواب جوازات سفر دبلوماسية ولم يجد صعوبة في منح النواب حق الحج على حساب الدولة لان حج النائب خدمة جليلة للشعب الذي انتخبه ولم يجد صعوبة في تحديد عدد افراد حماية النائب من الشعب الذي انتخبه الخ الخ... ولكن المجلس وجد صعوبة في صياغة قانون الانتخابات دامت طويلا وما زالت قائمة الى درجة احتمال تاجيل الانتخابات.
ما سبب هذا التناقض في الحالتين؟ ان مجلس النواب لم يجابه صعوبة في الاتفاق على سن القوانين السابقة في مصلحة النواب لان هذه المصلحة تشمل جميع النواب وليس هناك فرق في التمتع بها بين نائب واخر. ولكن قانون الانتخابات يحرم فئة من النواب ويخدم فئة اخرى. فكل فئة في مجلس النواب تريد ان يكون القانون وسيلة لزيادة وضمان عدد نوابها وفقا لقانون الانتخاب وكل فئة في المجلس تعارض اية مادة تصبح وسيلة لزيادة عدد نواب الفئات الاخرى عدا فئتها. اذ ان عدد النواب في المجلس محدود بموجب القانون ورغم زيادة عدد نوابه الى ٣٢٥ فان زيادة عدد نواب فئة يؤدي حتما الى نقصان عدد نواب فئات اخرى.
نرى من كلا الحالتين ان القانون ليس سوى تشريع تسنه فئة حاكمة يمثل مصالحها في لحظة معينة وتلغيه او تخرقه في حالة الاضرار بمصالحها متى ما تشاء. وكانت هذه القاعدة دائما وفي كل مراحل الحكم في النظم السياسية والاجتماعية السابقة وما زالت القاعدة في النظم السياسية والاجتماعية القائمة. كان هذا الوضع صحيحا منذ اول قانون مكتوب في تاريخ البشرية، قانون حمورابي، وكل قانون شرعته الطبقات الحاكمة في تاريخ المجتمع البشري. ولا يعني هذا ان جميع القوانين التي تسنها الطبقات الحاكمة هي قوانين جائرة او ظالمة اذ كثيرا ما تكون القوانين مفيدة للمجتمع لانها تمثل ظاهرة تشترك فيها مصلحة الطبقة الحاكمة مع مصالح الجماهير ولو مؤقتا.
وعلى اية حال فان القوانين الاجتماعية كلها على الاطلاق قوانين موضوعة يشرعها الانسان وتقررها مصالح الفئة التي تشرعها. وهذا ما يتفق مع القوانين التي شرعها مجلس النواب الحالي في العراق. وهذا يعني ايضا ان جميع انواع الدول والحكومات التي نشأت في تاريخ المجتمع الانساني كانت حكومات او دول قانون. فدولة حمورابي كانت دولة قانون. وقد سمعت من احدى القنوات الفضائية العربية قبل ايام ان قانون حمورابي تضمن مادة تجيز للعبد ان يتزوج من حرة ولم يقل لنا المحاضر ماذا كان مصير هذه العائلة العبدحرة الذي لابد ان يكون مبحوثا ومقررا في هذا القانون. هل تبقى امرأة العبد حرة؟ هل يصبح زوج الحرة حرا ام يبقى عبدا؟ ما هو مصير ابناء وبنات هذه العائلة؟ هل هم احرار ام عبيد؟ كل هذه الحالات لا يمكن للقانون ان يتحاشى ذكرها وهي التي تقرر طبيعة هذا القانون في هذا المجال. والدول الاسلامية كلها كانت دول قانون والدول الاوروبية اثناء الحروب الصليبية كانت دول قانون ولا يمكن ان نجد دولة واحدة في تاريخ البشرية لم تكن دولة قانون.
كل القوانين التي عرفها الانسان تنص على ان الجميع متساوون امام القانون. فكما قيل ان برنارد شو قال ان جميع البريطانيين متساوون في حق النوم تحت الجسر. ولا اريد العودة الى ان قانون مكافحة الشيوعية في العراق الملكي كان قانونا يسري على كل عراقي والكل متساوون امام قانون مكافحة الشيوعية. ولكن ليس كل الشعب العراقي شيوعيا ولذلك يسري القانون على الاقلية الشيوعية في البلد وقد قتل فهد بموجب القانون. والبشرية كلها تخضع اليوم الى قانون مكافحة الارهاب. فالولايات المتحدة وبريطانيا والناتو والاتحاد الاوروبي وجميع الدول الخاضعة لسلطة الولايات المتحدة وحتى بعض الدول المعارضة لها ترفع شعار مكافحة الارهاب بدون ان تقوم اي من هذه الدول بتعريف الارهاب. والولايات المتحدة تكافح اليوم ضد الارهاب بقنابلها وطائراتها ودباباتها واسلحتها المبيدة للبشرية مما ادى ويؤدي الى هلاك الملايين من المدنيين في ايامنا والملايين من المدنيين من الاجيال القادمة الذين لم يسمعوا بكلمة الارهاب في حياتهم. اريد في هذا المقال ان اناقش قانونا من اهم القوانين الراسمالية هو قانون صيانة الملكية الخاصة كنموذج.
قانون صيانة الملكية الخاصة قانون اساسي في النظام الراسمالي والكل متساوون امام هذا القانون. فالراسمالي الذي يمتلك المليارات يتمتع بهذا القانون والعامل الذي لا يملك غير قوة عمله ايضا يتمتع بهذا القانون. وبموجب هذا القانون شاهدنا ظاهرة في الولايات المتحدة كانت من اهم ظواهر الانهيار المالي والازمة الاقتصادية العالمية الحالية. حين يريد العامل او الموظف او المدرس او اي انسان من المراتب المتوسطة شراء بيت لسكنى عائلته ولا يستطيع ان يدفع ثمن البيت نقدا لعدم وجود مثل هذا المبلغ عنده يقترض من احد البنوك او احدى المؤسسات المالية مبلغا يساعده على شراء البيت ويقوم بتسديد هذا المبلغ مع الفوائد المترتبة عليه خلال السنوات المتفق عليها. ولكن القانون ينص على ان مثل هذا البيت لا يصبح ملكا لمشتريه طالما لم يسدد كامل القرض الذي اقترضه من البنك وانما يبقى البيت ملكا للبنك حتى يستطيع المشتري ان يسدد القرض الممنوح له. وقد شاهد العالم كله مساواة الكل امام القانون في الولايات المتحدة في السنتين المنصرمتين. فقد عجز الملايين من مشتري البيوت عن تسديد الاقساط المفروضة عليهم بسبب ازمتهم المالية فكانت النتيجة ان احتفظت البنوك بهذه البيوت وفقا لقانون صيانة الملكية وطرد الملايين من المواطنين الاميركيين من دورهم لانها ملكية البنك الذي منحهم القرض والقي هؤلاء الملايين في الشوارع. هذا تطبيق شاهده العالم كله للمساواة امام قانون صيانة الملكية. ويمكن مناقشة العديد من القوانين ومناقشة مساواة الكل امامها وكيف تؤدي عند تطبيقها الى صيانة مصالح الطبقات الحاكمة ضد مصالح الطبقات المحكومة.
وقد لوحظ في الاونة الاخيرة قبل الانتخابات المزمع اجراؤها في كانون الثاني القادم واجل الى اذار بسبب تعذر الوصول الى قانون انتخابات في الوقت المناسب ان شعار دولة القانون اصبح الموضة. فكتلة رئيس الوزراء الانتخابية هي رسميا كتلة دولة القانون وكتلة اتحاد الشعب الانتخابية ترفع شعار دولة القانون وجريدة اليسار العراقي الالكترونية ترفع شعار دولة القانون شعارا رئيسيا يتصدر الجريدة. ولا ادري كم مجموعة انتخابية او غير انتخابية اخرى ترفع شعار دولة القانون. ونعرف ان الكتلتين الانتخابيتين، كتلة رئيس الوزراء وكتلة اتحاد الشعب هما كتلتان مختلفتان في اهدافهما وفي المصالح التي يمثلانها وان جريدة اليسار العراقي هي جريدة معارضة للانتخابات وللعملية السياسية كلها التي تجري تحت نير الاحتلال الاميركي. فكيف حصل ان جميع هذه الفئات المختلفة موحدة الشعار، شعار دولة القانون؟ لو كان شعار دولة القانون شعارا حقيقيا لما امكن ان يكون لكل هذه الفئات شعار واحد او لكان من الضروري ان تتقارب هذه الفئات او تتحد لانها كلها تهدف الى تحقيق شعار واحد، شعار دولة القانون. ولكننا نعلم ان تقارب او اتحاد هذه الفئات غير ممكن وان كل فئة تفهم دولة القانون بصورة تختلف عن الفئة الاخرى.
فالمالكي الذي قاد ويقود الان دولة القانون في العراق يريد دولة قانون تتيح له اعتقال عشرات الالوف من المواطنين العراقيين سنوات عديدة بدون تهمة وبدون تحقيق وبدون محاكمة وتنفيذ اشرس وافظع انواع التعذيب عليهم وتحويل السجون النسائية الى مبغى مجانيا لافراد الجيوش المتعددة الجنسيات التي تحتل العراق واصدار احكام الاعدام بالمئات ومنها حكم الاعدام الصادر في حق اكثر من مائة امرأة. يريد دولة قانون يعتبر كل من يطالب بالغاء احكام الاعدام على النساء فيها ارهابيا تجب معاقبته بموجب قانون مكافحة الارهاب. فقد سمعت في احدى الفضائيات العراقية قبل ايام احد المسؤولين في دولة القانون الحالية ان القانون يجب ان يقاضي كل انسان يدعو ويحرض المواطنين العراقيين الى مقاطعة الانتخابات. ولا اعتقد ان ايا من الفئتين الاخريين يرضيان بدولة قانون من هذا الطراز. فكيف حصل اذن ان يكون شعار كل هذه الكتل الثلاث شعارا واحدا هو شعار دولة القانون؟
هذا ممكن فقط لان كلمة قانون المجردة لا معنى لها اطلاقا. ولذلك فان دولة القانون ايضا لا معنى لها اطلاقا. فلكي تكون لكلمة قانون اية معنى ينبغي تعريف القانون. يجب تحديد الفئة التي تشرع القانون ولمصلحة اية فئة اجتماعية تشرعها. ولهذا لا يعني شعار النضال في سبيل تحقيق دولة القانون ولا يمكن ان يعني نفس المعنى لدى الفئات التي ترفع هذا الشعار. وعلى هذا الاساس فان طبيعة دولة القانون التي تنشؤها فئة معينة لا يمكن ان تكون نفس دولة القانون التي تنشؤها فئة اخرى. وبما ان عراق اليوم هو عراق يرزح تحت نير الاحتلال الاميركي البريطاني فان دولة القانون التي ستنشأ بعد الانتخابات القادمة ستكون حتما دولة قانون يخدم مصالح الاحتلال وينفذ هذه المصالح.
فما نوع دولة القانون التي تنشأ في حالة التحرر من الاحتلال؟ ان التحرر من الاحتلال لن يتحقق عن طريق مفاوضات الحكومات التي يشكلها الاحتلال مع دول الاحتلال. فالعين لا تعلو على الحاجب. والحاكم لا يستطيع ان يجبر او يتمرد على من انعم عليه بمنصبه. ان العراق يتحرر عندما تقوم فئة من الشعب العراقي بتحريره من الاحتلال. ودولة القانون التي تنشأ بعد التحرر تكون دولة القانون التي تنشؤها هذه الفئة من المجتمع العراقي. ان من يريد ان يحقق دولة قانون تمثل اهداف الفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها عليه ان يكون الفئة الفاعلة التي تحقق التحرر من الاحتلال. ومهما كانت طموحات الفئات الاخرى حقيقية وناجمة عن نوايا صادقة لن تحقق دولة قانون تمثل مصالحها ما لم تكن هي الفئة التي بنضالها تحقق التحرر من الاحتلال الاميركي وتكوين دولة القانون التي تصبو اليها.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكل متشابهون عند الكاتب
ابراهيم المشهداني ( 2009 / 12 / 21 - 19:13 )
تحدث الكاتب عن قانون الانتخابات العراقي وركز بشكل خاص على شعار دولة القانون وهو الاسم الذي اطلقه رئيس الوزراء العراقي على كتلته ولكن لم يتوقف عند هذه الكتلة بل قام بخلط الاوراق فسمى قائمى اتحاد الشعب بدولة القانو ن ووضعهما في كفتين متساوتين واستطرد في حديثه مشككا بقائمة اتحاد الشعب وهي التي تجمع الحزب الشيوعي العراقي والقوى والعناصر الديمقراطية وربما اراد القول ان اتحاد الشعب تشبه كتلة المالكي وهويعرف جيدا الفروقات الفكرية والطبقية والبرامجية بينهما بل ربما اراد من طرف خفي ان ينتقد الحزب الشيوعي لمشاركته في الانتخابات واذا القصد هكذا فقد خرج وهو الماركسي اللينيني عن المبدا اللينيني الذ اكد على الاشتراك في البرلمانات الرجعية والنقابات الرجعية لان لينين حارب المواقف الانعزالية واوضح قيمة المشاركة في هذه المؤسسات لايصال صوت الطبقات المسحوقة التي يعبر الحزب الشيوعي عن مصالحها الى مختلف الميادين فضلا عما لحركته للاتصال بالجماهير والتبشر ببرنامجه من مهمات الاحزاب الماركسية اليس كذلك ياستاذقوجمان؟


2 - عتب محب لاستاذ اتابع كتاباته
صادق محمد عبد الكريم ( 2009 / 12 / 22 - 13:17 )
الاحتلال اصبح واقع ولا يجوز القفز عليه او تخطيه وهناك نظام جديد قام بعد احتلال العراق في 2003
احتلال العراق ما كان برغبة اومشاركة او موافقة او حتى استشارة اي من قوى المعارضة ابدا كان قرار امريكي بامتياز ومن يدعي غير ذلك فانه يجافي الحقيقة
ان محاولات التلميح الغير معلن من قبل الاستاذ الفاضل كاتب المقال للحزب الشوعي العراقي وانتقاد سياساته بسب دخوله العملية السياسية وخوض الانتخابات القادمة في السابع من مارس القادم اعتقد لم يكن موفقا بل كان عليه ان يدعم توجه الحزب والقوى الديمقراطية المتحالفة معه لارساء دعائم دولة القانون والمؤسسات ولجم القوى الراديكالية وقوى التخلف والظلام


3 - شريعة حمورابي ليست أول الشرائع
د. حسين علوان حسين ( 2010 / 12 / 25 - 17:15 )
تحياتي إلى الرفيق الكبيرحسقيل قوجمان مع تمنياتي له بالصحة
عزيزي ، بالنسبة لوقائع التاريخ القديم لوادي الرافدين فقد وجدت على الأقل شريعتان تسبقان شريعة حمورابي إحاهما (و هي الأقدم) هي شريعة بلالاما في أشنونا و الثانية هي شريعة أور نمو في أكد. و بالمناسبة فإن الشريعتين الأقدمين كانتا أكثر -تقدمية- من شريعة حمورابي لأنهما أخذتا بمبدأ التعويض بالمثل و ليس العقاب بالمثل (العين بالعين و السن بالسن)
تحياتي مع فائق الود و التقدير .

اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب